تصويت

ما تقييمك للموقع ؟
 

المتواجدون الآن

يوجد حاليا 103 زوار 
العيد الأكبر بقلم حسن البنا

العدد : 816                              5 شوال 1435 ه الموافق 1 أغسطس 2014 م

*****************

العيد الأكبر

بقلم الإمام الشهيد حسن البنا

في 29 رمضان 1367هـ الموافق 5 آب / أغسطس 1948م، كتب الإمام الشهيد يخاطب الشباب موجهاً ومرشداً، وطالما أطال الوقوف بين يدي الشباب، الذين أولاهم عنايته واهتمامه، لإيمانه بأهميتهم ومكانتهم، مبيناً لهم رؤيته لمفهوم العيد، وهم مقبلون على العيد في ظرف حرج، تمر به أمتهم، بقوله:

"يا شباب: إن عيدكم الأكبر يوم تتحرر أوطانُكم، ويَحكمُ قرآنُكم.. فاذكروا في العيد ماضيَكم المجيد؛ لتتذكروا تبعاتكم، وأملكم لحاضركم، ورسالتكم لمستقبلكم، وجدِّدوا الآمال، وآمنوا، وتآخَوا، واعملوا، وترقَّبوا بعد ذلك النصرَ المبين.. ولا تنسَوا أن ثمنَ النصر تضحيةٌ وفداءٌ؛ فاحرِصوا على تقديم هذا الثمن، ولا تهِنوا بعد ذلك ولا تحزنوا؛ فأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم، وما كان الله ليضيعَ إيمانكم".

فلسطين الباسلة المجاهدة .. تدعوكم!!

في شهر رجب 1358هـ الموافق آب/ أغسطس 1939م كان الإخوان المسلمون على أهبَّة الاستعداد لنصرة فلسطين المجاهدة، وجعلوا من يوم 27 رجب يوم فلسطين ومن ذكرى الإسراء والمعراج منطلقًا لبدء حملة كبيرة من الحركة والجهاد لنصرة فلسطين.

وفي هذه الأثناء كان الإمام الشهيد حسن البنا يقوم بجولته ورحلته الصيفية الطويلة والمعتادة في مدن وقرى الصعيد، ومن هناك بعث إلى الإخوان يُذكِّرهم بهذه القضية الخطيرة، ويحملهم التبعة والمسؤولية، ويحفِّزهم للحركة والجهاد والتضحية، وكان الإخوان كعهدهم دائمًا عند حسن الظن بهم.

وهذا نص كلمته التي كتبها تحت عنوان (في 27 رجب .. إلى الإخوان المسلمين):

(أيها الإخوان..

بين هذه التنقلات الدائمة في مدن الصعيد المبارك وقراه أذكِّركم من كل قلبي بيوم فلسطين يوم 27 رجب، فلسطين الباسلة المجاهدة الشهيدة، تدعوكم بلسان المسجد الأقصى المبارك، وبلسان الشهداء من أبنائها المجاهدين، وبلسان أراملها الطاهرات وأطفالها الأبرياء، الذين جنت عليهم القوة الغاشمة والجبروت الظالم فأصبحوا ولا عائلَ لهم ولا سند، وبلسان هذا العدوان الصارخ من الصهيونيِّين شذَّاذ الآفاق وحثالة الشعوب، وبلسان الأخوَّة الإسلامية التي تجعل من المسلمين جسمًا واحدًا، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.

فلسطين الباسلة المجاهدة الشهيدة تدعوكم لتُثبتوا وجودكم، ولتُظهروا غضبكم، ولتقدموا مساعداتكم حتى يعلم الغاصبون الطامعون أنَّ المسلم لن ينسى أخاه، ولن يقصر في واجبه.

ابعثوا بالاحتجاجات الكتابية، وألِّفوا اللجان، اجمعوا الإعانات، تنازلوا عن النعيم والترف يومًا واحدًا في سبيل فلسطين، وابعثوا بما تقتصدونه وتجمعونه من الأهالي إلى اللجنة المركزية لمساعدة فلسطين بدار الإخوان المسلمين؛ لتبعث بالأموال المجموعة إلى الأرامل والأيتام من أبناء المجاهدين.

وإن اللجنة لتنتظر منكم بيانًا وافيًا بأسماء أعضاء لجان فلسطين الفرعية، وبالوسائل العملية الإيجابية التي ستساعدون بها إخوانكم المجاهدين في يوم الإسراء المبارك.

احذروا أن تقصروا فتندموا أشدَّ الندم، وتُسألون عن ذلك في الآخرة.

وفَّق الله المسلمين لخيرهم وتحرير أوطانهم واستعادة مجدهم).

*****************

هذا الأسبوع

سلطان العلماء ... وفساد الإمارت والأمراء

دروس من التاريخ

أما هولاكو فهو قائد جيوش المغول (التتار) التي اجتاحت نصف العالم المعروف وقتها تقريبا بعد إسقاط الخلافة العباسية عام 656 هـ / 1258م على يد مؤسس هذه الدولة جنكيز خان.

وهذا القائد هو الذي اكتسح جيشه الإمارات الإسلامية المتنازعة وأسال الدماء في بغداد حتى تلونت أنهارها بدماء المسلمين وأحبار الكتب والمؤلفات والمصنفات التي أبدع فيها علماء الأمة، وبعد احتلاله دمشق والشام وتقدمه غربا نحو مصر وتهيؤه للزحف نحوها بعد أن بث أعوانه وعملائه يثبطون الناس ويخوفونهم ونشر الرعب فيهم بما يرتكبه جيشه من أفعال مع خصومه وإقناعهم بالتسليم للفاتح الذي لا يقهره أحد، أرسل رسالته التاريخية إلى حاكم مصر وجاء فيها:

(من ملك الملوك شرقا وغربا .. باسم الله باسط الأرض ورافع السماء .. إلى الملك قطز وسائر أمراء دولته .. لكم بجميع البلاد معتبر .. ومن عزتنا مزدجر، فاتعظوا بغيركم وأسلموا إلينا أمركم .. فنحن ما نرحم من بكى .. ولا نرق لمن شكى .. فما من سيوفنا خلاص ولا من مهادتنا مناص، فخيولنا سوابق، وسهامنا فوارق وسيوفنا صواعق ...).

وتحت هذه الهالة من القوة والسيطرة والوحشية والفساد كان البشر يرتعد من مجرد سماعها وكانت الجيوش تنهار بمجرد أن يطلب منها أحد مواجهتها وظن الناس أن لا قيام بعدها لمملكة أو إمارة حتى ظن البعض أنهم يأجوج ومأجوج بسبب أشكالهم ولباسهم الغريبة وأن القيامة قد قامت وعلى كل إنسان أن ينجو بنفسه قبل أن يصل إليه زحفهم.

أما الإمارات وقتها فتكاد تتشابه مع وضع دولنا العربية والإسلامية الآن ومن قبل أن يوجد على الأرض الشيطانان سايكس وبيكو، مختلفة سياسيا، ويتآمر فيها الأخ على أخيه، ويستعين أحدهم ببقايا الصليبيين على ابن عمه ورحمه، يتداول فيها الحكم أسر وعائلات، سلطان أو ملك أو أمير، انشغلت هذه الدول بملكها الهزيل الزائل عن إقامة الدين ونشر العدل ورعاية حقوق الناس، لم يعد للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجود، يستعبد الحكام فيها شعوبهم ويشيعون فيهم الذلة والمسكنة ليفقدوها حماسها وغيرتها على الدين والأرض والعرض حتى لا تكون لها شوكة تؤرقهم، ووصل بهذه الشعوب الحال إلى أن روايات التاريخ تقول أن أحد جنود التتار قد يلقى بعض الناس وهو مخمور وليس معه سلاحه فيأمرهم بالرقود على الأرض حتى يذهب ليأتي بسيفه ليقتلهم فيطيعون أمره استسلاما للذبح حتى يعود، لم يبق من العلماء الجادين المخلصين أحد إلا سجين أو قتيل أو مطارد، وأصبح مدّعي العلم يتهافتون على رضا الحكام يعينوهم على ستر عوراتهم ويساعدونهم على إخضاع رعاياهم بالفتاوى والأحاديث وبأسوأ الأمثال في السلوك .

وأما الأمراء فقد كانوا هم قواد الجيوش والتنفذيين في دولهم وكانوا بقايا الأجيال التالية للمماليك الذين استجلبتهم الدولة الأموية بالشراء بعناية وأخضعتهم لتدريبات عسكرية خشنة ومحترفة ورعاية دينية ونفسية عالية لتواجه بهم الغزو الصليبي وليكونوا حراسا للدولة، فخاضوا المعارك بقوة وبسالة ودافعوا عن الدولة وعن العقيدة والأرض وأعراض الناس، حتى إذا انتهت الحرب وتفرقت الدولة وأصبحت دولا وإمارات وممالك متنازع عليها، تحولت بقايا الجيوش إلى مهام أخرى هي أقرب إلى جيوش الاحتلال، انشغلت بالملك والمؤامرات والتغول على حريات الناس وممتلكاتهم.

وفي مصر أصبحت دولة المماليك عندما وصل الغزو المغولي إلى ذروته في أضعف حالاتها وأصبحت المماليك أحزابا متقاتلة ومتنافسة تشارك الناس أرزاقها رغم ما هو مخصص لها من بيت مال المسلمين حتى أنها وكما يقول التاريخ (تبيع وتشتري) حتى فسدت الحياة تماما إلى أن وصل إلى مصر العالم المجاهد العز بن عبد السلام وسمع شكايات الناس فأفتى بحرمة ممارسة هؤلاء البيع والشراء وأمر ببيعهم هم أنفسهم في الأسواق ووضع أثمانهم في بيت مال المسلمين، وكانت بداية الطريق الصحيح.

سلطان العلماء

الحديث عن العلم والعلماء ودورهم في مواجهة الهجمة التترية حتى إيقاظ روح الأمة في هذه الفترة السوداء يختزلها الحديث عن العالم المجاهد (عز الدين عبد العزيز بن محمد بن عبد السلام) الملقب بالعز بن عبد السلام، وهو واحد من علماء الأمة في مختلف فنون العلم الذين هاجروا إلى مصر من أركان الدولة التي انهارت هربا بأنفسهم وعلمهم من زحف جيش هولاكو.

