تصويت

ما تقييمك للموقع ؟
 

المتواجدون الآن

يوجد حاليا 101 زوار 
المرأة في المجتمع المسلم

المرأة في المجتمع المسلم

إن الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد

ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه الشيخان : ( لتتبعن سنن من كان قبلكم ، شبراً بشبر وذراعاً بذراع ، قالوا اليهود والنصارى ؟ قال فمن ؟ وفي رواية : لو دخلوا جحر ضب دخلتموه )...أو كما قال  رسول الله صلى الله عليه وسلم ...

من البدهيات أن المرأة والرجل صنوان أمام الله عزوجل { من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مـؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب }غافر 40 .

ومن البدهيات أيضاً أن الإسلام أعطى المرأة حقوقها كاملة ومنها حق التملك ، والتصرف بأملاكها ، ولم يبخسها من حقوقها شيئاً ، بل جعل نفقتها واجبة على ولي أمر   ها ، حق لها ، وليس صدقة منه ...

وليس هذا موضوعنا ، إنما سأكتفي بأمرين فقط هما محور النقاش اليوم في المجتمع المسلم .

الأول هل تعمل المرأة ؟ وماذا تعمل ؟  والثاني تعدد الزوجات في المجتمع المسلم .

هل تعمل المرأة ؟ وماذا تعمل ؟

هذا العنوان أخذته من كتاب علم الاجتماع للصف الأول ثانوي في سوريا في بداية السبعينات الميلادية من القرن الماضي حيث كنت أدرس علم الاجتماع للمرحلة الثانوية .

والمشكلة المسيطرة على أذهان معظم المسلمين ـ وقد أخذوها عن الغرب ـ أن عمل المرأة في البيت لايسمونه عملاً ... وعندنا في سوريا يكتبون في البطاقة المدنية للمرأة التي لاتعمل خارج البيت ، في خانة المهنة ( لاعمل لها ) ، أو يضعون شرطة ، وربما أخيرا عادوا ليكتبوا ربة منزل أو ربة بيت ...

كان عندي في الصف الأول ثانوي طلاب وطالبات في منطقة يغلب عليها الفكر الماركسي يومذاك ، وطرحت السؤال التالي :

لو فرضنا  زوجة رجل ثري جداً ، متخرجة من الجامعة ، لاتحتاج المال ، لأن زوجها يغدق عليها مما أفاء الله عليه من المال ، هل تعمل هذه الزوجة خارج البيت  ؟

كانت إجابات الطلاب ( الذكور ) لا، لاتعمل خارج البيت ، ووافقت معظم  الطالبات ، ماعدا واحدة متشبعة بالفكر الماركسي والوجودي ، أصرت على أن العمل جزء مكون من شخصية الإنسان ، والإنسان الذي لايعمل شخصيته ناقصة ، لذلك يجب أن تعمل مثل هذا المرأة كي تمارس شخصيتها ووجودها لايكتمل بدون عمل ، لأن الإنسان مشروع وجود كما يقول سارتر ...[ أنا أوضح فكرتها بعباراتي الفلسفية ] .

عندئذ ــ وأنا أعرف أمهات الطلاب والطالبات في هذه البيئة ، غير متعلمات ، ولايعملن خارج البيت ــ قلت : إذن مسكينات أمهاتكم أيها الطلاب والطالبات ، ينمن في الصباح حتى تمل إحداهن النوم ، فتنهض وتتجمع مع جاراتها ، ويلعبن الورق [ تركس ، وكونكان ، وباصرة ....] كي يقطعن الوقت ، ويذهبن عنهن الملل والفراغ ، وتشعر كل منهن بوجودها ، و ....ولم تطق الطالبات صبراً فقالت إحداهن :

ــ أنت تمزح يا أستاذ ، أنت أيضاً ابن هذه البيئة ، وتعرف الحقيقة ...

ــ قلت ماهي الحقيقة ؟ قالت : أمي وأمك وجميع الأمهات يعملن أكثر من الآباء ... ــ قلت : عجيب !!ّ هل تعمل أمك خارج البيت ؟ قالت : لا ، ولكنها تعمل داخل البيت أكثر من عمل والدي خارج البيت . قلت لها : أرجو أن تصفي لنا عمل أمك ( داخل البيت ) يوماً كاملاً  . قالت :

