كـتـاب الإمــارة
أحاديث مع شرحها منتقاة من كتب الحديث
فـي مـوضـوع
الإمــارة والعمـل الجمــاعي
رمضان 1425 كتاب الإمارة من صحيح مسلم
1ـ باب الناس تبع لقريش والخلافة في قريش
(1818) عن أبي هريرة t قال قال رسول الله r [ الناس تبع لقريش في هذا الشأن مسلمهم لمسلمهم وكافرهم لكافرهم ] .
(1821) عن جابر بن سمرة قال دخلت مع أبي على النبي r فسمعته يقول [ إن هذا الأمر لاينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة قال ثم تكلم بكلام خفي علي قال فقلت لأبي ما قال ؟ قال : كلهم من قريش ] .
وفي رواية [ لايزال هذا الأمر عزيزاً إلى اثني عشر خليفة كلهم من قريش ] .
وأخرج البخاري في كتاب الأنبياء ( باب مناقب قريش ) وفي الأحكام باب الأمراء من قريش عن عبدالله بن عمرو بن العاص : سمعت رسول الله r يقول [ إن هذا الأمر في قريش ، لايعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه مـا أقـاموا الديــن ] .
يقول ابن حجر : ( عند أحمد وأبي يعلى من حديث ابن مسعود رفعه [ يامعشر قريش إنكم أهل هذا الأمر مالم تحدثوا ، فإذا غيرتم بعث الله عليكم من يلحاكم كما يلحى القضيب ] ورجاله ثقات إلا أن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود لم يدرك عم أبيه عبدالله بن مسعود . وفيه الإذن بالقيام عليهم وقتالهم والإيذان بخروج الأمر عنهم كما أخرجه الطيالسي والطبري من حديث ثوبان رفعه [ استقيموا لقريش ما استقاموا لكم ، فإن لم يستقيموا فضعوا سيوفكم على عواتقكم فأبيدوا خضراءهم ، فإن لم تفعلوا فكونوا زراعين أشقياء ] . ورجاله ثقات إلا أن فيه انقطاع .
يقول الإمام النووي يرحمه الله : ( هذه الأحاديث وأشباهها دليل على أن الخلافة مختصة بقريش ، لايجوز عقدها لأحد من غيرهم ، وعلى هذا انعقد الإجماع زمن الصحابة ، وقد احتج به أبو بكر وعمر t يوم السقيفة فلم ينكره أحد ، وقال النظام والخوارج وأهل البدع أنه يجوز كونه من غير قريش ، ويرى ضرار بن عمرو أن غير القرشي من النبط وغيرهم يقدم لهوان خلعه إن لزم ، ولأنهم كانوا في الجاهلية رؤساء العرب وأصحاب حرم الله وأهل حج بيت الله وكانت العرب تنتظر إسلامهم فلما أسلموا وفتحت مكة تبعهم الناس وجاءت وفود العرب من كل جهة ودخل الناس في دين الله أفواجاً .
ويلخص محمد عبد القادر أبو فارس في كتابه (النظام السياسي في الإسلام ( 195) قضية النسب القرشي بقوله : ( يقول الفريق الأول ينبغي أن يكون الإمام قرشياً وهم أهل السنة والشيعة وبعض المعتزلة ، واسـتدلوا بأحاديث صحيحة مرفوعة إلى النبي r تنص على أن [ الأئمة من قريش ] وقدجمع ابن حجر طرقه عن أربعين صحابياً ، واستدلوا أيضاً بالإجماع في عهد الصحابة على هذا وقد نقل الإجماع عن غير واحد من العلماء كالماوردي والنووي والأيجي وابن خلدون والتفتازاني .
( ويقول الفريق الثاني وهم الخوارج وبعض المعتزلة والباقلاني : لايشترط أن يكون الإمام قرشياً واستدلوا بما يلي :
1 ـ الحديث الشريف [ اسـمعوا و أطيـعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة ] .
2 ـ قول عمر t ( لو كان سالم مولى أبي حذيفة حياً لوليته ...) .وقوله أيضاً ( إن أدركني أجلي وأبو عبيدة حي استخلفته ، فإن سألني الله : لمَ استخلفته على أمة محمد r قلت : إني سمعت رسول الله r يقول [ إن لكل نبي أميناً وأميني أبو عبيدة ... ] فأنكر القوم وقالوا : مابال علياً قريش ؟ يعنون بني فهر ، ثم قال إن أدركني أجلي وقد توفي أبو عبيدة استخلفت معاذ بن جبل . ووجه الدلالة في قول عمر t أنه يرى استخلاف غير القرشي كسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل الأنصاري وهما ليسا قرشـيين .
ويرى القسطلاني في شرح حديث [ اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل ....] أي استعمله الإمام الأعظم على القوم ، أو المراد به المبالغة في الأمر بطاعته والنهي عن شقاقه ومخالفته .
مذهب ابن خلدون :
لم ينف ابن خلدون شرط القرشية ، إلا أنه يرى أن الإمامة كانت في قريش يوم أن كانت العصبية الغالبة فيها ، فالعلة وجود العصبية الغالبة ، فحيثما وجدت في قوم كانت الإمامة فيهم ( المقدمة 212) . هذا هو كلام ابن خلدون في الحكمة من اشتراط القرشية .. وأنت تلاحظ أنه جعل مدار علة الشرط هو العصبية ، فإن وجدت وجد الشرط وإن عدمت عدم ، فإذا لم تكن لقريش عصبية فعلى رأيه لا يلزم أن تكون الإمامة فيهم ، بل يجب أن تكون في الأقوى عصبية في ذلك العصر وإن كان من غير قريش . و ممن ذهب إلى هذا الرأي عدد من الكتّاب المحدثين مثل : د . محمد ضياء الدين الريس في كتابه النظريات السياسية الإسلامية ( ص 302) ، و د . محمد فاروق النبهان في كتابه نظام الحكم في الإسـلام ( ص 470 ) و د . محمد فؤاد النادي في كتابه طرق اختيار الخليفة ( ص 107 ) و مؤلفو الخلافة وسلطة الأمة ( ص 23 ) تعريب عبد الغني سني . و إليه ذهب الشيخ عبدالوهاب خلاف في السياسة الشرعية ( ص 56 ) و استحسنه الأستاذ محمد يوسف موسى في نظام الحكم في الإسلام ( ص 69) .
ويرى الدكتور صلاح الصاوي أن القرشية تفهم اليوم بالحزب الأقوى ، وقد انتهى دور القبيلة من العمل السياسي ، وصارت الأحزاب هي التجمعات المناط بها الحكم والإدارة ، وعلى ذلك يلزم أن يكون رئيس الدولة من الحزب الأقوى الذي حصل على أصوات أكثر من غيره في الانتخابات .
ويرى حسين محسن جابر يرحمه الله في رسالته الجامعية ( الطريق إلى جماعة المسلمين ) أن وجهة نظر ابن خلدون أقرب إلى واقع الحركة الإسلامية اليوم ، وهي في طريقها إلى إقامة جماعة المسلمين وإمامهم ، فواقع الأمة اليوم أنها مقسمة إلى جماعات تدعو إلى الإسلام ، على رأس كل جماعة إمام بايعه أفراد تلك الجماعة على قيادتهم ، والجماعة التي ستصل إلى إقامة الخلافة ستطلب من المسلمين إعطاء ولاءهم لأميرهم الذي سبق أن بايعوه . وهناك أحاديث تبين أن الإمـامـة يمكن أن تكون في غير قريش منها :
1 ـ ما أخرجه البخاري ومسلم [ اسمعوا وأطيعوا .... ] وقد لخص الحافظ ابن حجر الأحاديث التي تخصص الأمر في قريش وجعلها مقيدة باستقامة قريش على دين الله ، فإذا وجد من هو أكثر استقامة وكفاءة من القرشي فإنه يقدم عليه ( فتح الباري 13/115) .
2 ـ أخرج أحمد () من حديث ذي مخمر الحبشي عن النبي r قوله [ كان هذا الأمر في حمير فنـزعه الله منهم وصيره في قريش وسيعود إليهم ] .
