تصويت

ما تقييمك للموقع ؟
 

المتواجدون الآن

يوجد حاليا 136 زوار 
التربية السياسية -4

الفصل السابع

الـــشــــــــورى

الشورى أهم الخصائص التي تميز السياسة الإسلامية عن السياسة الجاهلية ، ويسمى النظام السياسي الإسلامي ( نظام الشورى ) لهذا السبب ، وقد صدرت عدة كتب عن الشورى في السنوات الأخيرة ([i]) ولا يريد الباحث أن يكرر ما جاء فيها ، إنما يركز على مايراه هاماً وضرورياً من خلال النقاط التالية :

الشـورى أمـر ربـانـي لـلـفـرد والـمـجـتـمع

تتصف الشورى بأنها الركن السياسي الذي ورد ذكره في القرآن الكريم ، قال تعالى { والذين اسـتجابوا لربهم وأقاموا الصلاة ،وأمرهم شورى بينهم ، ومما رزقناهم ينفقون ، والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون }( الشورى 38،39) ولأهمية الشورى فقدأمرنابها ربنا عزوجل في هذه الآية ،[ii]وجعلها في أمر واحد بين الصلاة والزكاة، وجعلت هذه الصفات للذين استجابوا لربهم، فالصلاة والشورى والزكاة من نتائج الاستجابة للـه عزوجل ، ومن صفات{ الذين آمنواوعلى ربهم يتوكلون }، وبماأن سورة الشورى مكية يتضح لنا أن الشورى صفة من صفات المسلم، أي مسلم ،وليس الأمير فقط ، وأن الشورى ملازمة للدعوة الإسلامية ، في مراحلها كلها، عند تكوين الفرد المسلم ، والجماعة المسلمة ، والدولة المسلمة .(ومادامت الشورى صفة لازمة لكل مسلم لايكمل إيمانه إلا بتوفرها ، فهي إذن فريضة إسلامية واجبة على الحاكمين والمحكومين. قال تعالى في كتابه العزيز مخاطباًرسوله r { فبما رحمة من اللـه لنت لهم،ولو كنت فظاًغليظ القلب لانفضوا من حولك، فاعف عنهم، واستغفر لهم، وشاورهم في الأمر،فإذا عزمت فتوكل على اللـه إن اللـه يحب المتوكلين }( آل عمران159 ) . وقال القرطبي رحمه اللـه قال ابن عطية: والشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام ، ومن لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب وهذا لاخلاف فيه ، وقال ابن تيمية يرحمه اللـه(لاغنى لولي الأمر عن المشاورة ، فإن اللـه تعالى أمربها نبيه r ، وروي عن أبي هريرة رضي اللـه عنه قال (لم يكن أحد أكثر مشاورة لأصحابه من رسول اللـه r ( الترمذي 213 )، وقد قيل أن اللـه أمر بها نبيه لتأليف قلوب أصحابه ،وليقتدي به من بعده ، وليستخرج بها منهم الرأي فيمالم ينزل فيه وحي ...، ويقول سـيد قطب يرحمه اللـه لقد جاء هذا النص ]وشاورهم في الأمر [ عقب وقوع نتائج للشورى تبدو في ظاهرها خطيرة مريرة ، فقدكانت محنة أحد، ولم يكن رسول اللـه r يجهل النتائج الخطيرة من جراء الخروج ، فقد كان لديه الإرهاص من رؤياه الصادقة التي رآها، وقد تأولها قتيلاً من أهل بيته، وقتلى من أصحابه ، وتأول المدينة درعاًحصينة ، وكان من حقه أن يلغي مااستقرعليه الأمر نتيجة الشورى ، ولكنه أمضاها وهو يدرك ما وراءها،لأن إقرار المبدأ وتعليم الجماعة وتربية الأمة ؛ أكبر من الخســائر الوقتيـة ، وأمام النتائج الخطيرة التي انتهت إليها المعركة يقول تعالى{ فاعف عنهم ،واستغفر لهم ، وشاورهم في الأمر} ليقررالمبدأ في مواجهة أخطرالأخطارالتي صاحبت استعماله ، ويثبت هذا القــرار في حياة الأمة المسلمة أياً كانت الأخطار التي تقع أثناء التطبيق ، لأن وجود الأمة الراشدة مرهون بهذا المبدأ ، ووجود الأمة الراشدة أكبر من كل خسارة أخرى في الطريق .

