المدرســـة في المجتمع المسلم مقـدمــة :
إن الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
فقد دخلت المدرسة في السادسة من عمري ، وتركتها في الستين ، وخلال أربع وخمسين سنة عشتها في المدرسة تلميذاً وطالباً ومعلماً ومدرساً ، مارست التدريس في بلدي سوريا ، ثم في الجزائر ، ثم في المملكة العربية السعودية ، ولما وصلت الستين من عمري ، استقلت من مدارس منارات المدينة المنورة بعد إحدى وعشرين سنة فيها .
وخلال اثنتين وأربعين سنة مارست التعليم الابتدائي كمعلم وحيد في محافظة الحسكة ، ثم معلم ثلاثة فصول في قرية الهول بالحسكة ، وفي قريتي جرنية العاصي بحماة ، ثم فصلين في سريحين وتقسيس ، ثم درست قليلاً من الحصص في ثانوية المـزة بدمشق خلال دراستس في كلية التربية ، ثم مارست تدريس الفلسفة في بلدة السقيليبية بمحافظة حماة لمدة سنتين ، ثم أعرت إلى الجزائر لأدرس الفلسفة لمدة خمس سنوات في ثانوية ورقلة المختلطة من (17/9/1974) وحتى (16/6/1979) ، عدت بعدها لأدرس علم الاجتماع في ثانوية أبي الفداء ، وثانوية عثمان الحوراني عاماً يتيماً وهو (1980) ، ثم عملت إحدى عشرة سنة مشرفاً اجتماعياً في المدينة المنورة وقراها ، ست سنوات مع وزارة المعارف ، وخمس مع منارات المدينة ، عملت بعدها تسع سنوات مدرس تربية إسلامية في منارات المدينة المنورة ، وكانت أغلب حصصي في القرآن الكريم للمرحلة الابتدائية ، ثم ختمت حياتي التعليمية كمدرس فصل للصف الثالث الابتدائي مدة سبع سنوات انتهت في نهاية العام الدراسي ( 1426هـ ) الموافق ( 2006م) ...
وقد حصلت على أهلية التعليم الابتدائي من دار المعلمين بحمص (1965م) ثم الليسانس في الفلسفة وعلم الاجتماع من جامعة دمشق (1968م) ثم حصلت على الدبلوم العامة في التربية من جامعة دمشق (1969م) وحصلت على دبلوم الدراسات الإسلامية العالمية من القاهرة (1982م) ثم الماجستير في التربية من جامعة الملك عبد العزيز ، فرع المدينة المنورة عام (1987م) ، وأخيراً حصلت على الدكتوراة في التربية من الجامعة الأميركية بلندن عام (2005م) .
كل ذلك خلال ستين سنة فقط ، مسيرة تربوية لابد من تأملها ، وتسجيل أهم ملاحظاتي على المدرسة في المجتمع المسلم ، لعلها تدخل في باب العلم الذي ينتفع بـه بعد موتي ، والله كريم ورحيم ...
وسوف أسجل ما كنت أتمناه في المدرسـة ، ماكنت أراه ضرورياً ، ولو كان موجوداً ، لأدت المدرسة مهمتها في المجتمع المسلم ، وأسأل الله عزوجل أن يمد في عمري حتى أرى هذا الجهد مطبوعاً ومنشوراً في جميع وسائل النشر القديمة والحديثة ...إنه لطيف رحيم ...
هـدف المدرسـة في المجتمع المسلم :
تعد المدرسة المسلمة () الأفراد المسلمين ، وإعداد الفرد المسلم هو الهدف الأول من كل مؤسسات التربية الإسلامية ، وهو مهمة مستمرة تبدأ منذ الطفولة وتستمر مدى الحياة ، والفرد المسلم القوي في جسمه ، وعقله ، وروحه ، هو اللبنة القوية في بناء الأسرة المسلمة ، لتكون الأسرة المسلمة لبنة قوية في بناء المجتمع المسلم ... ونقصد بالمجتمع المسلم مجموعة من الأسرة المسلمة تربطها العقيدة الإسلامية ، أقامت هذه الأسر مؤسسات إسلامية ، أكبرها الدولة المسلمة ، لتطبق شريعة الله عزوجل في حياة المواطنين في المجتمع المسلم ...
ويقول إدجار فور() : للمدرسة وظيفتين تبدوان متناقضتين للوهلة الأولى :
1- تكوين وبناء المجتمع الذي تريـده ، بناء على الفلسفة السائدة والمتفق عليها . وقد تهدم الفلسفة المضادة الموجودة وسلوكها ، كي تبني المجتمع الذي تريده .
