سوريا ...لاخبـز...ولاحريـة - 6
نشر الصحفي البريطاني ( آلن جورج ) هذا الكتاب بالانجليزية عام (2003) وترجم إلى العربية من قبل الدكتور حصيف عبد الغني عام (2006) وهذه مقتطفات من الكتاب كالخلاصة ، ومابين المعقوفتين للباحث الحالي .
الفصل السادس
[ القضــاء في النظام الأسـدي ]
هيثم المالح المحامي ورئيس جمعية حقوق الإنسان السورية يقول "المشكلة هنا، المشكلة الرئيسية أن البلاد مضبوطة "بالأوامر وليس بالقانون، القانون هو في الكتب وليس في حياة الناس اليومية".
وفي أول كانون أول دعا المؤتمر العام للمحامين في سورية إلى عقد جلسة طارئة وطالب باستقلالية القضاء، وإنهاء الأحكام العرفية وإلغاء المحاكم الخاصة . وبعد فترة وجيزة من ذلك الاجتماع تعدى أعضاء من فرق سرايا الدفاع – الحرس الرسمي – الذي يرأسه رفعت الأسد أخو حافظ – على أحد المحامين وزوجته. وأعلن محامو دمشق الإضراب ليوم واحد احتجاجاً ودعمتهم في ذلك نقابات المحامين في حمص وحلب وحماه ودير الزور.
ومع تعمق الأزمة عمد النظام إلى مزيد من استعمال القوة الوحشية. ففي آذار عام 1980 قتل جنود القوات الخاصة ما بين 150 إلى 200 من المتظاهرين في جسر الشغور، بلدة صغيرة على نهر العاصي بين مدينتي حلب واللاذقية. وفي نفس الشهر قتلت قوات الأمن حوالي خمسين متظاهراً في إدلب والمعرّة إلى الشمال الشرقي من جسر الشغور. ودعت نقابة المحامين إلى إضراب وطني يوم 31 آذار وأيدتها في ذلك نقابة الأطباء ونقابة المهندسين والنقابات المهنية الأخرى. وكان رد الحكومة على ذلك في 9 نيسان إصدار مرسوم بحل كل النقابات المهنية بحجة أن العناصر الرجعية تسربت إليها وأصبحت هذه النقابات المهنية خطراً على المجتمع.
وفي اليوم التالي (عيّنت) السلطات وجوهاً جديدة موالية لها في المكاتب التنفيذية لكل النقابات. وأوقفت المخابرات وسجنت تقريباً كل الزعماء الأصلاء للنقابات المهنية السورية ومن ضمنهم أكثر من مئة طبيب ومئة مهندس وخمسون محامي، وكثير من المعتقلين عذّبوا... وبعضهم قتل.
هيثم المالح الذي كان جزءاً من فريق المحامين الذين دافعوا عن نشطاء المجتمع المدني العشرة الذين أوقفوا في آب وأيلول عام 2001 بمن فيهم البرلمانيان رياض سيف ومأمون الحمصي، واضح في قوله: " نقابة المحامين السورية هي تحت إمرة الحكومة كذلك نقابة المهندسين ونقابة الأطباء فلقد ربطوهم جميعاً بدولاب النظام" (2).
والمحامون الذين بقوا على عنادهم واجهوا إرهاقاً شديداً. فكان رجال المخابرات يقفون خارج مكاتب هؤلاء ليمنعوا الزبائن من دخولها وتوكيلهم بقضاياهم، أو ليضغطوا على القضاة باستمرار ليحكموا ضد مصلحة زبون أي محام معين (3).
محنـة هيثـم المـالـح
بعدما حضّر لي الفنجان المعتاد من الشاي المحلى روي لي قصته. في البداية أوقف هو وزملاؤه في سجن المخابرات العامة ، ثم نقلوهم بعد ذلك لأحد مراكز المخابرات العسكرية في منطقة الحلبوني ، وهنا بقي المحامون المعتقلون أياماً قليلة فقط يتقاسمون زنزانة صغيرة في طابق تحت الأرض .
