بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
تقدم كليات التربية مقرراً لطلابها اسمه علم نفس النمو ، يهدف إلى تقديم الخصائص النفسية لكل مرحلة من مراحل النمو ، مرحلة المهد ثم الطفولة المبكرة ، ثم مرحلة التمييز أو الطفولة المتأخرة ، ثم مرحلة المراهقة ، والهدف من ذلك كله أن يتدرب المربون على التعامل مع طلاب كل مرحلة من هذه المراحل وفقاً لخصائصها الجسدية و النفسية والعقلية والاجتماعية والروحية .
ويريد الباحث أن يبين سيكولوجية التعامل مع الطالب المراهق ، لذلك سيأتي هذا البحث في مقدمة ، وفصلين وخاتمة ، يعرف المراهقة في المقدمة ثم يبين في الفصل الأول حاجات المراهقة النفسية والاجتماعية والروحية ، وفي الفصل الثاني معالم للتعامل مع المراهقين وفقاً لتلك الحاجات .
تعريف المراهقـة :
لابد من الإشارة إلى الاختلاف الكبير في تعريف المراهقة بين المفهوم الشائع لدى عامة الناس ، وتعريفها عند علماء النفس ، وحسب كل منهما يعامل المراهق معاملة مختلفة عن التعريف الآخر . تبدأ المراهقة من (12ـ 15) عند الصبيان ، وتسبقهم البنات بسنة واحدة في الغالب ، وتنتهي في (18ـ20) وهذا التفاوت سببه الفروق الفردية ، والبيئيـة بمكوناتها الطبيعية والثقافية والاجتماعية .
التعريف الشـائـع للمراهقـة :
يقول ستانللي هول معبراً عن المعنى الشائع للمراهقة : ( المراهقة فترة عواصف وتوتر وشـدة ، تكتنفها الأزمات النفسية ، وتسودها المعاناة والإحباط والصراع والقلق والمشكلات وصعوبات التوافق ([1]) ). ومما رسخ هذا المفهوم بعض الأبحاث الأمريكية ، التي طبقت على المجتمع الأمريكي كما يقول كمال الدسوقي : قام (روزن ROSEN ) وزملاؤه عام 1962م بتجميع الجداول المعدة في الولايات المتحدة للمرضى النفسيين من سن (10 ـ 19) الذين خرجوا من (788) عيادة نفسية وثبت أنه من بين (54000) مراهق شملهم البحث ، (3%) فقط اعتبروا بدون اضطراب عقلي ([2]) .
ومن الجدير بالذكر أن علماء النفس لايجمعون على هذه التعريفات ، بل يرفضونها ، ومع ذلك صار هذا المفهوم شـائعاً بين الآباء وعامة المدرسين ، وكأن بعض الجهات تتعمد نشـره ودعمـه لتدفع بالشباب نحو الضياع ، وذلك عندما نعامل الشباب على أنهم مرضى يجب أن نتغاضى عن هفواتهم ([3]).
نقد المفهوم الشــائـع للمراهقـة :
تقول (مارغريت ميد mead ) : (المراهقة مرحلة نمو عادي ، ومادام هذا النمو يسير في مجراه الطبيعي لايتعرض المراهق لأزمات ، وفي المجتمعات البدائية التي تمتهن الرعي والصيد وقليلاً من الزراعة ؛ تختفي مرحلة المراهقة ، وينتقل الفرد من الطفولة إلى الرشـد مباشرة ؛ بعد احتفال تقليدي ) ([4]) .يقول حامد زهران ( وقد أثبتت الدراسات أن المراهقة مرحلة نمو عادي ، وأن المراهق لايتعرض لأزمة من أزمات النمو مادام هذا النمو يسير في مجراه الطبيعي )([5]). ويقول العيسوي : ( وجدير بالذكر أن النمو الجنسي في المراهقة لايؤدي بالضرورة إلى أزمات ، لكن النظم الحديثة هي المسئولة عن أزمـة المراهقـة ) ويتابع قوله ( وقد بالغ البعض في وصف المراهقة بالعاصفة إلى الحد الذي جعل أحد علماء النفس يصفها بأنها مرحة جنون (MADNESS ) وظل هذا الرأي مقبولاً لمدة طويلة ترجع إلى بداية القرن العشرين ، وربما قبله ، والحقيقة توجد فروق فردية كبيرة ، وتوجد أعداد كبيرة من المراهقين الأسوياء ، وفي بعض الدراسات لم تزد نسبة المضطربين على (20 %) ، وينحدر هؤلاء المضطربين من بيوت محطمة وغير سعيدة )([6]). وللباحث الحالي بحث ميداني شمل مائة أسرة متدينة تهتم بتربية أولادها وتعيش في مكة المكرمة والمدينة المنورة ، تبين منه أن (85 %) من المراهقين لم يتمردوا على أسرهم ولم يلاحظ أباؤهم القلق والاضطراب عليهم ([7]).
تعـريـف المراهقـة في علـم النفـس :
المراهقة مرحلة انتقال من الطفولة إلى الرشـد ( [8]) ، وهي مجموعة من التغيرات في نمو الفرد الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي ، فهي مرحلة الانتقال التي يصبح فيها المراهق رجلاً ، والمراهقة امرأة ([9]).
المراهقـة تغيـر سـريع :
و هذا الانتقال تغير ، والتغير صفة ملازمة للكائن الحي ، لكن التغير في الطفولة بطيء ، وبعد المراهقـة بطيء كذلك ، وفي المراهقـة سـريع جداً ، يقول الشيخ محمد قطب : ( نحن في فترة انقلاب شامل ، ومع كائن جديد لايريد أن يكون طفلاً.. )([10]). ويعني به التغير السريع والمفاجئ بمعدلات كبيرة وعلى كافة المستويات الجسمية والعقلية والنفسية والروحية ، وربما كان النمو الجسدي هو مركز هذه التغيرات ، والنمو الجنسي بصفاته الأساسية مثل نمو الغدد والأعضاء التناسلية لتصبح قادرة على أداء وظائفها في التناسل ، والصفات الثانوية مثل خشونة الصوت عند الفتى ونعومته عند البنات ، وظهور الشـعر في أماكن محددة مثل وجه الذكر ، وفي أماكن أخرى عند الجنسين ، وهكذا نجد أن النمو الجنسي يشكل مركز النمو الجسدي ، ومن أهم ذلك تمايز جسد الذكر عن جسد الأنثى ([11]). والتغير شامل لجميع الجوانب حتى الروحية يقول محمد قطب : ( ففي هذه الفترة التي تتفجر فيها شحنة الجنس ؛ تتفجر شـحنة روحيـة عجيبة ، شفافة صافية مشرقة ([12]) ).
