تصويت

ما تقييمك للموقع ؟
 

المتواجدون الآن

يوجد حاليا 104 زوار 
كامل الشريف وحرب فلسطين

بسم الله الرحمن الرحيم

{ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين }

{ إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأمثال نضربها للناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين }

صدق الله العظيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على إمام المتقين وقائد المجاهدين وعلى آله وأصحابه والداعين بدعوته إلى يوم الدين وبعد .

فإن هزيمة العرب والمسلمين أمام اليهود في فلسطين ليست من الحوادث الهينة التي يستوعبها كتاب واحد وإن أسبابها وإن كانت واضحةلمن يسر الله له سبل الحق وأنار بصيرته وبصره مازالت مشكلة يستعصي فهمها على الكثيرين .

ولست أزعم أنني أوفيت هذا الموضوع حقه لكنني أحمد الله عز وجل أن أتاح لي الفرصة وجعل لي فضل السبق فكان هذا الكتاب هو أول كتاب يتصدى للحرب الفلسطينية ويكشف الكثير من أسرارها ويمزق الحجب عن أخطاء فاحشة أريد لها أن تظل مخبوءة إلى أبد الآبدين .

ولقد تنبأت في الطبعة الأولى حين توقعت اعتداءات يقوم بها اليهود ولم تمهلني الأيام كثيراً على قرب ما بين الطبعتين حتى سمعنا كثيراً عن الاعتداءات التي راح ضحيتها ألوف من العباد الآمنين .

وها نحن أولاء نوالي إرسال هذه النذر ونشير إلى العدوان الأكبر وقد أهل علينا ولفحت وجوهنا ناره ويوشك أن يحل بأوطاننا فيدمر علينا حضارتنا وينغص علينا حاضرنا ومستقبلنا .

إن خطر الدولة اليهودية الدخيلة يزداد وضوحاً كل يوم ومما يعزينا أن الشعوب العربية والإسلامية أصبحت أكثر اقتناعاً بخطر هذا العدو الماكر وأكثر استعداداً لمكافحته واستئصال شأفته ولم يعد ينقصها إلا توضيح الطريق القويم وإزالة الشبهات التي تخيم على مداخل السبيل المستقيم .

ماذا أعدت الحكومات العربية ؟

ماذا فعلت الحكومات العربية لمواجهة هذا الخطر المتزايد ؟

إن كل عدوان يقع من جانب اليهود وكل خطوة جريئة نحو تثبيت دعائم الدولة وتوسيع رقعتها نقابلها باحتجاج إلى هيئة الأمم وتكون احتجاجاتنا مرة شديدة اللهجة ومرة خفيفتها حسب عدوان اليهود ومدى خطورة أعمالهم .

جفف اليهود بحيرة الحولة وسيستفيدون من خصوبة أرضها بدون حق وسيتحكمون في مصير الجيش السوري لو أراد التقدم خطوة واحدة للأمام .

ونقل اليهود عاصمة دولتهم إلى القدس غير مبالين باحتجاجات الدول العربية ولا قرارات مجلس الأمن ولن يسمح اليهود ببقاء جيش أردني يقاسمهم المدينة المقدسة ويدور حول عاصمتهم بمواقعه في ( بيت لحم ) ( والخليل ) .

واعتدى اليهود عشرات المرات على مواقع الجيش المصري ومعسكرات اللاجئين في غزة لتدمير قوة المصريين المعنوية وإقناعهم أن السلامة في الصلح مع إسرائيل .

فماذا فعلنا إزاء هذا الاستهتار الواضح ؟ ملأنا ملفات الأمم المتحدة|هيئة الأمم باحتجاجات شديدة اللهجة حتى لم يبق فيها متسع لمزيد !

هذا عبث لا طائل وراءه وهزل جعل منا أمثولة المتندرين وأضحوكة الضاحكين .


واجبنا نحو الأرض المقدسة :


إن واجبنا كعرب وكمسلمين يدفعنا للعمل على استرداد الأرض المقدسة أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وأرض الإسراء والمعراج والتربة التي تحوى بين طياتها جموعاً متلاحقة من شهداء الإسلام وأبطاله .

وحتى إذا تركنا ناحية الإسلام جانبا كما يريد دعاة الوطنية المحدودة أولئك الذين لا يفكرون في أمر إلا من خلال نظرتهم لمصلحة أوطانهم المجردة إننا نجد هذه الحقيقة مائلة أمام أعيننا وهي أن بقاء إسرائيل خطر يهدد الأقطار المجاورة لها وأن دفاعنا عن فلسطين يعتبر في الوقت نفسه دفاعا عن مصر و |سوريا و الأردنوالحجاز .

