تصويت

ما تقييمك للموقع ؟
 

المتواجدون الآن

يوجد حاليا 96 زوار 
مذكراتي قبل المدرسة

مذكراتي قبل المدرسـة

أول ما أذكره  حفلة ختـاني مع أولاد عمي سليمان ، ربما كان ذلك في ربيع عام (1949م) ، وأنا مولود في ربيع (1946) ، ضبط ذلك أن والدتي قالت لي أني ولدت مع خالد أحمد العلاوي ، وكان أحمد العلاوي يرحمه الله يسكن في حماة ويسجل أولاده في الأحوال المدنية فور ولادتهم، وهو مواليد (1946م) ، كما قالت لي : ولدت في بداية الربيع ( موسم ولادة الماعز ) ، وهذه ثقافة البدو يحددون المواسم باهتماماتهم ،  ومن ضبط ذلك أني دخلت المدرسة صغيراً جداً ، حتى أن المدير اعترض على نجاحي للصف الثاني بسبب صغر سني ، وكان السن المطلوب لدخول المدرسة هو السابعة ، أي كنت في السادسة ، وربما أقل ،  وفي عام (1957) كنت في الصف الخامس ، وسجل والدي الأسرة في الأحوال المدنية ؛ لأتمكن من التقدم إلى الشهادة الابتدائية ، ولما سألوا والدي عن عمري وكان قد تعدى الستين قال لهم : لا أذكر ، فسألوه عن الصف قال بالصف الخامس ، فقدروا ( 7 + 5 = 12) ولذلك سجلوني مواليد (1945) أي كبروني سنة واحدة ، استفدت من تلك الغلطة عندما تقدمت إلى الثانوية العامة ( دراسة حـرة ) إذ كانوا يشترطون إتمام عشرين عاماً ، ومنذ إحضار أول إخراج قيد لي ، لاحظت أنني أكبر من بعض زملائي في المدرسة .

وعمي سليمان يرحمه الله لـه ثلاثة أولاد ذكور أكبر مني وهم صالح وكحيط وفجر ،  كما لـه ـ ما شاء الله ـ ثلاثة أصغر مني ، والبدو يقيمون احتفالاً كبيراً عند الختان ، وهذا من باب فرحهم بالأولاد الذكور ، وتكون الحفلة شبيهة بحفلة العرس . وهذا من شأن الجاهلية طبعاً ومن باب تفضيل الذكر على الأنثى ...لأن الذكر محارب يحتاجونه للغزو والسلب الذي كانوا يعيشون منه في سالف الزمان ....

كانت والدتي حاملاً بشقيقي الوحيد سليمان ، وأذكر بطن أمي الكبيرة ، وكنت أعطيها قطعتين حلوى واقول هذه واحدة لك وواحدة لأ[خي الذي في بطنك ، ويوم الختان كان والدي في حماة ، وكان يرغب تأجيل ختاني لعل الله يرزقه مولوداُ ذكراً ثانياً ، فيصنع لهما حفلة خاصة بهما ، وطبعا لم يكونوا يعرفون شيئا عن جنس الجنين حتى الولادة ... ولكن أخي نزال يرحمه الله ؛ أصر على أن أختن مع أولاد عمي سليمان ، ووافقت والدتي مرغمـة ، وحملني  أخي نزال من بـيتنا الذي كان غرب بيت عمي سليمان بعشرات الأمتار ، وحولي خالتي ( مريم ) يرحمها الله ترقص فـرحـة بهذه المناسبة ، ووالدتي تبكي لأن خالتي (مريم ) زوجة عمي حسين يرحمهما الله ؛ لم ترزق سوى البنات .