وهكذا حاول الباحث أن يشير إلى أهمية الشورى للمسلم،وللمجتمع المسلم ، لأن وجود الأمة المسلمة ، بل المجتمع المسلم مرهون بهذا المبدأ ، ولابد أن يتصف الفرد بالشورى حتى تدخل في عظمه ودمه ، فيصطبغ بها كله ، وعندئذ تصبح ممارســـتها في الحياة الاجتماعية أمراً ميسوراً .

ومما يلفت النظر أن كثيراً من المسلمين اليوم ،مازالوا يحصرون الإسلام في الشعائر التعبدية فقط، ومازالت هذه الصورة الكنسية للدين تستعمر عقولهم، وقليل من المسلمين يخطر في باله أنه يأثم إن لم يشاور، فكل مسلم فرضت عليه الشــورى كما سنرى وقليل من المسـلمين يشــاورون ، وقليل ممن يشــاورون يلتزمون بالشورى .

ولا يخطر في ذهن كثير من المسلمين أن يهمل صلاة واحدة والحمد للـه على ذلك  لأن الصلاة فريضة ، وإن فاتته لعذر كالنوم مثلاً؛ أسرع إلى قضائها، واستغفر ربه عما حصل  ، وآلمه ذلك، ولو تأخر المسلم في سحوره مثلاً سارع إلى العلماء يسألهم هل صح صيــامه ؟ أم ماذا يفعل ؟ وكذا في الــزكاة والحج ، وهذه من نعم اللـه على المسلمين ، ومما يسر المسلم أن يرى ذلك، لكن لماذا يهمل المسلم الشورى؟ مع أنها مفروضــة عليـه كذلك؟ تجده يهملهـاعـن قصد أوعـن جهل، ولايشـعر بغضاضة في ذلك ،كما يهمل البيعة والطاعة دون أن يتألم كما تألم عندما يفوته وقت الصلاة ، وسبب ذلك الفهم الجزئي للإسلام الذي كرس أعداؤنا وقتهم وعمرهم ليزرعوه في المسلمين ، وقد نجحوا إلى حد كبير . فما زال مفهوم الإسلام الشامل سطحياً لدى المسلم المعاصر، ومفهوم الانقياد التام للـه عزوجل  ، فالمسلم عبد للـه عزوجل في صلاته وصومه وزكاته وحجه ، وفي علاقته بنفسه وزوجته ، وفي عـلاقـاتـه بالمجتمع (السياسة)، وفي بيعه وشرائه ، وسائرشئون حياته ، هذا هو الانقياد التام للـه عزوجل .

وخلاصـــــة القــول :