ولد هذا العالم في دمشق عام 577 هـ وتوفى 660هـ، درس العلم على يد شيوخ وعلماء أجلاء وتصدى للفتيا والتوجيه وأصبح كبير العلماء فيها، أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، ثم ترك منصبه وهاجر من بلده بعد أن تحالف ملكها مع بقايا دولة الصليبيين، وانتهى به المقام في مصر بعد أن سبقه إليها علمه وجهاده في سبيل الحق، ليسير على نفس المنهاج، فأبى الخضوع لسلطة أمراء المماليك الذين عاثوا في الأرض فسادا، وتحداهم بفتياه بتحريم انشغالهم بالبيع والشراء وأمر ببيعهم في الأسواق، وعندما غضبوا عليه وذهب المملوك نائب السلطان مع مجموعة من أعوانه بسلاحهم إلى بيته لقتله وطلب منه ابنه الهرب حتى لا يتعرض للقتل أبى أن يفعل ذلك وخرج للمماليك الغاصبين بنفسه لملاقاتهم قائلا لابنه:

(يا ولدي أبوك أقل من أن يقتل في سبيل الله ...).

تقول روايات التاريخ أن العز بن عبد السلام واجه غضب وثورة المحاصرين له لقتله بإطالة النظر إلى عيون قائدهم فارتعدت مفاصل نائب السلطان وسقط السيف من يده، ثم بكى وسأل الشيخ أن يعفو عنه ويدعو له.

وواصل سلطان العلماء دوره أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر ليكون بفضل الله وحده مددا لجيش مصر الذي استقام أمره في مواجهة غزو أشاع الناس عنه من شدة خوفهم من أنهم فعلا يأجوج ومأجوج التي لا تقهر.

معركة عين جالوت

25 رمضان 658 هـ الموافق 3  سبتمبر / أيلول 1260م

وا إسلاماه

تسلم السلطان قطز حاكم مصر رسالة السفاح هولاكو فجمع أمراء جيشه والعلماء للتشاور والاستعداد للزحف القادم الذي لا يقف في وجهه أحد وانتهى رأيه إلى أن البقاء في الانتظار لتجري المعركة على أرض مصر ستكون فيها الهزيمة، فأمن هذا البلد منذ عهد الفراعنة لا يبدأ من حدودها بل من قبل أن يصل جيش العدو إلى هذه الحدود، ثم إن جيش التتار لن يتوقف عند حدود مصر واحتلالها بل سيواصل مسيرته إلى الغرب تخريبا وقتلا وإمتلاكا لمقدرات المسلمين وانتهاكا لأعراضهم، فأخذ بتحميس الناس والجيش وقادته، وبدأ العالم المجاهد العز بن عبد السلام دوره أيضا بتحريض الناس على القتال والدفاع عن دينهم وأرضهم وأعراضهم وطالب الأثرياء بوضع أموالهم وذهبهم وما يملكون في خدمة المعركة.

وعندما شعر السلطان بتخاذل القادة والأمراء ألقى فيهم كلمته المأثورة عندما أخذ قرار القتال والسير لملاقاة الأعداء:

(يا أمراء المسلمين، لكم زمان تأكلون أموال بيت المال، وأنتم للغزاة كارهون، وأنا متوجه، فمن اختار الجهاد فليصحبني، ومن لم يختر ذلك يرجع إلى بيته، فإن الله مطلع عليه، خطيئة حريم المسلمين في رقاب المتأخرين).

وسار جيش قطز وهو صائم وفي المقدمة منه العالم المجاهد العز بن عبد السلام وقد بلغ الثمانين من العمر عن طريق غزة إلى الساحل الشمالي لفلسطين، والتقى الفريقان في اليوم الموعود وحمى وطيس المعركة، وتقول الروايات أن المغول استطاعوا أن يصلوا إلى حيث زوجة السلطان قطز التي صاحبته في زحفه فأصابوها بجرح قاتل، وعندما علم السلطان بذلك هرع إليها وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة فقال حزينا واحبيبتاه .. وازوجاه، فردت عليه قائلة بل قل وا إسلاماه وهو ما خرجت هي معه وخرج هو من أجله بعد ما تيقن للجميع سوء نوايا التتار وفساد عقائدهم وسلوكهم.

وعاد السلطان إلى الصف وصرخ بأعلى صوته وسط جنوده وا إسلاماه فارتجت ساحة القتال معه وحمل بنفسه على العدو واتبعه الجيش وقد فعلت الصيحة فيه ما فعلت فكانت الهزيمة الساحقة لجيش المغول، وواصل السلطان قطز مطاردة هذا الجيش حتى أنهى وجوده في الشام كله، وانتهت بعدها دولة المغول وسلمت الإنسانية والأمة الإسلامية من شر لم يكن لها به طاقة إلا بإذن الله ثم بعمل صادق من علماء ربانيين ومجاهدين مخلصين وحماس أطلقته صيحة .. وا إسلاماه.

النهاية والبداية

تتشابه ليالي وأحداث اليوم بليالي وأحداث الأمس، فشهر رمضان هو نفسه، وفلسطين وغزة هما اليوم كما كانا من قبل ساحة جهاد ونصر، وهولاكو والتتار هم من تواجهه الإنسانية والأمة اليوم وإن اختلفت الأسماء، وتفرق الإمارات والأمراء الآن هو نفس حال الأمس، وتحول جيوش الإمارات والممالك عن مهامها وانشغالها بالبيع والشراء لم يتغير، وعلماء السوء وأعوان المغول ودعاة الهزيمة يتجددون جيلا بعد جيل .. ويبقى الفارق واضحا وجليا:

سلاطين العلماء .. وصرخة النصر

وا إسلاماه.

*****************

مقال الأسبوع

الإسلام طوق النجاة

للاستقرار والأمن في العالم

بقلم: فضيلة الأستاذ جمعة أمين

نائب المرشد العام للإخوان المسلمين

(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (فصلت: 33).

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين، سيدنا وزعيمنا وقائدنا ومعلمنا محمد صلى الله عليه وسلم- خير من دعا إلى ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، وبعد:

فإن العالم يعيش الآنَ وسط أجواءٍ مضطربةٍ وأمواجٍ عاليةٍ هادرةٍ؛ حيث كثرت المؤامرات والفتن، وتعددت صور الظلم والطغيان، وكشَّر الإنسان عن أنيابه لأخيه الإنسان، وبات الناس في قلق وحيرة، وسالت الدماء في كل مكان، وأُهدرت كرامة الإنسان الذي كرمه الله: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) (الإسراء: 70)، وتظالَم الناس وقد نهاهم الله عن ذلك "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالمواوتصارع الناس على المادة فطغى الأغنياء على الفقراء، وأصبح المال دُولَةً بين الأغنياء، واعتدى الأقوياءُ على الضعفاء، وغزت ثقافة القوَّة واجتاحت عقول الجهلاء.

فغلفت الأرض سحابةٌ قاتمةٌ مقلقةٌ ولفَّها ضبابٌ كريهٌ تحملت بعض النظم التي تحب إخضاع الشعوب لها المسؤولية في ذلك لأنها تعاوَنت على الإثم والعدوان، وخلال قرنٍ من الزمان نشبت بسبب ذلك حروبٌ عالميةٌ وصراعاتٌ إقليميةٌ وقوميةٌ، ونشأت في مواجهة ذلك حركاتٌ للمقاومة والتحرُّر، وكانت جولةٌ خسِر فيها الكلُّ بشرًا ومالاً وعِرضًا وكرامةً وإنسانيةً وحضارةً، والتقط الناس بعض الأنفاس وتهيَّأت للبعض فرص للتنمية، وظنَّ العالم أن الصراع قد ينحسر، وأنََّ الحوارَ والخيرَ يتصل؛ ولكن حصان طروادة بدَأ حلقةً جديدةً من تأجيج الصراع على النحو الذي نراه الآن.

وفي ظل ذلك ظهرت حكوماتٌ وحكامٌ لدول كثيرة تظلم شعوبَها، وتلهبُ ظهورها بسياط القهر والفقر والتخلف، ولم يستقر الحال لهؤلاء الحكام ولا لتلك الحكومات؛ بسبب ظلمها فلم تهنأْ ولم تستقر، وأذاقت شعوبها الهوان وخلفت فيها القلق والاضطراب، فلا هي سعدت ولا هي أسعدت شعوبها: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم: 41)؛ فكيف السبيل إذًا للخروج من هذا المأزق؟ ولدينا أمثلة في دول كثيرة من البلاد العربية والإسلامية وغيرها من البلاد التي لا تعرف للشعوب حقوقا يجب المحافظة عليها.

والشعوب تتوق إلى التخلص من هذه الحالة من التعب والقرح والعنت والمعاناة، وبطبيعة الحال تسعى- من خلال بعض رجالها وقادتها وأولي النُّهَى فيها- نحو هذه الحالة المستقرَّة الهادئة التي تنعم فيها بالخير والعدل والراحة والطمأنينة، ولا شك أن سبيل الشعوب في ذلك هو مقاومة الظلم سلميا دون عنف ولا إكراه.

ولا يتصور عاقل أبدًا أن يتحقق الاستقرار والسلام في العالم، وأن تُحقَن الدماء وتُحفَظ الأعراضُ ويأمن الناس على أرواحهم وعلى ممتلكاتهم وعلى عقائدهم في ظل هذا الظلم البيّن وهذه الممارسات اللاإنسانية .. إن الذين يزعمون أنهم يبحثون عن السلام والاستقرار نحب أن نلفت أنظارهم إلى ما يلي:

1- أن السلام الذي يُبنى على الظلم والطغيان لا يؤدي أبدًا إلى الاستقرار، وأنَّ دولة الظلم ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة، وأن العدل أساس الملك.

2- أن الشعوب لا تُغلَب حين تصر على استرداد حقوقها سلميا، وأن مقاومتها للظالم لابد وأن تنتصر بوسائل الإقناع المتعددة.

3- أن الظالم يدفع ثمن ظلمه وطغيانه مهما طال أمد الصراع وامتدَّ، ودروس التاريخ كثيرة ومعروفة، فأين الجبابرة؟! (وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال) (إبراهيم: 45).

4- اعلموا أن للكونِ إلهًا قادرًا قاهرًا فوق الجميع، فلا تغتروا بقوتكم؛ فالله أقوى وأعزُّ، ولا تتمادَوا في طغيانكم وعدوانكم؛ فالله مولى الذين آمنوا وأنتم لا مولى لكم بظلمكم.

