التفوق والبيت
تمهيد :
التفوق هو حصول الطالب على معدل عام لايقل عن تسعين بالمائة ، ولايصلح هذا المقياس دائماً لاختلاف موازين المدرسين ، لذلك فالمقياس الأفضل منه حصـول الطالب على الترتيـب الأول أو الثاني أوالثالث على الفصل ، والترتيب الأول وحتى العاشـر على الصف شريطة أن لايقل المعدل عن تسـعين بالمائة ، وأن لايزيد عدد طلاب الصف على المائة .
وعندما ننتبه إلى أن المدرسة تقدم جرعة واحدة لجميع الطلاب ، بل تبذل جهوداً للمقصرين أكثر من غيرهم ومع ذلك يتفاوت التحصيل المدرسي عند الطلاب فنجد بينهم المتفوق والمتوسط والمقصر في التحصيل المدرسي ، والسبب الأساس لهذا التنوع متابعة البيت . وتفوق الطالب في جميع المواد المدرسية لاتعليل له سوى متابعة البيت ، فمتابعة البيت مع حاصل ذكاء مرتفع تؤدي إلى التفوق ، أما حاصل ذكاء مرتفع بدون متابعة من البيت فلا يؤدي إلى التفوق في جميع المواد .
فرضية البحث :
من خلال عمل الباحث في الإرشـاد الطلابي والتدريس مدة طويلة ، ومن خلال تربيته لأولاده ، صاغ الباحث فرضيته على النحو التالي : السبب الأول في تفوق الطالب هو متابعة البيت له ([1]) ، أما حاصل الذكاء المرتفع ، وجهود المدرسين فتأتي في المرتبة الثانية والثالثة على الترتيب . والمقصود بمتابعة البيت توفر الجو الدراسي في المنزل ، مع متابعة أحد الوالدين أوكلاهما للطالب وحثه باستمرار على الجد والاجتهـاد ، واهتمامهم الجاد بمستقبله الدراسي والعلمي .
وللتأكد من صحة هذه الفرضية قام الباحث بإجراء البحث الميداني على مجموعة من الطلاب المتفوقين في مدرسة المنارة للبنين في المدينة المنورة . وتهدف هذه الدراسة إلى معرفة العلاقة بين التفوق ومتابعة البيت للطالب .
عـينة البحــث :
تتكون عينة الدراسة من (100) طالب متفوق في مدرسة المنارة للبنين ، فـي الـمرحلة الابـتدائيـة والمتوسطـة والثانويـة ، وقد اعتبر العشرة الأوائل على الـصـف حسـب نـتـائج امتحان الدور الأول للعام الدراسي (1417ـ 1418 هـ) ، في صفوف المرحلة المتوسطة الثلاثة ، وفي الصفين الأول والثاني الثانوي ، وعددهم خمسون طالباً واستبعد الباحث الصف الثالث الثانوي حيث سحبوا ملفاتهم حين إجراء هذا البحث (أواخر ربيع الثاني 1418هـ) ، و خمسون طالباً متفوقاً من الصف الرابع والخامس والسادس الابتدائي ، واستبعد المتفوقون من الصفوف الأول والثاني والثالث الابتدائي لكثرة المتفوقين فيهم بسبب عناية البيت بأطفالهم الصغار ، ولأن الاختبارات الشفوية عادة أقل موضوعية في القياس التربوي ، ومعظم اختباراتهم شفوية .
وتتراوح معدلات المتفوقين في المرحلة الثانوية بين (93%) إلى (99.55%) ، كما تتراوح معدلات المتفوقين في المرحلة المتوسطة بين (92.51%) إلى (99.60%) ، أما معدلات المتفوقين المدروسين في هذا البحث من المرحلة الابتدائية فتتراوح بين (97%) إلى (100%) .
إجــراء ا ت البـحـث :
استأذن الباحث سعادة الدكتور أحمد حسن مفتي مدير مدارس البنين في منــارات المدينة المنورة للسماح له بمراجعة السجلات الشاملة للطلاب المتفوقين ، وبعد تفضله بالموافقة ، تكرم الزميلان المرشدان الطلابيان في المدرسة فقدموا للباحث قائمة بأسماء العشرة الأوائل في كل صف من صفوف المدرسة ([1]) .