يقبل بعض الشباب المسلم حالياً على الاستخارة كما وصى رسول اللـه r ،وهذه نعمةكبيرة تسر المؤمن، لكن لوربطواالاستشارة بالاستخارة لكان خيرًا لهم، فيتحقق عندئذ[ماندم من استشار وما خاب من استخار] . والمسلم الذي اتصف بالشورى يتخلص من الأنانيةوحب الذات ، فمن صورالأنانية أن الأناني يرى نفسه عظيماًجداً، ويرى الآخرين صعاليك بجواره، لذلك يترفع عن مشاورتهم ، ويراها إضاعة للوقت لافائدة منها، أما رسول اللـه r فكان هديه في حياته كثرة الشورى ، بل كان أكثر الناس استشارة لأصحابه ، وأحياناًكان يستشير في قضاياه الخاصة وشئون أهل بيته . حتى أن المشركين عيروا رسول اللـه r وقالوا عنه (أذن) أي يسمع كلام أصحابه كثيراً،وهذا دليل على كثرة مشاورته r لأصحابه . وكان يأخذ بمشورتهم ولايستبد بالرأي دونهم. وعندمانقول الشورى لكل مسؤول ،والفرد المسلم مسؤول عن نفسه أولاً، مسؤول عنها أمام اللـه عزوجل ، يشـــاورمن يثــق بدينهم في أمورنفســه الشخصية لأنه مسؤول عنها أمــام اللـه، ومسـؤول عن أسـرته ، ومرؤوسـيه ...الخ ، وعندما نقول الشورى لكل مسلم ؛ نهدف أن يتدرب المسلمون على الشورى ، حتى إذا كان أحدهم أمير اًصغيراً أو كبيراً ، أو إماماًكانت الشورى صفة ملازمة له ، تدرب عليها ومارسها حتى صارت سجية له ، فمارسها عندما كان مسؤولاًعن نفسه ، وعن أسرته ... أما عندما ينشأ المسلم على الفردية والأنانية ،حتى إذا صار أميراً ألزمناه بالشورى فلا يستطيع ذلك وإن حاول ، وقد يحاول فيحيط نفسه بمظاهر الشورى ،كما هو الحال في مجالس الشعب في بعض الدول ، تجتهد في معرفة ما يفكر فيه الزعيم الأوحد ثم تتسابق إلى تقديمه ليصدق عليه المجلس بالإجماع .

الشـــورى مــلزمــة والاســتشــارة مـعـلمــة :

من أكثر القضايـا السـياســية التي دار حولها الخلاف والمناقشــة في عصرنا ؛ إلزامية الشورى، وانقسم  المفكرون إلى فئتين  إحداهما تقول بإلزامية الشورى ، والثانية ترى أن الشورى معلمة وغير ملزمة .

وتكون الشورى ملزمة عندما يلتزم الأمير برأي أكثرية أهل الشورى عندما يخالف رأيه ، فيلتزم برأيهم وينفذه ، وتلتزم الاقلية برأي الأكثرية وتنشط لتنفيذه ، كما فعل رسول اللـه r يوم أحد ، كما سنفصل بعد قليل .

والشورى معلمة وغير ملزمة عندما يسمع الأمير آراء أهل الشورى ، فيوسع مداركه ومعرفته بالقضية ، ثم يختار الرأي الذي يراه أصوب حسب قناعته هو ، كما أنفذ الصديق جيش أسامة ، على الرغم من مخالفة أهل الشورى له بالرأي ([iii]) .

ولايــريـد الباحث الدخول في الجدل والنقاش المستمر، وسيشير إلى بعض النقاط الهامة في إلزامية الشورى :

1ــ (أولو الأمر ) الذين أمرنا اللـه بطاعتهم ، ورد هذا اللفظ الدال عليهم بصيغة الجمع، بل هو اســم جمع لامفــرد له من لفظه ؛ كمايقــول القرطبي، ويســتدل الباحث من ذلك على أن ( أولي الأمر ) جماعة وليس فرداً، وإذا تعذرفهم ذلك في الماضي ؛ عندماكان الإمام مجتهداً، فإن العصرالحاضر يشجع كثيراً على هذا الفهم ،حيث لايوجد  اليوم  الإمام المجتهد المتمثل في فرد واحد بعينه ، وإنما يتحقق الاجتهاد اليوم من خلال مجموعة من العلماء من أهل الشورى .

إذا كان أهل الشورى هم علماء المسلمين كلهم، وليسوا فئة منهم ، فيلزم الإمام أن يترك رأيه لرأيهم ؛ لأن خلاف الواحد لايقدح في الإجماع ، بل ينعقد الإجماع ولو خالف الواحد .

3ــ رأي الأكثرية ملزم عند اختيار الخليفة لعدة أسباب :

أ ــ  لايوجد إمام يأخذ بما يرجح له .

