تصويت

ما تقييمك للموقع ؟
 

المتواجدون الآن

يوجد حاليا 142 زوار 
الشيخ محفوظ النحناح مواليد 1942

الشيخ محفوظ النحناح 1942

طباعة

ارسال لصديق


ولد محفوظ النحناح في 28 يناير 1942 بمدينة البليدة ( مدينة الورود) التي تبعد 50 كيلومترا جنوب الجزائر العاصمة، حيث نشأ في أسرة محافظة.
وتعلم دروسه في المدرسة الإصلاحية التي أنشأتها الحركة الوطنية التي كانت تمثل رمز المقاومة والدفاع عن الذات العربية الإسلامية للجزائر أمام سياسة الفرنسة.
وأكمل نحناح مراحل التعليم الابتدائية والثانوية والجامعية في الجزائر، ثم اشتغل في حقل الدعوة الإسلامية لأكثر من 30 عاما في مقابل المد الثوري الاشتراكي ونشر الثقافة الفرنسية، وكان يعتبر من أشد معارضي التوجه الماركسي والفرانكفوني، كما شارك في ريعان شبابه في ثورة التحرير ضد الاحتلال الفرنسي.
وشغل نحناح مدير مركز التعريب بالجامعة المركزية بالجزائر العاصمة.
وحكم على نحناح عام 1975 بالسجن لمدة 15 عاما بتهمة تدبير انقلاب ضد نظام الحكم آنذاك (هواري بومدين) . وخرج من السجن بعد خمس سنوات ( 1980) ...
وعمل نحناح على تأسيس رابطة الدعوة الإسلامية رغبة منه في إيجاد مرجعية دينية للجزائريين تحفظ الشعب والبلد من كل انحراف. ثم أسس جمعية الإرشاد والإصلاح هو ورفيقه الشيخ محمد بوسليماني الذي اغتالته الجماعة المسلحة ( جيا ) سنة 1994.
ثم بعد ذلك أنشأ حزبا سياسيا عرف باسم "حركة المجتمع الإسلامي"، وانتخب أول رئيس له في 30 مايو 1991.
وترشح نحناح للانتخابات الرئاسية التي جرت بالجزائر في نوفمبر 1995، وفاز بالمركز الثاني بعد حصوله على أكثر من 3 ملايين صوت حسب النتائج الرسمية المعلنة.

بعد وفاته يرحمه الله ، عكف المفكرون المسلمون في تأمل حياته ، وكتاباته ، ومواقفـه الدعوية والسياسية ، فوجدوا كنـزاً ثمينـاً من الفهـم والنضـج في الفكـر الاسلامي والحركـة الإسلامية ، وسوف أحاول جمع بعض هذه المعالم ، من خلال ماكتبه الشيخ يرحمه الله ، وأهم من ذلك كله من خلال لقاءاتي الكثيرة معه يرحمه الله في المدينة المنورة ...

1- أول هذه المعالم الوسـطية في الحركـة :
قاد الأخ الراحل محفوظ النحناح الحركة الاسلامية في الجزائر في فترة عصيبة جداً ، قادها وسط أمواج عاتية من الفرانكفونية من جهة ومن ( الجيـا ) أي الجماعة الاسلامية المسلحة التي قتلت من إخوان الشيخ محفوظ قرابة (500) من الأخوة ، يأتي في المقدمـة الشيخ الشهيد محمد بوسليماني يرحمه الله ، الذي دفع حياته ثمناً للإصرار على منهج الوسطية والاعتدال في الحركة الاسلامية ، عندما خطفتـه الجماعة المسلحة ، وفاوضت الحركة على حياته ، كي تعلن الحركة موافقتها لمنهج العنف الذي تسير به الجماعة المسلحة ، كما أن ( الجيا ) أي ( الجماعة المسلحة ) أطلقوا النـار على الأخ ( سلطاني أبو جـرة ) أمير حركة السلم الجزائرية الذي خلف الأخ محفوظ النحناح ، وأصابوه بعدة جـروح نجاه الله منها ، وكتبت لـه الحياة ... ومع ذلك آثرت الحركة تقديم الشهداء على تغيير منهج الوسطية والاعتدال الذي فهمـه الأخ محفوظ النحناح من حركة الإخوان المسلمين ، والتـزم بـه ودعـا إليـه طوال حياتـه يرحمه الله ...يقول يرحمه الله في كتابه ( الجزائر المنشودة ، ص 88) :