5- لقد جرَّبتم العدوان والظلم فماذا جنَيتم من ورائه؟ هل استقرَّ الأمر لكم؟ هل نِمتُم ملءَ الجفون واستشعرتم الطمأنينة وراحة الضمير؟ أفيقوا من غفوتكم، وانتبهوا من سكرتكم، وتعلَّموا من التاريخ إن كنتم لا تقدِّرون الواقع، ولا تعرفون نهاية الجبابرة.

6- ندعوكم إلى (كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ) (آل عمران: من الآية64)، وألا يظلم بعضنا بعضًا، فلا تجوروا ولا تطغَوا، وثوبوا إلى رشدكم، وارجعوا عن غيِّكم؟ وستجدون الله غفورًا رحيمًا، وإلا فانتظروا العذاب الأليم، (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم).

7- نحن نحب الخير - طبقًا لعقيدتنا - للناس كافة، ونتمنَّى لهم الأمان ونحرِص على أن يعيش العالم في سلام: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) (الأنبياء: 107)، (وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (الأنفال:61)، وربُّنا- جل وعلا- يأمرنا ألا نظلم أحدًا أيًّا كانت عقيدته أو جنسه أو لونه: (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) (المائدة: 8.

إن الدرس واضحٌ، والحال بيِّنٌ، والتاريخُ يكرر نفسه، والعاقلُ من يتَّعِظُ بغيره، فمدُّوا أيديَكم إلى شعوبكم بالعدل وبالقسط وبالإحسان، وأعطوا كل ذي حق حقه، واقدروا الأمر قدره، وحاسبوا أنفسكم ولوموها قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه اللوم ولا يجدي الندم.

اعلموا يا قومنا- وكلكم قومنا- أن قوتَنا وعزتَنا في وحدتِنا، وسعادتُنا ونجاتُنا في عقيدتنا: (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ) (آل عمران: 139).

إن عدوَّكم منفوشٌ بالباطل وغرورِ القوَّة، ولكنَّه لا يملك عوامل الاستمرار والاستقرار .. وسيضعُف لا محالةَ إن استمر في غيِّه وظلمه وعدوانه؛ فدوام الحال من المحال .. فاستمسكوا بما في أيديكم من حق، واتَّحِدوا وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، والأيام دُوَلٌ، والله معكم وسينصركم إن أنتم نصرتموه، فعضُّوا على عقيدتكم بالنواجز، واستبشروا، ولا تيأسوا، ولا تستسلموا لظالم، ولا تخافوا من أحد من البشر، وترقَّبوا الفرجَ بعد أن تؤدوا ما عليكم.

أيها الإخوة المسلمون في كل مكان .. اعلموا أن الإسلام دين العدل والسماحة والوسطية، وهذه أهم دعائم الاستقرار؛ فلا تفريط ولا إفراط ولا تطرف ولا إرهاب ولا عدوان ولا استعلاء بغير حق، وإنما دعوةٌ بالحكمة والموعظة الحسنة.

إن أمتنا اليوم في حاجة إلينا جميعًا، وإسلامنا يحتاج إلى التضحية في سبيله، وأنتم - بفضل الله - أهل لذلك؛ فلا غفلةَ، ولا تكاسلَ، ولا تراجعَ ، ولا تقصيرَ؛ وإنما عمل دائم، وانتشار بالحق بين الناس، فأنتم روح جديد يسري في هذه الأمة فيُحييها بالقرآن، ولا تقلقوا مما ترَون على الساحة هنا وهناك من استكبار الباطل ومن أفعال الظالمين، فإن ذلك كلَّه كبيت العنكبوت فما أوهنه!! لا تقنطوا من رَوح الله، واعلموا أن النصرَ مع الصبر، وأن مع العسر يسرًا؛ فهلاَّ أدَّيتم ما عليكم، فسعِدتُّم بذلك، وأسعدتُّم أمتَكم وأرضَيتُم ربَّكم؟!

كونوا كالشُّمِّ الراسيات، وإن للمواقف الشديدة رجالاً صدقوا ما عاهدوا الله عليه.

(وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا) (الأحزاب: 22)، واعلموا أن الله مولاكم، فنعم المولى ونعم النصير.

*****************

أخبار الدعوة

إياد السامرائي

يدعو التحالف الوطني لمنح النواب حق اختيار رئيس الوزراء من بين قياداته

بيان (دعوة الإصلاح) الإمارات

نصرة لغزة

الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

يطالب بدعم المقدسيين الذين يتعرضون للإيذاء ومحاولات النيل من انتفاضتهم لدعم إخوانهم في غزة

ويحيي الصمود العظيم للشعب الفلسطيني الثابت في وجه الاحتلال الصهيوني الغاشم

الناطق الرسمي للإصلاح يرحب بالدعوة للاصطفاف الوطني

ويطالب المجتمع الدولي بتحمل مسئوليته الإنسانية تجاه غزة

بيان حركة النهضة بتونس

للدعوة  لوقف القتال بين الأشقاء في ليبيا بمناسبة عيد الفطر المبارك

*****************

فلسطين الأبية

يوميات العدوان على غزة العزة

(4)

بتصرف من سلسلة كتابات بقلم أ. مصطفى اللداوي

ينبغي بعد كل هذه التضحيات العظيمة التي قدّمها الفلسطينيون في قطاع غزة، والتي شارفت خلال أيامٍ معدوداتٍ على الألف شهيد، والستة آلاف جريحٍ ومصابٍ، ومئات البيوت المهدمة، وعشرات المساجد المدمرة، والخراب الشديد الذي طال كل أرجاء القطاع، ولم يستثن مؤسسة ولا هيئة، ولا محلاً ولا دكاناً، ولا سوقاً ولا مدرسة، ولا حديقةً ولا فناء، في حربٍ دمويةٍ وحشيةٍ، يشهد العالم كله على ضراوتها، ويقر بعنف العدو المفرط في تسعيرها، وإضرام نارها، وتوسيع دائرتها.

إنها حرب الاستقلال، ومعركة التحرير، الاستقلال الكلي، والتحرير التام، والتخلص الحقيقي من كل بقايا الاحتلال وأتباعه، ورموزه وأشكاله، فلا سيادة إسرائيلية على أي شأنٍ فلسطيني، ولا سلطة له على الأرض ولا في السماء، ولا في البحر ولا بين البشر، ولا تدخل من طرفه في شؤوننا السياسية، وأحوالنا المعيشية، وعلاقاتنا البينية، ومعابرنا الحدودية، ولا وجود مسلح له في مناطقنا، ولا معسكراتٍ لجيشه في أرضنا، ولا شوارع يقتطعها من أرضنا، ولا طرق أمنية والتفافية على حساب شعبنا وممتلكاته.

لا أنكر أن المصاب جلل، وأن الخسائر عظيمة، وأن الجرح غائر، وأن الكل صامت، وأن من الأنظمة العربية من يتآمر، ولكننا أصبحنا نقترب من أهدافنا، فليس بعد القتل قتلٌ آخر، وليس بعد الدمار دمارٌ آخر، إنما بعده نصرٌ وحرية، وتحقيق أهداف، وتسجيل انتصارات.

حتى تكون هذه المعركة حرب استقلالٍ حقيقية، تؤدي الغرض، وتحقق النتائج، وتصل إلى المراد والمطلوب، ولا تنتكس ولا تخسر، ولا تعود إلى نقطة الصفر التي منها بدأنا، ولا نرجع بعدها إلى الواقع البئيس الذي كان يحاصرنا، فلا ينوبنا من غزوتنا سوى الخسارة والضحايا.

الجمعة 16:25 الموافق 25/7/2014 (اليوم التاسع عشر للعدوان)

خانيونس لمن لا يعرفها

خانيونس بينها وبين العدو الصهيوني ثارٌ قديم، وحسابٌ لا ينسى، فقد ارتكب في حق أبنائها خلال العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 مجزرتين مروعتين، أودت بحياة أكثر من خمسمائة من أبنائها، رجالاً وشباباً، ونساءً وأطفالاً، وأصاب بجراحٍ خطيرةٍ وطفيفة مئاتٍ آخرين، من سكان مخيم خانيونس وبلدة بني سهيلا، وما زال أهل هذه المدينة الصامدة يذكرون غدر العدو وخبثه، الذي دخل مناطقهم بعد وقف إطلاق النار، وانتهاء العمليات الحربية، فجمع المواطنين الآمنين العزل، في المدارس والساحات، ثم أطلق جنود جيش العدو النظامي النار عليهم، وأعدم المئاتِ منهم بدمٍ باردٍ على الجدران وفي البيوت، وفي المدارس والساحات، في الوقت الذين كانوا لا يشكلون عليه خطراً، ولا يحملون سلاحاً.

في خانيونس وبلداتها قتل العدو الإسرائيلي عشرات الجنود المصريين، ونكل بهم أحياءً، ومثل بجثتهم بعد أن قتلهم، وكان يطاردهم ويبحث عنهم، ويهدد المواطنين الفلسطينيين بقتلهم في حال مساعدتهم للجنود المصريين، ولكن سكان خانيونس الذين أثخن فيها العدو قتلاً، لم يفرطوا في جنود مصر، بل أخفوهم ما استطاعوا، وقدموا لهم المساعدة ما أمكنهم، وزودوهم بكل ما يحتاجون إليه، ولم يسلموا جندياً واحداً، ولم يفشوا سرهم، ولم يكشفوا أمرهم، فاكتفى العدو بمن قتل منهم ومن سكان المدينة.

وفي عدوانه الجديد على قطاع غزة، ومحاولاته اقتحام محافظة خانيونس وتأديب أهلها، وتطويع مقاومتها، ارتكب العدو مجزرةً جديدةً وما زالاً ماضياً في جريمته، مصراً على فعلته، مستخدماً كل قوته، بضراوةٍ وعنفٍ، وقسوةٍ وحقدٍ، وطوع في عدوانه سلاح الطائرات والدبابات والبحرية والمشاة، وسلاح الهندسة وفرق القناصة.

اليوم تقف خانيونس المدينة والمخيم، وعبسان الكبيرة والصغيرة، وبني سهيلا وخزاعة والقرارة، بسكانهم الذين يقتربون من ثلاثمائة ألف مواطنٍ، في مواجهة طاحونة الموت، وبركان اللهب، يتحدون طائرات العدو ودباباته التي تقذف حممها قتلاً وخراباً في كل مكانٍ من خانيونس وبلداتها، وهو لا يبالي من يقتل وكيف يقتل، ولا يقلقه السلاح الذي يستخدم، فقد قتل في هذه المعركة الجرحى والمسنين، والأطباء والمسعفين، وهدم البيوت على أهلها وتركهم تحت الأنقاض يموتون، ومن نجا منهم يعيد قصفه، ويطلق عليه قذائف جديدة، ومن سار على قدميه أو نجا زاحفاً، فإن رصاص القناصة يطاله، ويجهز عليه ولو كان مصاباً أو يحمل جريحاً، أو يحاول مساعدة مسنٍ أو إنقاذ طفلٍ أو امرأة.