( تنهض أمي قبلنا جميعاً فتوقد المدفأة ، وتجهز الشاي والفطور ، ثم تبدأ توقظنا ، كل حسب طلبه ، المجتهد منا أوصاها أن توقظه قبل المدرسة بساعة كي يذاكر ، والآخر توقظه قبل المدرسة بنصف ساعة فقط ....وهكذا توقظنا ، وتفطرنا ، وتساعدنا على اصطحاب حقائبنا المدرسية كاملة ، ثم تتفرغ بعد خروجنا إلى المدرسة لترتيب البيت ، ثم لغسيل الثياب ، ثم تبدأ بإعداد طعام الغداء ، حتى نعود من المدرسة ، ويعود والدي من عمله فنجد الغداء ساخناً وجاهزاً ، وبعد الغداء ، تساعدنا في حل واجباتنا المدرسية ، وتستمر في عمل متواصل حتى ننام ، فتتفقد أغطيتنا ، وتنام آخر أفراد الأسرة ....

إنها تعمل أكثر من والدي بكثير ، والدي يعود من عمله إلى مشاهدة التلفاز ، ومطالعة الصحف ، أو النوم نهاراً ، وهي أول من يستيقظ صباحاً وآخر من ينام ليلاً ...  وما رأيتها تنام نهاراً من كثرة أعمالها في البيت ....).

ــ قلت : يعني والدتك تعمل أم لاتعمل ؟

ــ قالت : كل هذا لاتسميه عملاً يا أستاذ ، قلت تعمل أكثر من عمل والدي خارج البيت ...

ــ قلت : وهل نسمي العمل داخل البيت عملاً ؟

ــ قالت : نعم ، وهو عمل ضروري ، وبدونه لاتقوم الأسرة ، ولاتربي أولادها....ثم دق الجرس  ....وانتهت الحصة ، الحصة التي سعدت فيها جداً ، لذلك مازلت أذكر وقائعها بعد (38) عاماً ...

التربية فاشلة في العالم كله :

في عام (1970) قامت اليونســكو بتشــكيل فريق برئاســة تــربوي يسمى ( إدجار فور ) لإعداد تقرير عالمي عن التربية ، وخلاصة التقرير منشورة في كتاب مترجم للعربية بعنوان ( تعلم لتكون ) والخلاصة أن التربية فاشلة في العالم كله ، ولاتؤدي ماينبغي أن تقوم به ، وقدم التقرير أسباباً لهذا الفشل ، منها إهمال البيت دوره التربوي ...وسأقف عند هذا السبب ، لأنني أتفق معه ، وأرى أن للبيت دوراُ تربوياً هاماً ، ومعظم كتاباتي تدندن حول هذا الموضوع ...وبالمناسبة أذكركم بموقعي على النت ( من جوجل : موقع خالد الشنتوت ) وفيه بضعة عشر كتابا في هذا المجال ، وعشرات المقالات التربوية والسياسية ....

دور البيت في التربية :

( وإذا كان البيت والشارع والمدرسة والمجتمع هي ركائز التربية الأساسية ؛ فإن البيت هو المؤثر الأول وهو أقوى هذه الركائز جميعاً ، لأنه يتسلم الطفل من أول مراحله ، ولأن الزمن الذي يقضيه الطفل في البيت أكبر من أي زمن آخر ، ولأن الوالدين أكثر الناس تأثيراً في الطفل ) ([1]).

1- فالزمن الذي يقضيه الإنسان في بيته خلال طفولته أكبر من أي زمن آخر يقضيه في المدرسة أو غيرها .

2- وقد جعل الله عز وجل الطفل ينظر إلى والديه على أنهما أعظم رجل وامرأة في العالم ، لذلك يقلدهما ويقتبس منهما أكثر من غيرهما .

3- كما جعل الله الطفل فلذة من كبد الأبوين ، يسهران من أجله ، ويكدان من أجل راحته ، ويفهمان من تعبيرات وجهه ماذا يريد ومم يشتكي.

4- وقبل ذلك كله جعل الله الوالدين مسؤولين عن أولادهم أمام الله عز وجل

5- وقد قمت بدراسة ميدانية عن سبب تفوق الطلاب الأوائل ، وراجعت ملفات مائة طالب متفوق في المنارات  ، وكنت قد وضعت فرضية تقول البيت هو المسؤول عن التفوق لسبب واضح وهو أن المدرسة تعرض بضاعتها على جميع الطلاب ، فلماذا يتفوق هؤلاء ؟   قال بعضهم الذكاء ، قلت وجدت عدداً من المقصرين دراسياً أذكياء ، لكنهم لم يستفيدوا من ذكائهم ...والبحث معروض في كتابي ماذا تريد ....