وترجع أهمية المراهقة عند علماء النفس إلى أنها مرحلة التغيرات السريعة ، التي تخرج الفرد من عالم الطفولة ، ولاتدخله عالم الرجولة فوراً ، بل يبقى في مرحلة انتقالية بينهما خلال فترة المراهقة .
المراهقـة مـرض حضـاري حـديث :
يقول ماجد عرسان الكيلاني : ( أفرزت الحضارة المعاصرة مضاعفات سلبية في حياة الناشئة ، أهمها ماسماه فقهاء التربـية الحديثة (بالمراهقة ) ، وهذه فتوى خاطئة أصدرها علماء النفس ، تبريراً للسياسات الجائرة التي يمارسها مترفو العصر ، فالمراهقة (بمعنى الاضطراب ) ليست مرحلة حتمية في تطور العمر الزمني للإنسان ، ويمكن تجنبها كلياً ، وسـببها بقـاء الناشـئة دون عمل أو رسـالـة في الحياة تسـتهلك قدراتهم وطاقاتهم العارمة ، فيدخل هؤلاء في صراع مع طاقاتهم ، المراهقة إذن هي مصارعة الطاقات المحبوسـة ([13]) ) .
إذن ينشأ الاضطراب والقلق عندما تعطل طاقات الشباب وتحبس ، ومن هذه الطاقات الحاجة إلى الجنس الآخر ، التي يشعر بها الفتى والفتاة منذ البلوغ ، ولايستطيع إشباعها حتى الثلاثين أحياناً بسبب تعقيد الحياة ، وللفتى والفتاة حاجات أخرى مثل تحمل المسؤولية ، والانتماء ، وغيرها تبقى معطلة ، دون صرف طاقاتها في مجال آخر . ولاحظ الباحث الحالي أن المجتمعات الزراعية الرعوية التي كان بعضها موجوداً في بداية النصف الثاني من القرن العشرين ، هذه المجتمعات التي يعمل فيها الفتيان والفتيات منذ العاشرة من عمرهم في تربية المواشي ، وفي الأعمال الزراعية ، كما يتزوج الفتى مابين ( 16ـ 18) ، والفتاة (14ـ 16) ، في مثل هذه المجتمعات تختفي تقريباً مرحلة المراهقة كما تقول الباحثة (مارغريت ميـد) ، لأن الفتى والفتاة عندئذ لايواجهون طاقات محبوسـة .
الفصل الأول
حـاجـات المراهقــة
سنوجز حاجات المراهقة ، كي نساعد الآباء والمربين على تلبيـة هذه الحـاجات وإشباعها ، أو صرف الطاقات الناتجـة عنها في مجالات نافعـة ، ليصل المراهقون إلى مرحلة الرشـد بسـلام ، وسنقتصر على الحاجات الأساسية فقط .
1 ـ الحـاجـة إلى العبـادة :
وهي حاجة فطرية ، تظهر في توجه الإنـسان إلى الله عند الشـدة والخطر ، وقد بين الرسول r ذلك بقوله [ ما من مولود إلا يلد على الفطرة ، فأبواه يهودانه وينصرانه ويشركانه …] ([14]). والفطرة هي الإسلام ـ كما قال علماء الحديث ـ أي ينشأ على عقيدة التوحيد والميل إليها ، لكن البيئة قد تصرفه عنها أو تحافظ عليها ، فيتجه المراهق إلى المسجد أحياناً ، ويحافظ على الصلاة ، وربما جذبته ساحات الجهاد طلباً للشهادة وإرضاء الله عزوجل ، كما أشارت إلى ذلك كثير من الدراسات النفسية الميدانية ([15]).
وفي هذه الفتـرة التي تتفجر فيها شـحنة الجنـس ؛ تتفجر شـحنة روحيـة عجيبـة ، شـفافـة صـافية مشـرقة ، تنطلق معها ، لتضبطها وتسيطر عليها ، وكي لاينطلق المراهق كالحيوان ، هذه الشـحنة الروحية في مرحلة البلوغ تأخذ صورة مشـاعـر دينيـة صـافيـة شـفافة ، تجنح ببعض الشباب أحياناً إلى الصوفية ، وهذه العاطفة الدينية تأتي في موعدها المناسب ، مع بـدء التكليف الرباني الذي يبدأ عند البلوغ ، لتصل القلب بالله ، وتربطه بـه برباط الحب والتقوى ، والمربي المسلم (الأب و المدرس ) ينمي هذه المشاعر بإرشـاد الفتى والفتاة إلى شـعائر العبادة ، المفروضـة والنافلـة ، وصوم التطوع ، وتلاوة القرآن الكريم وحفظـه ، وطلب العلم الشرعي والطبيعي والإنساني( [16]).
وتندرج الحاجة إلى الأمن في الحاجـة إلى العبادة ، وتتضمن الحاجة إلى الأمن الجسمي والصحة الجسدية ، فيتساءل المراهق عما يحدث في جسمه من تغيرات عضوية ، وعما يحدث له من تبدل في الهيئة ، وقد يدركه الفزع والخوف في كثير من الأحيان ([17]) ، والحاجة إلى البقاء ، وتجنب الخطر والألم ، وكل هذه الحاجات تندرج تحت الحاجة إلى العبادة ، حيث يشعر المراهق بالأمن والطمأنينة عندما يتوكل على الله ، وعندما يعلم أن الله عزوجل يرعاه ويحفظه ،
2ـ الحاجـة إلى تـوكـيد الـذات :
يريد المراهق أن يعرف نفسـه ، ويريد أن يقدم نفسـه للآخرين بقالب فكري ، أو سياسي معين ، كأن يقول : أنا مسـلم ، أو أنا علماني ، وقد يخصص أكثر فيقول أنا منهجي الإسلام ، أو أنا منهجي العلمانية . ويخرج الفتى من تمركزه حول ذاته ـ كما كان في الطفولة ـ وينشغل بالمجتمع ، والأمة والبشرية ، فيبحث عن سبب الفساد ومن أين يبدأ الإصلاح !؟
وتدفعه الحاجـة إلى توكيد الذات إلى الرغبة في العمل وتحمل المسؤولية ، فتراه مندفعاً إلى عرض خدماته على أمـه وأبيـه وأقاربـه ، يريد أن يكلفوه بممهـة ما فينجزها لهم ، ليشبع هذه الرغبة في توكيد ذاتـه ، وتلح التغيرات الجسدية والعقلية والنفسية على المراهق أن يعمل مثل الكبار ، ولايبقى عالة على والديه ، لأنـه لم يـعد طفلاً ، فيندفع إلى تحمل المسؤولية .