ب ــ يتعذر الإجماع في هذه الحالات ، ويجب على الأقلية الالتزام بقرارالأكثرية ،كما أوصاهم عمر رضي اللـه عنه .

ج ــ تأخرالعدد القليل عن البيعة لم يؤثر في انعقاد بيعة الصديق،وعليt( قادري 93).

4ــ يقول عبد اللـه قادري :( إن المتأمل في واقع السلف في الماضي ،وواقع المسلمين الآن سواء على مستوى بعض الحكومات ، أم على مستوى الجماعات ، يرى أن لمن يقول بإلزامية الشورى في العصر الحاضر وجه من الصواب ...، ويرى أن الظروف المعاصرة تحتاج إلى رأي جماعي يكون الصواب فيه أكثر من الخطأ. .

5ــ لايوجد مانع شرعي من إلزامية الشورى ، إذااتفق الأمير مع أهل الحل والعقد عند بيعته . بل تصبح عقداً لازماً يجب الوفاء به ، والأصل في العقــود الإبـاحــة ، قال ابن تـيمـية رحمه اللـه : ( وبالجملة فجميع ما ينفع الناس من الشروط والعقود والمحالفات في الأخوة وغيرها ، ترد إلى كتاب اللـه، وسنة رسوله r ، فكل شرط يوافق الكتاب والسنة يوفى به ) ( الفتاوى35/97)

6ــ يقول عبد القادر عودة رحمه اللـه  ( والواقع أن الشورى لن يكون لها معنى إذا لم يؤخذ برأي الأكثرية ، ووجوب الشورى على الأمة المسلمة يقتضي التزام رأي الأكثرية ..

7ــ يقول حسين جابر ( ص 95 )  ( الواضح من سنة رسول اللـه r أنه كان يأخذ برأي الأغلبية ( أغلبية أهل الشورى ) ، عندما يختلف أصحاب الشورى ، وروى أنس بن مالك رضي اللـه عنه قال : سمعت رسول اللـه r يقول [ إن أمتي لاتجتمع على ضلالة ، فإذا رأيتم اختلافا ًفعليكم بالسواد الأعظم([iv]) ]، وقال المناوي ( فعليكم بالسواد الأعظم من أهل الإسلام) وقوله r لأبي بكر وعمر رضي اللـه عنهما [ لو اجتمعتما في مشــــورة ما خالفتكما ]([v]) وعن أبي ذر t عن النبي r أنه قال [إثنان خير من واحد، وثلاثة خيرمن اثنين، وأربعة خيرمن ثلاثة ، فعليكم بالجماعة، فإن اللـه عزوجل لن يجمع أمتي إلا على الهدى ]([vi]).

8ــ يقول حجة الإسلام الغزالي رحمه اللـه ( فإن اختلفوا كان النظرإلى الأكثرية ) (الإحياء 1/23). ويقول الماوردي رحمه اللـه  ( إذااختلف أهل المسجد في اختيارالإمام ؛ عمل على قول الأكثرية ) ( ص 10 ) . وقال صاحب المنار في سياق تفسيره لآيات معركة أحد  (....فإنه أخذ r برأي الأغلبية من الصحابة بالخروج ) ( تفسير المنار ) . وكذلك القاعدة الفقهية المعروفة  ( بالجمهور ) فإنها تعد ترجيح للأمرالمختلف فيه برأي الأكثرية ، وفي علم الحديث فإن كثرة الرواة للحديث تجعله متواتراً أو مشهوراً ،وكثرة الطرق ترفع الحديث من الضعف إلى القوة ، واعتبارهم مخالفة الثقة للثقات شذوذ ..