قلت حملني أخي نزال وكنت في الثالثة من عمري ، وأوصلني إلى ( الربعـة ) ربعة عمي سليمان ، والربعة هي ربع خيمة الشعر ، تخصص للضيوف ، وربما جاء اسمها من ( الرُبعُ : أي الجزء ) أو من ( الرَبع ) وهم الأصحاب الذين يجلسون فيها ،  وكان عمي سليمان يرحمه الله يصنع القهوة في بيتـه ، على الطريقة العربية الأصيلة ، حيث يحمص القهوة ، ثم يطحنها أو يدقها ب (النجر ) ، وتسمع عندئذ نغمـة خاصة ، أو إيقاع محبب عند شروق الشمس ، ينطلق من ( الربعة ) ، وكأنه يدعو أصحابه إلى الحضور لأن القهوة على وشك أن تكون جاهزة ، وبعد طحن  القهوة يضعها في الدلة الكبيرة على نار الحطب ، لتغلي مدة طويلة ، وتتركز ( يتبخر بعض الماء ) ، ثم يصب بعضها في ( الدلة ) الصغيرة التي يدور بها على الرجال ، والقهوة العربية كثيفة جداً ، لذلك يصب منها قليل جداً في قعر الفنجان ، يتناوله الرجل شـفة واحدة أو شفتين وعلى الأكثر ثلاثة ، ويجتمع عنده الرجال على القهوة العربية .

أجلسوني في حضن ( عرنوس الشعلان ) نسيب عمي سليمان يرحمهما الله ، ولم نكن نلبس سراويلاً يومذاك ، فكشفوا لي ،ثم قالوا لي : انظر إلى الحمامة ، الحمامة فوق فنظرت إلى أعلى ، بينما قص (المطهر) ما يلزم قصـه في الختان ، ثم أخذ عرنوس يدي وضرب بهـا ( لفـة ) المطهر كي تقع على الأرض كما هي العادة في ذلك الوقت ، بينما كانت النساء ترفع الزغاريد ابتهاجاً .

ومما أذكره سباق الخيل الذي تـم في ذلك اليوم ، وكانت عيناي معلقة بمهرة صغيرة ، تجري مع أمها أثناء السباق ، وفي الأيام التالية كان ابن عمي صالح يرحمه الله يقول لي : هل ركبوا لك القطعة التي قصوها !!؟ ويضحك ، وقد ختونـه معي وكان بالغاً آنذاك . وذبح في ذلك اليوم خروفان عن كل صبي ، وكنا أربعة كما قلت ، أي ذبح ثمان خراف على الأقل .

وربما قبل ذلك بأشهر أذكر أنني أمشي مع شقيقاتي ( نومـه وعيـده ) ، ذاهبين أو راجعين من بيت خالتي مريم  ، وأنظر إلى قعـر الوادي فأرى الكلاب تأكل من جيف الغنم التي ماتت ذلك الحين ، وكأنه في الشتاء الذي سبق حفلة الختان ، وبذلك يكون هذا المنظر المحفوظ في ذاكرتي البصرية أقدم معلومـة في ذاكرتي . ويكون عمري انذاك ( 33 ) شهراً .

وفي الصيف أذكر أننا كنا في زبادة ، وفي موسم اللقاط ( تذهب النساء تلقط سنابل القمح التي سقطت في الحقل أثناء الحصاد والرجاد ) ، وكانت والدتي تذهب يومياً إلى اللقـاط ، وتربطني بعمود البيت كي لا ألحقها ، ثم تأتي ( أم دهش ) وهم أسرة سكنت ذلك الصيف في ربعتنا ، لأنهم جاءوا ليحضروا موسم ( اللقاط ) ، وهذا يبين مدى الفقر المدقع الذي عاشـه آباؤنا يومذاك ، تذهب المرأة ـ حتى لو كانت حاملاً في شهرها الأخير مثل أمي ـ لتجمع سنابل القمح التي سقطت في الحقل ، وتحضرها إلى البيت فتدقها بعصا غليظة كي تنفرط السنابل ، ثم تعزل حبات القمح وحدها ، وتضعها في كيس مصنوع محلياً عند البدو من الصوف يسمونه ( الفردة ) .