3 ـ الحـاجـة إلى المـعـرفــة :
أو حب الاطلاع الذي ينمو بشكل متسارع بسبب التفتح العقلي للمراهق ، ويعزز هذا الدافع لديه القدرات الجديدة المتفتحـة كالقدرة على الفهم المجرد ، دون الرجوع إلى المحسوسات ، فيلجأ المراهق إلى القراءة الموسـعة في مجالات متعددة .
( فيطرد نمو الذكاء ، وتزداد القدرات العقلية دقـة في التعبير مثل القدرة اللفظية والقدرة العددية ، وتزداد سرعة التحصيل ، وينمو الإدراك والانتباه والتذكر والتخيل ، وبالتالي ينمو التفكير المجرد وتزداد القدرة على الاستنتاج والتحليل والتركيب وتزداد القدرة على التعميم والتجريد ([18])).
وفي المراهقة الوسطى تتضح الميول التعليمية عند المراهق ، ويظهر اهتمام المراهق جدياً بمستقبله التربوي والمهني .
4 ـ الحـاجـة إلى الـرفـاق :
وهذه من أقوى حاجات المراهقة ، تتبلور بشكل ملفت للانتباه ، (ويتعذر منع الشاب المراهق عن الرفقـة ، أو فرض العزلـة عليه ، وهو أمر يصطدم مع طبع الإنسان وجبلته ، ويحرمه من حاجة نفسية مهمـة ، ولذلك كان السجن الانفرادي عقاباً قاسياً لأنه يعزل الإنسان عن حاجة من حاجاته المهمة ، ويحرمه من الاجتماع بالناس ، والاختلاط بهم ، وبث همومه وأحزانه وأشجانه إليهم ) ([19]). ويتجه المراهقون إلى أقرانـهم وزملائهم المقارنين لهم في السـن ليكونوا رفقـة واحدة تشترك في أشياء كثيرة، منها التحولات الجسدية والنفسية والعقلية والاجتماعية ، والتشابه في المعاناة والمشكلات ، والتشابه في الموقف من الكبار ، هذا إلى جانب الاقتران في المرحلة الدراسية أو نوع العمل أو السـكن ، وبهذا تعد طبقة الأقران أحد المصادر المهمة والمفضلة عند المراهقين للاقتداء ، واستقاء الآراء والأفكار ، وتعد هي الأكثر تقبلاً من بين سائر طبقات المجتمع ([20]).
ومجموعة الأقران مرحلة حتمية في حياة المراهق ، وهي مرحلة عبور من طفل يربط علاقاته بوالديه وأخوته داخل الأسـرة فقط ، إلى إقـامة علاقات موسـعة داخل المجتمع ، مروراً بمرحلة الأقران التي تعتبر مرحلة وسـط بين المرحلتين المذكورتين . فهي بمثابة دورة يتعلم فيها المراهق كيف ينطلق من محيط الأسـرة إلى محيط المجتمع ، وتساعده على الاستقلال الشخصي عن الوالدين ([21]) .
وينتقل إعجاب الفتى بوالديه ومدرسيه إلى إعجابه برفاقـه ، وكلما وجد في مجموعة الرفاق فرد ذو شخصية قوية فإن أثـره ينتشـر على بقيـة الأعضـاء ، ويتقمص الفتيان شـخصية زعيم المجموعـة أكثر من تقمصهم شخصيات الكبار ، لأنه يظن أن تقليده لرفيقه مبني على حرية اختياره ، وغير مفروض عليه من الكبار ، (وقد تبين في إحدى الدراسات التي استفتت (623) طالباً في سبع مدارس ثانوية أن هناك انخفاضاً في اتصال المراهقين بالراشدين من آباء ومدرسين وغيرهم ، وتبـين أن هذا يؤدي إلى تضاعف اتصال المراهق برفقتـه وازدياد التعلق بهـا ([22]). كما تبين من دراسـة مقارنـة أن المراهقين يستمدون السلوك والرأي من أصدقائهم في قضايا ومجالات حيويـة مؤثـرة ، تتعلق بأنماط السلوك والملبس والبرنامج اليومي والهوايات ([23]).
( وفي دراسة على عينة من (1650) طالباً وطالبة في المدارس الثانوية بمدينة الرياض في المملكة العربية السعودية ؛ اتضح أن المراهقين في العمر (16، 17، 18) وهي مرحلة المراهقة المتوسطة ، يكفون عن استشارة أساتذتهم والاسترشاد بهم ـ ويكتفون بتقليد زملائهم ـ ، بخلاف المراهقين الأصغر سـناً أو الأكبر سـناً فإنهم يستفيدون من أساتذتهم ، وهذا يشير إلى الاستقلالية التي يطمح إليها المراهقون ، وإلى الغربة التي يعيشونهاوسط المجتمع الذي لايتفهم أوضاعهم ، وسبب ذلك :
1ـ تغذي الرفقـة حاجـة نفسـية ملحـة لدى المراهـق .
2 ـ وجود الشـبه في الطبـائع والأحاسيس .
3 ـ الرفقة اختيارية لايلزم بها المراهق ، وهذا الاختيار يلبي هو الآخر حاجة نفسية أخرى عند المراهقين ، فهم لايرغبون أن يفرض عليهم أحد اختياره ([24])).