ونقلوا المالح وزملاءه بعد ذلك إلى رئاسة أركان المخابرات العامة ، بقينا في (كفرسوسة) لمدة طويلة – حوالي السنتين – هكذا كان المالح يستعيد ذكرياته، وأضاف أن بعض المهندسين احتجزوا هناك أيضاً في نفس الوقت. كان عشرون معتقلاً يعيشون في غرفة واحدة 4x4 أمتار وكنا محظوظين، إذ قال لنا الحراس أن أربعين معتقلاً كانوا يحشرون في تلك الغرفة . وكان بعض الحراس أشراراً فاسدين بخاصة عندما كانوا يتعاطون المخدرات، كما قال المالح وأضاف مع أن بعضهم الآخر كان لطيفاً". أحدهم رفض أن يجلد السجينات على أخمص أقدامهن فكانت النتيجة أنه سجن هو نفسه".
وبعد (كفرسوسة) نقل المحامون إلى مبنى قديم أقيم في الشيخ حسن . وبعد ستة أشهر نقلوهم أيضاً إلى سجن القلعة العسكري في قلعة دمشق القديمة، بقي المحامون في سجن القلعة لمدة عامين قبل أن يعادوا مرة أخرى إلى الشيخ حسن ، حيث مكثوا شهرين إلى ثلاثة أشهر. وبعد ذلك نقلوا إلى سجن عدرا المدني، وفي أواخر عام 1986 نقلوا إلى سجن المخابرات العسكرية في الجمارك ً. الجمارك، كفرسوسة، حلبوني، وعدرا : سجون مذكورة كلها في لائحة سجون دمشق التي تضم معتقلين سياسيين بتقرير لجنة (M.E Watch) وهي فرع من لجنة مراقبة حقوق الانسان ويلحظ التقرير أن اللائحة غير كاملة. كذلك يذكر التقرير ثمانية سجون ومراكز اعتقال في حلب .
في مجمع الجمارك ، قضى المالح 36 يوماً كأحد أفراد مجموعة محامين تعدادها عشرة".كانوا يحضروننا للإفراج" كما يتذكر "وضعونا في زنزانة مساحتها 3x3 أمتار وفيها بيت خلاء وبالوعة وقال لنا الحراس "أنتم الان في فندق شيراتون" لأنهم في العادة يضعون ثلاثين معتقلاً في نفس الزنزانة".ولا يستطيع الإنسان أن يتصور كيف يستطيع المساجين النوم في مثل هذه الحالة". وبدون إطالة، قال المالح، أفرجوا عنا، "بعد سبع سنين في السجن دون القيام بأي عمل غير شرعي، وكل ما فعله كان وفقاً للقانون" .
حالة الطوارئ المستمرة (الأحكام العرفية)
أعلنت الأحكام العرفية بالأمر العسكري رقم (2) للثامن من آذار 1963يوم استولى على السلطة "وأصبح رسمياً بإصدار المرسوم التشريعي رقم 1 في اليوم التالي. وتعطي الأحكام العرفية سلطات استثنائية للحاكم (وهو هنا رئيس الوزراء) ونائبه (وزير الداخلية). إنهما يستطيعان تحديد حرية الحركة والتجمع، والتوقيف الاحتياطي لكل من يشك فيه أنه خطر على النظام والسلامة العامة.
قانون الطوارئ في آذار 1963 أعلن كأمر عسكري. لم توافق عليه الوزارة ولا أبلغ به البرلمان. والحجة الرسمية لحالة الطوارئ هي التهديد العسكري الإسرائيلي. وفسر التقرير أن سورية معرضة "لتهديد حقيقي من قبل إسرائيل منذ قيام هذه الدولة عام 1948.
والحقيقة أن حالة الطوارئ المعلنة في سورية لا علاقة لها كثيرا بتهديد إسرائيل بل هي – بلغة لجنة مراقبة الشرق الأوسط M.E Watch الآلية القانونية المركزية والتبرير لنظام القمع السوري" . وأضافت لجنة مراقبة الشرق الأوسط: "بعد ثمان وعشرين سنة (والآن 40 سنة) من حالة الطوارئ هناك اعتقاد غامر بأن (الطوارئ) هي حجة النظام لقمع المعارضة الداخلية الشرعية" (9).