تفك ( أم دهش )رباطي بعد أن تكون أمي قد غابت عن أنظاري ، وكانت والدتي في أشـهر الحمل الأخيرة ، تترك ولدها ( الذكر ) الوحيد مربوطاً ، وتذهب لتجمع حبات القمح التي تشكل مؤونة الأسرة .

وكنت أركب على بطن أمي  ، وأذكر كيف كانت كبيرة ، وأعطيها قطعة الحلوى وأقول لها : كليها حتى تنزل إلى أخي . وكانت أمي متفائلة فتقول لي أخوك ، وكأنها متأكدة أنها ستلد ذكراً . ثم صرنا نذهب أنا وأختي ( عيدة :  أم المحامي عزام ) إلى بيت عمي حسين ( عمي وزوج خالتي  مريم ) ، أما ( نومة :أم راتب ) وعمرها يومذاك ( 7 ـ 8 ) سنين فتذهب مع والدتي إلى اللقاط ، وذات يوم استيقظت في الضحى ، وقلت لأختي ( عيدة ) هيا نذهب إلى بيت خالتي ، والعادة أن استيقظ ولا أجد أمي ، لأنها تكون ذهبت إلى اللقاط ، ولكن ذلك اليوم بعد أن رفعت رأسي وأنا أكلم أختي ( عيدة ) وجدت أمي في الفراش موجودة ، وسمعتني وأنا أطلب من أختي أن نذهب إلى بيت خالتي مريم ، فقالت فرحـة مبتهجة ، ووجهها يشـرق سروراً وعـزاً  : أنا اليوم عندكم ياخالد . هذا أخوك سليمان ، أنا اليوم لم أذهب إلى اللقاط . وفهمت أن أخي الذي كان في بطن أمي خرج من بطنها ، وجعلت أنظر إليه بجوار والدتي . وكان ذلك في صيف (1949م) على الأرجح . وعلى ذلك يكون شقيقي سليمان أصغر مني بثلاث سنوات وثلث .

زور نـاجية خانم :

أو الشموطة ، مزرعة تملكها أم إسعاف هاشم ( جدة زياد الحريري لأمـه ) ، كان قد استأجرها عيدو الزايد ، ووضع والدي ناطوراً فيها ، وكان المزارعون يتعمدون توظيف البدو نواطيراً ( حراساً ) كي يصدوا البدو عن مزارعهم ، لأن الفلاح لايستطيع أن يقوم بهذه المهمة ، وزود والدي بسلاح أذكر كيف كان والدي يحشـوه ، من فوهـة السبطانة ، ويدك البارود بمجراد من الخشب ، ثم يضع الكبسولة ، وكان لهذا السلاح المسمى ( الجـفت ) سبطانتان ، يملأهما والدي ويذهب إلى ( المقتاية ) وهي حقل خاص لزراعة البطيخ الأحمر ، وفي طرفها يطلق إحدى الطلقتين ، كي تهرب الثعالب والكلاب التي تأكل حبات البطيخ ؛ وأحياناً يطلق الثانية بعد فترة ، أي في الطرف الآخر من المقتاية .

فانتقلنا من زبادة إلى زور ناجية خانم ، التي سماها أخي أبو يرحمه الله ( تل الزيتون ) وقضينا الشتاء والربيع والصيف ، ربما مكثنا سنة واحدة فقط على الأرجح ، ثم انتقلنا في آخر الخريف إلى زور السوس حيث اشتغل والدي (وقافاً ) أي حارساً عند ( الخانم ) إسعاف هاشم ( أم زياد الحريري ).