فعن أبي هريرة t قال : قال رسول الله r : ( مامن مولود إلا يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه ...) ([2]) ، يقول النووي يرحمه الله : ( كل مولود يولد متهيئاً للإسلام ، فمن كان أبواه أو أحدهما مسلماً استمر على الإسلام...)، فالبيت إذن مسؤول عن عقيدة الطفل ، يحافظ عليها كما فطرها الله عز وجل ، أو يخربها ، وصلاح عقيدته فلاحه في الدنيا والآخرة ، وفسادها هلاكه في الدارين .

أهمية الطفولة المبكرة ([3])

يقول ( رينيه دوبو ) في كتابه ( إنسانية الإنسان ) :

لا أظن أن مكاناً آخر في العالم كان سيمنحني الصحة والنجاح والسعادة التي وجدتها في الولايات المتحدة الأمريكية ، ومع ذلك وبعد أربعين سنة من الحياة في أمريكا ، لايزال لدي تحفظ ذهني عندما أقول : أنا أميركي ، لأنني لم أتجاوز ، ولا أريد أن أتخلص من تقاليدي التي اكتسبتها في قريتي الفرنسية الصغيرة ، حيث أمضيت سني تكويني الأولى ، والتي تركت طابعاً لا يمحى من وجودي العضوي والفكري .. ثم يقول : إن تجارب الحياة في الفترة المبكرة من العمر تشكل الخواص العضوية والفكرية للطفل ، بأسلوب لا مجال لتغييره بعد ذلك . ولا يصل الأولاد إلى سن الثالثة أو الرابعة من عمرهم إلا وتكون نماذج سلوكهم قد تبلورت نهائياً من أثر العوامل الثقافية والبيئية ([4]) .

كما تتضح أهمية الطفولة المبكرة عندما نعرف أن أسس السلوك الاجتماعي تبنى في البيت ، ويبقى هـذا السلـوك الاجتماعي ثابتـاً مدى العمر ، ويصبح سمة شخصية ثابتة . ويرى (سكنر Skkner) : أن أكثر الأمراض الخلقية كالأنانية والفوضى وفقدان الثقة بالذات، واللامبالاة ، والرياء والنفاق ؛ تنشأ جرثومتها الأولى في البيت ، ويصعب على المدرسة والمجتمع استئصالها .

الأم المسلمة نواة البيت المسلم

يغلب على الأب أن يقضي معظم وقته خارج البيت بسبب عمله ، ويغلب على الأم أن تقضي معظم وقتها داخل البيت بسبب عملها أيضاً ، لذلك فإن دور الأم في تربية الطفل يسبق دور الأب ، خاصة وأنها تلازم الطفل في أخطر سنوات حياته ، وهي المرحلة التي تتشكل فيها شخصيته . والأم أكثر التصاقاً بالطفل ، لأن الطفل قطعة منها ، ولأن عاطفتها أقوى من عاطفة الأب نحو الطفل ؛ لـذا فهي أقـرب إلى قلوب الأطفال ، وقد زودها الله سبحانه وتعالى بالحنان – دافع الأمومة – وهو سلوك فطري عضوي سببه هرمون ( برولاكتين ) الذي تفرزه الغدة النخامية عند الأم الحامل ، ويستمر طيلة فترة الرضاع   ، مما يدفع الأم إلى السهر على راحة الطفل ، خاصة  في السنتين الأوليتين من عمره ، ولهما أثر كبير في شخصيته . وبالمناسبة دافع الأمومة دافع فطري سببه هذا الهرمون ، وقد حقنوا ذكر الفئران بهذا الهرمون فأبدى حناناً واهتماما بالفئران الصغيرة .

كما وجدت الباحثة ( سامية حمام ) أن أثر غياب الأب أقل بكثير من أثر غياب الأم على الأطفال ، لأن الأم الحصيفة يمكن أن تملأ بعض الفراغ الذي يتركه الأب . وهكذا يتضح أن الأم المسلمة نواة البيت المسلم ، والبيت المسلم نواة المجتمع المسلم .

الأم المسلمـة

على ضوء أهمية دور الأم في التربية يتضح تميز الشريعة الإسلامية التي وفرت الأسباب الكافية لتضع الأم في مكانها الصحيح الذي خلقها الله من أجله فتعبد الله عز وجل في بيتها ، ومن هذه الأسباب :

1- أمر الله عز وجل النساء بالقرار في البيت ، فقال تعالى: } وقرن في بيوتكن...{ [ الأحزاب : 33 ] وجعل صلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد .

2- كلف الرجل الإنفاق عليها ، وإعالتها في جميع مراحل حياتها ، فالأب والأخ ثم الزوج ثم الإبن مسؤول أمام الله عز وجل عن إعالتها حتى لو كانت غنية . لتتمكن من الاســتقرار في البــيت والتفــرغ لمهمتـــها الأصلية .

3- يتضح لنا خطورة إخراج المرأة من بيتها خارج البيت ، ويتبين أن هذا الخروج ضار جداً للأجيال الصاعدة ، وقد عمل أعداء الإنسانية  على تخريب هذه الأجيال عندما ألحوا على عمل المرأة خارج البيت . لأن خروجها من البيت خراب له ثم خراب للمجتمع .

4- يقول ( الكسيس كارل ) ( صاحب الكتاب  المشهور الإنسان ذلك المجهول ): ( لقد ارتكب المجتمع العصري غلطة جسيمة باستبدال تدريب الأسرة بالمدرسة استبدالاً تاماً ، ولهذا تترك الأمهات أطفالهن لدور الحضانة ) .

ومما يجدر ذكره أن ثواب تربية الأولاد لا يحصل لمجرد الإنجاب ؛ لأن الإنجاب غريزة في الإنسان والحيوان معاً ، ولا تحاسب المخلوقات عما فطرت عليه ، بل يحصل الثواب عندما يربي المسلم أولاده على الإسلام ؛ فيكونوا عباداً لله عز وجل ، خلفاء في الأرض ، يعمرونها بعبادة ربهم وحده لا شريك له .

إذن عمل المرأة الأساس هو التربية ، ومجال هذا العمل داخل البيت ، لكن نحتاج إلى المرأة لتعمل في مجالين آخرين وهما : مدارس البنات ، وطب المرأة والطفل ...

عندئذ تقوم المرأة ( العزبة ) بهذا الدور ، فتكون مدرسة في مدارس البنات، أو طبيبة ، أو ممرضة ، لتعمل في مشافي النساء التي لايدخلها الرجال ، كما تعمل في طب الأطفال الذين غالباً تصحبهم أمهم إلى زيارة الطبيب ...

كما تقوم به المرأة التي انتهت تقريباً من دورها التربوي داخل البيت ، في الأربعين أو الخمسين ، وقد صار أولادها طلاباً في الثانوية أو الجامعة ، وعندئذ يمكنها الخروج من البيت بضع ساعات في اليوم لتقوم بهذا الفرض الكفائي في المجتمع ...

وفي حالة المرأة العزبة ، تكلف بنصاب عمل كامل ، وأجرة تعادل أجرة الرجل تماماً أو تزيد ( إذا عملت في التدريس والطب فقط ) ، أما المرأة ذات الأولاد فتكلف بنصف نصاب الرجل ، وتتقاضى عليه ثلاثة أرباع راتب النصاب الكامل ...

وهكذا يتضح أن عمل المرأة داخل البيت فرض عين على كل أم ، أما عملها في التدريس والطب فهو فرض كفائي على المجتمع ، ويقول بعض العلماء أن ثواب القيام بالفرض  الكفائي أكبر من ثواب القيام بفرض العين ، لأن التقصير بفرض العين يأثم به فرد واحد ، أما التقصير بالفرض الكفائي يأثم به المجتمع كله ...

أما عمل المرأة في الجيش والشرطة والهندسة والخدمة في المطاعم والفنادق كما هو في كثير من بلاد المسلمين ، وفي سوريا كلية عسكرية للبنات يتخرجن ضابطات للجيش ، وفي غير بلاد الحرمين يحفظها الله ، ترى المرأة الشرطية في الشارع تنظم المرور، كما ترى الفتيات عاملات في المطاعم والفنادق ، ولاحول ولا قوة إلا بالله ، وهذا من تقليدنا للغرب ( وصدق رسول الله : ولو دخلوا جحر ضب دخلتموه ) ، ولايتفق مع منهج المجتمع المــسلم، كما لايتفق مع الفطرة السليمة  ... وفي مثل هذه البـلاد نجد المدرســين ( الرجال ) يدرسون البنات حتى في مرحلة المراهقة ولاحول ولاقوة إلا بالله ... يأخذون النساء لتقوم بعمل الرجال ، ويأتون بالرجال للقيام بعمل النساء ، وهذا من عمل الجاهلية ...