قام الباحث بمراجعة السجلات الشاملة لهؤلاء المتفوقين ، ورصد المعلومات التالية :
ترتيب الطالب في الأسرة ، عدد أفراد الأسرة ، عمل الأب ، عمل الأم ، ثقافة الأب ، ثقافة الأم . وجميع هذه المعلومات مدونة في السجل الشامل ، وذات دلالة على عناية البيت بالطالب .
ويفترض الباحث أن ترتيب الطالب في الأسرة له علاقة بالتفوق ، فالمولودان الأول والأخير في الأسرة ، يعتنى بهما أكثر من الآخرين . كما يفترض الباحث أن عدد أفراد الأسرة القليل والمتوسط ( 5 ـ 7 ) يوفر عناية للطالب في البيت أكثر من الأسرة كبيرة العدد (12ــ15) ([1]) ، وبالتأكيد لثقافة الوالدين وعملهما علاقة كبيرة بعناية البيت بالطالب ، وفي الغالب يتمكن الأب الموظف من متابعة أولاده أكثر من الأب التاجر أو رجل لأعمال الذي تكثر أسفاره ، كما أن الأم ربة المنزل تتمكن من متابعة أولادها أكثر من الموظفة حتى لو كانت مدرسة . لذلك يعتبر الباحث هذه المعلومات ذات دلالة على متابعة الطالب في البيت .
نتــــــائـــــج البـــــــــحـث
ترتيب الطالب المتفوق في أسرته :
(43%) مـن الـمتفوقين ترتيبهم الأول في الأسرة ، و(22%) ترتيبهم الأخير ، أي أن (65% ) من أفراد العينة ترتيبهم الأول والأخير ، وهذا يؤكد عــلاقة البيـت بالتفوق لأن الأسـرة عادة تبذل عناية وجهد لهذين المولودين ( الأول والأخير) أكثر من غيرهما ، وأهم الأسباب تفرغ الأسرة للمولود الأول وكذلك تفرغها للمولود الأخير ([1]).
عدد أفراد الأسرة :
وجد الباحث أن (11%) من أسر العينة تعدادها (4) فقط أي الأب والأم وولدان . ووجد أن (26%) من أسر العينة تعدادها ( 5 ) أفراد فقط ، و(26%) أيـضاً تعدادها (6) أفراد فـقـط ، و(18%) تعـدادها (7) أفــراد ، و (11%) تعدادها (8) أفراد ، و(5%) تعدادها ( 9) أفراد ، و(3%) فقط تعدادها (10ــ 11) فرد اً .
أي أن (81%) من أسر المتفوقين يتراوح عددها بين (4 ــ 7) أفراد وهذه أسـرة قـليلـة ومتوسطـة العدد ، بينما (29%) فقط يتراوح عـددها بين (8 ـ 11 ) وهذه أسر كبيرة العدد . ويدل ذلك على أن الأسرة ذات العدد القليل والمتوسط تمكنت من الاهتمام بأولادها أكثر من الأسرة ذات العدد الكبير ، وهذا منطقي ومعقول ، ويؤكد العلاقة الوطيدة بين البيت والتفوق المدرسي .
ثقافـة الأب :
(14%) من آباء المتفوقين يحملون الدكتوراة أو الماجستير ، و (56%) منهم تخرجوا من الجامعة ، و(21%) يحملون الثانوية ، و( 9% ) فقط مستواهم الثقافي أقل من الثانوية
أي أن (70%) من آباء المتفوقين يحملون شهادات عالية وعليا ، ومثل هؤلاء يهتمون بدراسة أولادهم ويتابعونهم في البيت ، وهذا يؤكد الصلة القوية بين التفوق والبيت . كما أشارت دراسة أجريت في الكويت إلى أن التعليم يزيد من قدرة الآباء على تربية أبنائهم ، وبذلك يزداد احتمال مساعدتهم للأبناء على التفوق ([1]) .
ثقافـة الأم :
(2%) من أمهات المتفوقين يحملن الدكتوراة والماجستير ، و (38%) متخرجات من الجامعة ، و(34%) يحملن الثانوية ، و(26%) ثقافتهن أقل من الثانوية ، أي أن (40%) منهن يحملن شهادات عالية وعليا ، و(74%) منهن مستواهن الثقافي فوق الثانوية وهذا يمكن الأم من مساعدة أولادها ومتابعتهم في البيت ، وخاصة في المرحلة الابتدائية ، وهذا يؤكد العلاقة القوية بين التفوق والبيت .