الفصل الثاني
مـعالـم تـربويــة للتعامل مع المراهقين
سوف يذكر الباحث هذه المعالم وفقاً للمؤسسات التربوية التي تتعامل مع المراهق ، فإشباع الحاجة إلى العبادة يتطلب التربية الروحية ، والحاجة إلى المعرفة تتطلب التربية العقلية ، والحاجة إلى توكيد الذات تتطلب التربية النفسية وتحمل المسؤولية ، والحاجة إلى الرفاق تتطلب التربية الاجتماعية . وكل هذه المتطلبات تتحقق في البيت والمدرسـة والمسـجد والمعسكرات وسوف يعرض الباحث ماينبغي على هذه المؤسسات التربوية تـجاه المراهقـين .
المـراهـق فـي الـبيـت :
البيت المسلم هو المسؤول الأول عن الفرد المسلم ، يرعاه في طفولته ، ويشرف عليه في مراهقته وشبابه ويجب على الآباء تغيير معاملتهم لابنهم المراهق الذي لم يعد يرض أن يعامل كطفل ، بل يضايقه أن يعامل كطفل ، ويرغب أن ينظر إليه الآخرون كرجل ، وكذلك البنت يضايقها جداً أن يقال عنها طفلة ، وتتمنى أن ينظر إليها الآخرون على أنها فتاة وليست طفلة ، فتراها تلبس الحجاب وتقلد النساء الكبيرات في أدبهن وحشمتهن ، وتريد من الآخرين أن ينظروا إليها مثلما ينظروا إلى الكبيرات .
( والمربي الحصيف لاينتظر حتى يتحول الأمر إلى مشكلة ، ثم يبحث لها عن حل ، إنه يتقي المشكلة ابتداء ويحول دون حدوثها ، فحين يحس الأب أو الأم أن الولد يحس أنه أكبر من طفل ، فعليهما أن يسارعا ـ بفرح ـ إلى تقبل هذا الأمر ، وعليهما أن يسعيا إلى إعلانه : إن ابننا ـ فلاناً ـ لم يعد الآن طفلاً ، إنه أصبح رجلاً ، كم يثلج صدر الصبي هذا الإعلان !! كم يغذي إحساسـه بذاته ويطمئنه على ذاته ، ثم على الفور ينبغي أن يتغير السلوك لإعطاء هذا الإعلان رصيداً من الواقع . فبدلاً من أن يشتري له أبوه حاجاته دون مشورة منه ، ينبغي له الآن أن يأخذ رأيه : ما رأيك في هذا الحذاء ؟ مارأيك في هذا اللون ؟ أو يعطيه النقود ويترك له حرية شراء حاجاته ، مع النصح والتوجيه ، ثم يرسله بـين الحين والآخر نائباً عنه في قضاء أمر من الأمور ، إلى مكتب البريد ، أو السوق لشراء بعض حاجات البيت ، كما تستطيع الأم أن تطلب منه مرافقة أخته ، أو مرافقتها (هي ) في مشوار معين ، أو استقبال ضيوف والده في غيابه …إلخ . والأمر مع البنت كذلك ، وإن كان علاجها يقع على عاتق أمها أكثر من أبيها ، فلتعلن الأم أمام الأخوة والأقارب والأصدقاء : إن ابنتنا فلانة لم تعد اليوم طفلة ، إنها صارت (ست بيت ) ، وهذه المقولـة ترضي نزعـة البنت إلى تكبير نفسها ، وتطمئنها على ذاتها ، ثم تشفع الأم ذلك بتغيير جذري في المعاملة ، فتستشيرها في كل شيء يخصها ، أو تسمح لها بالشراء لنفسها ، ثم عليها أن تدخلها معها في تدبير المنـزل ، كإعداد المائدة ، أو إعداد (السلاطة ) ، أو تنظيف الصحون ، وتنظيف البيت كله أو بعضه ، كذلك تدخلها معها على الضيفات والجلوس معهن بعض الوقت ، وتبادل بعض الحديث ، كل ذلك يحل عقدة (الكبر ) عندها فيسلس قيادها لأمها ، ولاتعود تعصي أوامرها ، وفي الوقت ذاته تنمو شخصيتها ، وتكتسب خبرات اجتماعية وخبرات في تدبير المنزل هي في حاجة إليها جميعاً([25]) ) .
وبهذا الأسـلوب يشبع البيت عند الفتى والفتاة الدافع إلى توكيد الذات وتحمل المسؤولية ، وقدسماها الشيخ محمد قطب (الرغبة في الكبر ) .
الـمراهقـون والـمدرسـة :
يدخل الفتيان والفتيات المراهقة في المرحلة المتوسـطة ، وتستمر معهم حتى نهاية المرحلة الثانوية ، وتكون على أشدها في نهاية المتوسطة وبداية الثانوية ، لذلك ينبغي على المدرسين معاملة طلاب المدرسـة المتوسطة والثانوية بأسلوب يختلف عن معاملتهم لتلاميذ المرحلة الابتدائية ، وذلك بإسهام الطلاب في أنشطة المدرسة ، ومن ذلك على سبيل المثال :
1ـ تكليف الطلاب بقراءة الكتب التاريخية عن المكتشفات والمخترعات ، والرحلات الاستكشافية حول الأرض ، وبين القارات وفي البحار ، ممايشبع التفتح العقلي عند المراهق ، ويوجه الطلاب إلى مكتبة المدرسـة للاستفادة منها .
2ـ إصدار صحيفة للفصل يقوم بها طلاب الفصل للتنافس بين الفصول ، وإشباع روح الفريق والعمل الجماعي لدى المراهقين .
3ـ القيام بالرحلات العلمية والترفيهية ، وزيارة المنشآت الجديدة والمتاحف والآثار القديمة ، والأماكن الطبيعية كالشلالات والبحيرات .
4ـ إجراء تـجارب علمية في مختبر المدرسة تحت إشراف مدرس العلوم ومراقبته وتوجيهه ، مع الانتباه الشديد إلى الاحتياطات الضرورية ([26]).
5 ـ تكليف الطلاب بمهام مدرسية ، مثل رئيس الفصل ، ومسؤول المكتبة ، ومسؤول رياضي ، ومسؤول ثقافي ، ومسؤول النظام …إلخ ، وهذه كلها تشبع لدى الطلاب الحاجة إلى المعرفة ، والحاجة إلى توكيد الذات .