3 ـ أخرج البخاري ( 6/16) عن أبي هريرة [ لاتقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه ...] .
وهذه الأحاديث تدل على إمكان خروج الخلافة عن قريش ، والله أعلم .
2 ـ باب الاســتخلاف وتـركــــه
(1823) عن ابن عمر t قال : حضرت أبي حين أصيب فأثنوا عليه وقالوا جزاك الله خيراً فقال راغب وراهب قالوا استخلف فقال : أتحمل أمركم حياً وميتاً لوددت أن حظي منها الكفاف لاعلي ولالي فإن استخلف فقد استخلف من هو خير مني ( يعني أبابكر ) وإن أترككم فقد ترككم من هو خير مني رسول الله r قال عبد لله فعرفت أنه حين ذكر رسول الله r غير مستخلف .
يقول النووي ( راغب وراهب قيل المراد الخلافة أي الناس فيها ضربان راغب فيها فلا أحب تقديمه لرغبته ، وكاره لها فأخشى عجزه عنها . واتفق العلماء على أن الخليفة يجوز له الاستخلاف ويجوز تركـه . وفي هذا الحديث دليل على أن النبي r لم ينص على خليفة ، وهو إجماع أهل السـنة وغيرهم .
وإذا عهد الخليفة عندما تحضره الوفاة إلى غيره كما فعل أبو بكر الصديق t فإن هذا العهد ترشيح ، وليس اختياراً ، وإنما يختاره أهل الحل والعقد ، فإذا وافق أهل الحل والعقد على المرشح الذي قدمـه الخليفة السابق الذي حضرته الوفاة ، وبايعه أكثر أهل الحل والعقد صار إماماً ووجبت بيعتـه في أعناق الرعيـة .
يقول ابن تيمية ( أما عمر فقد عهد إليه ، وبايعه المسلمون بعد موت أبي بكر ، فصار إماما لما حصلت له القدرة والسلطان بمبايعتهم لـه )().
يقول الماوردي : ( فإذا أراد الإمام أن يعهد بها فعليه أن يجهد رأيه في الأحق بها والأقوم بشروطها ، فإذا تعين له الاجتهاد في واحد نظر فيـه ، فإن لم يكن ولداً ولا والداً جاز أن ينفرد بعقد البيعة له ، وبتفويض العهد إليه ،وإن لم يستشر فيه أحداً من أهل الاختيار ، لكن اختلفوا هل يكون ظهور الرضا منهم شرطاً في انعقاد بيعته أو لا ؟ فذهب بعض علماء أهل البصرة إلى أن رضا أهل الاختيار لبيعته شرط في لزومها للأمـة ، لأنها حق يتعلق بهم فلم تلزمهم إلا برضا أهل الاختيار منهم . والصحيح ( عند الماوردي ) أن بيعته منعقدة لأن بيعة عمر t لم تتوقف على رضا الصحابة ().
يقول عبد الكريم الخطيب : ( لهذا كله رأى أبو بكر t أن يختار للمسلمين الخليفة الذي يراه أهلاً للقيام مقامه فيهم ، فداول الأمر بينه وبين نفسه أولاً ، ثم بينه وبين مستشاريه من صحابة الرسول ثانياً ، وانتهى من هذا وذاك إلى اختيار عمر t خليفة على المسلمين . وحين صحا الناس على استخلاف عمر كثر اللغط ، وفزعوا إلى أبي بكريظهرون الولـه والجزع من يولي أمرهم عمر ، وقد عرفوا في عمر الصرامة ، والشـدة ، وقال قائلهم لأبي بكر : كيف تلقى الله وقد وليت علينا هذا الفظ الغليظ ، وكان أبو بكر في مرض موته ، فدعا الناس إليه وقال: اجلسوني فأجلسوه ثم واجه الناس فقال : أبالله تخوفونني ؟ تعس من تزود من دنياكم بـزاد ، أما والله لأقولن : وليت عليهم خير أهلي . ثم كتب عهده : [ هذا كتاب أبي بكر في آخر عهده بالدنيا ، وأول عهده بالآخرة ، في الساعة التي يؤمن فيها الكافر ، ويتوب العاصي ، قد وليت أموركم خيركم في نفسي ، فإن بـر وعدل فذاك عهدي بـه ، وإن نكث وقصر فالخير َ أردتُ ، وماتوفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ] .
ويقول عبد الكريم الخطيب أيضاً: ( والواقع أن اختيار أبي بكر لعمر لم يكن قاطعاً ، يلتزم به المسلمون ، ولايخرجون عليه ، وإنما كان أشـبه بالتزكية منه بالحكم القاطع ، وهي تزكية كان لها وزنها ،وتقديرها عند المسلمين جميعاً ، ولهذا فإنه ماكاد أبو بكر يكشف للناس عن وجه اختياره لعمر حتى بادر وجوه الصحابة بمبيايعته ، وتبعهم جمهور المسلمين بالمدينة )().
3ـ باب النهي عن طلب الإمارة والحرص عليها
(1652) عن عبد الرحمن بن سمرة قال قال رسول الله r [ ياعبد الرحمن لاتسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها ]() . وفي رواية [ إنا والله لانولي على هذا العمل أحداً سأله ولا أحداً حرص عليه ] .
يقول النووي : ( قال العلماء والحكمة في أنه لايولي من سأل الولاية أنه يوكل إليها ولاتكون معه إعانة كما صرح به ، وإذا لم تكن معه إعانة لم يكن كفئاً ولايولي غير الكفء ولأن فيه تهمة للطالب والحريص ) .
وفي صحيح البخاري وضع ابن حجر باباً سماه : باب من لم يسأل الإمارة أعانه الله عليها
وأورد فيه الحديث السابق ، وباب آخر عنوانه : باب من سأل الإ مارة وكل إليها ، وأورد فيه رواية من روايات الحديث السابق .
ويقول ابن حجر في الفتح ( كتاب الأحكام ) : ومعنى الحديث أن من طلب الإمارة فأعطيها تركت إعانته عليها من أجل حرصـه ، ويستفاد منه أن طلب ما يتعلق بالحكم مكروه ، فيدخل فيه الإمارة والقضاء والحسبة ونحو ذلك ، وأن من حرص على ذلك لايعان ، ومن وكل إلى نفسـه هلك ، ومنه في الدعاء ( ولاتكلني إلى نفسي ) ومن لم يكن له عون من الله على عمله لايكون فيه كفاية لذلك العمل فلاينبغي أن يجاب سؤاله ، ومن المعلوم أن كل ولاية لاتخلو من المشقة فمن لم يكن له عون من الله تورط فيما دخل فيه وخسر دنياه وعقباه ، فمن كان ذاعقل لم يتعرض للطلب أصلاً ، بل إذا كان كافياً وأعطيها من غير مسـألة فقد وعده الصادق بالإعانة ، وجاء تفسـير ذلك عن أنس رفعه [ من طلب القضاء واستعان عليه بالشفعاء وكل إلى نفسه ، ومن أكره عليه أنزل الله عليه ملكاً يسدده ] .
وينبني على هذا أنه لايجوز للمسلم أن يرشح نفسـه للعمل العام ( كالمجلس النيابي أو الوزارة وما شابهها ) ، وإنما الجماعة أو الجمعية أو الحزب أو أهل الحل والعقد أو بعضهم يرشحونه
وينبني عليه أيضاً كراهة الدعايـة الانتخابية ، كما هي في المجتمعات الغربية ، حيث تكسب فيها مؤسسات الصهيونية العالمية ، التي تنفق الأموال الكثيرة ، كي تزيـن الباطل في أعين الناخبين ، ومعظم الناخبين يجهلون حقيقة المرشحين ، وهكذا تسيطر الصهيونية على الغرب لأنها تملك مؤسسات المال ( البنوك ) ومؤسسات الإعلام ، وكلاهما ضروري للدعاية الانتخابية ...
وعندما نطبق الانتخاب حسب شروطه الاسلامية ، ليكون أمانة وشـهادة ، ويكون الناخب على قدر من الوعي ومعرفة المرشحين ، والحكم عليهم بأمانة وإخلاص لله تعالى ، ومن ثم المفاضلة بينهم بكفاءة ووعـي ، دون الحاجة إلى تضليل الدعاية الانتخابية .