[ الوسطية تعني الاعتدال والتوازن والتكامل ، ويستتبع ذلك ضرورة الابتعاد عن التطـرف والغـلو والتقصير ، ولهذا المعنى اشار القرآن الكريم { وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً } ـ البقرة : 143ـ ...والوسطية الاقتصادية تعني الاعتدال والعدل في المنافسة بين المتعاملين ، وتوازن بين متطلبات السوق وحاجات المجتمع ... والوسطية الاجتماعية عدل بين الأجيال والشرائح المختلفة وتكامل بين الرجل والمرأة وتوازن بين الفرد والجماعة ... والوسطية السياسية توازن بين السلطات وتكامل بين القوى والتيارات السياسية وعدل واعتدال في المواقف والسياسات ...] ...

2- فهـم الحاضـر بعيـن إسـلامية :
ومن معالم الشيح محفوظ يرحمه الله أنه كان يعيش حاضره بكل أبعاده ، بعد أن فهم هذا الحاضر فهماً إسلامياً يتميز عن فهم الفرانكفونيين المقلدين للغرب ، ولنأخذ مثالاً على ذلك فهمـه يرحمه الله للديموقراطية ، التي صارت مدار بحث لدى كثير من المفكرين ، فبعض العلمانيين يراها متناقضة مع الاسلام أو الدين بشكل عام ، عندما يجعلها عقيدة ، ولذلك يهاجم هؤلاء العلمانيين الكتاب والمفكرين المسلمين ويتهمونهم بعداوة الديموقراطية ، حتى لو نادى هؤلاء المسلمون بالديموقراطية شككوا في نواياهم ، وقالوا إن الإسلاميين يريدون الديموقراطية خطوة مرحلية تمكنهم من استلام الحكم ، ثم يعودون بعدها إلى ممارسة دينهم وهو الاستبداد والفرديـة ومعاداة الديموقراطية ...
وقليل من الدعاة المسلمين يراها متناقضة مع الاسلام ، لأنها تؤلـه الشعب وتعطيـه حقاً غير مقيد ...
فنادى الشيخ محفوظ يرحمه الله بمصطلح سـماه ( الشوراقراطية ) ليؤكد أن الديموقراطية متفقـة مع الشـورى ، حتى أننا نستطيع المـزج بينهمـا ، أو على الأقل يمكن أن تكون الشـورى مرجعاً للديموقراطية ... وبذلك نمارس الديموقراطية على أنها لاتتناقض مع الاسلام ، بل متفقـة معـه ... يقول يرحمه الله في كتابه الجزائر المنشودة (ص 143) :

[ ...فموقنا الوسطي القائم على تبني الديموقراطية كأفضل نظام لتحقيق الشورى في ميدان الممارسة الواقعية جعلنا نتعرض لتهمة الكفر من طرف بعض الاسلاميين والمحسوبين عليهم من جهة ، ولتهمة الخداع والتضليل من طرف كثير من اللائكيين وبعض الأوساط الرسمية من جهة ثانية ...
أول الاشكالات هو نظرة بعضهم إلى الديموقراطية كعقيدة كلية شاملة لكل نواحي الحياة ... لكن الحقيقة أن الديموقراطية المعاصرة بعيدة عن هذا الاعتقاد ، فهي ليست عقيدة شاملة ولانظاما اقتصاديا ـ اجتماعياً له مضمون عقائدي ( ايديولوجي ) ثابت ...إذا الديموقراطية المعاصرة منهج عملي ( طريقة آلية ) لاتخاذ القرارات ذات الصبغة العامة من طرف المعنيين بتلك القرارات .... ويتحقق ذلك من خلال تقييـد الممارسة الديموقراطية بدستور يراعي الشروط التي تتراضى عليها القوى الاجتماعية وتؤسس عليها الطبقة السياسية إجماعاً كافياً ....]