2- المحافظة على هذا المجتمع الذي بنتـه: وذلك عندما تعد الأفراد حسب الفلسفة السائدة في المجتمع ، ليكونوا مواطنين صالحين فيـه .
والمدرسة المسلمة تبني المجتمع المسلم ، وبالأصح ترمـم المجتمع المسلم الموجود اليوم ، لتجعله مجتمعاً مسلماً كما أراد الله ورسوله ، ثم تعد لـه الأفراد المسلمين ليكونوا مواطنين صالحين فيه .
وكي تؤدي المدرسة المسلمة مهمتها التي أسلفت ينبغي أن تتصف بالمواصفات التالية :
1-أن تلازم المدرسـة المسـجد
ونعرف أن المدرسة المسلمة كانت ضمن المسجد ، وفي المسجد كانت الكتاتيب التي تعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم ، وفي المسجد كانت حلقات العلماء بمثابة مرحلة عالية ( جامعات ) تخرج العلماء المسلمين ...كان ذلك عندما كان التعليم يقصد وجـه الله تعالى ، وكان الإقبال على الدراسة طاعـة لله عزوجل القائل في كتابه { إنما يخشى الله من عباده العلماء } ...واليوم يصعب أن تعود المدرسة إلى المسجد ، لأن العدد الكبير الذي يدخل المدارس العامة ، والتعليم العالي ( الجامعات ) يصعب استيعابهم في المساجد ، لذلك نجعل مسجداً في كل مدرسـة ، ولنقل ( مصلى ) فيه ميضأة تكفي لطلاب المدرسة ، وفيه مساحة كافية لصلاة الجماعة في المدرسة ، كما هو الحال في الجامعات السعودية أدام الله عليهم هذه النعمة الكبيرة ، وأتمنى لو تعمم على المدارس الثانوية والمتوسطة والثانوية والابتدائية ، فيبنى مصلى أو مسجد في كل مؤسسة تعليمية ...لأن الصلاة ركن من اركان الإسلام ، وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه فقال : [ مـروا أولادكم بالصلاة لسبع ، واضربوهم عليها لعشر ، وفرقوا بينهم بالمضاجع ]() ، فتلاميذ الصف الثاني الابتدائي في السابعة من عمرهم ، ويشملهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويرغب أطفال الصف الأول ( نهاية السادسة من العمر ) يرغبون في الصلاة ، وبهذا يجب على المدرسة في المجتمع المسلم أن توفـر مسجداً للصلاة يتسـع جميع تلاميذها أو طلابها ....
ومن المؤسف أن حال المدرسة في المجتمع المسلم مؤلم جداً في هذا الجانب ، ففي المملكة العربية السعودية ( الوحيدة ) التي يؤمر فيها الطلاب بأداء الصلاة ، صلاة الظهر التي يدخل وقتها خلال اليوم المدرسي ، ويؤمر المدرسون تلاميذهم بالوضوء وأداء الصلاة مع الجماعة التي تقام في المدرسة ، وغالباً في فناء المدرسة ، أو صالة من صالاتها ، وأحياناً قليلة تجد مصلى مخصصاً للصلاة ، هذا في المرحلة الابتدائية والمتوسطة والثانوية ، أما الجامعات فالمساجد متوفرة ، والطلاب يصلون فيها ، بدون أمـر من المدرسين ، أو ادارة الجامعة ، وبالطبع عدد غير قليل لايؤدي الصلاة في الجامعة ، وقد يؤديها قضاء في البيت ، وقد لايؤديها البتـة ...
ومع أن إمكانات المملكة العربية السعودية المالية ممتازة ـ أدام الله عليهم هذه النعمة ـ مع ذلك لايبنى مصلى في المدرسة مخصص للصلاة منذ بناء المدرسة ـ وفي الجامعات يبنى مسجد ـ أما في التعليم العام فلم أجد ذلك ...وقد بنيت مباني مدارس منارات المدينة المنورة الأهلية خلال عملي فيها ، ولم يبن مسجد فيها ، مع أن مواصفات المدرسة مطلوبة من قبل وزارة المعارف ، وهي معامل الفيزياء والكيمياء ، والحاسوب ، ومختبرات اللغة الانجليزية [ الذي يستعمل أحياناً للقرآن الكريم ] ، وملاعب لدرس التربية الرياضية ، ولم يطلب بناء مصلى كصفة من صفات المبنى المدرسي ، مع أن تكلفة البناء وصلت ثلاثين مليون ريال سعودي ... وكنا نؤدي الصلاة مع التلاميذ في صالات المدرسة وأفنيتها وممراتها ، مما يزيد صعوبة ضبط التلاميذ خلال الصلاة ، وكان طلاب الثانوية والمتوسطة يصلون في الفنـاء ...