ظن العدو أن سكان خانيونس سيخافون وسيخضعون، وسيسلمون وسيذعنون، وسيتخلون عن المقاومة وسيفشون أسرارها، وسيكشفون أنفاقها، وسيفضحون طرق عملها، ووسائل انتقالها، وأماكن اختبائها، ومكامنها وملاجئها، ولكن سكان خانيونس، خيبوا آمال الإسرائيليين، وأفشلوا مخططاتهم، فلم يهربوا من بيوتهم، ولم ينقلبوا على مقاومتهم، ولم يخرجوا في مظاهراتٍ استنكاراً لها، أو رفضاً لوجودها، ولم يكشفوا عن أنفاقها، وهي أكثر ما يخيف العدو ويربكه، ويمنعه من التقدم والاقتراب، خوفاً من الرجال الذين يظهرون لهم فجأة، ويتقدمون إليهم بكل جرأة، ويقاتلونهم وجهاً لوجه.

السبت 05:00 الموافق 26/7/2014 (اليوم العشرون للعدوان)

مشاهدات الهدنة الإنسانية

فوجئ العائدون إلى بيوتهم ومناطقهم بحجم الدمار الذي خلفه العدوان فيها، فوصفه كثيرون بأنه زلزالٌ مدمر، أتى على كل شئٍ في أحيائهم، ولم يبقِ على شئٍ من المنازل، فالبيت الذي لم يصبح ركاماً، أصبح آيلاً للسقوط، وغيره مدمر جزئياً، ولكن المدمر والآيل والمتصدع لا يصلح أيٌ منه للعيش، كما لم يبق من متاعه وأثاثه ما يصلح، إنه زلزالٌ بدرجةٍ عالية جداً، شطب أحياءَ وبيوتاً، وغَيَّرَ ملامح مناطق، وأزال علاماتٍ وإشاراتٍ ومناراتٍ كانوا يعرفونها، ويهتدون بها.

أما السيارات فقد استحال أغلبها إلى قطعٍ من الحديد، لا شئ يدل على أنها كانت سيارة إلا بقايا هيكلها الذي اهترأ من شدة القصف، وحرارة النيران الملتهبة، وغيرها قد انفجر في المكان نتيجة القصف، فتناثرت أجزاؤها في كل مكان، حتى غدت كأشلاء الشهداء، مبعثرة ومتناثرة، فلا يميز بينها أحد، سوى أنها بقايا سياراتٍ متفجرة أو محترقة.

أما الحيوانات والبهائم، الخيول والحمير والقطط والكلاب، والماعز والأغنام، والطيور والأسماك، فلم تسلم من القصف، فقد وجد العائدون بعضها تحت الركام نافقاً، أو في الشوراع والطرقات، وفي الحظائر مخنوقة جميعها، وكأنها ماتت من أثر البارود الخانق، أو نتيجة غازاتٍ أخرى تصاحب القصف، أو هي جزءٌ منه.

الزلزال في كل مكانٍ في قطاع غزة، إذ لم تنجُ منه منطقة، وإن كان مهولاً جداً، وكأن مركزه في الشجاعية، وحي الصبرة والزيتون، وعبسان الصغيرة والكبيرة، وخزاعة والقرارة وبني سهيلا، ومناطق متعددة من محافظة رفح، وفي شمال القطاع في بيت لاهيا وبيت حانون وأطراف مخيم جباليا، وأحياء العطاطرة وبئر النعجة والسيفا، فضلاً عن أماكن كثيرة متفرقة ومتباعدة في مدينة غزة، كان القصف الإسرائيلي قد استهدف فيها البيوت والمساجد والمؤسسات والمقرات.

أما الجانب الآخر من المشاهدات التي نقلها العائدون إلى بيوتهم وأحيائهم، فهي روح المقاومة السامية، والاحساس العالي بالفخر والزهو بقدرتها الفائقة، والروح المعنوية العالية التي تمتع بها المواطنون، وهم يشيدون برجال المقاومة وصمودهم، وبجرأتهم وبسالتهم، وأنهم أوجعوا العدو الإسرائيلي وآذوه، وأنهم نالوا منه وكبدوه خسائر حقيقية، وأنهم يقاتلون بشجاعة، ويواجهون بقوة، ويقتحمون بثقةٍ وإيمان، لا يخافون ولا يترددون.

كثيرون ممن كانوا على أعتاب بيوتهم المهدمة، أو فوق ركام منازلهم المدمرة، كانوا يقولون نحن فدى المقاومة، نحن معها نحميها ونمضي معها، نحن خلف المقاومة لن نستلم، ولن نقبل بهدنةٍ تريحه وتنقذه، ولن نقبل في هذه المعركة بغير النصر، ورفع الحصار، وسنعيد بناء ما دمره العدو، وسنكون أفضل مما كنا، ولكننا لن نستسلم له، ولن نمكنه منا ومن أرضنا مرةً أخرى.

السبت 17:25 الموافق 26/7/2014 (اليوم العشرون على العدوان)

شهداء الهدنة الإنسانية

الصورة كشفت عن أن عشراتٍ قد استشهدوا نتيجة النزف والجراح الغائرة، إذ بقوا في أماكنهم ينزفون لأيامٍ، دون أن يشعر بهم أو يصل إليهم أحد، وبعضهم استشهد خنقاً تحت طبقات الركام، وكثيرٌ منهم كانوا من الشيوخ والعجزة والمسنين والأطفال والنساء.

لكن الصورة كشفت عن أن آخرين قد استشهدوا قنصاً، وأن جنود العدو قد قتلوهم وهم يعرفون أنهم مدنيون لا يشكلون خطراً، ولا يحملون سلاحاً، وأن منهم من كان يحمل بعض متاعه، وغيرهم كان يمسك بيد أطفالٍ أو نساء، فوجدوا الجميع شهيداً، والجريمة الأكبر أنهم قنصوا الجرحى، وأجهزوا على المصابين، وقتلوا كل من وجدوا في طريقهم، أياً كان عمره أو جنسه لا فرق.

أما الجانب الآخر من الصورة التي كشفتها الهدنة الإنسانية، فقد جاءت على لسان جنود جيش العدو أنفسهم، الذين استغلوا ساعات الهدنة لينجوا بأنفسهم من مصيرٍ مجهولٍ ولكنه خطير، إذ أن الكثير منهم كان يتوجس من القتل، ويتخوف من الأسر، فاتصل بعضهم بذويه وأهله فرحاً أنه ما زال حياً، مستغلين تطبيق الواتس آب، وبرامج التواصل الاجتماعي، التي لم تستطع رقابة جيش العدو أن تضع يدها عليه وتمنع استخدامه، مخافة تسرب الأخبار، وفضح حقائق المعركة.

قال الجنود لأهلهم أنهم دمروا بيوت الفلسطينيين وجعلوا خراباً، وأنهم لا يظنون أن أحداً سيعرف مكان بيته، إذ لم يبقَ على الأرض ما يدل على أنه كان فيها بيوتٌ ومنازل، وأنهم لا يتمنون أن يحدث هذا في بيوتهم، فهو أمرٌ مريعٌ ومخيف.

أما بعض الإعلاميين الإسرائيليين، الذين رأوا الصور المنقولة من حي الشجاعية، ومن خزاعة والقرارة وعبسان وبيت حانون، وحجم الدمار الذي خلفه جيشهم في مساكن وبيوت الفلسطينيين، وأدركوا هوله وأثره على صورة كيانهم لدى المجتمع الدولي، فقالوا إن الحكومة في مأزق، والجيش في ورطة، ويجب أن نعمل معاً لننقذ جيشنا من ضمير العالم، ومن عمليات المقاومة النوعية، التي كسرت ظهر الجيش، وأصابت عموده الفقري.

الأحد 03:30 الموافق 27/7/2014 (اليوم الحادي والعشرين للعدوان)

الخسائر البشرية الإسرائيلية بين الحقيقة والخيال

تحاول قيادة جيش العدو فرض تعتيمٍ شديدٍ على ما يحدث على جبهات القتال، فلا تسمح لأي جهةٍ إعلامية بأن تنشر أخبار الجنود، وحالهم النفسية، وما يدور بينهم من حوارات، أو كشف مراسلاتهم الشخصية مع أهلهم، كما ترفض الكشف عن حقيقة الخسائر التي مني بها الجيش، خاصةً لجهة عدد القتلى والمصابين وحالتهم النفسية، ورتبهم العسكرية ومهامهم القتالية، والقطاعات التي كانوا يقاتلون فيها.

هذه الرقابة الشديدة تفسر تأخير الإعلان الرسمي عن الخسائر التي يتكبدها الجيش، وتفسر الفارق الزمني بين إعلان المقاومة عن عملياتها العسكرية ونتائجها وأثرها في صفوف العدو، وبين اعتراف العدو نفسه، الذي يتريث ويتأخر، ويحاول النفي والتكذيب، ولكنه يضطر في نهاية الأمر أن يعترف عما لا يمكنه إنكاره طويلاً، أو نفيه أكثر من ذلك، تماماً كما حدث مع خبر أسر الجندي شاؤول آرون، فقد نفى المتحدثون باسم جيش العدو خبر أسره، بل إنهم تكتموا غيابه، إلى أن اضطروا متأخرين إلى الإعلان عن عدم وجوده، مع ترجيح أن يكون قد قتل، وإن كانت جثته غير موجودة.

لا شك أن هناك فرقٌ واضحٌ بين البيانات والأعداد الصادرة عن قيادة جيش العدو، التي تتعمد التقليل والتهوين، والتخفيف والتلطيف، وبين بيانات واحصائيات كتائب المقاومة الفلسطينية، التي تسجل وتوثق، وتتابع وتصور.