كان جيراننا في الشموطة بيت خالد السعدية ، وكان ولدهم الأكبر ( محمد ) عريساً ، وكنا مانزال في خيمة الشعر ، وكان عندنا بعير في الشتاء ( يبرك ) لايقوم ، يأخذ جانب الخيمة ويطعمه والدي أو أمـي العلـف على شكل كرات لونها أبيض ، يضعونها في فمـه وهو ( بارك ) لايقوم . وقد وضع والدي أغنامنا عند خضير الشنتوت يرحمه الله ، في البادية ، ثم نقلها منه إلى شـدهان الأحمد الشعلان ، وقد بقيت أغنامنا عنده فترة طويلة حتى وصل عددها إلى مائة رأس ورأس واحد، وهذه ثروة كبيرة يومذاك ، لكنها ذهبت في سنوات الوحدة ( 1958 ـ 1961م)، حيث كانت سنوات قحط وجدب .

وفي الصيف أهدى إلينا أحدهم كمية من الفلفل ، وأرادت شقيقاتي أن يأكلا منها ، لكن خافتا أن تكون حارة ، فقالتا لي كل من هذه ، ولم أكن أفهم ( كنت في الرابعة ) فأكلت من أحدها ثم انطلقت أصرخ وأبكي من شـدة حرارتها ، وانشغلت أختاي بـي ، ودهنوا لي شفتاي بزيت الزيتون لتقل الحرارة فيهما ، وكانت والدتي مع والدي في الحقل .

وقد ركب المزارع ( عيدو الزايد ) محركاً يعمل على المازوت ؛ يسحب المـاء من نهر العاصي ليسقي الأراضي الملاصقة للنهر ، وكانت هذه الطريقة البديلة للنواعير ، ووظف ميكانيكي على المحرك يسمى ( أبو أحمد ) وهو حموي في الغالب .

كنت ألعب في ذلك العام مع عبد الله بن خالد السعدية ويكبرني بقليل ، وصار من زملائي في مدرسة الكافات لما صرنا في زور السوس ، وكان يسبقني بسنة واحدة . كان أكثر لعبي بحصى أسميها هذه النعجة وهذا الكبش وهذا راعي الغنم ، بينما يلعب عبدالله بأدوات يسميها بأسماء الزراعة والفلاحة ، حتى انتبـه لنا أحد الكبار فقال : سبحان الله ، كل طفل يلعب حسب مهنة أبيـه .

زور الســــــــــــوس :

انتقلنا إلى زور السـوس في بداية شـتاء (1950)على الأرجح ، وفي الربيع مرضت أختي ( أم راتب ) بالحمى التيفية ، وشفيت لوحدها ، ثم تبعتها بنفس المرض ، وأثقل علي المرض ، وبقيت فيه أكثر من شـهر ، وأخذوني إلى حماة ، وبرفقة حسن الأمين ( الصباغ )  يرحمه الله أخذوني إلى الدكتور ( فيصل الركبي ) أشهر أطباء حماة يومذاك ، وقد بدأ يوبخ والدي وأمي : كيف يصبرون على المريض حتى يصل حافة الهلاك ، وقال لهم : أمعاؤه الآن مثل قشر البصل ، من طول الالتهاب الذي أصابها ، إياكم أن يأكل غير اللبن وعصير البرتقال ، وإلا خسرتم الولد ، وفعلاً صادف أن التحق بالخدمة العسكرية سليمان بن أحمد الذياب ، من قرية زور السوس ، والفلاحون مسجلون في الأحوال المدنية ، أما البدو فيخافون من الخدمة العسكرية كثيراً ولأجل ذلك لايتسجلون في الأحوال المدنية ، وسـر ذلك الحرب العالمية الأولى ( سفر برلك ) حيث كان المجند يذهب ولايعود ، فقالوا لي : الحكومة أصدرت قراراً يمنعون أكل الخبز والبرغل وأي طعام غير اللبن والبرتقال ، وسليمان ابن أحمد الذياب لم يصبر وأكل خبزاً لذلك أخذوه على العسكرية . وصدقت في البداية ، وصار أهلي يأكلون سـرقة عني ، وربما أخذتني إحدى شقيقاتي إلى الجيران ريثما أكل أهلي الخبز والبرغل . وكان الوقت شتاء ، واللبن قليل ، وعند وهبان العبود بقرة حلوب آنذاك ، وقد أكرمونا كثيراً فقدموا لنا اللبن يومياً ـ جزاهم الله خيراً ـ وكان جارنا حسون المحمد أبو فياض ( المساعد فياض أبو حسن زوج ابنة عمي فطيم ) ، وفي ذلك العام ( 1950) كان فياض تلميذاً في مدرسة الكافات ، وكنت أعجب بلباسه عندما يذهب في الصباح إلى المدرسة ، وهو يكبرني بكثير ، لكنه درس متأخراً ، وحصل على الشهادة الابتدائية ، التي أوصلته إلى رتبة مساعد أول في الجيش العربي السوري . وكانت عندهم ( فهيدة بنت جليل ) ، وهي أكبر مني بقليل ، وكأنهم ربوها عندهم ، أو كانت تساعدهم لأن أبا فياض وزوجته  ( جفـة ) يرحمهما الله ، كبار في السـن . ولم يرزقا سوى فياض .

