دور الجيش الأسدي في تجارة المخدرات*
تشير العديد من الأدلة إلى تورط عدد من الضباط السوريين في الجيش وأجهزة الأمن في تجارة المخدرات الدولية، حيث يتم إنتاج كميات كبيرة من الأفيون في سهل البقاع اللبناني الذي كانت تزرع فيه نبتة القنب (الكانابيس) بكثرة قبل التدخل السوري عام 1976. ويتردد في معظم المصادر اسم رفعت الأسد - نائب الرئيس السوري وشقيقه في نفس الوقت - كشخص مهم في هذه التجارة الدولية. وكانت مجلة الإكسبرس الفرنسية قد ادعت (في عددها الصادر في شهر مايو 1987، ص 34 - 41) بأن هناك صلة للسلطات السورية في تجارة المخدرات اللبنانية وأن نائب الرئيس السوري رفعت أسد ضالع في تسويقها لدى شبكات التجارة العالمية. وفي شهر مايو 1985 قامت السلطات الإسبانية بطرد القنصل العام والمسؤول الأمني في السفارة السورية بسبب انكشاف دورهم في شحنة هيروين تم مصادرتـها، وادعت الصحافة يومها بأن للسفير السوري في إسبانيا (وهو شخص مقرب من رفعت أسد) دور في هذه الصفقة كذلك.
وتوفر تجارة المخدرات مصدر تمويل رئيسي للمسؤولين في أجهزة الاستخبارات السورية مما يساعدهم في تقوية مواقعهم ودعم سلطتهم. فقد نقلت مجلة الإكسبرس الفرنسية عن إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية (DEA ) أن تجارة الأفيون وحدها قد وفرت للمسؤولين السوريين مكاسب تقدر بمليار دولار في عام 1986، وقد نتج عن ذلك تضاعف إنتاج هذه المادة إلى خمسة أضعاف. ووفقاً للتقرير السنوي الصادر عن إدارة متابعة تجارة المخدرات الدولية الحكومية (INCSR) عام 1989 فقد تضاعف إنتاج لبنان من الأفيون عام 1988 بصورة كبيرة بحيث أصبحت لبنان منتجاً رئيسياً لهذه المادة. وكان إنتاج لبنان في ذلك العام (1988) 600ر48 طن من القنب (الكانابيس) و700 طن من الحشيش و30 طن من الأفيون الخام، وتعتبر هذه زيادة كبيرة حيث لم يتجاوز الإنتاج اللبناني للأفيون عام 1987 عن 6 أطنان. وبالإضافة إلى ذلك فقد تم إنتاج 5 أطنان من الهيروين عام 1988، كما أصبحت لبنان منذ ذلك العام مركزاً رئيسياً لتصدير الكوكائين. وتذهب صحيفة اللوفيغارو في عددها الصادر بتاريخ 11/6/1988 بأن المزارع اللبنانية تنتج 60 طناً من الأفيون الخام سنويا حيث توجد مختبرات سرية لتصنيع المخدرات، وبأن الأرباح - التي تقدر بمئات الملايين - يتم اقتسامها بين الزارعين والمنتجين والمسوقين والقوات العسكرية السورية. وقد أشار التقرير السنوي لـ (INCSR) عام 1990 بأن المساحة الكلية للأراضي المخصصة لزراعة الأفيون قد تضاعفت بين الفترة 1988 و 1989 من 2000 إلى 4500 هكتار، ونتج عن ذلك تضاعف إنتاج الأفيون تباعاً من 30 إلى 45 طن يتم معالجته بعد ذلك لتصنيع مادة الهيروين في مختبرات سرية في لبنان وسورية.
وبالرغم من وجود مناطق عدة في لبنان لزراعة الأفيون فإن منطقة سهل البقاع الخاضعة للقوات السورية تعتبر المركز الرئيسي لهذه النبتة، حيث يشير التقرير السابق بأن القوات السورية هي التي تقوم بحراسة هذه المواقع، وتشرف كذلك على إصدار التصاريح اللازمة لمرور الشحنات عبر مواقع التفتيش السورية، بينما تقوم شاحنات النقل التابعة للجيش السوري في كثير من الحالات بنقل شحنات المخدرات، وتضيف مجلة الإكسبريس بأن طائرات الهيلوكبتر العسكرية التابعة للجيش السوري تستخدم كذلك لنقل المنتج الخام إلى المختبرات التي يتم فيها معالجة الأفيون لتحويله بعد ذلك إلى مادة الهيروين تمهيدا لبيعه في السوق العالمية. ومع وجود عدد من المختبرات في سهل البقاع فإن المدينة الرئيسية التي يتم شحن الأفيون إليها لمعالجته هي مدينة حلب حيث يوجد العديد من المختبرات المهمة التي يمكن تتبع المزيد منها في دمشق وحمص وحماة. وبالنظر إلى التواجد الكثيف للمخابرات داخل سورية فإنه يستحيل وجود هذا العدد من المختبرات دون علم السلطات السورية بـها، بل إنه من غير المتصور أن تتم هذه التجارة بأسرها دون أن يكون للسلطات السورية ضلوع فيها.