الوقائع المتكررة أثبتت أن بيانات المقاومة الفلسطينية أكثر دقةً من بيانات جيش العدو، وأن النتائج التي يعلن عنها إثر أي عمليةٍ عسكرية، تكاد تكون متطابقة كلياً مع الحقيقة، رغم صعوبة التأكد من النتائج على أرض المعركة، بسبب كثافة النيران، ومحاولات العدو إغراق مناطق العمليات والاشتباك بالنيران، ليتمكن من فتح ثغرة لجنوده للانسحاب، أو ليتمكن من سحب الجرحى وإخلاء القتلى، ومع ذلك فإن المقاومة تحاول أن تكون دقيقة ما استطاعت، وترفض أن تنقل خبراً مشكوكاً فيه، أو غير مؤكدٍ لديها، حيث أنها تعزز بياناتها العسكرية في أغلب الأحيان بصورٍ ووثائق من أرض المعركة، فتقطع بها الشك باليقين، بصدقية ونزاهة.

شهد كثيرٌ من الإعلاميين الإسرائيليين على صدقية بيانات المقاومة، وأنها إذا قالت صدقت، وإذا وعدت أوفت، وأنها لا تكذب في بياناتها، ولا تتأخر في وعودها، وأنها صادقة مع شعبها إذا خسرت، ولا تخفي عنه حقيقة ما تواجه، في الوقت الذي أخذ فيه الإسرائيليون يكذبون قيادة جيشهم، ولا يثقون في تصريحات وزرائهم ورئيس حكومتهم، الذين يحاولون تجميل الحقيقة، وتزوير الواقع، ليتخلصوا من ضغط الشارع ومحاسبته، وليحولوا دون انهيار الروح المعنوية لجنودهم وضباطهم.

الأحد 17:00 الموافق 27/7/2014 (اليوم الحادي والعشرين للعدوان)

الغزيون وأحزان العيد

إنه يوم عيد الفطر السعيد، يأتي رغماً عنا، وبغير إرادةٍ منا، فقد أراده الله يوماً لنا، نفرح فيه بعد شهر صيامنا، والله يعلم أن مصابنا كبير، وجرحنا غائر، وخسائرنا كثيرة، ومصيبتنا عظيمة، وشهداؤنا قد ملأوا جوف الأرض وما زال غيرهم فوقها ينتظر من يدفنها ويواريها التراب، ولكنه جل وعلا قد مَنَّ علينا بالعزة والكرامة، هذه العزة التي كنا نتوق إليها ونتطلع، ونشتاق إليها ونتمنى، حتى كانت هذه المقاومة العظيمة، التي امتلكت الإرادة، وحازت على السلاح، وأصبحت ذات شوكةٍ قاسية، فأخافت العدو حقاً، وآلمته يقيناً، وعلمته أن هذا الشعب سيبقى قوياً عزيزاً، ولن يقبل أن يهان أو يستذل، ولن يسكت على من يحتل أرضه، ويقتل شعبه، ويسوم أهله سوء العذاب.

أيها الغزيون الفلسطينيون الشرفاء، في الوطن والشتات، لا تحزنوا في يوم عيد فطركم على ما أصابكم، ولا تبكوا فقيدكم، فهم عند الله شهداء، وبين يديه جل وعلا كرماء، وعنده سيكونون خير النزلاء، مع الصديقين والأنبياء، واعلموا أن ما أصابكم من حيفٍ فإنه سينقلب إلى عدل، وأن دماءكم ستصبح ثورة، وستصنع انتفاضة، تكون على العدو لعنة، ولوجوده نهاية، ولبقائه خاتمة، وإنه لنصرٍ بإذن الله قريب، نصنعه بأيدينا ككعك العيد، ونفرح به يوم أن ننتصر على عدونا، ونعود إلى أرضنا كفرحة عيد، فهذا وعدٌ من الله لنا صادقٌ غير مكذوب.

الاثنين 02:00 الموافق 28/7/2014 ( اليوم الثاني والعشرون للعدوان)

مفاوضاتٌ بالنيران وضغوطٌ يمارسها الإخوان

مما لاشك فيه أن العدو الصهيوني قد بات يريد إنهاء العملية العسكرية التي شنها على قطاع غزة، لكنه لا يعرف كيف ومتى ومع من ينهيها.

خيارات العدو الإسرائيلي تصطدم مع إرادة المقاومة الفلسطينية وقوتها، التي ترفض كلياً أن تسمح للعدو بتنفيذ مخططاته، أو إنهاء المعركة حسبما يريد، ووقتما وكيفما شاء، الأمر الذي يجعله عاجزاً أمامها، وغير قادر على تمرير أحدها، فهو يفشل في تنفيذ أياً منها نتيجة رفض قوى المقاومة وممانعتها، وإصرارها على مواصلة المقاومة، واستئناف إطلاق الصواريخ، فضلاً عن قيامها بعملياتٍ مختلفة، كالقنص والمباغتة والمداهمة، والقصف والتسلل والاشتباك مع جنود العدو خلف خطوط النار، في محاولةٍ منها للرد على الغارات والاعتداءات الإسرائيلية، التي أدت إلى استشهاد المئات وجرح الآلاف من الفلسطينيين.

المقاومة عنيدة جداً، وصلبة للغاية، وباتت تملك قوة كبيرة، الأمر الذي يعقد من مسألة كسرها وهزيمتها، ولكن الضغط على الشعب، والمبالغة في استهداف المدنيين، وعدم التوقف عن القصف، سيجبر المقاومة على أن تختار وتقرر، فإما الصمود وخسارة الشعب، وإما القبول والحفاظ عمن بقي، ولكن العدو ومن معه، ينسون أن الشعب سابق المقاومة، وأنه حاضنٌ لها، ويعمل أكثر منها، وهو على استعداد لتحمل المزيد من أجلها، وأنه الذي يدعوها إلى الصبر والثبات، وهو الذي يحذرها من مغبة التفريط والتسليم، ولن يقبل بأقل من هزيمة العدو، وتسليمه بشروطنا، والتزامه بحقوقنا.

الاثنين 11:25 الموافق 28/7/2014 ( اليوم الثاني والعشرون للعدوان)

متلازمة "النحس" التي تلاحق نتنياهو من خالد مشعل تعود من جديد

المركز الفلسطيني للإعلام:

تعتبر الصحافة الصهيونية أن هناك "حظ نحس" دائم يلازم رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو في الملفات التي يرتبط بها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل.

وتشير الصحافة إلى أن هذا "النحس" الذي يلازم نتنياهو من خالد مشعل بدأ حين تولى نتنياهو رئاسة وزراء الاحتلال لأول مرة عام 1997 وقرر حينها اغتيال مشعل في العاصمة الأردنية عمان؛ حيث أصيب مشعل بالسم القاتل ولكن يقظة حارسه الشخصي مكنته من الإمساك باثنين من عناصر الموساد بمساعدة الناس فاضطر نتنياهو ليس فقط لتقديم مصل النجاة لمشعل ليطلق سراح أسيره ويمتص غضب الملك الأردني الراحل الحسين بن طلال، بل اضطر لإطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين.

وتمامًا تكرر هذا النحس في ملف صفقة وفاء الأحرار والتي أرغمت فيها حكومة نتنياهو على إطلاق سراح أسرى نوعيين لم تطلق حكومة الاحتلال مثلهم منذ قيامها، وكان رئيس المكتب السياسي لحماس في الجهة المقابلة أيضًا خالد مشعل.

وفي الحرب الجارية على قطاع غزة عادت الصحافة الصهيونية لتسلط الضوء من جديد في الأيام الأخيرة على "متلازمة النحس" هذه مع تكرر أن يكون رئيس وزراء الاحتلال هو بنيامين نتنياهو ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل.

وقد وصف كبير المحللين في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، ناحوم برنياع، في تقرير له  الجمعة، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل، بأنه يجلب "الحظ النحس" لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو.

ولفت المحلل إلى أن نتنياهو كان قد أمر الموساد، خلال ولايته الأولى في العام 1997، باغتيال مشعل لكنه فشل في تحقيق ذلك، لأن المحاولة جرت في الأردن، واضطر إلى إعادة مشعل إلى الحياة، ولذلك فإن "مشعل هو حظه النحس".

وعادت وسائل الإعلام الصهيونية في الساعات الـ 48 الماضية لتركز على شخصية خالد مشعل وتصفه بأنه "المعضلة " في مفاوضات التهدئة من خلال تمترسه خلف ضرورة رفع الحصار عن غزة؛ حيث دعا وزير خارجية الاحتلال أفيغدور ليبرمان إلى اغتياله في الدوحة.

كما كان لافتًا في نشرات الأخبار وبرامج التحليلات في القنوات الثانية والسابعة والعاشرة تركيزًا مكثفًا على مشعل واعتباره مشكلة تواجهها حكومة الاحتلال في تمرير المبادرة المصرية والتركيز على موقعه القيادي ومستوى تأثيره في حركة حماس.

ويشكل الربط في الإعلام الصهيوني بين فشل نتنياهو في اغتيال مشعل عام 1997، وفشل نتنياهو في تمرير وقف إطلاق نار دون تحقيق شروط الشعب الفلسطيني خاصة بعد رفض المقاومة مجتمعة للمبادرة المصرية التي وافق عليها نتنياهو، دليلاً على عمق الأزمة التي تعيشها القيادة السياسية للاحتلال، وبات واضحًا أن "نحسًا جديدًا" سيولد لنتنياهو في هذه الحرب، فهل سيكون نهاية حياته السياسية؟".

*****************

قائد القسام: لا وقفَ لإطلاق النار إلا بوقف العدوان ورفع الحصار

محلل صهيوني: "إسرائيل" بدأت مرحلة ضياع ونتنياهو يريد سحب الجيش من غزة

الاحتلال ينشر قائمة بـ 37 جنديًا قتلوا خلال العدوان على غزة من بينهم شاؤول

محمد الضيف .. "جنرال حماس" و"رجل الساعة" في إسرائيل

معاريف: حماس انتصرت وضربتها القادمة للجيش ستكون أكثر إيلاما

الأورومتوسطي: 82% من ضحايا عدوان غزة مدنيين

*****************

شؤون تركية

130 رئيس جامعة تركية يدينون العدوان على غزة

أرقام قياسية للاستثمارات الأجنبية في العقارات التركية

"داود أوغلو": سياستنا تجاه فلسطين ستكتب بأحرف من ذهب

حزب السعادة يختار "الحياد" في انتخابات رئاسة الجمهورية التركية

أكثر من مليوني تركي مقيم في الهجر

**************

تقرير لرئاسة الوزراء التركية

يفند مزاعم حول علاقة تركيا بإسرائيل

كما أصدرت تنسيقية الدبلوماسية العامة برئاسة الوزراء التركية، تقريرا مطولا ذكرت فيه أن تركيا اعترفت بدولة إسرائيل في العام 1949، وأن العلاقات الدبلوماسية بينهما بدأت في العام 1950 وكانت البداية عبارة عن ممثلية دبلوماسية، ليتم خفض مستوى التمثيل الدبلوماسي بينهما إلى درجة "القائم بالأعمال" في 26 تشرين الثاني / نوفمبر 1956 أثناء العدوان الثلاثي (البريطاني – الفرنسي - الإسرائيلي) على مصر، لتحدث عقب ذلك تطورات إيجابية أدت إلى إعادة فتح الممثلية الدبلوماسية ثانية في تموز / يوليو 1963، ثم يرتفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بين البلدين لدرجة سفير في كانون الثاني / يناير 1980.