أما عندما ندعو للانتخاب ناخبين يجهلون المرشحين ، وليسوا من طبقتهم ، فعندئذ يأتي دور الدعاية الانتخابية التي تجعل الحق باطلاً ، والباطل حقاً ، كما هي في الغرب ...
أما أن يعلن الحزب وليس الفرد عن برنامجه الانتخابي ، ومشاريعه الاصلاحية ، وإعلانه هذا لايؤخر حتى يوم الانتخابات ، بل المفروض أنه نشر ذلك على الشعب ، وعـرّف الجمهور بأهدافه ومعالم نشاطه السياسي ، من خلال وسائل إعلامه التي سـمح لـه بها ... هذا الإعلان يختلف عن الدعاية الانتخابية كما هي في الغرب ، ومن يقلد الغرب ...وفي هذه الدعاية ، يدعى فيها إلى الحزب وليس إلى فـرد ...ولعلها تخرج من دائرة ( النهي عن طلب الإمارة والحرص عليها ) ، والله أعلم ...
4 ـ باب كراهة الإمارة بغير ضرورة
( 1825) عن أبي ذر t قال قلت يارسول الله ألا تستعملني ؟ قال فضرب بيده على منكبي ثم قال [ يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها ] .
وفي رواية [ يا أباذر أراك ضعيفاً وإني احب لك ما أحب لنفسي لاتأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم ] .
يقول النووي ( هذا الحديث أصل عظيم في اجتناب الولايات لاسيما لمن كان فيه ضعف عن القيام بوظائف تلك الولاية ، وأما الخزي والندامة فهو في حق من لم يكن أهلاً لها ، أو كان أهلاً ولم يعدل فيها فيخزيه الله تعالى يوم القيامة ويفضحه ويندم على مافرط ، وأما من كان أهـلاً لها وعدل فيها فله فضل عظيم تظاهرت به الأحاديث الصحيحة مثل [ سبعة يظلهم الله في ظله ، يوم لاظل إلا ظله ،إمام عادل و....] [ ...والمقسطين على منابر من نور ..] ، وغير ذلك وإجماع المسلمين منعقد عليه ، ومع هذا فلكثرة الخطر فيها حذره r منها ، وكذا حذر العلماء وامتنع منها خلائق من السلف وصبروا على الأذى حين امتنعوا ) .
ويتضح أن المسلم الورع الذي يحرص على الآخرة ، يبتعـد عن الإمارة ، كما ابتعد أبو حنيفة النعمان عن القضاء ، وتحمل في ذلك ماتحمل ، خوفاً على آخـرته ... وعندئذ يكثر الدعاة إلى الله عزوجل ، ويكثر المربون الذين يعدون الأجيال المسلمة للمجتمع المسلم ، كما يعدونهم للعمل الأخروي ، والسعي من أجل الفوز بالجنة والنجاة من النار ... ويقل طالبي الإمارة ، أو يقل من يقبل بتحمل الإمارة ، وهذه من صفات المجتمع المسلم . والله أعلم .
5 ـ باب فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر والحث على الرفق بالرعية والنهي عن إدخال المشقة عليهم .
(1827) عن عبدالله بن عمرو قال ابن نمير وأبو بكر يبلغ به النبي r وفي حديث زهير قال رسول الله r [ إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عزوجل وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وماولوا ] .
(1828) وعن عائشة t قالت سمعت من رسول الله r يقول في بيتي هذا [ اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه ، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق بـه].
( 1829) عن ابن عمر t عن النبي r أنه قال [ ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته ، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم ، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم ، والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول عنه ، ألافكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ] .
وفي رواية [ الرجل راع في مال أبيه وهو مسؤول عن رعيته ] .
وفي رواية [ مامن عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنـة ] .
(1830) عن عائذ بن عمرو وكان صحابياً دخل على عبيد الله بن زياد فقال أي بني إني سمعت رسول الله r يقول [ إن شرالرعاة الحطمة فإياك أن تكون منهم فقال له اجلس إنما أنت من نخالة أصحاب محمد r فقال : وهل كانت لهم نخالة ؟ إنما كانت النخالة بعدهم وفي غيرهم ] .
يقول النووي ( وأما قوله r الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا فمعناه أن هذا الفضل إنما هو لمن عدل فيما تقلده من خلافة أو إمارة أو قضاء أو حسبة أو نظر على يتيم أو صدقة أو وقف وفيما يلزمه من حقوق أهله وعياله ونحو ذلك والله أعلم ). أما قوله r [ ... وهو غاش لرعيته ...] فيحتمل وجهين أحدهما أنه يكون مستحلاً لغشهم فتحرم عليه الجنة ويخلد في النار ، والثاني أنه لايستحله فيمنع من دخولها أول وهلة مع الفائزين . وهو معنى قوله r لم يدخل معهم الجنة بل يؤخر عنهم عقوبة له إما في النار وإما في الحساب وإما في غير ذلك . وقوله ( وهل كانت لهم نخالة ) أي أن الصحابة كلهم عدول قدوة لانخالة فيهم ، وإنما جاء التخليط من بعدهم وفيمن بعدهم كانت النخالة ، وقوله r [ شرالرعاء الحطمة .. ] قالوا هو العنيف في رعيته لايرفق بها في سوقها ومرعاها ، بل يحطمها في ذلك وفي سقيها وغيره ويزحم بعضها ببعض بحيث يؤذيها ويحطمها .
8 ـ باب وجوب طاعة الأمراء من غير معصية وتحريمها في المعصية
(1834) قال ابن جريج نزل ] يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم [ في عبد الله بن حذافة السهمي بعثه النبي r في سرية .
(1835) وعن أبي هريرة t عن النبي r قال [ من أطاعني فقد أطاع الله ومن يعصني فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني ]() .
(1836) وعن أبي هريرة t قال قال رسول الله r [ عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك ] .
(1837) عن أب ذر قال إن خليلي أوصاني أن أسـمع وأطيـع وإن كان عبداً مجدع الأطراف .
(1838) عن يحيى بن حصين قال سمعت جدتي تحدث أنها سمعت رسول الله r يخطب في حجة الوداع وهو يقول [ ولو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا ] . وفي رواية [عبداًحبشياً]. وفي رواية[عبداًحبشياً مجدعاً] وفي رواية [عبد مجدع أسود ] ().
(1839) عن ابن عمر t عن النبي r قال [ على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولاطاعة ] .
(1840) عن علي t أن رسول الله r بعث جيشاً وأمر عليهم رجلاً فأوقد ناراً وقال : ادخلوها فأراد ناس أن يدخلوها ، وقال بعضهم : إنا قد فررنا منها فذكر ذلك لرسل الله r فقال للذين أرادوا أن يدخلوها [ لو دخلتموها لم تزالوا فيها إلى يوم القيامة ] وقال للآخرين قولاً حسناً وقال [ لاطاعة في معصية الله إنما الطاعة في المعروف ] .
(1709) عن عبدة بن الوليد بن عبادة عن جده قال بايعنا رسول الله r على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وعلى أثرة علينا وعلى أن لاننازع الأمر أهله وعلى أن نقول الحق أينما كنا لانخاف في الله لومة لائم .
وفي رواية ( إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان ) .