9ــ ويقول الدكتور محمد أبو فارس (ص94): (إن الذي يرجحه العقل،وتميل إليه النفس، ويرتـاح اليه القلب من قـال إنه ينبغي ألايتجـاهل رأي أهل الشورى ، بل يلزم به الأمير ، وإن خالف رأيه ) . ( وقد تراجع المودودي رحمه اللـه عن قوله الشورىغير ملزمة الذي ورد في كتابه( نظام الحياة في الإسلام ) ، وقال بوجوب اتباع رأي الأكثرية لأن قاعدة ( وأمرهم شورى بينهم ) تتطلب التسليم بما يجمع عليه أهل الشورى أوأكثريتهم ، أما لو كانت الشورى غير ملزمة فإنها تفقد معناها، فالله لم يقل  تؤخذ أراؤهم ومشورتهم في أمورهم وإنما قال  وأمرهم شورى بينهم وتطبيق هذا لايتم بأخذ الرأي فقط ، وإنما من الضروري أن تجري الأمور وفق ما يتقرر بالإجماع أوالأكثرية . ( كتاب الحكومة الإسلامية للمودودي ص 94)

10ــ وقد سأل الباحث الشيخ سعيد حوى رحمه اللـه عن إلزامية الشورى فقال  الشورى ملزمة ، والنظام الأساسي لجماعة الإخوان المسلمين الذي تركه الإمام حسن البنا رحمه اللـه ، ينص على إلزامية الشورى ، وأكد الأستاذ صالح أبو رقيق  ( عضو مكتب الإرشاد لجماعة الاخوان المسلمين أيام البنا رحمه اللـه ) ، أن الشورى ملزمة عندالإمام حسن البنا ( مجلة المجتمع الكويتية) .

وجاء في القانون الأساسي واللائحة الداخلية للإخوان المسلمين( وتكون القرارات صحيحة (قرارات مكتب الإرشاد) متى صدرت عن الأغلبية المطلقة(النصف+1 للمجتمعين ) . ويكون الاجتماع صحيحاً( بالنسبة للجمعية التأسيسية ) إذا حضرته الأغلبية المطلقة ... وتكون القرارات صحيحة إذا صدرت عن الأغلبية المطلقة للحاضرين ( شقير ، 493). ومما يجدر ذكره أن الإمام البنا رحمه اللـه المرشد العام  هو رئيس مكتب الإرشاد ، ورئيس الجمعية التأسيسية ، ويحضر اجتماعاتهما ، ويلتزم بقرار الأكثرية .

11ــ قابل الباحث عدداً من أمراء الحركات الإسلامية  بحكم إقامته في المدينة المنورة في مواسم الحج  وعرف منهم أن جماعاتهم تطبق إلزامية الشورى وهم الشيخ الدكتور عباس مدني ، الأمين العام لجبهة الإنقاذ الإسلامية الجزائرية ، والشيخ محفوظ النحناح ، أمير حركة المجتمع الإسلامي الجزائري ( حماس الجزائرية )، والشيخ عبد اللـه جاب اللـه ؛ أمير حركة النهضة الإسلامية الجزائرية ، والشيخ راشد الغنوشي أمير حركة الاتجاه الإسلامي  في تونس . والشيخ سعيد حوى أحد القادة للإخوان المسلمين السوريين . كما التقى الباحث ببعض الأخوة السودانيين وعرف منهم أن الجبهة القومية الإسلامية في السودان تطبق إلزامية الشورى، والتقى أيضاً ببعض المجاهدين الافغان وعرف أنهم يطبقون إلزامية الشورى . وكذلك التنظيم العالمي للإخوان المسلمين فإنه يطبق إلزامية الشورى.

الفــرق بـين الشــورى الـملـزمــة والاسـتشـارة المعـلمــة

فصل الدكتور توفيق الشاوي هذه المصطلحات ، ورأى أن عدم التمييز بينها سبب ذلك الجدل الطويل عن الشورى الملزمة والمعلمة ، وهذه خلاصة لماقال :

أولاً ـ الشــــورى الملـزمــة : ومن أمثلتها :

1ــ تشاور أهل الحل والعقد بشأن قرار سياسي أو اجتماعي .. إلخ مثل اختيار رئيس أو ولي أمر ، أوأي شأن من الشئون العامة ، وصدر قرار بالإجماع أوالأغلبية منهم ، فقرارهم في هذه الحالة ملزم . ومن الأمثلة على ذلك شورى الرسول لصحابته يوم بدر في قتال قريش بعد أن أفلتت منهم القافلة ، وشوراه r يوم أحد ، فقد نفذ الرسول r رأي الأغلبية بالرغم من أنه لم يكن مرتاحاًإليـــــه .