6ـ تكثيف الأنشـطة الرياضية التي تستهلك الطاقـة الجسدية الفائضة عند المراهق ، والاستفادة من هذه الأنشطة في إشباع الحاجة إلى الرفاق ، والعمل الجماعي .
وخلاصة القول تكليف طالب المرحلة المتوسطة والثانوية بمسؤوليات فردية ، ومسؤوليات جماعية لفريق ينتقى من قبل الطلاب أنفسهم ، والعمل على صرف الطاقة الفائضة عندهم بالأنشطة النافعة ، ومن هذا القبيل حفظ القرآن الكريم ، وجماعة التوعية الإسلامية في المدرسـة التي تهتم بالدعوة داخل المدرسـة .
المراهقون والمســجد :
المسجد مؤسسة إسلامية لها دور فعال في المجتمع المسلم ، فيه تقام الصلوات الخمس جماعة وفي ذلك إشباع للحاجة إلى العبادة التي تتفتح عند المراهق مع البلوغ ، وفي المسجد يشبع المراهق حاجته إلى الرفاق عندما يجد شباناً أمثاله يرتادون المسجد ، ويتحدث معهم ، ويكون معهم جماعة رفاق صالحة ، وفي المجتمع المسلم نجد إمام المسجد والمدرسين الدعاة فيه ؛ قلب الحي النابض بالحركة والوعي والنشاط ، وهؤلاء الدعاة يجذبون الشبان المراهقين إلى الالتفاف حولهم ، والمواظبة على دروسهم الشرعية ، في حلقاتهم العلمية وأنشطتهم الدعوية .
وفي المسجد جماعة تحفيظ القرآن التي تشـغل الناشئة بالنافع المفيد ، وتشبع لدى المراهقين الحاجة إلى العبادة والحاجة إلى المعرفة والحاجة إلى الرفاق .
وفي المجتمع المسلم تعقد دورات تعليمية في المواد المدرسية كالرياضيات والفيزياء واللغة الانجليزيـة يستفيد منها الشبان رواد المسجد ، ويتطوع المدرسـون الدعاة بهذه الدروس ، ليجذبوا الناشئة نحو المسجد ، كما تشبع لديهم عدة حاجات أهمها الحاجة إلى المعرفة .
المراهقون والمعسـكرات :
بماأن المراهقة حبس الطاقات المتفجرة عند الفتى ؛ لذلك فإن المعسكرات أفضل الوسائل لصرف هذه الطاقات بالعمل والتدريب والأنشطة والتعلم ، كما أن المعسكرات تشبع عدة حاجات لدى الشباب كالحاجات الروحية والاجتماعية والجسدية والنفسية والعقلية .
المعسكر والتربية الروحية :
1 ـ تقام في مسجد المعسكر الصلوات الخمـس في أوقاتها مع الجماعة ، والصلاة صلة العبد بربه عزوجل ، كما يشجع الفتيان بالقدوة الحسنة على صلاة النافلة كالضحى وقيام الليل ، والتهجد قبيل الفجر .
2 ـ صوم التطوع كصوم الاثنين والخميس ، والأيام البيض في الشهر ، مع استمرار العمل ببر نامج المعسكر أثناء الصوم ، ويدربون على عدم تعطيل العمل بسبب الصوم .
3 ـ تلاوة القرآن الكريم حيث تخصص أوقات في الليل والنهار منها قبيل االفجر بعد التهجد ، ، وبعد صلاة الصبح وحتى شروق الشمس ، ومنها بعد المغرب ، ومنها قبيل النوم . على أن تكون التلاوة داخل الأسـر بحيث يتلو أحدهم ويستمع الآخرون .
4 ـ دروس السيرة وحياة الصحابة والمواعظ التي يقدمها الطلبة أو الدعاة الزائرون التي تشحذ النفس والهمة وتنعش الروح .
5 ـ الأذكار : ويشجع أعضاء المعسكر على الذكر بعدة وسائل منها إذاعة المعسـكر التي تذكر بأذكار الساعة التي يعيشها أعضاء المعسكر .
6 ـ الأناشـيد : وهي من وسائل صقل الروح ، لأنها توافق خطاً فطر عليه الإنسان ،
ولإذاعة المعسكر الدور الأول في بث هذه الأناشيد على أسماع الطلاب ، كما تشكل جماعات للنشيد من كل كتيبة ، تقدم عروضها في الحفلات العامـة .
المعسـكر والحاجات الاجتماعية :
1 ـ الحاجة إلى الأقران : ينتقى أفراد المعسكر من مرحلة تعليمية واحدة كالمرحلة المتوسطة أو الثانوية أو الجامعية ، وهذه فرصة ثمينة لإشباع الحاجة إلى الرفاق ، حيث يجد الفتى نفسـه بين مجموعة من أقرانه ، ينتقي منهم أفراد الجماعة التي سيكون عضواً فيها طوال فترة الشباب ، والتي تلعب دوراً هاماً في حياته .
2 ـ الحاجة إلى الانتماء : لاحظنا أن اهتمام المراهق بالآخرين يزداد ، وتنمو (الغيرية ) لتحل مكان (التمركز حول الذات ) التي كانت في الطفولة ، وفي المعسكر يعيش الفتى في أسـرة تسكن خيمة واحدة ، ويمارس الانتماء بشكل فعال ، من خلال المسابقات والمنافسات التي تقام بين أ سـر وسرايا المعسكر .
المعســكر والحاجات النفسية :
من أهم النـزعات عند المراهق النـزعة نحو الكبر ، وفي المعسكر إشـباع غزير لهذه النـزعـة من خلال :
1 ـ الاعتماد على النفس ، والخروج على المألوف ،والخشـونة في المأكل والمشرب والملبس والنوم ، كما يقوم الفتيان بالخدمة الذاتية لأنفسهم ، فيقومون بجلي الصحون وأواني المطبخ ، ويعدون الطعام ، وينظفون خيامهم . وهكذا يتحرر الفتيان من عادات تربوا عليها جعلتهم أسـرى للخدم ، ويتدربون على فضيلة الاعتماد على الذات .
كما يقدم لهم في بعض الأيام قليلاً من الطعام ، ومن صنف واحد فقط ، ليتدربوا على الخشونة ، والخروج على المألوف ، وكذلك في النوم ، تقدم لهم الفرش الرقيقة كالسجاد مثلاً ليناموا عليها بدون وسـادة أحياناً .