لكن انخفض التمثيل الدبلوامسي بين البلدين مجددا، في 30 تشرين الثاني / نوفمبر 1980، لكن هذه المرة إلى مستوى "سكرتير ثانٍ"، وذلك عقب ضم إسرائيل القدس الشرقية لها، وإعلانها عاصمة أبدية لها، بحسب التقرير، الذي أوضح أن العلاقات بدأت تتطور بعد ذلك في إطار "عملية سلام أوسلو" 1980، لتعود إلى طبيعتها في الفترات الذي أسهمت فيها الحكومات الإسرائيلية في عمليات السلام، والتي شهدت ارتفاعا ملحوظا في التطلعات والآمال الدولية والإقليمية المنعقدة على عمليات السلام تلك.

مواقف مبنية على مبادئ:

أوضح التقرير أن المواقف المبنية على مبادئ التي تتخذها تركيا حيال السياسات الإسرائيلية المختلفة، شهدها المجتمع التركي مرارا وتكرارا، في عهود كل من الرئيس التركي الراحل "تورغوت أوزال"، ورئيسي الحكومة الراحلين "بولنت أجاويد"، و"نجم الدين أربكان".

وأضاف التقرير: فعلى سبيل المثال لا الحصر، أدلى رئيس الورزاء الأسبق الراحل أجاويد بتصريحات أدان فيها الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في مدينة جنين الفلسطينية في 3 نيسان / أبريل 2002، وقال في هذا الشأن (إسرائيل ترتكب مجازر).

وأوضح التقرير أن المواقف التركية القائمة على مبادئ اتخذت بعدا سياسيا أكثر حزما في فترة الحكومات التي ترأسها "رجب طيب أردوغان" رئيس الحكومة الحالي، لافتا إلى أن هذه المواقف اكتسبت رؤية عالمية مؤثرة، وأوضح أن العلاقات بين البلدين في عهد حكومات أردوغان، كان يتم التشجيع عليها في الفترات التي كانت تشارك فيها إسرائيل في عمليات السلام، بينما كان يتم تعليقها إذا ما شرعت إسرائيل إلى انتهاج سياسات استيطانية، ترتكب على إثراها مجازر بحق الفلسطينيين.

تم تعليق العلاقات بين تركيا وإسرائيل في نهاية العام 2008، ثم سحبت تركيا سفيرها من إسرائيل في العام 2010 على خلفية عدوان الجيش الإسرائيلي على قافلة المساعدات الإنسانية، وقتلها 10 نشطاء أتراك.

ولفت التقرير إلى أن العام 2013 شهد فرصة لعودة العلاقات إلى طبيعتها بين البلدين، بعد قبول إسرائيل شروط تركيا من أجل تحقيق ذلك، والمتمثلة في الاعتذار عن حادث السفينة "مافي مرمرة"، ودفع تعويضات للضحايا والمصابين، موضحا أن الهجوم الأخير الذي بدأته إسرائيل على قطاع غزة في الـ7 من الشهر الجاري، والذي أسفر حتى الـ23 من الشهر ذاته عن وقوع 693 مدنيا من بينهم 170 طفلا، وإصابة أكثر من 4 ألاف آخرين، كان سببا في تعليق العلاقات إلى آجل غير مسمى قبل عودتها.

*****************

أخبار متفرقة

طوم دانيال "أبو اللواء الصوري"

العميل الأمريكي الذي خدع القاعدة في العراق

الوصف: الإسلاميون

الإسلاميون: عميل أمريكي قام بتربية لحيته وقرأ عن الإسلام والسلفية الجهادية وأفكار القاعدة وتلقى تدريبات خاصة وسلمته المخابرات الأمريكية جواز سفر وهوية مزورة باسم )تيسير جودت عبد الهادي( لبناني الجنسية وذهب لاختراق القاعدة ونجح بالفعل بعد أن عرفهم بنفسه على أنه لبناني يعيش في المكسيك وأتى من أمريكا اللاتينية من أجل الجهاد.

سرعان ما أصبح طوم أو أبو اللواء قائدا في تنظيم القاعدة ويقوم بالتخطيط للتفجيرات ضد المراقد والمقدسات الشيعية ويجند لها عشرات الشباب كما كان يقوم بإرسال مقاتلين من القاعدة للهجوم على القواعد الأمريكية ويقوم بالإبلاغ عن الهجوم مسبقا ليتم قتل هؤلاء أو اعتقالهم.

كما ساهم في مقتل أبو مصعب الزرقاوي الذي كان صديقه المقرب وساهم بعد ذلك في اغتيال أبو أيوب المصري.

الغريب في الأمر أن طوم كان يقوم خطيباً وإماماً لأتباع القاعدة أثناء تجمعهم للصلاة أو في مناطق تدريبهم.

ورجع طوم بعد انتهاء الحرب في العراق وكشف عن هويته ونشر صورته قبل وبعد حلاقة لحيته خوفاً من أن تصفيه المخابرات الأمريكية.

وأمام مثل هذا الحدث يجدر التساؤل: كم من أمثال العميل طوم يعيشون بيننا هذه الأيام؟ وأين من الممكن أن يكون تواجدهم؟

*****************

دراسات

أربعون عاماً على تقسيم قبرص

عبدالجليل المرهون - صحيفة (الرياض)/ 25 تموز 2014

في العشرين من تموز/ يوليو 2014، احتفل القبارصة الأتراك بالذكرى الأربعين ليوم الحرية والسلام، بحضور رسمي وشعبي كبير.

وفي خطابه الذي ألقاه في الشطر التركي من نيقوسيا، في احتفالية العشرين من تموز، شدد الرئيس القبرصي التركي، درويش إيروغلو، على ضرورة استئناف محادثات السلام، والبناء على ما تم التوصل إليه في الجولات السابقة، وعدم العودة إلى أمور سبق التوافق بشأنها، لأن في ذلك إضاعة للوقت لا طائل منها.

وما يُمكن قوله الآن، بعد أربعين عاماً على عملية الحرية والسلام، وثلاثة عقود على إنشاء الجمهورية التركية لشمال قبرص، هو أن القبارصة الأتراك قد تمكنوا من تجاوز الكثير من الصعاب، وشيدوا بنية تحتية عامة في مناطقهم.. فقد قفز نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي في جمهورية قبرص التركية من 11.8 ألف دولار عام 2006 إلى 15.7 ألف دولار في تقديرات العام 2014.

من جهة أخرى، يُمكن ملاحظة إن إحدى التطوّرات الأكثر مغزى في مسار المسألة القبرصية قد تجلت في اكتشافات النفط والغاز. وهذه مسالة جوهرية، بمعيار الحسابات السياسية والاقتصادية على حد سواء، وخاصة لجهة شعور القبارصة الأتراك بأن نظرائهم في الشطر اليوناني من الجزيرة يتجهون لاستغلال هذه الثروة من جانب واحد، وحرمانهم منها.

وقد عقد الشطر اليوناني بالفعل اتفاقات للتنقيب عن النفط والغاز في حقل ليفيتان، الذي يقع إلى الجنوب الشرقي من العاصمة نيقوسيا. وحسب تقدير لمركز المسح الجيولوجي الأميركي، يحتوي حقل ليفيتان على 1.7 مليار برميل من النفط القابل للاستخراج، و122 مليار قدم مكعبة من الغاز الطبيعي.

الخلفيات التاريخية:

وكثيرا ما يسأل الناس عن خلفيات الأزمة القبرصية، وكيف وصلت إلى ما هي عليه اليوم؟

لتوضيح ذلك، يُمكن ملاحظة أن دستور قبرص، الذي تم تطبيقه في العام 1960، بعد الاستقلال عن بريطانيا، قد قسم المناصب السياسية بين المجموعتين القبرصيتين اليونانية والتركية. بيد أن زعماء القبارصة اليونانيين انقلبوا في كانون الأول ديسمبر 1963 على دستور العام 1960، واتجهوا للتعامل مع القبارصة الأتراك باعتبارهم أقلية عرقية ودينية، لا بصفتهم شركاء في الوطن.

وبعد ذلك، أصبح القبارصة الأتراك ضحية لسلسلة متصلة من العنف الدموي.

وفي انقلاب 15 تموز يوليو 1974، حدث انقلاب عسكري، نفذته، بالتعاون مع ضباط يونانيين، عناصر قبرصية يونانية تدعو لاندماج قبرص مع اليونان.

وقد تمثل أحد التداعيات السريعة لهذا الانقلاب في انطلاق موجة عاتية من أعمال العنف ضد المجموعة القبرصية التركية.

وحينها قامت تركيا، باعتبارها إحدى الدول الضامنة لأمن قبرص، بالتدخل العسكري للحيلولة دون وقوع إبادة جماعية بحق القبارصة الأتراك، الذين تركزوا في الأخير في الجزء الشمالي من الجزيرة. وقد حدث ذلك في 20 تموز يوليو من ذلك العام.

وفي سياق المسار التاريخي ذاته، أعلنت القيادات القبرصية التركية، في 15 تشرين الثاني نوفمبر 1983، بعد استفتاء عام لسكان الشطر الشمالي، عن قيام "الجمهورية التركية لشمال قبرص"، التي تسمى أيضاً قبرص الشمالية. وبعد حوالي عشرين عاماً، وتحديداً في شباط فبراير من العام 2003، اعتمد مجلس الأمن الدولي بالإجماع القرار الرقم (1475)، الذي منح تأييده الكامل "للخطة المتوازنة بقبرص"، التي طرحها الأمين العام للأمم المتحدة حينها، كوفي عنان. وقُدم الاتفاق الأساسي المقترح في التسوية الشاملة للمشكلة القبرصية إلى استفتاءين متزامنين، في الجنوب والشمال، وذلك في 24 نيسان أبريل من العام 2004.