يقول النووي : ( أجمع العلماء على طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية ، قال العلماء المراد بأولي الأمر من أوجب الله طاعته من الولاة والأمراء وهذا قول جماهير السلف والخلف من المفسرين والفقهاء وغيرهم ، وقيل هم العلماء وقيل العلماء والأمراء . والأثرة هي الاسـتئثار والاختصاص بأمور الدنيا ، أي اسمعوا وأطيعوا وإن اختص الأمراء بالدنيا ولم يوصلوكم حقكم مما عندهم ، وهذه الأحاديث في الحث على السمع والطاعة في جميع الأحوال سببها اجتماع كلمة المسلمين فإن الخلاف سبب لفساد أحوالهم في دينهم ودنياهم . [ عبد مجدع الأطراف ] المراد أخس العبيد ، اسمع وأطع الأمير وإن كان دنيء النسب حتى لو كان عبداً أسود مقطوع الأطراف فطاعته واجبة وتتصور إمارة العبد إذا ولاه بعض الأئمة أو إذا تغلب على البلاد بشوكته وأتباعه ولايجوز ابتداء عقد الولاية له مع الاختيار بل شرطها الحرية . [ إلا أن تروا كفرا بواحاً ] أي لاتنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم ولاتعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكراً محققاً تعلمونه من قواعد الإسلام فإذا رأيتم ذلك فأنكروه عليهم وقولوا بالحق حيث ما كنتم وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين وأن كانوا فسـقة ظالمين ، وقد تظاهرت الأحاديث وأجمع أهل السنة أنه لاينعزل السلطان بالفسق ، قال العلماء وسبب عدم انعزاله وتحريم الخروج عليه ما يترتب على ذلك من الفتـن وإراقـة الدمـاء وفساد ذات البين فتكون المفسـدة في عزلـه أكثر منها في بقائه قال القاضي عياض أجمع العلماء على أن الإمامة لاتنعقد لكافر وعلى أنه لو طرأ الكفر عليه انعزل ، وكذا لو ترك الصلوات والدعاء إليها ، وكذلك عند جمهورهم البدعة ، قال القاضي فلو طرأ عليه كفر وتغيير للشرع أو بدعة خرج عن حكم الولاية وسقطت طاعته ووجب على المسلمين القيام بخلع الكافر ولايجب في المبتدع إلا إذا ظنوا القدرة عليه فإن تحققوا العجز لم يجب القيام وليهاجر المسلم عن أرضه إلى غيرها ويفـر بدينه قال ولاتنعقد لفاسق ابتداء فلو طرأ على الخليفة فسق قال بعضهم يجب خلعه إلا أن تترتب عليه فتنة وحرب وقال جماهير أهل السنة من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين لاينعزل بالفسق والظلم وتعطيل الحقوق ولايخلع ولايجوز الخروج عليه بذلك ، بل يجب وعظه وتخويفه للأحاديث الواردة ، وقد رد على ذلك بقيام الحسن وابن الزبير وأهل المدينة على بني أمية ، وبقيام جماعة عظيمة من التابعين والصدر الأول على الحجاج مع ابن الأشعث وتأول هذا القائل قوله أن لاننازع الأمر أهله في أئمة العدل وحجة الجمهور أن قيامهم على الحجاج ليس بمجرد الفسق بل لما غير من الشرع وظاهر من الكفر ، قال القاضي وقيل أن هذا الخلاف كان أولاً ثم حصل الاجماع على منع الخروج عليهم ) . قوله ( بايعنا على السمع ) معنه نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر في كل زمان ومكان الكبار والصغار لانداهن فيه أحداً ولانخافه هو ولانلتفت إلى الأئمة ففيه القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأجمع العلماء على أنه فرض كفاية، فإن خاف من ذلك على نفسه أو ماله أو على غيره سقط الإنكار بيده ولسانه، ووجبت كراهته بقلبه هذا مذهبنا ومذهب الجماهير .
9 ـ باب الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقي بـه
(1841)عن أبي هريرة t عن النبي r قال [ إنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به فإن أمر بتقوى الله عزوجل وعدل كان له بذلك أجر وإن يأمر بغيره كان عليه منه ] .
يقول النووي : ( جُنة أي كالستر لأنه يمنع العدو من أذى المسلمين ويمنع الناس بعضهم من بعض ويحمي بيضة الإسلام ويتقيه الناس ويخافون سطوته ومعنى يقاتل من ورائه أي يقاتل معه الكفار والبغاة والخوارج وسائر أهل الفساد والظلم مطلقاً ).
10 ـ باب وجوب الوفاء ببيعة الخليفة الأول فالأول
(1842) عن أبي هريرة يحدث عن النبي r قال [ كانت بنو اسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لانبي بعدي وستكون خلفاء فتكثروا قالوا فما تأمرنا قال فـوا بيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم ] .
(1843) عن عبد الله قال قال رسول الله r [ إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها قالوا يارسول الله كيف تأمر من أدرك منا ذلك قال تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم ] .
(1844) عن عبدالله بن عمرو t قال : كنا مع رسول الله r في سـفر فنزلنا منزلاً فمنا من يصلح خباه ومنا من ينتضل ومنا من هو في جشره إذ نادى منادي رسول الله r الصلاة جامعة فاجتمعنا إلى رسول الله r فقال [ إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شـر ما يعلمه لهم وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها وتجيء فتنة فيرقق بعضها بعضاً وتجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه مهلكتي ثم تنكشف وتجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه هذه فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر ] .
يقول النووي : ( في هذا الحديث جواز قول هلك لمن مات ، وإذا بويع لخليفة بعد خليفة فبيعة الأول صحيحة يجب الوفاء بها وبيعة الثاني باطلة يحرم الوفاء بها ، واتفق العلماء على أنه لايجوز أن يعقد لخليفتين في عصر واحد سواء اتسعت دار الإسلام أم لا ، قال إمام الحرمين فإن بعد ما بين الإمامين وتخللت بينهما شسوع فللاحتمال فيه مجال وحكى المازري هذا عن بعض المتأخرين وهو مخالف لما عليه السلف .
ينتضل هي المراماة بالنشاب ، وجشره الدواب التي ترعى . ( الذي يحب أن يؤتى إليه ) قاعدة هامة وهي أن الإنسان يلزمه أن لايفعل مع الناس إلا مايحب أن يفعلوه معه .
11 ـ باب الأمر بالصبر عند ظلم الولاة واستئثارهم
(1845) عن أسيد بن حضير أن رجلاً من الأنصار خلا برسول الله r فقال : ألا تستعملني كما استعملت فلاناً فقال [ إنكم ستلقون بعدي أثـرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض ] .
يقول النووي : حاصله الصبر على ظلمهم ، ولاتسقط طاعتهم بظلمهم .
والهدف من هذا أن لايكون الناس بلاإمام ، فإمام ظالم خير من فوضى لا إمام فيها ، حيث يأكل الناس بعضهم بعضاً ، وتكثر الفتن والمنازعات والخصومات ، ويكثر القتل والنهب والسلب ....إلخ .
12 ـ باب في طاعة الأمراء وإن منعوا الحقوق
(1846) سأل سلمة بن يزيد الجعفي رسول الله r فقال : يانبي الله أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا فما تأمرنا فأعرض عنه ثم سأله فأعرض عنه ثم سأله في الثانية أو الثالثة فجذبه الأشعث بن قيس وقال اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ماحملوا وعليكم ماحملتم .
يقول خالد الشنتوت في التربية السياسية ( ومن أجل المحافظة على الجماعة ووحدتها والالتزام بها ، وإن بدا للمسلم فيها ما لايرضيه أو يوافق عليه ، من أجل ذلك أمرنا رسول الله r فيما رواه ابن عباس t قال : قال رسول الله r [ من رأى من أميره شيئأً يكرهه فليصبر ، فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات ، فميتة جاهلية ] ، لأن صبر المسلم على شيء يكرهه من الأمير أهون من مفارقة الجماعة . ومن الأمثلة على طاعة الإمام والمحافظة على وحدة الجماعة : التزام الصحابة t بمصحف الإمام ، ورجوع عبدالله بن مسعود t عن التزامه بمصحفه ، ثم حرقه ليحفظ وحدة الجماعة والتزامها بمصحف الإمام .