2 ـ صرف الطاقات الجسدية المحبوسـة : ومن أفضل مايقدمة المعسكر للشباب صرف الطاقة الجسدية الفائضة ، والتي تصعد لتصرف في أنشطة نافعـة كالرياضة البدنيـة ، والجري الطويل ، والمباريات بين سرايا المعسكر([27]) .
وللمعسكرات فوائد جمـة للمراهقين ، لايستطيع الباحث حصرها في هذه المساحة الضيقة من البحث .
الخـاتمـة
عرف الباحث المراهقة في المقدمة ، وحاول تبديد الخطأ الشائع في فهم المراهقة ، التي يظنها كثير من الناس طيش وقلق حتميين . وبين مفهومها في علم النفس ، وأكد على وجهة النظر الإسلامية في فهم المراهقـة .
ثم عرض الباحث حاجات المراهقة الأساسية في الفصل الأول ، وأكد الحاجة إلى العبادة التي يهملها كثير من الباحثين ، كما أكد على الحاجة إلى الرفاق ، والحاجة إلى تحمل المسؤولية .
ثم عرض الباحث المعالم التربوية التي ينبغي على المربين اتباعها في البيت والمدرسة والمسجد والمعسكرات ، من أجل إشباع هذه الحاجات .
وقد حاول الباحث مفارقـة مدارس علم النفس المادي ، التي تهمل الروح ، وتحاول تقديم الإنسان بدونها . واســتند الباحث إلى باحثين مسلمين كبار في علم النفس ، ـ وردت أسماؤهم في هوامش البحث ـ جزاهم الله خيراً كثيراً .
والحمد لله رب العالمين
15/1/1422
[1] ـ حامد عبد السلام زهران ، علم نفس النمو ، دار المعارف بمصر ، 1986م . ص 291.
[2] ـ كمال دسوقي ، النمو التربوي للطفل والمراهق ، دار النهضة العربية ، بيروت ، 1979م . ص 225.
[3] ـ تأكدت من هذا المعنى عندما عملت إحدى عشرة سـنة في الإرشاد الطلابي ، فوجدت معظم الآباء يسرعون إلى المدرسـة عندما نطلبهم لمساعدتنا على ضبط سلوك ولدهم المشاغب والذي يضيع وقته ووقت زملائه ، يسارع هذا الأب ـ وقد يكون طبيباً أو مهندساً أو رجل أعمال وحتى أستاذ جامعي أحياناً ـ إلى الإسطوانة التي كرروها علي مئات المرات وهي : ولدي في طور المراهقة وأرجو أن تلاحظوا ذلك وتعاملوه على هذا الأساس ، فيريدنا أن نتسامح مع ولده الذي يضيع عمره ( بل أغلى أيام عمره وهي الشباب ) ، كما يضيع وقت زملائه ، نسامحه لأنه مراهق . مما دفعني إلى تأليف كتابي ( تربية الشباب المسلم ) الذي طبع عام 1993م في دار المجتمع بجدة ، وفندت هذه الدعاوي الباطلة كلها .
[4] ـ عبد الرحمن العيسوي ، سيكولوجية المراهق المسلم المعاصر ، دار الوثائق بالكويت ،ط1، 1987م، ص 29.
[5] ـ حامد زهران ، مرجع سابق ، ص 292.
[6] ـ عبد الرحمن العيسوي ، مرجع سابق ، ص 29 .
[7] ـ خالد أحمد الشنتوت ، تربية الشباب المسلم ، دار المجتمع بجدة ، 1993م ، ص 113.
[8] ـ حامد زهران ، مرجع سابق ، ص 289.
[9] ـ عبد الرحمن العيسوي ، مرجع سابق ، ص11.
[10] ـ محمد قطب ، منهج التربية الإسلامية ، جزءان ، دار الشروق ، 1401هـ ، ص (2/ 196) .
[11] ـ عبد الرحمن العيسوي ، مرجع سابق ، ص 30.
[12] ـ محمد قطب ، مرجع سابق ، (2/214) . وبطبيعة الحال لاتتحدث مدارس علم النفس الغربي عن هذه الشحنة الروحية ؛ لأنها لاتعترف بالروح أصلاً ، بينما تضخم الحديث عن الجنـس أكثر من اللازم .
[13] ـ ماجد عرسان الكيلاني ، فلسفة التربية الإسلامية ، مكتبة المنارة بمكة المكرمة ، 1987م ، ص 110ـ113 بتصرف .
[14] ـ مسلم (2658) في باب القدر .
[15] ـ عبد العزيز النغيمشي ، المراهقون ، دار طيبة بالرياض ، ط1 ، 1411هـ ، ص39.
[16] ـ محمد قطب ، مرجع سابق ، (2/227) بتصرف .
[17] ـ عبد العزيز النغيمشي ، مرجع سابق ، ص 45.
[18] ـ حامد زهران ، مرجع سابق ، ص 314 بتصرف كبير .
[19] ـ عبد العزيز النغيمشي ، مرجع سابق ، ص 62.
[20] ـ المرجع نفسه ، ص64.
[21] ـ حامد زهران ، مرجع سابق ، ص 226 .
[22] ـ عبد العزيز النغيمشي ، مرجع سابق ، ص 66 .
[23] ـ المرجع نفسـه . ص66.
[24] ـ المرجع نفسه ، ص 68 بتصرف .
[25] ـ محمد قطب ، مرجع سابق ، (2/204) بتصرف كبير .
[26] ـ خالد أحمد الشنتوت ، كيف نحمي أولادنا من رفاق السوء والمخدرات ، مطابع الرشيد بالمدينة المنورة ، 1994م ، ص 36 بتصرف .
[27] ـ خالد أحمد الشـنتوت ، تربية الشباب المسلم ، مرجع سابق ، ص 74 وما بعدها بتصرف .
الـبيـت والـتفــوق
التفوق هو حصول الطالب على معدل عام لايقل عن تسعين بالمائة ، ولايصلح هذا المقياس دائماً لاختلاف موازين المدرسين ، لذلك فالمقياس الأفضل منه حصـول الطالب على الترتيـب الأول أو الثاني أوالثالث على الفصل ، والترتيب الأول وحتى العاشـر على الصف شريطة أن لايقل المعدل عن تسـعين بالمائة ، وأن لايزيد عدد طلاب الصف على المائة .