وسمعت والدي يدعو الله بعد صلاته ويقول : اللهم شافي خالد من هذا المرض ، واحفظ أخاه سليمان ولا أريد غيرهما ، اللهم احفظهم لي يارب ، وفعلاً لم تحمل والدتي بأحد بعد شقيقي سليمان ، على الرغم من سنها الصغير ، وبقيت تقطع الصلاة لمدة سنوات طويلة دون أن تحمل . وبعد انتهاء المـدة التي قررها الدكتور فيصل الركبي وهي أسبوعان لم أذق فيهما سوى اللبن والبرتقال ـ ونادراً ما نجد البرتقال ـ بعد هذين الأسبوعين أرادت والدتي يرحمها الله أن تعوض لي مافاتني فطبخت ( كبـة باللبن ) ومازلت أذكر حجم الواحدة يعادل ثلاثة مما أراه الآن ، وكنت أتناول الواحدة تلو الأخرى ، وأخرج بها خارج الخيمة ، فآكلها في الهواء الطلق ، والوالدة فـرحة ومبتهجـة لشفائي من الحمـى [ وكانت الحمى التيفية قاتلة يومذاك ] ، وفي الليل بدأت أشعر بمغص قوي في البطن ، مازلت أذكره حتى الآن ( في الستين من عمري ) ، وصرت أضغط ببطني على بطن أمـي وأنا أصرخ من الألـم ، وكان والدي  نائماً في حماة ذلك اليوم ، وفي الصباح حملتني أمي على كتفيها ، ومشت إلى الطريق بين السلمية وحماة ، وركبت بسيارة ركاب عابرة إلى حماة ، وقصدت باب البلد وفي ساحة البحرة ( قديماً ) كان والدي يرحمه الله يشتري برتقالاً من إحدى العربات عندما وضعت أمي يدها على كتفـه ؛ فنظر إليها ، وارتاح لما رآني ، ثم قال : لو لم أر خالداً معك لسقطت على الأرض ، ثم أخبرته ، فذهبا بـي إلى فيصل الركبي الذي  جـن لما عرف أن والدتي أطعمتني  ، (كبة بلبن ) أول يوم بعد انتهاء الحمية ، وتكلم كثيراً عن البدو الذين لايفهمون ، وكان في غاية القرف من والدتي ، ومن لباسها ،ومن فعلها الذي فعلته معي[ مع أنه من قادة الاشتراكيين في حماة ] ، لذلك مدد الحمية اسبوعين آخرين ، وفهمها أن تبدأ بإطعامي البطاطا ، ثم الشوربة ، ومثلها من الأطعمة اللينة ، حتى تعود أمعائي إلى وضعها الطبيعي ، وكان ذلك ، وشفاني الله من الحمى التيفية ،  وذبح أهلي خروفاً وقرأوا مولداً قاده الشيخ الدرعاوي ( عبد الوالي العمري ) ، وزغردت والدتي عندما قام الرجال ، لما يذكر ولادة النبي r ، والتي تزغرد في المولد لاتزغرد في الأعراس ، وقد حافظت على ذلك يرحمها الله . وماكانت تزغرد إلا في الموالد ، وكنا في كل سنة تقريباً عندنا مولد .