*    *      *

والقضية الثانية الملحة التي تستوجب النقاش هي ما نقرأه في الصحف العربية من تزايد أعداد ( العوانس ) في المجتمع المسلم ، حتى صار العدد بالملايين ولاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم ...ملايين العوانس في المجتمع المسلم في كل مكان ، هذا هوا الواقع ، ويستطيع كل مثقف أن يتأكد من صحة كلامي عندما يحصي الذكور والإناث في أسرته الكبيرة ، والسبب الوحيد لزيادة العوانس  هو الإحجام عن تعدد الزوجات في المجتمع المسلم الحالي . وتصوروا ملايين العجائز في المجتمع المسلم ليس لهم أولاد يكفلونهن في الكبر ولاحول ولاقوة إلا بالله ، فما هو سبب ذلك الإحجام ؟ والكل يعرف أن الإسلام أباح تعدد الزوجات  وشرح ذلك مبسوط في كتب التفسير لمن أراد الاطلاع ... ومع ذلك أحجم الرجل المسلم اليوم عن تعدد الزوجات ، فما سبب ذلك الإحجام ؟

تخلي  الرجل عن القوامة هي السبب الأول :

خلق الله الرجل قواماً على المرأة في البيت المسلم ، ولكن واقع الحال تخلى عدد كبير من الرجال عن هذه القوامة لزوجاتهم ، لأسباب كثيرة ، لافائدة من تعدادها ، فكيف يتزوج الرجل زوجة ثانية وأمره في البيت ليس بيده ، بل بيد زوجته الأولى !!؟

والأصل أن البيت مجتمع صغير ، والأب أميره ، وليست الأم لأن اللـه عزوجل يقول   { الرجال قوامون على النساء  بما فضل اللـه بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم } [ النساء :34 ] . والزوجة المسلمة تتقرب إلى اللـه عزوجل بطاعة زوجها ، فعن أبي هريرة t أن رسول اللـه r قال : (( لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها )) [ أخرجه الترمذي برقم  1159 ، وصححه ] والسجود تمام الطاعة ، أي أن الزوجة لا تخالف زوجها ، وتطيعه في غير معصية اللـه عزوجل .

وقوامة الأب في الأسرة من القيم الإسلامية الأساسية ، ويجب على الأم المسلمة أن تكون قدوة حسنة لبناتها ، فتنغرس في نفوسهن فضيلة الانقياد للزوج عندما يصبحن أمهات في المستقبل . وقوامة الرجل في الأسرة صفة أساسية من صفات الأسرة المسلمة ، الأسرة المتزنة التي تقدم للأمة جيلاً صالحاً ، لذا يجب على البيت المسلم أن يربي بناته على قوامة الرجل  .

ومن البدهي أن قوامة الأب في البيت المسلم لاتعني التسلط والفردية ، بل لابد أن تكون ( شورية ) ، يستشير زوجته ، ويستفيد من نصائحها ، مع الانتباه أنني قلت يستشير ولم أقل يشاور ، لأن الاستشارة معلمة وليست ملزمة ...

ظلم الرجل لزوجته الأولى :

ومن الأسباب التي جعلت الرجال يحجمون عن تعدد الزوجات هو ظلم الرجل لزوجته الأولى ، وأولادها ، ومن ثم ، كثرة المشكلات الأسرية في هذه الأسرة التي تعود بالضرر على الأولاد والبنات ، وقد يصل الأمر إلى طلاق الزوجة الأولى ... وعندما يرى الرجال الآخرون ذلك يحمدون الله أنهم لم يتزوجوا الثانية ...

وظلم الرجل لزوجته الأولى سببه الجهل بأمور الشرع ، فقد أباح الله تعدد الزوجات بشرط العدل ، وأوضح أن من لايستطيع أن يعدل يكتفي بواحدة ، كي لاتقع المشكلات الأسرية التي سبق ذكرها ...

والعدل المطلوب هو العدل في المأكل والملبس والمسكن ، والمبيت ، والعدل بين الأولاد لقوله صلى الله عليه وسلم  [ اعدلوا بين أولادكم ] ، وللعدل بين الأولاد أثر كبير في التربية السياسية في البيت المسلم ،

والمتأمل في البيت المسلم المعاصر يجد صورة مصغرة للمجتمع المعاصر ، فالقهر والاستبداد والظلم ، وقوامة المرأة على الرجل ، والصراع بين الأجيال ... حتى يمكننا القول بأن البيت هو المسئول الأول عن التخلف الحضاري في مجتمعاتنا المعاصرة ، ففي بعض بيوتنا تجد الأم حاكماً متسلطاً على الأسرة ، تسوسها حسب رغباتها ، والزوج لا حول له ولا قوة ، وفي بعضها تجد الأب منحازاً علناً إلى زوجته الجديدة وأولادها ، وتراه يضطهد زوجته القديمة وأولادها ، فيسوس أولاده وبناته بالقهر والاستبداد والهوى .