....وغابت عنهم النصوص القطعية الدلالة والثبوت التي تأمرهم بالجماعة والبيعة وطاعة أولي الأمر ، ومنها ما أخرجه أحمد يرحمه الله عن الحارث الأشعري قال : قال رسول الله r [ ..... وأنا آمركم بخمس الله أمرني بهن ، بالجماعة ، والسمع والطاعة ، والهجرة ، والجهاد في سبيل الله ، فإن من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلى أن يرجع ... ، قالوا : يارسول الله ، وإن صلى وصام ؟ قال : وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم ] ـ أحمد 4/202ـ
فهذا رسول الله r يأمرنا بالجماعة ، ولا إسلام بلاجماعة ، والسمع والطاعة لإمام المسلمين ، لأنه لاجماعة بلا إمارة ، ولا إمارة بلا طاعة ، والهجرة من البلد الذي لا نتمكن فيه من عبادة ربنا عزوجل وحده لاشريك له ، كما هاجر الصحابة من مكة مرتين إلى الحبشة وأخيراً إلى المدينة ، ويأمرنا بالجهاد ، ولابد للجهاد من إمام مسلم ، ويحذرنا r من الخروج من الجماعة ، ويبين لنا أن الخروج من الجماعة خروج من الإسلام ، ولاحظوا أن الصحابة t استغربوا كيف يخرج من الإسلام من يصلي ويصوم ، فجاء الجواب أنه يخرج من الإسلام وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم .
وأخرج الدارمي عن عمر بن الخطاب t أنه قال : [ ... إنه لا إسلام إلابجماعة ، ولاجماعة إلا بإمارة ، ولا إمارة إلا بطاعة .....] ولا هنا نافية للجنس ، فالإسلام لايوجد عند فرد ، لأن الفرد وحده لايستطيع أن يقوم بأحكام الإسلام ، لذلك لا إسلام بلا جماعة ، ولاتكون جماعة بدون إمارة ، لأن الجماعة لابد لها من أمير يقودها بكتاب الله وسنة رسوله r ، ولايكون أميراً مالم يطاع ، ويعطى البيعة ، والبيعة واجبة في عنق كل مسلم ، وعندئذ تكون الطاعة ( وهي البيعة نفسها ) ، وتكون الإمارة ، وتكون الجماعة ويكون الإسلام . يقول ابن تيمية : ( ... فإن بني آدم لاتتـم مصلحتهم إلا بالاجتماع ، لحاجة بعض الناس إلى بعض ، ولابد لهم عند الاجتماع من رأس ، حتى قال النبي r : [ إذا خرج ثلاثة في سفر فليأمروا أحدهم ] ـ جامع الأصول 5/18ـ فأوجب r تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر ، تنبيهاً بذلك على سائر أنواع الاجتماع ، ولأن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولايتم ذلك إلا بقوة وإمارة ، وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل ، وإقامة الحج ، والجمع ، والأعياد ، ونصر المظلوم ، وإقامة الحدود لاتتم إلا بالقوة والإمارة ـ السياسة الشرعية ، 153ـ ويقول الشوكاني في نيل الأوطار (8/265) : وهذا شرع لثلاثة في فلاة أو مسافرين ؛ فشرعيته لعدد أكثر يسكنون القرى والأمصار ، ويحتاجون دفع التظالم وفصل التخاصم أولى وأحرى .
إذن لا إسلام بلاجماعة ،وليس الدين علاقة شخصية بين الفرد وربـه فقط ، فالفرد وحده يطبق جزءاً يسيراً من الإسلام ، ويعجز عن تطبيق ثلاثة أرباع الإسلام ، لأن الإسلام علاقة الإنسان بربه ، وعلاقة الإنسان بالإنسان الآخر ، وعلاقة الإنسان بالمجتمع ، وعلاقته بالكون ، لذا لايقوم هذا الدين إلا في مجتمع ، ولكن لامجتمع بدون إمارة ، وطاعة . والطاعة هي البيعة ، لذلك ترون الخروج من البيعة كأنه خروج من الإسلام . والله أعلم . ومن المؤسف له أن حالة كثير من المجتمعات (المسلمة) أو المعاصرة اليوم لايصح أن نسميها مجتمعاً أو جماعة ، بل هي تجمع ، والتجمع يشبه كومة حجارة مبعثرة ومكدسة فوق بعضها ، أما الجماعة أو المجتمع ، فهو عمارة شاهقة بنيت من هذه الحجارة بعد صقلها وتشكيلها لتكون صالحة للبناء ، التجمعات التي يعيش فيها المسلمون اليوم لاتحقق مفهوم الجماعة ، لغياب عدة عناصر هامة وأساسة وأهمها الإمارة والبيعة .
ومن المؤلم أن مفهوم الإمارة والطاعة أو البيعة ضاعت من أذهان المسلمين اليوم ، ولانجده إلا عند خواص المثقفين ثقافة إسلامية .
13 ـ باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن وفي كل حال وتحريم الخروج على الطاعة ومفارقة الجماعة .
(1847) سمعت حذيفة بن اليمان يقول كان الناس يسألون رسول الله r عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت يارسول الله : إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير شـر ؟ قال نعم فقلت هل بعد ذلك الشر من خير ؟ قال نعم وفيه دخــن قلت وما دخنه ؟ قال قوم يستنون بغير سنتي ويهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر فقلت هل بعد ذلك الخير من شـر؟ قال نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها فقلت يارسول الله صفهم لنا قال نعم قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا قلت يارسول الله فما ترى إن أدركني ذلك قال : [ تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ] قلت فإن لم يكن لهم جماعة ولاإمام قال فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك .
(1848) عن أبي هريرة t عن النبي r قال [ من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات فميتة جاهلية ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة فقتل فقتلة جاهلية ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ولايتحاش من مؤمنها ولايفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه ] .
(1849) عن ابن عباس t قال قال رسول اللهr [ من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات فميتة جاهلية ] .
(1850) عن جندب قال قال رسول الله r [ من قتل تحت راية عمية يدعو عصبية أو ينصر عصبية فقتلة جاهلية ] .
(1851) عن عبدالله بن عمر t قال سمعت رسول الله r يقول [ من خلع يداً من طاعة لقي الله لاحجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ] .
يقول النووي : ( الدخن أن يكون في لون الدابة كدورة إلى سواد والمراد لاتصفو القلوب بعضها لبعض ، وقيل المراد بالخير بعد الشـر أيام عمر بن عبد العزيز ، ( تعرف منهم وتنكر ) المراد بعد عمر بن عبدالعزيز ، (دعاة على أبواب جهنم ) من كان من الأمراء يدعو إلى بدعة أو ضلال كالخوارج والقرامطة وأصحاب المحنة ... وفي حديث حذيفة هذا لزوم جماعة المسلمين وإمامهم ووجوب طاعته وإن فسق وعمل المعاصي من أخذ الأموال وغير ذلك فتجب طاعته في غير معصية ، وفيه معجزات لرسول الله r وقد وقعت هذه الأمور كلها ، ( من فارق الجماعة مات ميتة جاهلية ) أي على صفة موتهم من حيث هم فوضى لا إمام لهم ، ( راية عمية ) أمر أعمى لايستبين وجهه كتقاتل القوم للعصبية ، ( يغضب لعصبة .... ) أي يقاتل لشهوة نفسه وغضبه أي يقاتل عصبية لقومه وهواه .
أقول : لاحظوا أن النووي يقول عن الجاهليين فوضى لا إمام لهم ، ولم يقل لا حاكم لهم ، لأن الجاهليين لهم حكام وسلاطين ولا إمام لهم . والبيعة إذن معناها أن يبايع المسلم إماماً يقوده والمسلمين بكتاب الله وسنة رسوله ، وهذه البيعة مطلوبة من المسلم ديانة ، ولاينبغي أن يموت المسلم ولاتوجد في رقبته بيعة .
يقول خالد الشنتوت في ( التربية السياسية ص 67) : ( البيعة اصطلاح سياسي إسلامي خلاصته أنه يجب على كل مسلم ديانة أن يبايع أمـيراً يطبق شـرع الله عزوجل في المجتمع ، لأن الدين لايقوم بدون ذلك ، وفي هذا يقول ابن تيمية يرحمه الله : لايجوز للمسلمين أن يبيتوا ليلة بغير إمام يقودهم بكتاب الله وسنة رسـوله r ، وإلا كانوا آثمين ( مشروعية العمل الجماعي ص90) ، والبيعة في مصطلحها الأصلي هي مبايعة إمام المسلمين ذي الشـوكة ، وتسمى البيعة العامة ، حيث يبايع الإمام من أهل الشورى أولاً ، وعندئذ يصير إماماً ، ويجب على المسلمين كافة مبايعته ).