وقد رفض القبارصة اليونانيون خطة الأمين العام للأمم المتحدة، بمعدل ثلاثة أصوات إلى صوت واحد، في حين وافق عليها القبارصة الأتراك بمتوسط اثنين إلى واحد.

وقد انضم الشطر القبرصي اليوناني إلى عضوية الاتحاد الأوروبي بعد أيام فقط من رفضه للخطة الدولية.

وحسب إعلان هلسنكي، الصادر في كانون الأول ديسمبر 1999، فإن قبرص تدخل إلى الاتحاد الأوروبي، حتى وإن لم تصل مشكلتها إلى حل، شريطة ألا يكون الجانب القبرصي اليوناني مسؤولاً عن فشل المفاوضات.

بيد أن الاتحاد الأوروبي لم يتقيد بهذا الإعلان.

تجاوب القبارصة الأتراك مع القرارات الدولية، واستجابوا لرغبة المجتمع الدولي في إنهاء الأزمة وإعادة توحيد الجزيرة، وصوتوا بنعم لخطة الأمم المتحدة.

وعلى الرغم من ذلك، فإن العالم لم ينصفهم، ولم تفِ أوروبا بوعودها بإنهاء الحصار المفروض عليهم، إن هم صوتوا للخطة الأممية.

*****************

دولة يهودية ... التسمية الصعبة وصراعات المنطقة

عمر كيلاني- كاتب وباحث فلسطيني

قبل ساعات من الإعلان عن تأسيس إسرائيل، اختلف القادة الصهاينة (الذين اجتمعوا في إطار ما أطلق عليه اسم مجلس الدولة المؤقت، في تل أبيب، مساء 14/5/1948) على الاسم الذي سيطلقونه كيانهم، على الرغم من مرور نحو خمسين عاماً على صدور كتاب من وصفوه نبي الصهيونية، تيودور هرتزل، بعنوان (الدولة اليهودية – أو دولة اليهود) ومرور 31 عاماً على صدور وعد بلفور البريطاني، بإنشاء (وطن قومي لليهود في فلسطين) ومرور نحو ستة أشهر على صدور قرار تقسيم فلسطين في 29/11/1947 الذي نص، أو بتعبير أدق، أوصى بتقسيم فلسطين إلى دولتين، عربية ويهودية، مع تدويل مدينة القدس.

لم يتحدث وعد بلفور عن دولة، بل عن (وطن قومي لليهود في فلسطين)، وليس في كل فلسطين، ولم يطلق اسماً على ذلك الوطن، لا هو ولا المؤسسون الصهاينة.

وكذلك الحال في مقترحات تقسيم فلسطين التي صدرت عن أكثر من لجنة، خصوصاً لجنتي بيل البريطانية وموريسون الأميركية، وصولاً إلى قرار تقسيم فلسطين.

فقد اقترحت تلك اللجان، وكذلك قرار التقسيم، إنشاء دولة يهودية، إلى جانب دولة عربية في فلسطين.

ويذكر على هذا الصعيد أنه، قبيل صدور الإعلان عن إقامة دولة الكيان الصهيوني في تل أبيب، وعندما أُبلغ الرئيس الأميركي، هاري ترومان، عن ذلك، جهز البيت الأبيض كتاب الاعتراف بهذه الدولة قبل الإعلان عنها، وكان ينص على الاعتراف بـ (الدولة اليهودية)، كونه كان يتوقع أن تحمل هذا الاسم، وقد سارع ترومان إلى شطب (الدولة اليهودية)، ووضع بدلاً عنها (دولة إسرائيل) فور وصول خبر من تل أبيب عن قرار (مجلس الدولة المؤقت) تسمية الدولة دولة إسرائيل، وليس الدولة اليهودية.

(الوثيقة محفوظة في أرشيف البيت الأبيض، ونشرت صور عنها، وهي تظهر أن الرئيس ترومان شطب بقلمه على الدولة اليهودية، وكتب بدلاً عنها دولة إسرائيل).

كان المتداول في واشنطن، وغيرها من العواصم الداعمة للحركة الصهيونية، أن الدولة التي سيعلن عن إقامتها في تل أبيب ستحمل اسم الدولة اليهودية، إلا أن المجتمعين، في إطار ذلك المجلس، قرروا خلاف ذلك، بعد مداولاتٍ مطولة، استعرضوا فيها أكثر من مقترح اسماً للدولة التي ينوون الإعلان عن إقامتها، والأسماء هي: يهودا وعيبر وتسيون (صهيون) وإيرتس إسرائيل (أرض إسرائيل).

وتذكر مصادر أنه تم اسبتعاد تلك الأسماء، واختيار اسم (إسرائيل)، للأسباب الموجزة التالية:

1- يهودا ويهودية، كونه يستخدم للإشارة إلى أبناء الديانة اليهودية، أو مجموعة دينية عرقية، بينما يوجد في إسرائيل مواطنون مسلمون ومسيحيون وعلمانيون غير متدينين .. ويضاف إلى ذلك أن يهودا هو الاسم العبري لجبال في الخليل كانت ضمن حدود الدولة العربية، حسب قرار التقسيم.

2- أما اسم عيبر، أو عبريين، فهو غير معروف لدى غالبية المستوطنين، وهو يشير إلى كتلة سياسية دينية معينة، وهي كتلة يهود علمانيين فضلوا تسميتهم عبريين، بدلاً من يهود.

3- التأكيد على وجوب التفريق بين (إيرتس إسرائيل – أرض إسرائيل) واسم الدولة الجديدة.

وتأكيد أن اسم (دولة إسرائيل) اصطلاح سياسي محدد، بينما (أرض إسرائيل) اصطلاح جغرافي، وإن دولة إسرائيل يمكن أن تمتد على كل (أرض إسرائيل)، أو على جزء منها، أو حتى على أجزاء ليست تابعة لأرض إسرائيل.

وخلصت نقاشات المجتمعين في مجلس الدولة، والذي تعد قراراته، إلى اليوم، من أهم القرارات التي صدرت في إسرائيل، وبمثابة مواد وقوانين دستورية (علماً أنه لا يوجد دستور في إسرائيل)، إلى التوقيع على ما وصف بـ(وثيقة إعلان الاستقلال)، وأهم ما جاء فيها على هذا الصعيد (نعلن قيام دولة يهودية في أرض إسرائيل هي دولة إسرائيل).

يبدو أن رئيس وزراء دولة الكيان الصهيوني، بنيامين نتنياهو، اكتشف، أخيراً، الحوارات الصهيونية التي جرت بشأن تلك التسميات، وأراد أن يعود إلى نقطة الصفر، عازماً على تخطئة أسلافه الذين قرروا تسمية الدولة باسم إسرائيل، وأن يطلق عليها اسم دولة اليهود، أو الدولة اليهودية التي سبق أن رفضها المجلس المؤسس لدولة الكيان الصهيوني.

ولم يفصح نتنياهو عن ذلك كلياً، بل حاول، بدايةً، أن يفرض على السلطة الوطنية الفلسطينية أن تعترف بإسرائيل دولة يهودية، علماً أنه لم يسبق له، أو لأي من أسلافه منذ 1948 حتى اليوم، أن فرض على أي دولة أن تعترف بإسرائيل دولة يهودية، ولم يحاول ذلك حتى إسحق رابين رئيس وزراء دولة الكيان الصهيوني الذي وقع اتفاقات أوسلو عام 1993 مع الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات.

فرابين لم يطلب من عرفات هكذا طلب، على الرغم من أنهما تبادلا اثنتين من أهم وثائق أوسلو (وثيقتي الاعتراف المتبادل)، الأولى من الرئيس عرفات تنص على (اعتراف منظمة التحرير بحق دولة الكيان الصهيوني في العيش بسلام وأمن) من دون توصيفها بأنها دولة يهودية، والثانية وثيقة من رابين، تنص على أن (حكومة دولة الكيان الصهيوني قررت الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها الممثل للشعب الفلسطيني).

يدرك نتنياهو جيداً استحالة أن يحصل من السلطة، أو الدولة الفلسطينية، على اعتراف بدولة الكيان الصهيوني كدولة يهودية، انطلاقاً من أن الصراع مع دولة الكيان الصهيوني سياسي لا ديني، وأن الاحتلال الحاصل للأراضي الفلسطينية هو استيطاني سياسي، لا ديني (مهما حاولت دولة الكيان الصهيوني إلباسه لباساً دينياً)، وأن الفلسطينيين ليسوا طائفة دينية، وإنما شعب له الحق الكامل في العيش على أرض وطنه حراً سيداً مستقلاً، وله الحق الكامل في إقامة دولته الوطنية على أرض وطنه.

لم يسبق لدولة الكيان الصهيوني أن طلبت من أي دولة أن تعترف بهذه الصفة، أو التسمية الدينية، ولم يطلب ذلك نتنياهو، وحكوماته السابقة والحالية.

والأرجح أن نتنياهو يراهن على ما هو أبعد من ذلك كله، وربما يريد أن يميز دولة الكيان الصهيوني بتعريفها مسبقاً دولة يهودية، ليكون متلائماً أكثر مع المرحلة الجديدة التي تعيشها المنطقة.

فهو يرى، وكثير من مستشاريه، وباحثون عرب ودوليون، أن المنطقة، وكياناتها السياسية، في حالة سيولةٍ ذاهبة نحو انفجار صراعات وحروب أهلية طائفية ومذهبية ودينية مريرة، ويريد، سلفاً، تحصين دولة الكيان الصهيوني، عبر تعريفها بيهوديتها، عشية انفجار هذه الصراعات، والتي قد تسفر، في السنوات المقبلة، عن إنشاء دويلات وإمارات وممالك سنية وشيعية ودرزية ومسيحية، وقد لا تقوى أيٌّ منها على مواجهة دولة الكيان الصهيوني، وحتى معاداتها، بل قد تلجأ هذه، أو تلك، منها إلى مهادنة دولة الكيان الصهيوني، أو الاحتماء بها، وحتى التحالف معها.

وسبق أن راهن خبراء وباحثون استراتيجيون إسرائيليون، وغربيون كثيرون، على تفتيت دول المنطقة فيما بعد سايكس – بيكو إلى دويلات وطوائف ومذاهب وعشائر وقبائل.