المحـاكـم الخاصـة
يعطي القانون حالة الطوارئ الحق لمحاكمة المخالفين في المحاكم العسكرية، والتشريعات التي صدرت في ظل هذا القانون تعتمد على هذا الحق. فالمرسوم رقم 6 لأول تموز 1965 أقام محاكم عسكرية استثنائية حيث الحرص على حقوق المتهم فيها أقل ولقد استعملت هذه المحاكم (عريناً) للقضايا السياسية. وفي آذار 1968 جاء المرسوم 47 باستبدال محكمة أمن الدولة العليا بالمحاكم العسكرية الاستثنائية لمحاكمة القضايا السياسية والأمنية ومحكمة الأمن الاقتصادي للتعامل مع قضايا الجرائم الاقتصادية. ويبين المرسوم بوضوح إن أساليب وقواعد عمل المحاكم الجديدة ليست محدودة بالتدابير التي تتخذ في المحاكم العادية. ونوع آخر من المحاكم الاستثنائية، المحاكم العسكرية الميدانية، وجاءت بمرسوم رقم (109) لعام 1986 الذي بين أن مثل تلك المحاكم يمكن إقامتها في أي مكان خلال المواجهات المسلحة مع العدو. والواقع استعملت هذه المحاكم فقط للتخلص من أعداء النظام بخاصة عند قمع التمرد المسلح 1976-1982.
وكان تعليق لجنة مراقبة الشرق الأوسط على هذه المحاكم الاستثنائية الجديدة كما يلي:
"المحاكمات مغلقة – سرية- وقراراتها قطعية لا تقبل الاستئناف وفي أحسن الأحوال تعين المحكمة نفسها ممثلا قانونيا للدفاع عن المتهم. وبعد الوصول للقرار على رئيس الجمهورية الموافقة عليه وهذا أمر محسوم سلفاً. والرئيس أو وزير الدفاع في حالة المحاكم الميدانية – هو الذي يعين القضاة وليس مشترطاً على هؤلاء القضاة أن يكونوا من الحقوقيين وأغلب الأحيان هم من خارج هذا السلك. وأكثر هؤلاء القضاة من الضباط العسكريين، أو من قيادات حزب البعث وأمثالهما. فالمحاكم إذن هي خارج إطار النظام القضائي تماماً. أما قراراتها فتبدو عادة أنها متخذة مقدما من أجهزة الأمن التي قامت بتوقيف – وسجن – المتهمين. وفي مثل هذه المحاكم يكون الحكم المعجل هو الأمر – اليومي"
هذا التقرير يصدر عن نظام تقول عنه لجنة مراقبة حقوق الإنسان عام 1991، إنه "قتل على الأقل عشرة آلاف من مواطنيه في السنوات العشرين الماضية" ويستمر في القتل بالمحاكمات الميدانية الجماعية والعنف المطبق في السجون". والذي يعذب بصورة روتينية المعتقلين ويوقف الآلاف بدون تهمة أو محاكمة"
كثيرا ما أوقف ضباط المخابرات الناس بدون تفويض قانوني موقّع من حاكم قانون الطوارئ كما هو مطلوب في قانون الطوارئ ذاته. ولايحتاج ضباط المخابرات إلا وضع اسم من يقبضون عليه في التفويض القانوني الممهور... سلفاً.
ولجنة مراقبة الشرق الأوسط (عام 1991 أيضاً) أوجزت خطياً تقدم النظام القضائي السوري خلال فترة حكم البعث هكذا: " من خلال سلسلة من الخطوات التي بدأت بظل قانون الطوارئ واستمرت من خلال المراسيم والعمل الإداري، انتقل النظام من بعض الشرعية إلى إهمال كامل للشرعية: من محاكم إلى محاكمات ميدانية مختصرة... الى... لا محاكم" .
نظام يتحدى ذاتـه
وأثير نفس الموضوع في رسالة مفتوحة لبشار الأسد أواخر عام 2000 وقعها سبعون محامياً. لقد اشتكوا من أن معظم إدارات الدولة والمنظمات والوزارات بخاصة وزارة الدفاع ووزارة الداخلية لا تنفذ قرارات المحكمة .
مقـاضاة مختـارة
يقوض النظام القائم الاحترام للقوانين عندما يستغل التشريعات اختيارياً لكي يدمر من يرى أنهم أعداؤه.