[ ....وعلى هذا الأساس نؤكد مرة أخرى على أن مفهوم الديموقراطية المعاصرة يؤكد على صفة المنهج لاعلى صفة العقيدة أو الايديولوجيا ....المنهج الذي يضبط وينظم عملية اتخاذ القرارات الجماعية الملزمـة ...] .
[ ... وقد أثبتت تلك التحولات قابلية النظام الديموقراطي للتكيف مع خيارات المجتمع وتوجهاته العقائدية ... وهذا مادعـا الأحزاب الشيوعية في أوربا الغربية بجدوى الانخراط في التجربة الديموقراطية بعد الحرب العالمية الثانية ...بعد أن كانت تصنف الديموقراطية أنها تابعة للرأسمالية والامبريالية العالمية ، وترى أن التعايش معها غير ممكن للتناقض بين النظامين الليبرالي والاشتراكي ...] .
[ ... وبالنظر إلى كل ماسبق نستطيع أن نقول أن الشروط والمبادئ التي يتطلبها قيام الحكم الديموقراطي لاتناقض مع جوهر المقاصد والغايات التي جاء بها الإسلام ، خاصة مع القيم الأساسية التي تحكم الحياة السياسية وعلى رأسها : العدل ، والشورى ، والحريـة ].
وأخيراً يلخص ذلك كله ماقاله الشيخ محفوظ يرحمه الله في محاضرة ألقاها في المقر الوطني للحركة يوم (9/2/1995) قال :
[ إن حركة حماس لاتنظر إلى الديموقراطية في مقابل الإسلام ، إنما تنظر إليها في مقابل الشورى ، لأن الإسلام يأمر بالشورى ويبيح التعامل بالديموقراطية ، هذه الإباحة تتعلق بكون كلمة الديموقراطية لم ترد في الكتاب والسنةوهي من الكلمات المباحة والمباح إستعمالها ، والديموقراطية التي نتقبلها هي تلك التي تكبح جماح الديكتاتورية من جميع وجوهها ، ومنع الاستبداد بالرأي وإفساح الحريات وإعطاء الحرية السياسية والتعددية حقها ] ...

3- المشـاركة السياسية وليس الشمولية :
في عام (1995) نشر التنظيم الدولي للإخوان المسلمين مشروعه السياسي ، ومن أهم مادعا إليـه مبدأ المشاركة السياسية وخلاصته أن يسهم الاخوان المسلمون في الأقطار التي يتواجدون فيها بتحمل جـزء من غـرم مسؤولية الحكم ، ولايتحملون الغـرم كلـه أي لاينهجون منهج الشمولية الذي تسلكه معظم الحكومات الاستبدادية في العالم الإسلامي وقد فهـم الأخ محفوظ النحناح يرحمه الله هذا المبدأ قبل غيره من الدعاة وقادة العمل الإسلامي .

ترشح الشيخ يرحمه الله لرئاسة الجمهورية ( 1995) منافساً للآمين زروال ، وتعجب كثير من كبار الأخوة الدعاة وقادة الحركات الإسلامية في المشرق لهذا القرار الذي اتخذته الحركة في الجزائر ، فكيف يحكمون الجزائر وسط هذه العواصف والأمواج المتلاطمة من المحن المحلية والإقليمية والعالمية .
وكان الأخوة السوريون يوجهون لي الأسئلة حول ذلك لمعرفتهم أنني على صلة وثيقة بإخواني الجزائريين ، وجاءني جواب من بعض الأخوة في المكتب الوطني بأن من أهم أهداف هذه المشاركة في انتخابات رئاسة الجمهورية تدريب أبناء الحركة على خوض الانتخابات الرئاسية ، وهي على مستوى الوطن ، ولها خصوصيات لاتكون في انتخابات البلديات أو مجلس الشعب ، وكنت قانعاً بهذا الجواب وهذا التعليل ، خاصة وأني من المهتمين جداً بالتربية السياسية .
ولما جلست مع الشيخ محفوظ يرحمه الله منفردين سألته :
ـ لقد أثار ترشحكم لرئاسة الجمهورية تساؤلات كثيرة عند إخوانكم السوريين وغيرهم ، ومعظم التساؤلات تتركز حول : ماذا تفعلون لو نجحتم في الانتخابات ؟ كيف تحكمون هذا البلد ؟ وسط ماتعلمون من الفتن ؟ .
قال : ـ يرحمه الله ـ جواباً في غاية الحكمة والوعي السياسي قال : سوف نحكم الجزائر عندئذ بالمشاركة ، فنحن نشارك الآن كأقلية في البرلمان ، وسوف نشارك الآخرين عندما نكون أكثرية ، أو بيدنا رئاسة الجمهورية ، ولن نستأثر بالحكم ونحتكره لحزبنا ، كما يفعل غيرنا ، لأننا نعتقد أن الحكم مغرم وليس مغنماً ، مغرم نوزعـه على الجميع ليحملوه معنا ، ويشاركونا في حمل ذلك العبء ، فنحن طرحنا مبدأ المشاركة الآن ونحن أقلية في البرلمان ، ونطرحه أيضاً إذا كنا أكثرية ، وبالمشاركة نستطيع أن ننهض بالجزائر ، وتزدهر الحركة الإسلامية عندئذ ....
عندئذ تذكـرت ما قرأته عن مبدأ المشاركة الذي طرحه التنظيم الدولي للإخوان المسلمين ، ولم يستوعبه كثير من إخواننا الدعاة ، أما الأخ محفوظ يرحمه الله فقد فهمـه ونضج في ذهـنـه وطبقـه في حركـة السلم الجزائرية ...
ولابد من التنويه بأن الحكومة يومذاك لعبت بالانتخابات لصالح الأمين زروال ، ويعتقد كثير من إخواننا الجزائريين أن الفائز الحقيقي هو الشيخ محفوظ يرحمه الله ، وهنا أيضاً موقف للحركة وللشيخ محفوظ في غاية الوعي السياسي والحكمة ، لم يثيروا ضجة كما أثارها غيرهم ، ولم يدعوا إلى إلغاء الانتخابات ، لأنهم يعتقدون أن الحكم مغرم أعفاهم الله من هذا المغرم الآن ، ولن يزيدوا أزمات الجزائر فوق ماتحمله من أزمات ، بل استمروا في موقفهم السلمي من الحكومة ومشاركتها في تحمل جزء من المغرم ( الحكم ) .
ولابد من الإشارة إلى أن مبدأ المشاركة وليس المغالبة هو المبدأ المعتمد حالياً في جماعة الإخوان المسلمين في الأردن واليمن والجزائر والكويت والسودان وغيرها ، وهو ماتطرحه جماعة الإخوان المسلمين في سوريا ، وقد سبق لها أن مارسته خلال عقد الخمسينات من القرن المنصرم .