إن مصلحة الإسلام ومصلحة العروبة ومصلحة الوطنية المحدودة تلتقي كلها في مكافحة اليهود والقضاء عليهم وتخليص الإنسانية من شرورهم ومكائدهم .

هل ينكر إلا مكابر جاحد أن اليهود يسيل لعابهم كلما ذكروا (سيناء ) المصرية ؟ إنهم يعتبرونها بقعة مقدسة ويعملون جاهدين لضمها إلى دولتهم بكل وسيلة فهي الأرض التي تاه فيها أسلافهم أربعين عاما وهي الأرض التي ناجى فيها موسى ربه وشهدت نزول الألواح والوصايا وهي الأرض التي حمتهم من طغيان الفراعنة أيتركونها وهي لا تقل في نظرهم قدسية عن فلسطين إن لم تزد ؟.

هذا إلى جانب أهميتها الاستراتيجية وقيامها كدرع صخري منيع يقف في وجه مصر ويتحكم كقلعة راسخة في البحرين الأبيض والأحمر ويقع بين قارات ثلاث أفريقيا وآسيا ولا يبعد كثيراً عن أوربا يضاف إلى ذلك كله خصوبة أرضها وامتلاؤها بالمعادن والخامات اللازمة للنهضة الصناعية الإسرائيلية وهل ينكر أحد أن اليهود يعملون منذ الآن لاستخلاص بقية المدينة المقدسة من يد الجيش الأردني وطرد هذا الجيش نهائيا من فلسطين ليتم لهم احتلال البقاع المقدسة وتدميرالمسجد الأقصى ليقوم على أنقاضه هيكل سليمان الموعود .!

وما يقال عن مصر و الأردن يقال عن |سوريا و لبنان وأطماع اليهود فيهما معروفة غير منكورة فهل هذا الخطر يمكن السكوت عليه ؟ وهل هذا عدو يمكن مجابهته بهذه الوسائل المخزية الهزيلة ؟

الهزيمة الماضية :

يجب أن نتخلص من ظلال الهزيمة الماضية وألا نذكر منها إلا الدروس والعبر وأن ندرك تماما أن هذه الهزيمة لم تقع نتيجة لتفوق اليهود من الناحية العسكرية لقد وقعت لأننا كنا نحمل عواملها معنا من أول يوم بدأنا فيه حربنا مع اليهود فإن فساد نظم الحكم القائمة في العالم العربي وما طبعت عليه من طغيان وغفلة أمات النخوة في الشعوب وقتل فيها معالم الرجولة وخلفها قطعاناً هائمة لا يجمعها هدف ولا توجد بينها غاية وتركها تتخبط في دياجير من الظلمات يستحيل معها معرفة الحقائق ووضوح الأهداف والوسائل الموصلة إليها وكان من نتائج ذلك ضعف الجيوش العربية وانعدام الروح المعنوية فيها وضعف دربتها واستعدادها .

واختلاف الدول العربية بعضها مع بعض اختلافا نتج عنه اصطدام الخطط ووجود ثغرات نفذ منها العدو المتربص .

كل هذه المصائب كانت كافية لإيقاع الهزيمة فإذا جاءت بعد ذلك السياسية اليهودية وقوة تأثيرها على الدول الكبرى والمحافل الدولية ثم تفوق اليهود في القيادات العسكرية التي استغلت ما في يدها من قوة محدودة استغلالاً يشهد لها بالبراعة والمقدرة حين ظهر فشل قادتنا العسكرية في استغلال قواتنا الكبيرة استغلالاً سليماً كافياً فكان مثلنا ومثلهم كمثل متوسط الحال الذي يحسن استغلال ثروته ولا يضيع المليم إلا في المكان المناسب ومثل الغنى السفيه الذي يبعثر ماله يمينا وشمالا فلا تظهر عليه آثار النعمة ثم ينتهي به الحال إلى الإفلاس والخراب .

إذا علمنا ذلك كله وربطنا المقدمات بالنتائج أمكننا أن نعرف أسباب الهزيمة وأن نحدد مواطن الداء العضال .

إلى العلاج :

إن المحور الذي تدور حوله أنواع الفساد كما تدور أسراب البعوض حول المستنقعات العفنة هو فساد نظم الحكم في العالم العربي وكل محاولة للكفاح والإصلاح قبل تقويم هذا الأساس هي في الحقيقة ضرب من العبث وإضاعة الجهد .