ومن المعلوم أن صحابة رسول الله r وفيهم العشرة المبشرون بالجنة شـغلوا عن دفـن رسول الله r باختيار إمام يقودهم بكتاب الله وسنة رسوله ، ويقول ابن تيمية ( كرهوا أن يبيتوا ليلة بغير إمام ) ، ومن المعلوم أن الصحابة t دفنوا رسول الله r بعد اختيارهم أبا بكر خليفة للمسلمين بعد رسول الله r .
وهذه البيعة للإمام من أهل الحل والعقد ( وحالياً أهل الشـورى ) وليس من عامة المسلمين يقول الماوردي : ( فإذا اجتمع أهل العقد والحل للاختيار تصفحوا أحوال أهل الإمامة الموجودة فيهم شروطها ، فقدموا للبيعة أكثرهم فضلاً وأكملهم شروطاً ومن يسرع الناس إلى طاعته ولايتوقفون عن بيعته ، فإذا تعين لهم من بين الجماعة من أداهم الاجتهاد إلى اختياره عرضوها عليه ، فإن أجاب بايعوه عليها وانعقدت ببيعتهم له الإمامة فلزم كافة الأمة الدخول في بيعته والانقياد لطاعته )() . فأهل الشـورى يبايعونه لتنعقد لـه الإمامة ، والعامـة يبايعونه ليؤدوا فريضة في أعناقهم . وهذا أهم وأخطر الفروق بين الديموقراطية والشـورى ، ففي الديموقراطية يصير الرئيس رئيساً إذا انتخبه أغلب الشعب ( كله عامته ومثقفوه ) ، أما في الشـورى فيصير الإمام إماماً عندما يبايعه أهل الشـورى ( أهل الحل والعقد ) كما قال الماوردي .
14 ـ باب حكم من فرق أمرالمسلمين وهو مجتمع
(1852) عن عرفجة قال سمعت رسول الله r يقول [ إنه ستكون هنات وهنات فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان ] . وفي رواية [ من آتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه ] .
يقول النووي : ( فيه الأمر بقتال من خرج على الإمام أو أراد تفريق كلمة المسلمين ونحو ذلك وينهى عن ذلك فإن لم ينته قوتل وإن لم يندفع شـره إلا بقتله فقتل كان هدراً ، فقوله r فاضربوه بالسيف وفي الرواية الأخرى فاقتلوه معناه ذا لم يندفع إلابذلك ، ( يشق عصاكم ) يفرق جماعتكم كما تفرق العصاة المشقوقة وهو عبارة عن اختلاف الكلمة وتنافر النفوس .
وعن معاذ بن جبل t عن رسول الله r قال : [ إن الشيطان ذئب الإنسـان كذئب الغنم يأخذ الشاة القاصية والناصية ، وغياكم والشعاب ، وعليكم بالجماعةوالعامة ](). وأخرج أحمد عن جابر بن سمرة t قال خطب عمر الناس فقال : [ ... من أراد بحبوحـة الجنة فليلزم الجماعة ]().
15 ـ باب إذا بويع لخليفتين
(1853) عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله r [ إذا بـويـع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما ] .
16 ـ باب وجوب الانكار على الأمراء فيما يخالف الشرع وترك قتالهم ماصلـوا
(1854) عن أم سلمة أن رسول الله r قال [ ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن عرف برئ ومن أنكر سلم ولكن من رضي وتابع قالوا أفلا نقاتلهم قال لا ماصلوا ] .
يقول النووي ( فيه معجزة ظاهرة الإخبار بالمستقبل ، فمن عرف فقد برئ وفي رواية فمن كره فقد برئ معناه من كره ذلك المنكر فقد برئ من إثمه وعقوبته وهذا في حق من لايستطيع انكاره بيده ولا لسانه ، فليكرهه بقلبه وليبرأ منه . ولكن الإثم والعقوبة على من رضي وتابع وفيه دليل على أن من عجز عن إزالة المنكر لايأثم بمجرد السكوت بل إنما يأثم بالرضى به أو بأن لايكرهه بقلبه و بالمتابعة عليه .
17 ـ باب خيار الأئمـة وشرارهم
( 1855) عن عوف بن مالك عن رسول الله r قال [ خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ويصلون عليكم وتصلون عليهم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم قيل يارسول أفلا ننابذهم بالسيف ؟ فقال لا ما أقاموا فيكم الصلاة وإذا رأيتم من ولاتكم شيئاً تكرهونه فاكرهوا عمله ولاتنزعوا يداً من طاعة .
يقول النووي : معنى يصلون عليكم : يدعون لكم .
18 ـ باب تحريم رجوع المهاجر إلى استيطان وطنـه
(1862) عن سلمة بن الأكوع أنه دخل على الحجاج فقال ياابن الأكوع ارتددت على عقبيك تعربت قال لا ولكن رسول الله r أذن لي في البدو .
يقول النووي : أجمعت الأمة على تحريم ترك المهاجر هجرته ورجوعه إلى وطنه ، وعلى أن ارتداد المهاجر أعرابياً من الكبائر قال ولهذا اشار الحجاج إلى أن أعلمه سلمة أن خروجه إلى البادية غنما هو بإذن النبي r قال ولعله رجع إلى غير وطنه ، أو لأن الغرض في ملازمة المهاجر أرضه التي هاجر إليها وفرض ذلك عليه إنما كان في زمن النبي r لنصرته أو ليكون معه أو لأن ذلك إنما كان قبل فتح مكة فلما كان الفتح وأظهر الله الإسلام على الذين كله وأذل الكفر وأعز المسلمين سقط فرض الهجرة فقال النبي r [ لاهجرة بعد الفتح ] قال القاضي ولم يختلف العلماء في وجوب الهجرة على أهل مكة قبل الفتح ، واختلف في غيرهم فقيل لم تكن واجبة على غيرهم بل كانت ندباً ، وقيل كانت واجبة على من لم يسلم كل أهل بلده لئلا يبقى في طلوع أحكام الكفار .
53ـ باب لاتـزال طائفـة من أمتي ظاهـرين على الحق لايضرهم من خالفهم
(1920) عن ثوبان قال قال رسول الله r :[ لاتزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لايضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك ] .
وفي رواية [ حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون ]. وفي رواية [ لن يبرح هذا الدين قائماً يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة ] . وفي رواية [ لاتزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة ] . وفي رواية [ وهم ظاهرون على الناس ] .
(1924) عن عبد الله بن عمرو قال ( لاتقوم الساعة إلا على شرار الخلق هم شرمن أهل الجاهلية لايدعون الله بشيء إلا رده عليهم ... قال عقبة بن عامر وأما أنا فسمعت رسول الله r يقول [ لاتزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم لايضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك] فقال عبدالله أجل ثم يبعث الله ريحاً كريح المسك مسها مس الحرير فلا تترك نفساً في قلبه مثقال حبة من الإيمان إلا قبضته ثم يبقى شرار الناس عليهم تقوم الساعة . وفي رواية [ لايزال أهل الغِرَب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة ] .
يقول النووي : ( هذه الطائفة قال البخاري هم أهل العلم ، وقال أحمد بن حنبل إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم ؟ قال القاضي عياض إنما أراد أحمد أهل السنة والجماعة ومن يعتقد مذهب أهل الحديث ، قلت : ويحتمل أن هذه الطائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين منهم شجعان مقاتلون ومنهم محدثون ومنهم زهاد وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر ومنهم أهل الأنواع الأخرى ، من الخير ، ولايلزم أن يكونوا مجتمعين بل قد يكونون متفرقين في أقطار الأرض ، أما [ أهل الغِرَب ] فهم العرب ، والمراد بالغرب : الدلو الكبير لاختصاصهم بها غالباً وقال آخرون المراد به الغرب من الأرض وقال معاذهم بالشام وجاء في حديث آخر ببيت المقدس وقيل هم أهل الشام وما وراء ذلك قال القاضي وقيل المراد بأهل الغرب أهل الشدة والجلد وغرب كل شيء حده .