4- بـنـاء وتربيـة القـادة :
من أخطر مانلاحظه عندما نقرأ تاريخ الدعوات ؛ أن وتيرة الدعوة وانتشارها تهبط بعد وفاة مؤسسها ، وينطبق هذا على معظم الدعوات ، فبعضها تنتهي بوفاة مؤسسها ، وبعضها تضعف بعد وفاة المؤسس ، ثم تستأنف سيرها بوتيرة أقل مما كانت عليه أيام مؤسسها ، ومنها جماعة الإخوان المسلمين التي أسسها الإمام حسن البنا يرحمه الله ، فقد صعدت كالصاروخ في حياته يرحمه الله ، حتى إذا اغتالته القوى الصهيونية العالمية وعملاؤها في مصر ، خمدت الدعوة لمدة غير قصيرة ، ثم استأنفت نشاطها على يد المستشار حسن الهضيبي يرحمه الله ؛ لكن ليس بالوتيرة التي كانت أيام حسن البنا يرحمه الله تعالى . وكذلك استطاع الدكتور مصطفى السباعي يرحمه الله أن يوحد عدة جمعيات إسلامية سورية عام (1945م) ليكون جماعة الإخوان المسلمين السورية ، التي نهضت كالصاروخ خلال الخمسينات وشاركت في المجالس النيابية ، وساهمت في صياغة الدستور السوري ، ثم توفي الشيخ السباعي (1964م) ، وجاء بعده الأستاذ عصام العطار ، وقاد الجماعة لكن هبط مؤشر تقدم الجماعة حتى كان الانقسام عام (1972م) الذي استمر حتى عام (1981م) ، ومن المتعارف عليه أن الجماعة لم تجد أميراً لها مثل السباعي يرحمه الله .
وفي كثير من تجمعات العلماء ، حيث نجد عالماً فرداً له تلاميذ ، يشكلون معاً تجمعاً ثقافياً وتربوياً في الغالب ، نجد هذا التجمع ينفرط عقده بعد وفاة ذلك العالم ، أو على الأقل يتشرذم وينقسم إلى عدة مجموعات .
أما  فنلاحظ أنها تختلف تماماً ، لقد
rالدعوة الإسلامية التي بناها محمد بن عبد الله   مؤسس هذه الدعوة في الجزيرة العربية ، ثمrانتشرت الدعوة الإسلامية زمن رسول الله   واستمرت الدعوة الإسلامية في الانتشار حتى شملت مشارق الأرضrتوفي رسول الله  ومغاربها في عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم ، والخلفاء الأمويين يرحمهم الله تعالى ، ثم ازدهرت الحضارة الإسلامية في عهد الخلفاء العباسيين يرحمهم الله تعالى ، وقدمت للعالم أجمع ثمرات العلم والحضارة الإنسانية . ومرت الجماعة في محن خلال عهد أبي بكر رضي الله عنه منها محنة الردة ، خرجت منها منتصرة بفضل الله أولاً ، ثم بفضل قيادتها الحكيمة .