وعندما ننتبه إلى أن المدرسة تقدم جرعة واحدة لجميع الطلاب ، بل تبذل جهوداً للمقصرين أكثر من غيرهم ومع ذلك يتفاوت التحصيل المدرسي عند الطلاب فنجد بينهم المتفوق والمتوسط والمقصر في التحصيل المدرسي ، والسبب الأساس لهذا التنوع متابعة البيت . وتفوق الطالب في جميع المواد المدرسية لاتعليل له سوى متابعة البيت ، فمتابعة البيت مع حاصل ذكاء مرتفع تؤدي إلى التفوق ، أما حاصل ذكاء مرتفع بدون متابعة من البيت فلا يؤدي إلى التفوق في جميع المواد .
فرضية البحث :
من خلال عمل الباحث في الإرشـاد الطلابي والتدريس مدة طويلة ، ومن خلال تربيته لأولاده ، صاغ الباحث فرضيته على النحو التالي : السبب الأول في تفوق الطالب هو متابعة البيت له () ، أما حاصل الذكاء المرتفع ، وجهود المدرسين فتأتي في المرتبة الثانية والثالثة على الترتيب . والمقصود بمتابعة البيت توفر الجو الدراسي في المنزل ، مع متابعة أحد الوالدين أوكلاهما للطالب وحثه باستمرار على الجد والاجتهـاد ، واهتمامهم الجاد بمستقبله الدراسي والعلمي .
وللتأكد من صحة هذه الفرضية قام الباحث بإجراء البحث الميداني على مجموعة من الطلاب المتفوقين في مدرسة المنارة للبنين في المدينة المنورة . وتهدف هذه الدراسة إلى معرفة العلاقة بين التفوق ومتابعة البيت للطالب .
عـينة البحــث :
تتكون عينة الدراسة من (100) طالب متفوق في مدرسة المنارة للبنين ، فـي الـمرحلة الابـتدائيـة والمتوسطـة والثانويـة ، وقد اعتبر العشرة الأوائل على الـصـف حسـب نـتـائج امتحان الدور الأول للعام الدراسي (1417ـ 1418 هـ) ، في صفوف المرحلة المتوسطة الثلاثة ، وفي الصفين الأول والثاني الثانوي ، وعددهم خمسون طالباً واستبعد الباحث الصف الثالث الثانوي حيث سحبوا ملفاتهم حين إجراء هذا البحث (أواخر ربيع الثاني 1418هـ) ، و خمسون طالباً متفوقاً من الصف الرابع والخامس والسادس الابتدائي ، واستبعد المتفوقون من الصفوف الأول والثاني والثالث الابتدائي لكثرة المتفوقين فيهم بسبب عناية البيت بأطفالهم الصغار ، ولأن الاختبارات الشفوية عادة أقل موضوعية في القياس التربوي ، ومعظم اختباراتهم شفوية .
وتتراوح معدلات المتفوقين في المرحلة الثانوية بين (93%) إلى (99.55%) ، كما تتراوح معدلات المتفوقين في المرحلة المتوسطة بين (92.51%) إلى (99.60%) ، أما معدلات المتفوقين المدروسين في هذا البحث من المرحلة الابتدائية فتتراوح بين (97%) إلى (100%) .
إجــــراء ا ت البـحــث :
استأذن الباحث سعادة الدكتور أحمد حسن مفتي مدير مدارس البنين في منــارات المدينة المنورة للسماح له بمراجعة السجلات الشاملة للطلاب المتفوقين ، وبعد تفضله بالموافقة ، تكرم الزميلان المرشدان الطلابيان في المدرسة فقدموا للباحث قائمة بأسماء العشرة الأوائل في كل صف من صفوف المدرسة () .
قام الباحث بمراجعة السجلات الشاملة لهؤلاء المتفوقين ، ورصد المعلومات التالية :
ترتيب الطالب في الأسرة ، عدد أفراد الأسرة ، عمل الأب ، عمل الأم ، ثقافة الأب ، ثقافة الأم . وجميع هذه المعلومات مدونة في السجل الشامل ، وذات دلالة على عناية البيت بالطالب .
ويفترض الباحث أن ترتيب الطالب في الأسرة له علاقة بالتفوق ، فالمولودان الأول والأخير في الأسرة ، يعتنى بهما أكثر من الآخرين . كما يفترض الباحث أن عدد أفراد الأسرة القليل والمتوسط ( 5 ـ 7 ) يوفر عناية للطالب في البيت أكثر من الأسرة كبيرة العدد (12ــ15) () ، وبالتأكيد لثقافة الوالدين وعملهما علاقة كبيرة بعناية البيت بالطالب ، وفي الغالب يتمكن الأب الموظف من متابعة أولاده أكثر من الأب التاجر أو رجل لأعمال الذي تكثر أسفاره ، كما أن الأم ربة المنزل تتمكن من متابعة أولادها أكثر من الموظفة حتى لو كانت مدرسة . لذلك يعتبر الباحث هذه المعلومات ذات دلالة على متابعة الطالب في البيت .
نتـائـج البــحـث
ترتيب الطالب المتفوق في أسرته :
(43%) مـن الـمتفوقين ترتيبهم الأول في الأسرة ، و(22%) ترتيبهم الأخير ، أي أن (65% ) من أفراد العينة ترتيبهم الأول والأخير ، وهذا يؤكد عــلاقة البيـت بالتفوق لأن الأسـرة عادة تبذل عناية وجهد لهذين المولودين ( الأول والأخير) أكثر من غيرهما ، وأهم الأسباب تفرغ الأسرة للمولود الأول وكذلك تفرغها للمولود الأخير ().
عدد أفراد الأسرة :
وجد الباحث أن (11%) من أسر العينة تعدادها (4) فقط أي الأب والأم وولدان . ووجد أن (26%) من أسر العينة تعدادها ( 5 ) أفراد فقط ، و(26%) أيـضاً تعدادها (6) أفراد فـقـط ، و(18%) تعـدادها (7) أفــراد ، و (11%) تعدادها (8) أفراد ، و(5%) تعدادها ( 9) أفراد ، و(3%) فقط تعدادها (10ــ 11) فرد اً .