زيارة مسجد سيدي خالد :

ومما أذكره قبل المدرسة أن والدتي ووالدي أخذوني ، وغالباً بعد ولادة أخي سليمان ، إلى حمص ، وأخذوا خروفاً أو خروفين ، ذبحـا عند مسجد سيدي خالد بن الوليد ، وعرفت فيما بعد أن والدتي نذرت ذلك للـه ، إن رزقها مولوداً ذكراً ، سوف تسميه خالداً ، وسوف تذبح كبشاً لله ، وذبح الكبش ، وأخذ لحمه الفقراء في مسجد سيدي خالد . وسمت والدتي أخي سليمان لأنها تعرف أن خالد بن الوليد يكنى ( أبو سليمان ) .

وجلسنا في مطعم في حمص ومازلت أذكر الأباريق النظيفة والكؤوس التي يصب فيها الماء ، ثم جاء العامل وسأل والدي : ( سلطة أم لبن ) فقال له والدي : سلطة ، فقلت أنا مستغرباً : لا يابابا أريد لحمة كباب لاأريد سلطة ، ايه يعني سـلطة !!؟ فضحك يرحمه الله وطمنني أننا سنأكل لحمة كباب ومعها سـلطة .

ألعـابي قبل المدرسـة :

كان والدي ( وقافاً ) أي ناطوراً ( حارساً ) عند الخانـم ، وقد سلمته حصانين وأمهما الفرس ، يرعاها ، ويركب أحدها في جولاته على الحقول والبساتين ، وكنت أعجب بذلك ، وقلدته في ألعابي ، فعندي ثلاثـة أو أربعـة من العيدان القويـة ـ ربما من البردي ـ ، أربط كلا ً منها بخيط ( كالمقود للحصان ، أو اللجام ) ، وأركب أحدها وأجري وكأنني على ظهر حصان ، وهذه الأعواد الأربعة كانت الحصان الكبير ، والحصان الصغير ، والفرس الأم ، والمهرة ، وأذكر أنني كنت أركب أحدها ، وأجر الأعواد الباقية خلفي ، وآخذها إلى الساقية ، وكانت غرب بيتنا ، الساقية التي تجري فيها مياه الناعورة ، وأضعها على المـاء كي تشرب ، وأنتظر مـدة كي ترتوي ، ثم أعود أجري راكباً أحدها إلى قرب البيت ، فأتركها متقاربة من بعضها بين العشب كي تأكل ، وأربط طرف الخيط ( المقود ) بشجرة متينة كي لايهرب الحصان !!؟  وأعود بعد مـدة فأغير مكانها ، كي تأكل من عشب جديد ، تماماً كما يفعل والدي يرحمه الله مع الخيول الحقيقية عنده . وكم أجريت سباقات بيننا معشر الصبية الصغار ، ونحن نركب هذه الأعواد ، وكان من أقراني : فهد أحمد الذياب وأخوه حسين ، ونصر الوهبان وأخوه عبود، وإبراهيم الخليف وأخوه أسعد

وفي صيف ذلك العام تقريباً توفي عناد الحماد الشنتوت غرقاً في نهر العاصي ، ومرت جنازته مع الطريق الذي يمر غرب زور السوس ، محاذياً نهر العاصي إلى الجرنية حيث مقبرة الدغامشة فيها .

 

 
RocketTheme Joomla Templates