ـ في إحدى زيارات الشيخ محفوظ النحناح للمدينة المنورة كان الأخ سليمان شنيني مرافقاً له ، وهو الناطق الرسمي للحركة يومذاك ، والأخ سليمان من مدينة ورقلة التي عملت فيها خلال إعارتي للجزائر ، شاب ذكي ومهتم بالحركة والدعوة إلى الله عزوجل ، على الرغم من حداثـة سـنه ، ففي الفترة التي عشتها هناك ( السبعينات ) كان تلميذا في المرحلة الابتدائية كما قال لي .
وشرفني يومها الشيخ محفوظ بأن حضر عندي في البيت مع كبار الأخوة السوريين في المدينة المنورة ، وكان موضوع المشـاركـة السياسية الذي نهجته حركة مجتمع السلم مع حكومة الأمين زروال ، قد أثار انتقادات من الحركات الإسلامية الجزائرية وغيرها ، على أن النظام يستفيد منهم ويسخرهم لخدمته ، وكان موضوع الحديث عن المشاركة وأهدافها ، وما حققته من فوائد للحركة .
كان الأخ سليمان هو المتحدث طوال المدة ، وقد تحدث بمايلزم موضحاً أهداف الحركة من هذا المبدأ الذي سلكته ، وايجابياته التي تحققت ، والايجابيات المرجوة ، وكان الأخوة السوريون الكبار يوجهون أسئلة إلى الشيخ محفوظ الذي كان يقوم بإعادة السؤال لتوضيحه وتحديده أمام السائل وأمام الأخ سليمان شنيني ، ثم يطلب الجواب من سليمان ، ويبتسم ـ يرحمه الله ـ ويستشهد بقوله تعالى [ وفهمناها سليمان ] ، وكانت أجوبة الأخ سليمان شافية وكافية ، مع ذلك لاحظت أن بعض السائلين كان يتمنى لو كان الجواب من الشيخ محفوظ نفسـه ، لأنه لم يعود نفسـه على أن يتحدث الصغير بحضرة الكبير .
وقد تبين لنا بشكل جلي أنه ـ يرحمه الله ـ كان يقصد أن يربي ويكوّن الأخ سليمان ليكون واحداً من الكفاءات الكثيرة التي خلفها الشيخ يرحمه الله بعد وفاته ، وقد أكد المؤتمر الثالث للحركة ـ بعد وفاة الشيخ النحناح ـ صحة ذلك ، فقد استأنفت الحركة نشاطها وعملها وخطتها في المشاركة السياسية ؛ مع أنها فقدت رجلاً عظيماً من رجالها يرحمه الله .
تبين لنا ذلك ونحن نجد عند بعض الأخوة الدعاة وقادة الحركة الإسلامية إذا حضر في مجلس ما ؛ كان هو المتحدث فقط ، والآخرون كلهم تلاميذ ( مريدون ) ولو كانت أعمارهم فوق الخمسين . كما أننا استخلصنا من تاريخ الحركات السياسية ذبولها ، وربما تشرذمها ، بعد وفاة الأخ المؤسس لها ، لأنه لم ينتبه إلى إعداد كفاءات قيادية تخلفه في قيادة الحركة .
وهكذا فقد استوعب الأخ الشيخ محفوظ يرحمه الله هذا الدرس العظيم : ( تربية القادة ) الذي أخفق فيه أخوة آخرون ، ولذلك أتوقع أن تزداد حركة مجتمع السلم قوة كلما حافظت على قيم الشيخ محفوظ يرحمه الله تعالى ، ومنها تربية القادة وتكوين الكفاءات ، والاستمرار في مبدأ المشاركة السياسية وغيرها.