والبيت الذي يربي أولاده على هذا المنوال يقدم أفراداً مناسبين لمجتمع مقهور ، ينقادون بسهولة ويسر للمستبد ، مما يجعل البغاث نسراً ، وتسود الرذيلة وتختفي الفضيلة ، ويصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً والعياذ باللـه . كما هو الحال في بعض المجتمعات المعاصرة .

أما البيت المسلم الذي يسير على هدى كتاب اللـه وسنة رسوله r فإنه يقدم رجالاً أحراراً ، ليكونوا لبنات صالحة في المجتمع المسلم المرتقب .

الأحاديث الشريفة

1- أخرج البخاري ومسلم  في صحيحيهما عن النعمان بن بشير رضي اللـه عنهما قال : سأَلت أمي أبي بعض الموهبة لي من ماله ، ثم بدا له فوهبها لي فقالت : لا أرضى حتى تشهد النبي r . فأخذ بيدي وأنا غلام فأتى النبي r فقال : إن أمـه بـنـت رواحـة سألتني بعض الموهبة لهذا . قال : (( ألك ولد سواه ؟ )) قال  : نعم . قال فأراه ، قال : (( لا تشهدني على جور )) ([5]) .

2- وفي رواية أخرى عند البخاري : (( أعطيت سائر ولدك مثل هذا ؟ )) قال : لا . قال : (( فاتقوا اللـه وأعدلوا بين أولادكم )) . قال : فرجع فرد عطيته .

وقد صنف ابن أبي الدنيا يرحمه اللـه

باب في كتاب العيال سماه ( باب العدل بين الأولاد والتسوية بينهم ) ، جاء فيه .

1- أخبرنا أبو الأشهب ، عن الحسن قال : بينما رسول اللـه r يحدث أصحابه إذ جاء صبي حتى انتهى إلى أبيه في ناحية القوم ، فمسح رأسه وأقعده على فخذه اليمنى . قال  فلبث قليلاً ، فجاءت ابنة له حتى انتهت إليه ، فمسح رأسها ، وأقعدها في الأرض ، فقال رسول اللـه r : (( فهلا على فخذك الأخرى )) فحملها على فخذه الأخرى . فقال r : (( الآن عدلت )) ([6]) .

والعدل بين الزوجات مقدمة للعدل بين الأولاد

وقليل من المسلمين في يومنا هذا يعدل بين زوجاته ، لأن كبح الهوى وعدم إظهار ميل القلب  ليس في مقدور كثير من أهل زماننا . فينعكس ذلك على الأولاد ، عندما يرون أباهم يفضل إخوانهم  أبناء زوجته الجديدة  عليهم ؛ لأنهم أبناء الزوجة القديمة ، مما يزرع الشقاق بين الأخوة ، ويضعف الرابطة الأخوية بينهم .

- عن أبي هريرة t قال : قال رسول اللـه r : (( من كانت له امرأتان يميل مع إحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط )) ([7]) .

وسائل البيت المسلم لغرس العدالة في الناشئة

الأسرة نواة المجتمع :

نقصد من ذلك أن الأسرة مجتمع صغير ، الأب يمثل الدولة ، والأولاد هم الرعية ويتدرب الأولاد على الحياة الاجتماعية في الأسرة ، ومما يتدرب عليه الأولاد في الأسرة السلوك السياسي في المجتمع ، ونقصد به تعامل الفرد مع المجتمع ، بشكل عام ، والدولة - وهي تمثل المجتمع - بشكل خاص . ومن الأمور التربوية الهامة أن يزرع البيت في أطفاله حب العدل وكره الظلم ، وموقف الأب مع أولاده يزرع عندهم العدل أو الظلم ، وشتان بين إنسانين نشأ أحدهما على العدل ، ونشأ الآخر على الظلم .

فإن لم تعدلوا فواحدة :

ومع أن تعدد الزوجات من الأمور الأساسية في المجتمع المسلم ، حيث تسد منافذ الرذيلة ، وتمتص نسبة الزيادة المئوية في عدد النساء ، مع ذلك فقد قيده عزوجل بالعدل ، ووجه الرجل الذي لا يتمكن من العدل بين الزوجات ؛ أن يكتفي بزوجة واحدة فقط ، كي لا يقع الظلم ، وهو نقيض العدل ، وظلم الزوجة يتعداها إلى أولادها ، فينشأون على الظلم .