من جامع الأصـول : الكتاب الرابع في الخلافة والإمارة
الباب الأول
الفصل الأول : في الأئمة من قريش
سبق في صحيح مسلم
الفصل الثاني : فيمن تصح إمامته و إمارته
(2027) أخرج البخاري والترمذي والنسائي عن أبي بكرة t قال : لقد نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله r أيام الجمل ، بعدما كدت أن ألحق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم قال : لما بلغ رسول الله r أن أهل فارس ملكوا عليهم بنت كسرى قال : [لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ] .
يقول دندل جبر في كتابه ( المرأة والولايات العامة ، ص 67 ) : هذا الحديث الذي رواه البخاري يدل على أن الشرع قد نهى نهياً جازماً عن تولية المرأة رئاسة الدولة ، لأن التعبير بلن يفيد التأبيد ، وهو مبالغة في نفي الفلاح عمن يوليها ، وهو قرينة على النهي الجازم ، فيكون النهي قدجاء بقرينة تدل على طلب الترك طلباً جازماً ، فكانت تولية المرأة حراماً .
ويقول أبو الأعلى المودودي في ( نظرية الإسلام وهديه ، ص320 ) : هذان الحديثان [ إذا كانت أمراؤكم ....] و [ لن يفلح قوم ولوا أمرهم امـرأة ] جاء كلاهما يفسـر قول الله عزوجل ] الرجال قوامون على النساء [ تفسيراً سديداً يصيب المحَـزّ ويطبق المفْصلَ ويتجلى منهما أن السياسة والحكم خارجان عن دائرة أعمال المرأة .
ويقول الماوردي والفراء : لايجوز أن تقوم بذلك ـ أي وزارة التنفيذ ـ امرأة وإن كان خبرها مقبولاً لما تضمنه معنى الولايات المصروفة عن النساء لقول النبي r [ ما أفلح قوم أسندوا أمرهم امرأة ] ولأن فيها من طلب الرأي وثبات العزم ما تضعف عنه النساء ، ومن الظهور في مباشرة الأمور ماهو عليهن محظور .
ومما سبق يستدل على حرمة تولي المرأة الإمامة الكبرى ، والقضاء ، وقيادة الجيش ، وما عليها من سائر الولايات العامة .
ومما يراه خالد الشنتوت أن عضوية مجلس الشورى من الولايات العامة ، ودليله على ذلك أن مجلس الشورى له صلاحية تفوق صلاحية رئيس الدولة ، فمجلس الشورى هو الذي ينتخب رئيس الدولة ، ويستطيع إعفاءه من منصبه ، لذلك مجلس الشورى في مجموعه أعلى من منصب رئيس الدولة ، وهو من الولايات العامة التي لايرى جواز تمكين المرأة منها . أما في واقعنا المعاصر عندما نساهم في انتخابات لمجلس الشورى وقد قررت الدولة التي نظمت الانتخابات أن يكون ربع أو خمس المجلس من النسـاء ، فإنه ينبغي على الحركة الإسلامية عندئذ أن ترشـح من نسـائها العاقلات التي قاربت أو جاوزت الخمسين ، والتي انتهت من واجباتها الأسـرية بعد أن كبر أولادها وبناتها ، وقلت حاجتهم إلى رعايتها اليومية ، كي لاتخسـر الحركة الإسلامية هذه المقاعد التي خصصت للنسـاء في لائحة الانتخابات ، وهذا نسـميه فقـه الواقــع ، نلجأ إليه لتحصيل أخف الضررين ، فإذا مشاركة أخواتنا العاقلات في المجلس أقل ضرراً من أن نخسـر هذه المقاعد بعد أن تشغلها النسـاء العلمانيات ، الداعيات إلى السـفور وغيره().
الفصل الثالث : فيمـا يجـب على الأمــير
(2034) أخرج الترمذي عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله r [ أحب الناس إلى الله يوم القيامة وأدناهم منه مجلساً : إمام عادل ، ,ابغض الناس إلى الله تعالى وأبعدهم منه مجلساً : إمام جائر ] .
الفصل الرابع : في كراهية الإمارة ، ومنع من سألها
(2035) أخرج أبو داوود عن المقدام بن معد يكرب t أن رسول الله r ضرب على منكبيه ثم قال له : أفلحت ياقديم إن مت ولم تكن أميراً ولاكاتباً ولاعريفاً ] .
(2039) وأخرج البخاري والنسائي عن أبي هريرة أن رسول الله r قال : [ إنكم ستحرصون على الإمارة وستكون ندامة يوم القيامة فنعمت المرضعة وبئست الفاطمة ] .
يقول ابن حجر في الفتح : ستحرصون على الإمارة يدخل فيه الإمارة العظمى وهي الخلافة ، والصغرى وهي الولايات على بعض البلاد ، وهذا إخبار منه r بأنه سيقع فوقع كما أخبر r . ( وستكون ندامة يوم القيامة أي لمن لم يعمل بها بما ينبغي ويوضح ذلك [ أولها ملامة ، وثانيها ندامة ، وثالثها عذاب يوم القيامة ، إلا من عـدل ] ، وعند الطبراني [ نعم الشيء الإمارة لمن أخذها بحقها وحلها ، وبئس الشيء الإمارة لمن أخذها بغير حقها تكون عليه حسرة يوم القيامة ] .
ونستخلص من هذا أنه لا يجوز للمسلم أن يرشح نفسـه للإمامة ، أو عضوية مجلس الشـورى ، أو أي منصب آخر ، وإنما ترشـحه الحركة الإسلامية التي يشارك فيها ،
كما نستشف كراهية الدعاية الانتخابية لأشخاص بعينهم ، وإنما تكون الدعاية الانتخابية لبرنامج مطروح ، كمشروع تطبيق الشريعة الإسلامية مثلاً . أو مشروع ( مصنع لكل مدينة ) أو (جامعة لكل مدينة ) وغيرها كثير .
يقول صلاح الصاوي : ( لكي نتجاوز آفة التنافس في التعددية المنشـودة أو نقلل مفسدتها ما أمكن يكون الترشح من قبل الحزب وينأى الشخص بنفسه عن التهالك على هذا الأمر ، فإن رأى حزبه صلاحيته لهذا العمل وقام بترشيحه له ودعوة الأمة إلى انتخابه فإنه يكون كمن جاءته الإمـرة من غير مسألة ، فيرجى أن يعان عليها بإذن الله ، ....ويكون معيار المفاضلة بين البرامج والاجتهادات السياسية الناضجة ولاتكون المفاضلة بين الأشخاص ، ويكون طلب الولاية لمصلحة الأمـة لا لمصلحة الشخص ..... وكي نخفف من تزكية النفس في الدعاية الانتخابية يقتصر فيها على القدر الذي يتحقق فيـه التعريف في إطار الصدق والموضوعية ، وترفع دعاوى الحسـبة على من تجاوز ذلك ، ويتمحور البيان والتزكية حول البرامج المقترحة للإصلاح ، فتعقد لها الندوات ، ويدور حولها النقاش ، ويتم على أساسها المفاضلة )() .
الفصل الخامس : في وجوب طاعة الإمام والأمير
(2041) أخرج البخاري عن أنس بن مالك t أن رسول الله r قال : [ اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسـه زبيبة ، ما أقام فيكم كتاب الله ] .
(2043) أخرج البخاري ومسلم والنسائي عن أبي هريرة t قال قال رسول الله r [ من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن يطع الأمير فقد أطاعني ، ومن يعص الأمير فقد عصاني ] .
(2052) أخرج البخاري ومسلم عن عبد الله بن عباس t أن رسول الله r قال : [ من كره من أميره شيئاً فليصبر ، فإنه من خرج من السلطان شـبراً مات ميتـة جاهلية ] . وفي رواية [ فليصبر عليه ، فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات فميتة جاهلية ] . يقول الجزري : معناه كل جماعة عقدت عقداً يوافق الكتاب والسنة ، فلا يجوز لأحد أن يفارقهم في ذلك العقد ، فإن خالفهم فيه استحق الوعيد . ومعنى قوله ( فميتة جاهلية ) أي مات على مامات عليه أهل الجاهلية قبل مبعث النبي r من الجهالة والضلالة . وقد سبق شرح الميتة الجاهلية .
