احتمالات الصراع الشيعي ـ السني في المنطقة العربية رضوان السيد: الاهرام المصرية 9/9/2006 لا يكاد يمر يوم إلا وتصدر مقالات في الصحافة العالمية عن الصعود الشيعي, واحتمالات الفتنة بين السنة والشيعة في المنطقة العربية. وهناك شاهدان لدي الاعلاميين علي ذلك: أحداث العراق, والاشتباك الذي جري بين حزب الله وإسرائيل بين12 يوليو و14 أغسطس الماضي. وقد تضامن الشيعة العرب في البحرين والسعودية مع حزب الله, فتظاهروا ودعوا لمقاتلة اسرائيل إلي جانب حزب الله, وأدانوا تخاذل الأنظمة العربية. والواقع أن مسئولي حزب الله دأبوا منذ أكثر من عام ـ علي أثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري ـ علي التحذير من الفتنة بين السنة والشيعة علي وقع تفاقم المذابح بالعراق, وعلي وقع الافتراق السياسي أو الأصطفاف السياسي الحاصل في لبنان بعد مقتل الرئيس الحريري. فقد تكونت جبهة هي جبهة14 آذار( مارس) من السنة والمسيحيين, دعت لخروج السوريين من لبنان, وسقط منها صرعي, قبل خروج الجيش السوري وبعده. وواجهتها جبهة أخري( جبهة8 آذار)( مارس) مكونة من القوتين الشيعيتين الرئيسيتين حزب الله وحركة أمل, وانضم إليها فيما بعد التيار الوطني بزعامة الجنرال ميشال عون, وبعض بقايا الأحزاب والشخصيات الموالية لسوريا. وقد حدث شيء من التوتر السياسي والاجتماعي بعدما أصر حزب الله علي الاحتفاظ بسلاحه, ومنع الجيش اللبناني من دخول الجنوب: لكن أحدا من زعماء السنة( باستثناء المفتي الشيخ محمد رشيد قباني) لم يهتم لتحذيرات حزب الله, باعتبار أنه لا سبب ظاهرا للفتنة إن لم يتعمدها فريق معين فالسلطة في لبنان استقرت لها ترتيبات في المناصب والمواقع والسياسات, بحيث لا صراع هناك علي أخذ هذا المنصب أو ذاك. ثم إن الشيعة وحدهم يملكون السلاح, وبذلك يستطيعون هم وحدهم إن أرادوا أن يوقعوا اختلافا داخليا, مع أنهم يصرون علي أن السلاح لن يستخدم الا ضد اسرائيل, وهذا الذي حدث فعلا حتي الآن. لكن الذي تعنيه الصحافة العالمية الآن من احتمالات الصدام الشيعي/ السني بلبنان بعد العراق يتجاوز مسألتي الصراع علي السلطة, والكراهية الطائفية الموروثة(!). هم يقولون إن ايران تدخلت في إفغانستان والعراق( وبالتعاون مع الولايات المتحدة يومها) مستعملة الشيعة الأفغان, والشيعة العراقيين في هذين التدخلين. وقد أفادت من ذلك بالتخلص من نظامي طالبان وصدام حسين المعاديين لها وللشيعة. والواقع الآن أن الشيعة بأفغانستان يقيمون دويلة شبه مستقلة في الوسط, كما أن أنصارها من الشيعة العراقيين استلموا السلطة بالبلاد, وهم يقاتلون الشيعة الآخرين الذين يعارضون النفوذين الايراني والأمريكي. ولبنان هو النموذج الثالث للتدخل الايراني من خلال المجموعة الشيعية بالبلاد. فقد أرادوا إيذاء الولايات المتحدة من طريق إيذاء الكيان الصهيوني لدفعها للتنازل في الملف النووي. لكن الوضع بلبنان غير الوضع بالعراق. فالشيعة ليسوا أكثرية, وما سعوا حتي الآن لنشر الفوضي أو الاستيلاء علي السلطة رغم تحريض الرئيس بشار الأسد لهم علي ذلك. وليس من المرجح أن تريد إيران دفع الشيعة اللبنانيين للاصطدام بالطوائف الأخري. بل إن نائب الرئيس الايراني جاء إلي لبنان وقال إن الدولة الايرانية ستساعد في الإعمار من خلال الحكومة اللبنانية. وتصريحات مسئولي حزب الله حول مصير سلاحهم غير مطمئنة, لكنهم يؤكدون الاستمرار في الحكومة, والاستمرار في دعمها, والتعاون مع الجيش والقوات الدولية في الجنوب. المشكلات اللبنانية مشكلات صعبة بل إنها تكاد تكون مستحيلة. ويحاول الجميع حتي الآن تجنب الحساسيات الطائفية. وهناك سوابق لصراع بين المسلمين والمسيحيين, لكن ليس هناك سوابق لاقتتال شيعي/ سني. ومشروع إيران الاستراتيجي هو مشروع سياسي حتي الآن, وهي لا تستخدم فيه الشيعة فقط, بل السنة أيضا, ومثل حماس والجهاد الإسلامي, ليس ببعيد. وقد تظهر حساسيات طائفية إن حاول حزب الله الاستيلاء علي السلطة, أو مناطحة الحكومة. لكن لا شواهد علي ذلك حتي الآن. أما الملف الشيعي/ السني في العالمين العربي والإسلامي فقد انفتح. لكن اللبنانيين لا يملكون حلا له إن كان, بل لابد من مبادرة عربية للتحادث مع ايران والوصول إلي تسوية معها بشأن مساسها بالأمن العربي في الخليج ومن حوله وخارجه وغرب الفرات. لا مشكلة شيعية/ سنية في الحقيقة, بل مناطحة بين ايران والولايات المتحدة, وتجاذبات بينها وبين العرب, وشيطان الفتنة حاضر دائما, إنما المنفذ منه الحضور العربي, ولا شيء غير الحضور العربي, وللبنان وفلسطين وسوريا والعراق.
|