والفساد في سورية هو وجه مقبول ضمنا بصورة عادية روتينية وغالباً ما يعني الفرق بين العيش فوق خط الفقر أو مواجهة مصاعب حقيقية. ورغم أن الحملات ضد الفساد تجري بصورة دورية ولكن الغرض منها في الأساس هو تهدئة الرأي العام، الذي قد يقبل مخالفات مالية صغيرة إلا أنه لا يستسيغ أخذ العمولات التي أغنت بصورة - مفتوحة - كبار وجوه النظام.
وأهل قمة الهرم الحاكم لا يستطيع أحد المس بهم لذا حملات مكافحة الفساد محدودة النتائج تبعاً لذلك.
وعندما يقرر النظام أن يقوض سياسياً وجوهاً مهمة فيه يصبح توجيه تهم للمخالفات المالية، السلاح المناسب لذلك. والقوانين التي تجاهلوها عادة يرجع فجأة إليها بقوة ضد من يستهدفه النظام. والقضية الكلاسيكية كانت قضية رئيس الوزراء السابق محمود الزعبي الذي اعتقل لاتهامه بقبض الرشوة، وانتحاره بعد ذلك . ولم يكن مفاجئاً أبداً أن يتهم النائبان رياض سيف ومأمون الحمصي اللذان سجنا لنشاطهما في حركة المجتمع المدني، بالتهرب من دفع الضرائب من قبل السلطات الحاكمة، رغم أن هذه التهمة لم تكن ضمن الاتهامات الرسمية الموجهة إليهم.
والمثل الصارخ الآخر عن كيفية استفاقة السلطات فجأة وحماسها لتطبيق القانون أواخر العام 1999 عندما انفجر الخلاف المزمن بعنف بين حافظ الأسد وأخيه الأصغر رفعت ،حيث أُغلق ميناء غير شرعي كان يستعمله رفعت قرب مرفأ اللاذقية في الشمال...
وذكر البيان الرسمي أن رفعت تجاهل سلسلة من مراسيم وزارة المواصلات عام 1995 تأمره بتدمير المرفأ الخاص به- وهدم مجمع الأبنية التي أقيمت على أرض مساحتها (11410) متراً مربعاً من أملاك الدولة. وأخيراً أرسلت الشرطة في تشرين الأول عام 1999 لإغلاق المرفأ بالقوة – مع المباني التابعة له- فواجهوا نيران أسلحة خفيفة وانسحبوا. فهاجمت عندئذ قوات الأمن المكان واحتلت الميناء في عملية راح ضحيتها قتيلان ، [ راح ضحيتها أربعمائة عسكري من الطرفين ، وقاد الهجوم بشار الأسد ]. بعد ذلك حذر وزير الإعلام آنذاك: محمد سلمان أن رفعت قد يواجه إتهاماً جرمياً إذا عاد إلى سورية.
ولم يجر أي تفسير أبداً للسؤال التالي: لماذا سكتت السلطات عن المرفأ غير الشرعي لأربع سنوات إذا كانت تحترم قوانينها؟
الفســـاد
"القضاء السوري قبل فترة الجمهورية المتحدة (1958-1961) كان من الأنظف والأدق والأكثر موضوعية في الشرق الأوسط"؛ هذا ما صرح به البروفسور محمد عزيز شكري رئيس دائرة القانون الدولي في جامعة دمشق وأحد الخبراء القانونيين الأكثر تقديراً واعتباراً في سورية؛ "والآن هو من أوسخها وأقلها كفاءة ومهارة وهو تحديداً فاسد. اليوم يمكنك الوصول إلى القضاة إما عن طريق العلاقات العامة أو عن طريق المال مفسراً أنه عنى بالعلاقات العامة: الصداقات وشرب الخمر والنساء" وتابع : أنا أعرف عن بعض المحامين أنهم لا يفهمون شيئاً في القانون ولكنهم يربحون كل القضايا، وأعرف أن هؤلاء المحامين – وأمتنع عن ذكر الأسماء – يتسلمون مليون ليرة سورية – (19230 جنيه إسترليني) - كدفعة أولى.
هؤلاء المحامون يتعاملون مع تهريب المخدرات والقتلة والمؤامرات على الدولة. حقا القضايا الكبيرة والثقيلة. الفساد موجود "في كل المحاكم حتى التي تسمى (عسكرية) (محكمة أمن الدولة العليا ومحكمة الأمن الاقتصادي). وقال: "والغالبية العظمى من القضاة الجيدين هم إما في التقاعد أو إنهم سرحوا من وظائفهم".