الفصل السادس : في أعوان الأئمة والأمراء
(2058) أخرج أبو داود والنسائي عن عائشة t قالت قال رسول الله r [ إذا أراد الله بالأمير خيراً جعل له وزير صدق ، إن نسي ذكره وإن ذكر أعانه وإذا أراد به غير ذلك جعل له وزير سـوء إن نسي لم يذكره وإن ذكر لم يعنه ] .
وفي رواية البخاري [ ما بعث الله من نبي ، ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان : بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه ، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه ، والمعصوم من عصم لله ] ـ البخاري في الأحكام (13/164) .
(2061) وأخرج الترمذي والنسائي عن كعب بن حجرة قال : خرج علينا رسول الله r ونحن خمسة وأربعة ، أحد العددين من العرب والآخر من العجم ، فقال : [ اسمعوا ، إنه سيكون بعدي أمراء فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه ، وليس بوارد علي الحوض ، ومن دخل عليهم ولم يعنهم على ظلمهم ، ولم يصدقهم بكذبهم ، فهو مني وأنا منه ، وارد علي الحوض ] .
(2063) أخرج البخاري ومسلم عن نافع مولى ابن عمر t قال : لما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية جمع ابن عمر حشمه وولده وقال : سمعت رسول الله r يقول [ ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة ، وإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله ، وإني لا أعلم غدراً أعظم من أن يبايع رجل على بيع الله ورسوله ثم ينصب له القتال ، وإني لا أعلم أحداً منكم خلعه ، ولابايع في هذا الأمر ، إلا كانت الفيصل بيني وبينه ] ـ البخاري 13/60 في الفتن ومسلم (1735) في الجهاد .
أحــاديث متفرقــة
1 ـ روى ابن حبان أن رسول الله r قال : [ ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ، ولايترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين ، بعـز عزيز أو ذل ذليل ، عزاً يعز به الإسلام ، وذلاً يذل بـه الكفر ، ...] ().
2 ـ روى مسلم وغيره أن رسول الله r قال : [ إن الله زوى لي الأرض ( أي ضم وجمع ) فرأيت مشارقها ومغاربها ، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها ]().
3 ـ علق الألباني فقال : ومما لاشك فيه أن تحقيق هذا الانتشار يستلزم أن يعود المسلمون اقوياء . وثبت في أكثر من كتاب من كتب السنة أن رومية (روما) ـ عاصمة إيطاليا اليوم ـ ستفتح على يد المسلمين ، وأنها لابد مفتوحة لصدق خبر الصادق المصدوق r بذلك الفتح ، ففي الحديث عن أبي قبيل قال : كنا عند عبدالله بن عمرو بن العاص t وسئل أي المدينتين تفتح أولاً القسطنطينية أو رومية ؟ فدعا عبدالله بصندوق له حلق ، فأخرج منه كتاباً قال : فقال عبدالله : بينما نحن حول رسـول الله r نكتب إذ سئل رسـول الله r أي المدينتين تفتح أولاً : أقسـطنطينية أو رومية ؟ فقال رسول الله r [ مدينة هرقل تفتح أولاً ] يعني قسطنطينية ().
وعلق الألباني فقال : وقد تحقق الفتح الأول على يد محمد الفاتح العثماني ، بعد أكثر من ثمانمائة عام من إخبار النبي r بالفتح ، وسيتحقق الفتح الثاني بإذن الله تعالى ، ولابد ولتعلمن نبأه بعد حين .
يقول خالد الشـنتوت : ولايعني ذلك الفتح بالجيوش ، فقد يكون الفتح بدخول أكثر أهلها في الإسلام ، ونشر أخيراً أن المسلمين سيكونون أغلبية سكانية في أوربا عام (2050م) ، وقد يكون هو الفتح المعني ، وعلى كل حال كما يقول حسين جابر : ولاشك أن تحقيق الفتح الثاني يستدعي أن تعود الخلافة الراشدة إلى المسلمين .
4 ـ كما روى البزار والطبراني وأحمد أن النبي r قال [ تكون فيكم النبوة ماشاء الله أن تكون ، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ، تكون ماشاء الله ان تكون ، ثم يرفعها الله إذا شـاء أن يرفعها ، ثم تكون ملكاً عاضاً فتكون ماشاء الله أن تكون ، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ، ثم تكون ملكاً جبرياً فتكون ماشاء الله أن تكون ، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ، ثم تكون خــلافـة على منهاج النبوة ، ثم سـكت ]( ).
ويقول الشبخ سعيد حوى يرحمه الله في (جندالله ، 47) : فالذي يبدو أن الملك العاض قد انتهى بانتهاء السلطنة العثمانية ، ويبدأ الملك الجبري من ذلك الوقت وحتى لآن، ولايزال مستمراً ومظهره تلك الانقلابات الكثيرة التي توصل بها أصحابها إلى الحكم غصباً عن إرادة الشعب ، وبدون رأي الأمة ، بدأها كمال أتاتورك في تركيا ، وتتابعت في العالم الإسلامي ، ولكن اليقظة الإسلامية الحالية تبشر بأن ذلك لن يطول إن شاء الله ، ولابد من تحقق وعد رسول الله r .
5 ـ أخرج البخاري وغيره عن أبي هريرة t أن رسول الله r قال [ لاتقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود ، فيقتلهم المسلمون ، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر والشجر يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي تعال فاقتله ، إلا شجر الغرقد فإنه من شجر اليهود ] () .
يقول الشيخ سعيد حوى في (جند الله ) : والملاحظ تجمع اليهود من أقطار الدنيا ، من الشرق والغرب ، ومن مختلف القوميات والألسـن والألوان ، من يهود روسـيا إلى يهود أمريكا ، إلى يهود الفلاشا ويهود العرب ... يتجمعون في فلسطين ، ليتحقق وعد رسول الله r ، والله على كل شيء قدير .
يقول خالد الشنتوت : ولايمكن أن يقتل المسلمون اليهود إلا إذا عاد المسلمون إلى الالتزام بكتاب الله وسنة رسوله ، وعادت الخلافة ، وعاد المسلمون أقوى أمة على وجه الأرض كما كانوا ، عندئذ يغلبون قوى الصهيونية والصليبية والامبريالية ، ويقتلون اليهود سـادة الصهيونية والصليبية والامبريالية . يقول محمد قطب في واقعنا المعاصر (364) : ( وجاءت الصحوة الإسلامية في موعدها المقدور عند الله ، وكانت مفاجأة ضخمة لكثير من الناس ، فوجئ بها المتغربون من المسلمين ، كما فوجئ بها أعداء المسلمين الذين بذلوا جهودهم لإخراج الأمة المسلمة من الإسلام ، وفوجئوا لأنهم أغفلوا قول الله تعالى ] والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون [ ـ يوسف 12 ـ كما أغفلوا قوله عزوجل : ] يريدون ليطفئوا نور الله بأفولههم والله متم نوره ولو كره الكافرون ، هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره عى الدين كله ولو كره المشركون [ ـ الصف 8، 9ـ .
وقامت الانتفاضة على يدحماس ( حركة المقاومة الإسلامية ) التي آمنت أن قضية فلسطين قضية إسلامية ـ ليست ماركسية ولاقومية ، إنها مركز الوعي الإسلامي المعاصر ، وسيغلب المسلمون اليهود كما وعد رسول الله r وذلك بعد أن يعود المسلمون إلى دينهم ، وتقوم الدولة المسلمة التي تقود المسلمين من طنجة إلى جاكرتا ، عندئذ سيكون المسلمون أقوى أمة في العالم ، وعندئذ يهزمون اليهود ، ويروى أنه في إحدى روايات الحديث [ لاتقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود .....] فيها زيادة تقول [ يقاتل بقيتكم الدجال على نهر الأردن أنتم شرقيه وهم غربيه ] وقال (ابن ضريم ) وهو راوي الحديث ولا أدري أين الأردن يومئذ().
|