5- صـدق نوايـاه وإخـلاصـه يرحمه الله :
ومن خلال هذه الحكاية نستخلص صدق نوايا الشيخ محفوظ وصدق نواياه يرحمه الله ، ففي زيارة له في أواخر الثمانينات أخبرني أنهم عازمون على افتتاح مدارس لتحفيظ القرآن الكريم في الجزائر تحت إشراف حركة محتمع السلم ، وأنه يريد مني أن أساعده في الوصول إلى أخـوة أغنياء يمولون هذا المشروع ...
كان هذا الطلب عظيماً وكبيراً عليّ ، ولكنه جاء من أخ عزيز وغالي ، تمنيت عندها لو أملك الأموال كي أقدمها لهذا المشروع ... وشعرت بألـم لأنني ظننت أنني لن استطيع مساعدة أخي الغالي الذي ربما لم يصارح غيري لثقتـه بـي ... وآلمني ظني أن أفشل في تحقيق هذه المساعدة لأننا ـ نحن السوريين ـ مشغولون بجمع الإغاثات لأرامل وأيتام إخواننا في سوريا الذين يتمهم ودمر بيوتهم وشردهم حافظ الأسد ...
ومع ذلك دعوت الله أن يعينني ونويت أن أصلـه بأخ سوري أكبر مني بكثير وعلى صلـة بمثل هؤلاء أرباب الأموال كما أعرف قبل عشرين عاماً ...
وفي نفس الليلة كان الشيخ محفوظ مدعواً للعشاء عند الأخ الشيخ طارق محمدصالح يرحمه الله من ادلب في سوريا سبق له أن عاش في الجزائر في أوائل السبعينات وتعرف على الأخ محفوظ يومها ... وبالطبع كنت مرافقاً للأخ محفوظ يرحمه الله في ذلك العشاء ...
كان المدعوون كثيرين ، وكلهم من كبار العلماء والدعاة ، وقبيل الانصراف انفرد بي الأخ الدكتور ( ابو أحمد ) وقال لي هذا هو الأخ محفوظ ؟ قلت نعم . قال : أريد أن أدعوه غداً إلى الغداء وحده فقط وأنت معه . قلت له : أسأله أولاً ... وبعد أن وافق الشيخ محفوظ أبلغت الأخ الدكتور وتم الموعد ...
وفي اليوم التالي ونحن ( الثلاثة ) على الطعام قال الدكتور ( أبو أحمد ) : كلفني الراجحي أن أبحث له عن مشاريع خيريـة يمولها ، فإذا كان عندكم يا أخ محفوظ مشاريع أخبرنا عنها ..,.. نظر إليّ الأخ محفوظ وقبل أن يتكلم قلت له : واللهِ لم أخبره بشيء ... وتملكتني الدهشـة وعقدت لساني واغرورقت عيناي بالدموع ... فهذا هو الإخلاص ... وهذه هي النيات الصادقة ...
وبعد أن شرح له الأخ محفوظ ، طلب الدكتور سندات ترسل موثقة بأختام مؤسسات خيريـة وطلب منه رقم حساب ليحول له المبلغ ، فقال له الشيخ محفوظ : رقم حساب أبي ثائر ...وهو يوصل لنا ... وبعد عدة أشهر أخبرني الدكتور أن كذا ألف ستدخل حسابك وهي لمشروع تحفيظ القرآن في الجزائر ... وفي موسم الحج أو في رمضان سلمت الأخ محفوظ هذا المبلغ نقداً ولله الحمد وأسال الله الأجر والثواب للدكتور وللأخ محفوظ ولي والله كريم ورحيم ... وهكذا تيسـر الأمر الذي رأيتـه كبيراً جداً وأكبر مني ، وآلمني أن لا أستطيع تحقيقه ، وإذ بـه يتحقق خلال يوم أو يومين ، دون أن أنطق كلمة واحدة ، سوى أنني دعوت الله أن يعينني وعقدت النيـة على أن أعمل ما أستطيع .... وسوف يلازمني هذا الموقف طوال حياتي، موقفاً عملياً يشرح لي [ إنما الأعمال بالنيات ... ولكل امرئ مانوى .... ] اللهم اجعل نوايانا سليمة أفضل من أفعالنا الظاهرة ... وتقبل منا ... نعم المولى ونعم النصير ..

هذه بعض معالم الحركة الاسلامية عند الأخ محفوظ النحناح يرحمه الله ، نحن بأمس الحاجة لها ، نقتفيها ونفهمها ونستفيد منها ....
والحمد لله رب العالمين

الدكتور خالد الاحمـد

وتوثيق اللجنة الاعلامية لتجمع الأحرار الوطني الديمقراطي 2006

 

 
RocketTheme Joomla Templates