ويعلم سبحانه وتعالى أن الرجل لايستطيع أن يحب زوجتيه بنفس الدرجة من الحب ، لذا قال سبحانه وتعالى : { ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن اللـه كان غفوراً رحيماً } [ النساء : 129 ] . جاء في صفوة التفاسير : ( لن تستطيعوا أن تحققوا العدل التام لأن التسوية في المحبة وميل القلب ليست في مقدور الإنسان ، فلا تميلوا عن المرغوب عنها ميلاً كاملاً ... ) .

والميل - كما أرى - شعور نفسي ، يستطيع الرجل العادل أن يخفيه في نفسه ، فلا يظهر للمرغوب فيها أو المرغوب عنها ذلك الميل ، ومجرد إظهار ذلك الميل فقد ظلم إحداهما . وليس هذا الكبح بالأمر السهل ، لذلك قليل من الرجال يستطيعون كبح ميولهم ، وهذه النسبة تساوي نسبة الزيادة في عدد النساء عن عدد الرجال في المجتمع السوي . أما إذا مال ( كل الميل ) فقد خرج الميل من دائرة الشعور الداخلي إلى حيز الفعل والسلوك وصار أمراً ظاهراً . ومما يؤسف له أن معظم من لهم أكثر من زوجة في مجتمعاتنا المعاصرة ؛ يظلمون زوجاتهم ، وأولادهم بشكل صريح ، فأبناء الجديدة لهم ميزات لا توجد لأبناء القديمة ، جهاراً نهاراً ، مما يزرع الحقد بين الآباء والأبناء بدلاً من الود والاحترام والعطف . فقد كان رسول اللـه r يسوي بين عائشة رضي اللـه عنها وهي في ريعان الشباب ، وسودة وأم سلمة رضي اللـه عنهن مع تقدمهن في السن  .

الأب في البيت يمثل الدولة في المجتمع :

الأسرة مجتمع صغير ، يتربى الأولاد فيها على العدل ، فتنمو عندهم الكرامة الإنسانية ، ويحرصون على صونها وحفظها من الذل ، حتى إذا كبر هؤلاء الأولاد ؛ كانوا رجالاً شجعاناً ، لا يخافون في اللـه لومة لائم ، فقد تربوا على أن يعدل بينهم ، ولم يعتادوا على الظلم والذل ، ومثلهم لا يمكن أن يحكمه الطاغوت المستبد .

أما الأولاد الذين تربوا في أسرة تفضل بعض الأولاد على بعضهم الآخر ؛ ينغرس فيهم الذل والخنوع للسلطة التي تفعل ما تريد حسب نزواتها وهواها . كما ينشأ هؤلاء الأخوة على الحقد فيما بينهم والضغينة  .

وعندما يعتاد الإنسان على العدل فإن كرامته تنمو فيشعر بها ويدافع عنها ، فهذا عدل الفاروق t وصل أثره إلى رعايا الدولة الإسلامية في مصر من غير المسلمين ، فلم يرض القبطي أن يضرب ابن الوالي ابنه ، ولم يسكت وإنما تجشم الصعاب ورحل إلى عمر t فاشتكى له ، فأحضر الخليفة عمر وولده واقتص منهما وقال قولته المشهورة : ( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرار ) . وذاك صحابي يقاطع عمر وهو يخطب على المنبر ، ويقول له : لا سمع ولا طاعة ، وثالث رضي اللـه عنهم يقاطع معاوية بن أبي سفيان رضي اللـه عنهما وهو يخطب على المنبر ويكرر أن المال مال اللـه ، فيقول الصحابي  إنما هو مال المسلمين ، وليس مال أمك وأبيك ... هكذا كان المواطن المسلم ، بعد أن تربى على محبة العدل وكره الظلم والذل والخنوع .

الأخوة بدلاً من التباغض :

وعندما يعدل الأب بين أولاده ، الكبار والصغار ، الذكور والإناث ، أبناء القديمة وأبناء الجديدة ، فإنه يزرع لديهم عاطفة الأخوة ، فيحبون بعضهم ، ويعطف الكبير على الصغير ، ويحترم الصغير الكبير ، وتدوم أخوتهم بعد وفاة والدهم ، وقد أصبحوا آباء وأمهات ، فيكونون قدوة حسنة لأولادهم في الأخوة والتكافل ، حتى يكونوا كالبنيان المرصوص . أما إذا فضل الوالدان بعض أولادهم فينشأ الحسد والغيرة ، ثم يتحول ذلك إلى الحقد والبغض ، فيزول العطف والاحترام والأخوة بينهم ، وهكذا يكون المجتمع المفكك الذي يسيطر أعداؤه عليه ، وربما تجد بعض هؤلاء الحاقدين من يسرع إلى مناصرة العدو على أقاربه وأبناء وطنه نكاية بهم ، وحقدا وحسدا .