*****************

خاطرة

د.طلعت محمد عفيفي – وزير الأوقاف المصري في عهد الرئيس الشرعي محمد مرسي

١- لا يخفى على متأمل أن الواقع المعاصر يشهد توترا غير مسبوق، وأن بؤر الصراع تتسع دائرتها، وأن هذا الصراع بات واضحاً بين شعوب تتطلع إلى مستقبل أفضل، وحكومات تسبح ضد هذا التيار، مستندة إلى تأييد غربي، وإمكانات إعلامية واقتصادية وغير ذلك.

وقد أشار الباحثون إلى أن هذا الأمر لابد من حصوله كإرهاص ومقدمة لحادث جلل سوف يقع.

يقول فضيلة الشيخ محمد الغزالي رحمه الله : "إن زوال إسرائيل قد يسبقه زوال أنظمة عربية عاشت تضحك على شعوبها ودمار مجتمعات فرضت على نفسها الوهم والوهن".

٢- لقد فشلت الحضارة الغربية في جلب السعادة للناس، وتبنت الإلحاد والفجور، وأذاقت البشرية الحروب والويلات، وعملت على إذلال الخلق وتخلفهم، وقطع الصلة بينهم وبين أسباب الحضارة والتفوق، وبذلك مهدت الطريق لزوالها وانزوائها.

يقول المفكر الإسلامى محمد إقبال في وصف واقع الحضارة الغربية: "إن الأمة التي لا نصيب لها في التوجيه السماوي والتنزيل الإلهي غاية نبوغها تسخير الكهرباء والبخار، إن المدنية التي تتحكم فيها الآلات، وتسيطر فيها الصناعة، تموت فيها القلوب، ويقتل فيها الحنان والوفاء والمعاني الإنسانية الكريمة ... إنها حضارة شابة - بحداثة سنها، والحيوية الكامنة فيها، ولكنها محتضرة تعاني سكرات الموت، وإن لم تمت حتف أنفها فستنتحر وتقتل نفسها بخنجرها، ولا غرابة في ذلك، فإن كل وكر يقوم على غصن ضعيف ليس له استقرار".

وكما فشلت الحضارة الغربية في تحقيق السعادة لشعوب الأرض، فإن الأنظمة العميلة لها فشلت هي الأخرى في تحقيق طموحات الشعوب، فإذا بتلك الشعوب تنتفض في كل مكان، ورغم ضراوة التحدي تصر الشعوب على مقاومة الظلم، وعدم التخلي عن ذلك، مهما كلفها ذلك من تضحيات.

٣- وهذا الواقع الجديد يؤكد على أن الله تعالى يعدّ أمة الإسلام لحدث جلل، لا يخص فلسطين أو العراق أو مصر أو أي بلد فحسب، وإنما لشيء عظيم لا يعلم قدره ووزنه إلا الله تعالى، وهو سبحانه يعلم قدر الظلم من جانب الغرب وحلفائه، وقدر التضحيات التي بذلت - ولا تزال - للتخلص من هذا الواقع الأليم.

وقد بيّن ربنا تبارك وتعالى أن الابتلاء يستهدف التمحيص والتمييز بين المحق والمبطل، وبين الصادق والكاذب، وأن الباطل مندحر مهما طال أمده، ومهما كثر أتباعه، فيقول تعالى: (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب). ويقول أيضاً: (ليميز الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعاً فيجعله فى جهنم). ومعنى (فيركمه جميعاً) أي يجمع بعضه على بعض.

وأرى - والله أعلم - أننا نعيش فترة التمحيص هذه، وسوف يعقبها بمشيئة الله تعالى نصر الله لأوليائه، وإعزازه لأهل طاعته (ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريباً).

*****************

في المنهاج

الإخوان .. اليوم وأمس

كناطح صخرة يومًا ليوهنها فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل

"الإخوان المسلمون اليوم وأمس وهم الأمة الجديدة القائمة على الحق المهتدية بنور الله، الداعية إلى صراطه المستقيم بين منحة ومحنة .. وعليهم أن يشكروا الله أجزل الشكر، على ما أولاهم من نعمه، وأغدق عليهم من فضله ومنته، وأن يصبروا أكمل الصبر على المحنة مهما علا ضجيجها، وأرعد برقها وعظم هولها، وأجلبت بخيلها ورَجلها، وليثقوا بوعود الله تبارك وتعالى لسلفهم الصالحين (وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) (آل عمران: 120)".

الإمام حسن البنا

الأصل عند جميع الإخوان أنهم يعملون حسبة لله يبتغون بجميع أفعالهم وأقوالهم رضاه سبحانه وتعالى، وإذا كان جميع أفراد الجماعة يفترضون فى أنفسهم الإخلاص فافتراضهم ذلك في قياداتهم أشد وأقوى، وهم تعلموا ذلك من سيدنا أبا أيوب الأنصاري وزوجه، فقد قالت له حين قال أهل الإفك ما قالوا، فقال لها: يا أم أيوب أكنتِ تفعلين ذاك؟ ... فقالت: لا والله. فقال: فعائشة والله خير منكِ وأطيب، فأنزل الله عز وجل (لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ) (النور: 12)، وهذا ظننا بقيادتنا ولا نزكيهم على الله.

تتعدد الكتابات التي تتناول ما يجري الآن في مصر من أحداث وتكثر التخمينات التي تتناول تأثير هذه الأحداث على الجماعة .. ما بين تخمينات حالم بأن النتيجة الحتمية هي التاثير على كيان الدعوة وتنظيم الجماعة، ويقين متأكد بأن الله سبحانه وتعالى سيجعل من وراء هذه الأحداث الخير والفائدة للإسلام والمسلمين، وبأن الجماعة بإذن الله تعالى ستخرج منها أصلب عودا وأمضى حركة نحو تحقيق أهدافها التي أضحت أهداف الشعوب جميعا إن شاء الله تعالى.

وهذا عبارات لا تنطلق من نبع العاطفة فقط، بل هي الحقيقة التي أكدها تاريخ الجماعة وأكدتها الأحداث الممتدة طوال تاريخ الجماعة منذ أكثر من 85 عام وحتى اليوم.

فالجميع يعلم ونحن نعلم وكل الإخوان يعلمون ولا زالوا يتعلمون أن المنهج معصوم بعصمة مرجعيته - القرآن والسنة -، فكل من يعتنق هذا المنهج ويرتبط به، يعلم إن ارتباطه بالمنهج ارتباط علمي عملي.

لقد عاشت الجماعة عهوداً متكاملة وأزمنة عديدة بفضل من الله في ظل قوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)،

وعاشوا في ظل دعوتهم المباركة على قيم ومعاني الانتماء الصافي والطاعة الواعية المبصرة والثقة المتبادلة والأخوة الصادقة، وتربوا على ذلك، فعاشوا لدعوتهم وبها في ظل إطار تنظيمي محكم البناء عميق الانتماء كثير العطاء، الكل يحرص على أن يكون ضمن تلك العصبة المؤمنة، يجمعهم الرابط التنظيمي المتمثل في أركان ثلاثة (الطاعة والأخوة والثقة) لا يحيدون عنها قيد أنملة، فكان الإنتماء التنظيمي لدعوة الإخوان:

1- طاعة مبصرة منطلقة من الإيمان شعارها "قوم يرون الحق نصر أميرهم .. ويرون طاعة أمره إيماناً".

2- أخوة صادقة تسمو فوق آواصر الانتماء الضيقة المحدودة.

3- ثقة عالية لا تضعف أمام محن الشهوات والشبهات.

ومما يسقط أحلام الواهمين، أن الجماعة تستقي دائما مواقفها من الآلية الربانية في اتخاذ القرار وإقرار التوجهات التي نصت عليها مرجعيتهم - القرآن والسنة - فألزموا أنفسهم بالشورى.

يقول فضيلة الأستاذ محمد مهدي عاكف- المرشد العام السابع فك الله أسره وإخوانه جميعا - أنه إذا لم تكن الشورى مُطَبَّقةً داخل جماعة الإخوان المسلمون لَمَا استمرت على الساحتين المحلية والدولية حتى الآن، وأن الشورى لدى الجماعة فرضٌ وخُلقٌ، ولا يوجد مؤسسة داخل الإخوان تستطيع أن تتحرك دون تطبيق مبدأ الشورى، وإنَّ كثيرًا من الأفكار والجماعات قد اندثرت لغياب الشورى عنها، وما تتكسر عليه كل تمنيات الآخر المتحامل، تلك الرابطة الأخوية الصادقة، فقد تعلم الإخوان ولا زالوا من كلام الإمام المؤسس حسن البنا رحمه الله: "وأريد بالأخوة: أن ترتبط القلوبُ والأرواحُ برباط العقيدة، والعقيدة أوثق الروابطِ وأغلاها، والأخوَّة أخت الإيمان، والتفرُّقُ أخو الكفر، وأول القوة قوة الوحدة، ولا وِحْدَةَ بغير حب، وأقل الحب سلامة الصدر، وأعلاه مرتبة الإيثار (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) (الحشر: من الآية 9) ..

والأخُ الصادقُ يرى إخوانَه أوْلى بنفسِه من نفسه؛ لأنه إن لم يكن بهم فلن يكونَ بغيرهم، وهم إن لم يكونوا به كانوا بغيره.

هذه هي دعوة الإخوان لمن لم يعرفها جيداً، ولمن لم يقف على أعتابها، ولمن لم يدرك حقيقتها، هكذا هم الإخوان كانوا وسيظلون زمرة القلب الواحد،

قد يقول قائل هذه مثالية، ولكننا نعتقدها حقيقة في دعوة الإخوان،

ونختم بما قاله المؤسس رحمه الله: "فاذكروا جيداً أيها الإخوة، أنكم الغرباء الذين يصلحون عند فساد الناس، وأنكم العقل الجديد الذي يريد الله أن يفرق به بين الحق والباطل في وقت التبس عليها فيه الحق بالباطل، وأنكم دعاة الإسلام، وحملة القرآن، وصلة الأرض بالسماء، وورثه محمد صلى الله عليه وسلم، وخلفاء صحابته من بعده، فضلت دعوتكم الدعوات، وسمت غايتكم علي الغايات، واستندتم إلى ركن شديد، واستمسكتم بعروة وثقى لا انفصام لها، وأخذتم بنور مبين وقد التبست على الناس المسالك وضلوا سواء السبيل، والله غالب على أمره".

والله أكبر ولله الحمد.

والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل

والله أكبر ولله الحمد

وفي انتظار رؤيتكم ونصائحكم

أسرة رسالة الإخوان

هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته

هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته

 

 
RocketTheme Joomla Templates