لقد ذكر لي مصدر سري داخل النظام القضائي أن في المحاكم الجنائية ومحاكم الأمن الاقتصادي تنتشر الرشوة وتؤثر على (80% إلى 100%) من القضايا المرفوعة". ورغم أن الرشوة لا تستطيع تغيير الحكم في القضايا الجنائية "إلا إذا كان الأمر متعلقاً بإنسان (فوق القانون)؛ ولكنه أضاف: مهما كانت القضية، كلما كان المتهم أغنى أو أكثر نفوذاً كلما ازداد احتمال الرشوة". والأسعار محددة إلى حد ما، وهناك سلّم للاتهام والمدفوعات كما قال". ممارسة البغاء 500 $ دولار، التهريب 20% من قيمة المهربات، القتل بين 1000 و2000 دولار، التزوير: 20 % من قيمة المسروقات. وبدل أن يستلم القضاة المدفوعات مباشرة فإنهم يستعملون الوسطاء، وكل قاض له وسيطه".
"إذا دهس أحدهم بسيارته شخصاً بريئاً فقتله "يرشي القاضي ليخرجه بكفالة حتى يتدبر الأمر ويصل إلى اتفاق مع عائلة الضحية. وفي مثل تلك الحالة يوفر القاتل على نفسه شهوراً في السجن. هذا ما ذكره لي المصدر السري.
كان الفساد محدوداً نسبياً في القضايا المدنية لأنه من الصعب تزوير الإثبات كما قال لي: "وأفضل ما تأمله (بالرشوة) هو تأخير إصدار الحكم القضائي ضدك أو إطالة مدة بحث القضية في المحكمة.
لا تغيـير في عهـد بشـار
في خطابه لدى افتتاح البرلمان في 17 تموز عام 2000 أكد الرئيس بشار الأسد مجدداً التزامه بالتنمية والتحديث وركز على أهمية القضاء والحاجة لتوفير ما يلزمه من كوادر نظيفة فاعلة حتى تستطيع لعب دوره في ضمان العدالة وحماية حرية المواطن ومراقبة تنفيذ القوانين".
كلمات جميلة ولكن في خريف عام 2002 لم يكن هناك أية إشارة لتحرك جاد لإصلاح جهاز القضاء والنظام العدلي وبخاصة إلغاء قانون الطوارئ السيء السمعة... وبدلاً عن ذلك أعاد الرسميون فقط الحجج القديمة المتعبة لتبرير غياب كلي تقريبا للعملية القانونية. في مؤتمر عقده وزير الإعلام عدنان عمران في 29 كانون الثاني 2001 أعلن أن قانون الطوارئ- مجمّد فعلياً – وأن تهديد إسرائيل هو سبب استمرار هذا القانون ، والخط نفسه هو الذي اتبعه قبل ذلك تقرير سورية إلى لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة والتزامها بالميثاق العالمي للحقوق المدنية والسياسية".رغم أن قانون الطوارئ لا يزال قائماً، فالواقع أنه معلق ولا يطبق إلا في حالات معدودة تتعلق فقط بالإساءة لأمن الدولة".
والكذبة الأساسية في هذا الادعاء توضحت في اعتقال نشطاء حركة المجتمع المدني في آب وأيلول عام 2001. وبينما اتهم وحوكم النائبان رياض سيف ومأمون الحمصي في المحكمة الجنائية، فالموقوفون الثمانية الآخرون قد اعتقلوا حسب قانون الطوارئ وحوكموا في محكمة أمن الدولة العليا. ولاحظ المعلقون أن معاملة الحمصي وسيف اختلفت عن الماضي حيث كانت أحكام قانون الطوارئ التي تطبق في مثل حالتيهما. الحقيقة أن التغيير كان أكثر في الأسلوب وليس في المادة أو المحتوى. والفرق الآن كما قال هيثم المالح أنهما أحيلا لمحاكم عادية بدل محاكم أمن الدولة ولكنه أضاف محاكم عادية تضبطها الدولة ولا خطر فيها على النظام .
عرض الدكتور خالد الاحمد باحث في التربية السياسية
|