مهنــة الأب :
مما لا شك فيه أن أصحاب الدخل المحدود ( الموظفون وأمثالهم ) يملكون وقتاً لمتابعة أولادهم والإشراف عليهم ، بينما لا يملك أصحاب الدخل غير المحــدود ( كالتجار ورجال الأعمال والمقاولين ) وقتاً لمتابعة أولادهم في البيت ، لأن عملهم يتطلب وقتـاً غير محدود ، كما تكثر أسفارهم ورحلاتهم من أجل تجارتهم وأعمالهم ، ومن خلال هذا البحث تبين أن (85%) من آباء المتفوقين مــوظفون ( مـوظـف ، مدرس ، طبيب ، مهندس ، ضابط ) ، بينما (15%) فقط رجال أعمال وتجار ، وهذا يؤكد فرضية البحث ، حيث تمكن هؤلاء الآباء من متابعة أولادهم مما سهل لهم التفوق.
مهنة الأم :
(70%) من أمهات المتفوقين يعملن ربات بيوت . و (30%) يعملن مدرسات أو طبيبات ([1]) .
وعندما نجد نسبة الجامعيات (40%) ، ونسبة العاملات خارج المنزل في التعليم والطب طبعاً (30%) فقط نعرف أن (10%) من أمهات المتفوقين جامعيات ويعملن في تربية أولادهن وإدارة المنزل ، وهذه ظاهرة صحية وممتازة ومثل هذه الأم تقدم رعاية ومتابعة ممتازة لأولادها في البيت ، وهذا يؤكد صلة التفوق بالبيت .
خلاصــة البـحــث
كانت فرضية البحث أن البيت هو السبب الأول في تفوق الطلاب في المدرسة ، وقد درس الباحث من خلال السجل الشامل لعينة من الطلاب المتفوقين علاقة البيت بالتفوق من خلال ترتيب الطالب في أسرته ، وعددأفراد أسرته ، وعمل الوالدين وثقافتهما ، وكانت خلاصة النتائج كما يلي :
(65%) من المتفوقين ترتيبهم الأول أو الأخير في أسرهم ، مما منحهم رعاية كبيرة من والديهم ، و (81%) من المتفوقين يــتـراوح عـدد أسرهم بين (4 - 7) أفراد ، وهذه أسرة صغيرة أو متوسطة يتمكن الوالدان فيها من رعاية أولادهم دراسياًومتابعتهم في تحصيلهم الدراسي ، و (70%) من المتفوقين يحمل آباؤهم شهادات جامعية ودراسات عليا ، كما أن (74%) من أمهات المتفوقين في هذه العينة مستواهن الثقافي فوق الثانوية مما يمكن هؤلاء الآباء والأمهات من معاونة أولادهم ومتابعتهم في دروسهم ، و (85%) من اباء المتفوقين في هذه العينة يعملون موظفين ، و (70%) من أمهاتهم يعملن ربات بيوت ، فتمكنوا من مساعدة أولادهم ورعايتهم تربوياً وشـجعوهم على التفـوق .
ومن هذه المعطيات تتأكد أهمية البيت في التربية ، ويتأكد أن رعاية البيت لأولاده هي السبب الأول من أسباب التفوق كما جاء في فـرضية البحث .
التـوصيــات
يوصي الباحث بناء على هذه الدراسة ، وعلى دراسة سليمان محمد الستاوي عن التأخر الدراسي ، حيث أشارت دراسته إلى أن للبيت أثراً كبيراً في تأخر الطالب في دراسته يوصي الباحث بإجراء دراسة موازية لهذه الدراسة في المدرسة ذاتها تكون العـينة فـيها مكونة من الطلاب المكملين في الدور الثاني ، وتتبع الإجراءات ذاتها لمعرفة أثر البيت في تأخر الطلاب الدراسي .
كما يوصي الباحث بأن تبادر المدرسة وإدارة التعليم ووزارة المعارف إلى تكريم آباء المتفوقين من الطلاب ، كما تكرم رئاسة تعليم البنات أمهات المتفوقات من الطالبات لتشجيع البيت على الاهتمام بدراسة أولاده وبناته ، في عصر أصبح التفوق ضرورياً لدخول الجامعات .
والحمد للـه رب العالميــن
خالد أحمد الشـنتوت ، ـ المدينة المنورة . 12/12/1421هـ
|