ووفقاً لتقرير (INCSR) لعام 1990 فإنه يتم شحن المخدرات اللبنانية عن طريق سورية وإسرائيل والموانئ اللبنانية على البحر المتوسط وأبرزها طرابلس. وبينما تعتبر مصر من أكبر مراكز استهلاك الحشيش فهناك كميات كبيرة تصدر كذلك إلى سورية وتركيا، ويقدر التقرير بأن 40% من الهيروين و 20% من الحشيش اللبناني يصل إلى الولايات المتحدة سنوياً.
وفي حين تلمح المصادر الحكومية في أمريكا إلى تورط النظام السوري دون تأكيد هذه المعلومات فإن أحد المحققين السابقين في ملف المخدرات اللبنانية قد صرح بأن الحكومة الأمريكية تعلم أكثر مما هو منشور، وبأن النظام السوري متورط في هذه التجارة بشكل قطعي. وقد نص على ذلك تقرير عام 1990 المذكور آنفا بقوله: "يعتقد المسؤولون الأمريكيون بأن عدداً من الجنود والضباط السوريين المتمركزين في سهل البقاع – بالإضافة إلى ضباط كبار في قيادة الجيش السوري - متورطون في تجارة المخدرات" (ص 367). وفي إشارة أخرى إلى الدور السوري يقول التقرير: "وباستثناء الحزام الأمني الإسرائيلي في جنوب لبنان والأماكن الخاضعة للنصارى فإن 65% من البلاد تخضع للقوات السورية بما فيها سهل البقاع الذي يعتبر المركز الرئيسي لإنتاج المخدرات، ولدينا قناعة بأن السلطات السورية تجيز إنتاج وشحن المخدرات في المناطق الخاضعة لسيطرتـها وتستفيد من ذلك" (ص 362).
وفي عدد 19 نوفمبر 1989 ادعت صحيفة التورنتو ستار الأمريكية بأن مسؤولين أمريكان وفرنسيين قد تورطوا في هذه التجارة مقابل الإفراج عن الرهائن ولتحقيق مصالح أخرى. وادعت الصحيفة بأنه في عام 1988 أوفدت فرنسا عالمين في مجال الكيمياء للإشراف على إنشاء مختبرين لإنتاج الهيروين في لبنان تابعين لرجل الأعمال السوري منذر الكسار الذي يمارس كثيرا من أنشطته التجارية في أوروبا ويتمتع بعلاقة جيدة مع رفعت أسد. وقد زعمت الصحيفة كذلك بأن مسؤولين في وكالة الاستخبارات الأمريكية قد سهلوا صفقة مخدرات في أمريكا مقابل "مساعدات" قدمها لهم منذر الكسار. جدير بالذكر أن شقيق الكسار متزوج من ابنة رئيس المخابرات العسكرية علي دوبا.
كما أشارت مصادر أخرى إلى دور بارز للكسار في شحنات الأسلحة التي عرفت فيما بعد بقضية إيران - كونترا، حيث قالت صحيفة ميدل إيست إنسايدر بأنه: "في نفس الوقت الذي كان الكسار مطلوباً من قبل السلطات الأمريكية عام 1985 بسبب تورطه في تجارة المخدرات، فإنه كان يمثل مجلس الأمن الوطني في شحن أسلحة من المعسكر الشرقي (AK47) إلى ثوار الكونترا" !!!
قائمة توضح إنتاج لبنان من المخدرات بالطن للفترة 1985-1989:*
العام 1985م القنب (الكنابيس) (000ر50) ، الحشيش (720) ، الأفيون ( 6) .
العام 1986م القنب (الكنابيس) (000ر50) ، الحشيش (720) ، الأفيون (6) .
العام 1987م القنب (الكنابيس ) ( 600ر48) ، الحشيش ( 700) ، الأفيون ( 6 ) .
العام 1988م القنب (الكنابيس ) (600ر48) ، الحشيش ( 700) ، ألفيون (30) .
العام 1989م القنب (الكنابيس ) ( غير موجود ) ، الحشيش (905) ،
|