2ــ تشــاور أهـل الـحل والعقــد لوضع نظـام دســتوري ،وكان القرار بإجماع الجمهور ( الأغلبية ) فهذا ملزم أيضاً .

3ــ قـــرار المجتهدين وأهل العلم باستنباط حكم فقهي ،لم يرد بشأنه نص في الكتاب والسنة ، إذا صدر بالإجماع فهو ملزم وهو تشريع عندما تجمع عليه الأمة .

ثانياً ـ الاستشارة المعلمــــة : ومن أمثلتها :

1ــ طلب الفرد مشورة غيره في أمر شخصي ، فالفرد المستشير غير ملزم بما أشار به المستشار .

2ــ إذا طلبت هيئة( أهل الحل والعقد مثلاً) أو شخص ، أو مؤسسة مااستشارة خبيرذي اختصاص ، للاستعانة برأيه في اتخاذ القرار ؛ فإنها غير ملزمة بما أشار به هذا الخبير  .

3ــ طلب الحاكم أو القاضي استشارة من الخبيرأوالمستشارأومجتهد ، فإنه غير ملزم بما أشار به . ومن أمثلة ذلك :

أ ــ استشارتهr بعض أصحابه في حديث الإفك ، وهو قضية شخصية .

ب ــ الاستشارة التي قدمها الحباب بن المنذر يوم بدر بتغيير المكان الذي نزل فيه الجيش، فقد أخذ بها الرسولr لاقتناعه بها ، وليس لأنه ملزم بها .

ج ــ استشارة الرسولr بعض أصحابه في أسرى بدر، وقد أخذ الرسول r برأي أحد مستشاريه عندما اقتنع به ، ولم يكن ملزماًله .

د ــ اقتناعهr برأي سلمان رضي اللـه عنه يوم الأحزاب فحفرواالخندق حول المدينــــة .

هـ ــ  استشارr السعدين رضي اللـه عنهما يوم حصار الأحزاب للمدينة في المصالحة مع بعض طوائف الأحزاب ، على أن يدفع لهم ثلث ثمار المدينة نظير جلائهم عنها ، ولكنه اقتنع برأيهما وعدل عن هذا الاقتراح ( الشاوي ، 101،130، 133) .

ونختم هذا المبحـث بالدعــاء إلى اللـه عزوجل أن يعلمنا ديننــاويرزقنـا اتبــاعه ، إنه لطيف خبـير .

وخلاصــة القول أن الدكتور توفيق الشـــاوي جاء بجديد ؛ وهو أن الشورى ملـزمــة ، والاستشارة معلمة ، والشــورى تكون في الأمور العامة غالباً ، وتمارس من خلال مجلـس الشورى ، أو أهل الحل والعقد ، وما شابه ذلك . أماالاستشارة فغالباً ما يطلبها الانسان العادي ( غير الأمير ) في شـؤونه الخاصة ، وقد يطلبها الأمير من فرد أو أكثر بسبب خبرتهم ودرايتهم في الموضوع .


أمثـلــة عن الشــورى الملزمـة من الســيرة
يــوم بــــدر :

خرج المسلمون يوم بـدر يريدون القافلة ، ليضربوا اقتصاد العدو ، ولم يتخذوا أهبتهم كاملة ، لأنهم لم يريدوا الحرب ، لذلك لم يخرجوا كلهم ، ولكن أباسفيان استطاع أن ينجو بالقافلة عندما غير طريقها ، ووصل مكة سالماً ، وتجهزت قريش عندما وصلها ضمضم الغفاري ، رسول أبي سفيان يخبرها أن المسلمين خرجوا يريدون قافلتهم ، وبعد أن عرفوا نجاة القافلة أصر أبو جهل على الوصول إلى مــاء بـدر والإقامة عليه ثلاثة أيام ، حيث تنحر الجزور ، ويطعم الطعام ، وتسقى الخمر ، وتعزف القيان ، وتسمع بهم العرب فلا تزال تهابهم .