أي أن (81%) من أسر المتفوقين يتراوح عددها بين (4 ــ 7) أفراد وهذه أسـرة قـليلـة ومتوسطـة العدد ، بينما (29%) فقط يتراوح عـددها بين (8 ـ 11 ) وهذه أسر كبيرة العدد . ويدل ذلك على أن الأسرة ذات العدد القليل والمتوسط تمكنت من الاهتمام بأولادها أكثر من الأسرة ذات العدد الكبير ، وهذا منطقي ومعقول ، ويؤكد العلاقة الوطيدة بين البيت والتفوق المدرسي .
ثقافـة الأب :
(14%) من آباء المتفوقين يحملون الدكتوراة أو الماجستير ، و (56%) منهم تخرجوا من الجامعة ، و(21%) يحملون الثانوية ، و( 9% ) فقط مستواهم الثقافي أقل من الثانوية
أي أن (70%) من آباء المتفوقين يحملون شهادات عالية وعليا ، ومثل هؤلاء يهتمون بدراسة أولادهم ويتابعونهم في البيت ، وهذا يؤكد الصلة القوية بين التفوق والبيت . كما أشارت دراسة أجريت في الكويت إلى أن التعليم يزيد من قدرة الآباء على تربية أبنائهم ، وبذلك يزداد احتمال مساعدتهم للأبناء على التفوق () .
ثقافـة الأم :
(2%) من أمهات المتفوقين يحملن الدكتوراة والماجستير ، و (38%) متخرجات من الجامعة ، و(34%) يحملن الثانوية ، و(26%) ثقافتهن أقل من الثانوية ، أي أن (40%) منهن يحملن شهادات عالية وعليا ، و(74%) منهن مستواهن الثقافي فوق الثانوية وهذا يمكن الأم من مساعدة أولادهاومتابعتهم في البيت ، وخاصة في المرحلة الابتدائية ، وهذا يؤكد العلاقة القوية بين التفوق والبيت .
مهنــة الأب :
مما لا شك فيه أن أصحاب الدخل المحدود ( الموظفون وأمثالهم ) يملكون وقتاً لمتابعة أولادهم والإشراف عليهم ، بينما لا يملك أصحاب الدخل غير المحــدود ( كالتجار ورجال الأعمال والمقاولين ) وقتاً لمتابعة أولادهم في البيت ، لأن عملهم يتطلب وقتـاً غير محدود ، كما تكثر أسفارهم ورحلاتهم من أجل تجارتهم وأعمالهم ، ومن خلال هذا البحث تبين أن (85%) من آباء المتفوقين مــوظفون ( مـوظـف ، مدرس ، طبيب ، مهندس ، ضابط ) ، بينما (15%) فقط رجال أعمال وتجار ، وهذا يؤكد فرضية البحث ، حيث تمكن هؤلاء الآباء من متابعة أولادهم مما سهل لهم التفوق.
مهنة الأم :
(70%) من أمهات المتفوقين يعملن ربات بيوت . و (30%) يعملن مدرسات أو طبيبات () .
وعندما نجد نسبة الجامعيات (40%) ، ونسبة العاملات خارج المنزل في التعليم والطب طبعاً (30%) فقط نعرف أن (10%) من أمهات المتفوقين جامعيات ويعملن في تربية أولادهن وإدارة المنزل ، وهذه ظاهرة صحية وممتازة ومثل هذه الأم تقدم رعاية ومتابعة ممتازة لأولادها في البيت ، وهذا يؤكد صلة التفوق بالبيت .
خلاصــة البـحــث
كانت فرضية البحث أن البيت هو السبب الأول في تفوق الطلاب في المدرسة ، وقد درس الباحث من خلال السجل الشامل لعينة من الطلاب المتفوقين علاقة البيت بالتفوق من خلال ترتيب الطالب في أسرته ، وعددأفراد أسرته ، وعمل الوالدين وثقافتهما ، وكانت خلاصة النتائج كما يلي :
(65%) من المتفوقين ترتيبهم الأول أو الأخير في أسرهم ، مما منحهم رعاية كبيرة من والديهم ، و (81%) من المتفوقين يــتـراوح عـدد أسرهم بين (4 - 7) أفراد ، وهذه أسرة صغيرة أو متوسطة يتمكن الوالدان فيها من رعاية أولادهم دراسياًومتابعتهم في تحصيلهم الدراسي ، و (70%) من المتفوقين يحمل آباؤهم شهادات جامعية ودراسات عليا ، كما أن (74%) من أمهات المتفوقين في هذه العينة مستواهن الثقافي فوق الثانوية مما يمكن هؤلاء الآباء والأمهات من معاونة أولادهم ومتابعتهم في دروسهم ، و (85%) من اباء المتفوقين في هذه العينة يعملون موظفين ، و (70%) من أمهاتهم يعملن ربات بيوت ، فتمكنوا من مساعدة أولادهم ورعايتهم تربوياً وشـجعوهم على التفـوق .
ومن هذه المعطيات تتأكد أهمية البيت في التربية ، ويتأكد أن رعاية البيت لأولاده هي السبب الأول من أسباب التفوق كما جاء في فـرضية البحث .
التــوصيــــات
يوصي الباحث بناء على هذه الدراسة ، وعلى دراسة سليمان محمد الستاوي عن التأخر الدراسي ، حيث أشارت دراسته إلى أن للبيت أثراً كبيراً في تأخر الطالب في دراسته يوصي الباحث بإجراء دراسة موازية لهذه الدراسة في المدرسة ذاتها تكون العـينة فـيها مكونة من الطلاب المكملين في الدور الثاني ، وتتبع الإجراءات ذاتها لمعرفة أثر البيت في تأخر الطلاب الدراسي .
كما يوصي الباحث بأن تبادر المدرسة وإدارة التعليم ووزارة المعارف إلى تكريم آباء المتفوقين من الطلاب ، كما تكرم رئاسة تعليم البنات أمهات المتفوقات من الطالبات لتشجيع البيت على الاهتمام بدراسة أولاده وبناته ، في عصر أصبح التفوق ضرورياً لدخول الجامعات .
والحمد للـه رب العالميــن خالد أحمد الشـنتوت ، باحث في التربية الإسلامية ـ المدينة المنورة . 12/12/1421هـ
|