ونحن لا نريد أن ننافق مع المنافقين أو أن نأخذ مكاننا في صفوف المتملقين ونقول معهم : إن ((الحال عال )) ((وليس في الإمكان أبدع مما كان )) أو نحاول معالجة الأطراف البعيدة دون أن نضع أصابعنا على منابت الداء ومنابع الفساد .

إن إصلاح نظم الحكم في العالم العربي يجب أن يكون الهدف الأول الذي تتطلع إليه صفوف العاملين فإذا فرغوا من ذلك فما أهون الإصلاح وما أيسر البناء إنه يصبح حينئذ سهلاً ميسوراً .

إن النتيجة الطبيعية لإصلاح نظم الحكم هي قوة الشعوب وشعورها بالعزة والكرامة وإقبالها على التضحية والواجب وتوجيه جهدها وجهة صحيحة سليمة ومن وراء ذلك كله تكون قوة الجيوش وبناء المانع والأخذ بأسباب القوة و الجهاد .

خطوات لابد منها :

إن هذا الطريق الذي أوضحناه وأشرنا إلى مداخله قد يكون طويلاً وشاقاً ويلزم للشعوب كي تسير فيه وتنتظم على جوانبه كثير من الجهد والوقت وإن كل تأخير في مكافحة اليهود يكون في مصلحتهم دون ريب ويتيح لهم الفرص لمواصلة الإعداد ويدفعهم للتوسع على حساب العرب قبل أن تتغلب حركات الإصلاح في دولهم ويصبح من العسير إحراز كسب جديد .

وإذن فلابد من وسيلة يكون من شأنها عرقلة الاستعداد اليهودي وتعطيل حركات الإنشاء القائمة في إسرائيل ويكون ذلك كله تمهيدا للغزو الأكبر ولن يتأتى ذلك إلا بوسيلتين تسيران جنبا إلى جنب وهاتان الوسيلتان هما :

1- الحصار الاقتصادي .

2- حرب العصابات .

الحصار الاقتصادي :

إن أول ما يهتم به اليهود هو السيطرة على اقتصاديات الشرق العربي وأكثر ما يعنيهم من قيام إسرائيل هو تحويلها إلى مصرف كبير تسيل فيه وإليه أموال اليهود من جميع بقاع العالم ولذلك فإن مقاطعة البضائع اليهودية ومنع التهريب إلى إسرائيل يعتبر وسيلة حاسمة لتدمير خطط اليهود والقضاء على دولتهم .

إن الجامعة العربية تحاول هذه المحاولة لكن وسائلها الضعيفة لم تأت بالثمرة المرجوة وإن كانت الشعوب العربية بدافع من وطنيتها لم تتبادل التجارة مع إسرائيل حتى الآن بالطرق المباشرة فما لاشك فيه أن بضائع اليهود تدخل أسواقنا عن طريق الشركات الأجنبية الاستغلالية على أنها صناعة إنجليزية أو إيطالية وعن طريق هذه الشركات المنكودة يتم هذا التبادل وذلك شريان الحياة الذي يتدفق من دمائنا ليسيل في جسم هذا العدو المشلول والفضل أولاً وأخيراً لهذه الطائفة من الخواجات والمتمصرين الذين يأتون إلى ديارنا معدمين ثم يستغلون غفلتنا ليصبحوا أثرياء قادرين ثم يصل بهم الحال إلى معاونة خصومنا ونصرة أعدائنا ثم نجد بيننا من الحمقى من يصيحون في بلاهة (أحرار في بلادنا كرماء لضيوفنا)!

حرب العصابات :

حينما ساقتنا القوة الباطشة إلى المعتقلات عقب الحرب الفلسطينية كتبت عدة مذكرات للمسئولين في الجيش المصري ناديت فيها بوجوب تسخير القوة الشعبية الفلسطينية لإرهاق العدو وإرغامه على قتال طويل المدى بواسطة عصابات عربية صغيرة تنتشر في صحارى فلسطين فتدمر الجسور والطرق وتحرق المصانع والمعامل وتغير على المستعمرات الزراعية وتعمل يد التحريق والتدمير في مزروعاتها وآلاتها وتنشر الرعب والفزع في كل مدينة وقرية ومستعمرة وقلت : إن هذه الحالة لن تكلف كثيرا ولكنها كفيلة بتعطيل الجهاز الإنشائي في دولة إسرائيل وإرغام جيشها الكبير الذي تفرغ للتدريب والإعداد على حماية حدودها المترامية وعلى حراسة طرق المواصلات والمستعمرات والمصانع وغيرها من المراكز وفي ذلك ما فيه من إرهاق لميزانية الدولة وإشغال لهذه القوات إلى جانب الخسائر الهائلة التي يمكن أن تقع في الجنود والعتاد .