فكم تجد فـي مجتمـعـاتنا المعاصرة أخاً مقاطعاً أخاه ، وقد يكون أحدهم غـنيـاً والآخر فقيراً ، بـل قـد يـكون الأول من رجال الأعمال ؛ والآخر من العمـال ، ولا يـلتفت الأخ الـغـنـي إلـى أخيه الفقير ، بعد أن زرع والدهـما الحقد بينهما منذ الصغر .

تصحيح مفهوم تعدد الزوجات :

ربما يفهم الناس اليوم أن الرجل الذي تزوج الثانية لم يهنأ مع زوجته الأولى ، لذلك تزوج الثانية ، وهذا الفهم الخاطئ يتأكد عندما يميل مع زوجته الجديدة ويظلم القديمة ...لذلك تخاف المرأة المسلمة من تعدد الزوجات ، حتى لو كانت ( داعية مسلمة ) لأنها لم تر في الواقع الرجل الذي يعدل بين زوجاته .... وعندما يتوفر ذلك الرجل ويتعدد وجوده تتغير النظرة عند المرأة المسلمة نحو تعدد الزوجات ، فلما ترى صاحبتها أو قريبتها التي تزوج زوجها زوجة ثانية عليها ، تراها لم تظلم ، ولم تبخس من حقوقها شيئاً ، عندئذ يقل الخوف لديها من تعدد الزوجات ، ومع تكرار الحالات نصحح مفهوم تعدد الزوجات ، بأنه وظيفة اجتماعية يجب أن يقوم بها الرجال الأكفاء في المال والإرادة والفهم ...

وبنفس الوقت أتمنى من ضعاف الإرادة ممن يسيطر عليهم الهوى أن لايتزوجوا الثانية ، وأن يمتثلوا لأمر ربهم { فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة }، وعندئذ يقللون الحالات السلبية التي تخوف المرأة المسلمة من تعدد الزوجات ...

ويبدو أن تعدد الزوجات صفة ملازمة للمجتمع المسلم ، ومجتمع الصحابة رضوان الله عليهم ، هم قدوة المسلمين في المجتمع المسلم ، وحسب إطلاعي البسيط لا أذكر صحايباً اكتفى بزوجة واحدة ، وكان ذلك ضروريا بسبب كثرة الحروب التي خاضها الصحابة رضوان الله عليهم من أجل إزاحة الطواغيت الذين كانوا يمنعون الدعوة الإسلامية من الانتشار ...وماكانت عدة المرأة المتوفي زوجها تنقضي حتى يتقدم لها الخاطبون ...

وأتمنى أن يقوم شاب بمثل هذه الدراسة في مجتمع الصحابة للتعرف على هذه الظاهرة ، ويبحث عن صحابي اكتفى بزوجة واحدة ....

إذن أتمنى أن نغير نظرة المرأة المسلمة والمجتمع المسلم نحو تعدد الزوجات ، كي يعود إلى وظيفته الضرورية في المجتمع المسلم . وهذا التغيير بيد الرجل المسلم وهو المسؤول عنه عندما يعدل بين زوجتيه أو يكتفي بواحدة .

والحمد لله رب العالمين

 



[1]- محمد قطب ، منهج التربية الإسلامية ، ج1 ، ص 93 .

[2]- صحيح مسلم ، رقم الحديث ( 2658 ) في باب القدر .

[3]- وهي سنوات ماقبل المدرسة .

[4]- رينيه دوبو ، ص 28 ، 112 ، 114 .

([5])  صحيح البخاري ، رقم ( 2650 ) في كتاب الشهادات ( 52 ) ، باب لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد ( 9 ) وفي فتح الباري ( 5/306 ) .

([6])  قال عنه المحقق  حديث مرسل ، رجاله رجال الصحيح . وله شاهد جيد أخرجه البزار في مسنده .

([7])  العيال ( 513 ) وقال إسناد صحيح ، وأخرجه الترمذي في التحفة ( 4 -  295 ) كتاب النكاح ، باب ما جاء في التسوية بين الضرائر ، والنسائي في سننه ( 7 - 60 ) كتاب عشرة النساء ، وابن حبان فـي صحيحه ( موارد الظمآن : 1307 ) .

 
RocketTheme Joomla Templates