وهكذا أراد الله للبدريين أن يخلد التاريخ أسماءهم ، وأن يرزقهم الفردوس الأعلى مع النبيين والشهداء ، فساقهم إلى لقـاء كفار مكـة . قال تعالى { وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين } ـ الأنفال 7ـ .

يقول المباركفوري في الرحيق المختوم ( ص 188 ):( ونظراً لهذا التطور المفاجئ عقد رسول الله r مجلساً عسكرياً استشارياً أعلى ، أشار فيه إلى الوضع الراهن ، وتبادل فيه الرأي مع عامة جيشه وقادته ، وحينئذ تزعزع قلوب فريق من الناس ، وخافوا اللقاء الدامي ، وهم الذين قال الله فيهم { كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقاُ من المؤمنيت لكارهون ، يجادلونك في الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون } ـ الأنفال 5،6ـ وأما قادة الجيش فقام أبو بكر الصديق فقال وأحسن ، ثم قام عمر بن الخطاب فقال وأحسن ، ثم قام المقداد بن عمرو فقال : ( يارسول الله امض لما أراك الله فنحن معك ، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى : اذهب أنت وربك فقاتلا إن ههنا قاعدون ، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون ، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى نبلغه ) . وهؤلاء القادة الثلاثة من المهاجرين ، وهم أقـلـّيــة في الجيش ، فأحب رسول الله r أن يعرف رأي قادة الأنصار ، لأنهم كانوا يمثلون أغـلبـيّـة الجيش ، ولأن ثقل المعركة سيدور على كواهلهم ، مع أن نصوص العقبة لم تكن تلزمهم بالقتال خارج ديارهم ، فقال رسول الله r بعد سماع قادة المهاجرين : [ أشــيروا عليّ  أيها الناس ) وإنما يريد الأنصار  وفطن إلى ذلك قائد الأنصار وحامل لوائهم سـعد بن معـاذ فقال : والله لكأنك تريدنا يارسول الله ؟ قال : أجل .

قال سعد بن معاذ t: ( قد آمنّا بك فصدقناك ، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق ، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة ، فامض يارسول الله لما أردت فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ، ماتخلف منا رجل واحد ، وما نكره أن تلقى بنـا عدونا غداً ، إنا لصبر في الحرب ، صدق في اللقاء ، ولعل الله يريك ما تقر بـه عينك ، فسر بنا على بركـة الله ) . فسر لذلك رسول الله r ، ونشطه ذلك ، ثم قال : سيروا وأبشروا ، فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين ، والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم .

مـناقــشــة :

نلاحظ مايلي :

1 ــ خرج المسلمون يريدون القافلة وليس الحرب([vii]) ، لذلك أراد رسول الله r أن يعرف رأيهم في ملاقاة العدو ، ولم يرد إجبارهم على دخول المعركة . مع أنه r كان واثقاً من النصر لأن الله عزوجل وعده إحدى الطائفتين ( القافلة أو الجيش ) وقد نجت القافلة ولم يبق إلا الجيش ، ومع ذلك أراد r أن يعلم أصحابه مبدأ الشورى لأنه فريضة عليهم .

2 ــ من سـرد أخبار السيرة في غزوة بـدر يتبين أن المهاجرين كانوا أقلية فيها ، وأن الأنصار كانوا أكثرية ، لذلك أصر رسول الله r على معرفة رأي الأكثرية ، وهذا أساس الشورى ، لأنها تقوم على رأي الأكثريـة . ولم يتخذ رسول اللهr قرار السير إلى العدو إلا بعد معرفة رأي الأكثرية وهم الأنصار([viii] ) .