وقد كان مما يساعد على نجاح هذه الخطة أن الحرب كانت لا تزال قائمة والشعب الفلسطيني لا يزال يعيش في مناطق من فلسطين المحتلة وليست هناك حدود معترف بها بين إسرائيل والمناطق العربية من فلسطين كما أن الدول العربية كانت تستطيع في ذلك الحين أن تعلن أن الشعب الفلسطيني قد استرد حقه في تحرير وطنه بالوسائل التي يراها بعد فشل التدخل العربي الجماعي في تحقيق هذه النتيجة ولقد كنا نعتقد أن اشتعال الحرب التحريرية من جانب الفلسطينيين قد يغرى العدو بتكرار مهاجمة شبه جزيرة سيناء فقد نصحنا بضرورة تحصين هذه المناطق تحصينا قويا ولقد اقترحنا من أجل تحقيق هذه الغاية بناء مستعمرات زراعية على طول الحدود في المناطق التي يوجد فيها الماء والأراضي الزراعية الصالحة كما دعونا إلى إنشاء قوات للبادية من القبائل العربية وإعدادها لتؤدى دورا فعالا في عرقلة وإحباط أي هجوم متوقع من جانب العدو وناشدنا المسئولين في الحكومة السعدية القائمة أن يشجعوا المصريين على الهجرة إلى سيناء وتعميرها حتى لا تبقى هذه المناطق الحيوية فارغة مما يغرى المستعمر الصهيوني باحتلالها .

نعم صرخنا من وراء أسوار المعتقلات في مذكرات مكتوبة إلى المسئولين أن استمروا في الحرب وإذا كانت الظروف قد اضطرتكم لإنهاء الحرب النظامية هذه النهاية المؤسفة وخرجت جيوشكم مثخنة بجراح الهزيمة وبها شوق إلى الثأر والانتقام فأشعلوا حرب العصابات وهي كفيلة بتحقيق ما عجزت الجيوش النظامية عن تحقيقه وإن أمامكم كثيراً من الشواهد على نجاح هذه الوسيلة .

إن العصابات هي التي حررت يوغسلافيا وهي التي حررت فرنسا من الألمان وهي التي دمرت حكومة الصين الوطنية وهي التي حررت إندونيسيا المسلمة وهي التي لا تزال ترج الأرض تحت أقدام الملايو وتوشك أن تفرغ من فرنسا في الهند الصينية .

إن الوسيلة الوحيدة إرهاق إسرائيل وتدمير قواها واستنزاف ماء حياتها لن تكون إلا بحرب عصابات يقوم بها الشباب الفلسطيني الناقم المغبط الذي يتحرق شوقا لملاقاة أعدائه وتنغيص عيشهم كما نغصوا عليه حياته .

قلنا هذا الكلام في ذلك الحين ولكن حكومة الإرهاب كانت مشغولة بقتل ((حسن البنا )) والقضاء على فكرة الإسلام وحين مادت الأرض تحت ذلك العهد الأغبر واصلنا الكتابة والنصح ولكن هذا الجهد كله ذهب الى أدراج الرياح لدرجةأني أصبحت مقتنعا أنه لا خير يرجى في هذه الحكومات وليس هناك مفر من إعلان هذا الرأي ودعوة الجماعات الوطنية الشعبية في مصر وسائر البلاد العربية لتتعاون جميعا في هذا السبيل .

هذه هي الأسلحة الخطرة التي يمكن توجيهها إلى إسرائيل : الحصار الاقتصادي المنظم وحرب العصابات المنظمة القوية .

وإني إذ أصدرت هذه الطبعة الثانية من هذا الكتاب أشكر لحضرات القراء الكرام ذلك التشجيع الكبير الذي حبوني به عند صدور الطبعتين الأولى والثانية والذي حملته رسائلهم من مصر وسائر بلاد العروبة مما جعلني أزداد يقينا أن الكثرة الغالبة من شباب هذه الأمة لا تزال تولي قضية العروبة والإسلام في فلسطين ما تستحقه من اهتمام ورعاية .

ومادام هذا الصنف من المؤمنين يؤدى رسالته في بناء الأمة العربية الإسلامية الجديدة فإن عودة الأرض المقدسة إلى أحضان الإسلام باتت وشيكة الوقوع وإن طال المدى وكثرت تكاليف الجهاد وأعباؤه وكل آت قريب {ويسألونك متى هو قل عسى أن يكون قريبا} .

المؤلف

القاهرة (27 فبراير 1951).

 

 
RocketTheme Joomla Templates