وعندما يكون الفناء مكيفاً ومسقوفاً يؤدي مهمة المصلى ، ويلزمه الميضأة ليتمكن التلاميذ أو الطلاب من الوضوف في زمن قصير لتؤدى الصلاة في الفسحة المحددة لها ...
والصورة المشرقة في مدارس المملكة العربية السعودية أن إدارة المدرسة في التعليم العام مكلفة قانوناً بأن تأمر التلاميذ أو الطلاب بالصلاة ، وأن تتابعهم في تنفيذ هذا الأمر كل يوم في صلاة الظهر التي تقام خلال اليوم المدرسي ... ويشرف المدير ووكيل المدرسة على تنفيذ هذا الأمـر شخصياً ، وأسأل الله أن تدوم هذه النعمـة ، وأن يجعلها في صحائف المسؤولين الذين أمروا بهـا ... كما يراعى في الجدول المدرسي أن تكون فيه فسحة خاصة بصلاة الظهر ، مدتها من (20) إلى (30) دقيقة لأداء الصلاة ، وهذه الفسحة في جميع دوائر الدولـة ، كما أن الأسواق تغلق منذ بداية الآذان وحتى خروج المصلين من المسجد ...
أما خارج المملكة العربية السعودية فالصورة مؤلمة جداً ، ولأنقل لكم عن بلدي سوريا ، والجزائر التي عملت فيها خمس سنوات .
ســوريـا :
لايبنى مكان للصلاة في المدرسة السورية ، ولايؤمر الطلاب بالصلاة ، وإنما يقوم المدرسون والطلاب الإسلاميون()بفرش غرفة أو ممـر وتخصيصه للصلاة ، ويراقب هؤلاء الإسلاميون ويسجل عليهم لدى الأمن السياسي بأنهم ( رجعيون ) أو ( إخوان مسلمون ) لأنهم يصلون في المدرسة ، ويشجعون الطلاب على ذلك ... مع أن نسبة المصلين في المدارس الثانوية في سوريا كثيرة وخاصة بعد الستينات الميلادية من القرن العشرين ، وكلما زادت محاربة الإسلام من السلطة الحاكمة ، زاد إقبال الشباب على التمسك بالإسلام ...وبالطبع في هذه الحالة لن يصلي في المدرسة غير أولي العزم من المدرسين والطلاب ، وكثير منهم يؤجل الصلاة إلى البيت حتى لوفات وقتها ، ويقضيها كي لايسجل عليه في الأمن السياسي أنه من الإخوان المسلمين ؛ فيمنع من الوظيفة لدى الحكومة ... وبالطبع لايراعى في الجدول المدرسي أوقات الصلاة ، ولايترك فيه فسحة مخصصة للصلاة ، فيضطر المصلون أحياناً للتأخر عن الحصة من أجل أداء الصلاة ...وقد ينالهم العقاب بسبب ذلك التأخر أحياناً ...
الــجـــــزائـــــر :
عملت في ثانوية ورقلة المختلطة ، فيها حوالي (1500) طالب وطالبة من المرحلتين المتوسطة والثانوية ، وحوالي ( 100) مدرس وإداري وعامل ، ولايوجد فيها غرفة واحدة بنيت للصلاة خاصة ، أو ممر أو حصير أو أي مساعد على تأدية الصلاة في المدرسة ...مع أن عدداً غير قليل من الطلاب والمدرسين المصريين والجزائريين يؤدون الصلاة في بيوتهم ، وقد يفوتهم وقت أو وقتين من الصلاة فيقضونها في البيت ، أما المدرسة فلا صلاة فيها ...كما هي الثقافة الفرنسية السائدة في جميع بلدان العالم العربي ماعدا المملكة العربية السعودية ...
والمدرسة الجزائرية تداوم من (8) صباحاً وحتى (12) ظهراً ، ثم من (2) ظهراً وحتى (6) مساء كل يوم ، وهذا يعني أن صلاة العصر تحين خلال وقت المدرسة ، وربما ( المغرب ) أحياناً ... وللمرة الأولى صليت في الممـر ، بعد أن فرشت ( معطفي ) فلفت ذلك أنظار المدرسين والطلاب ، وكان حدثاً جديداً فريداً لم يرمثله قبل ذلك اليوم ، ثم وضعت ( سجادة صغيرة ) للصلاة في حقيبتي اليدوية ، وصرت أصلي في الممـر كلما دخل وقت صلاة في المدرسة ،
|