4 ـ يلاحظ أن أهل الشـورى هم كبار القوم ، وليس العامـة ، فقد تكلم ثلاثة من المهاجرين t ، وتكلم سـعد بن مـعاذ t عن الأنصار ، وهم يسمعون ، ولم يخالفوا أو يعارضوا مقالته .

يــــوم أحــــــد :

جاء في الرحيق المختوم : ( وحينئذ عقد رسول الله r مجلساً استشارياًعسكرياً يتبادل فيه الرأي لاختيار الموقف ، وأخبرهم عن رؤيا رآها قال : إني قد رأيت والله خيراً ، رأيت بقراً يذبح ، ورأيت في ذباب سيفي ثلماً ، ورأيت أني أدخلت يدي في درع حصينة ، وتأول البقر بنفر من أصحابه يقتلون ، وتأول الثلمة في سيفه رجل يصاب من أهل بيته ، وتأول الدرع بالمدينة . ثم قدم رأيه إلى أصحابه أن لايخرجوا من المدينة ، وأن يتحصنوا به ، فإن أقام المشركون بمعسكرهم أقاموا بشر مقام وبغير جدوى ، وإن دخلوا المدينة قاتلهم المسلمون على أفواه الأزقـة ، والنساء من فوق البيوت ، وكان هذا هو الرأي ، ووافقه على هذا الرأي عبد الله بن أبي بن سلول ، ـ رأس المنافقين ــ وكان قد حضر المجلس بصفته أحد زعماء الخزرج .

وبادر جماعة من فضلاء الصحابة ممن فـاته الخروج يوم بـدر ، فأشاروا على النبي r بالخروج وألحوا عليه في ذلك ، وكان في مقدمتهم حمزة بن عبد المطلب عم رسول اللهr فقد قال للنبي r ( والذي نزل عليك الكتاب  لا أطعم طعاماً حتى أجالدهم بسيفي خارج المدينة  ـ السيرة الحلبية 2/14 ) .

ويقول محمود شاكر في التاريخ الإسلامي ( 2/228) : ( رأى رسول الله r أن أكثرية المسلمين ترى الخروج ، وعلى خلاف رأيه ، فعدل عن رأيه واستجاب للأغلبية ، وأعلن أنه خارج لمقاتلة العدو حيث هو في وادي قناة ـ خارج المدينة ـ ) ،

ويقول الحميدي ( 5/70) : فقال فتيان أحداث لم يشهدوا بدراً وطلبوا من رسول اللهr الخروج إلى عدوهم ورغبوا في الشهادة ، وقال رجال من أهل السـن وأهل النيـة منهم حمزة وسعد بن عبادة والنعمان وغيرهم من الأوس والخزرج : إنا نخشى يارسول الله أن يظن عدونا أنا كرهنا الخروج إليهم جبنـاً عن لقائهم ، فيكون هذا جرأة منهم علينا ، وقد كنت يوم بدر في ثلاثمائة رجل فظفرك الله عليهم ، ونحن اليوم بشر كثير ... قد كنا نتمنى هذا اليوم وندعو الله به ، فقد سـاقه الله إلينا في سـاحتنا ، ورسول الله r لمـا يرى من إلحاحهم كـاره ، وقد لبسوا السلاح يخطرون بسيوفهم يتسـامون كأنهم الفحـول . وقال حمزة : والذي أنزل عليك الكتاب لاأطعم اليوم طعاماً حتى أجالدهم بسيفي خارجاً من المدينة ، وقال إياس بن أوس : يارسول الله نحن بنو عبد الأشــهل من البقـر المذبـح ، نرجو يارسول الله أن نذبح في القوم ويذبح فينا ، فنصير إلى الجنـة ويصيرون إلى النـار ، مع أني يارسول الله لا أحب أن ترجع قريش إلى قومها فيقولون : حصرنا محمداً في صياصي يثرب وآطامها ، فيكون هذا جرأة لقريش . وقام خيثمـة أبو سـعد فقال : ... ويجترئ علينا العرب حولنا حتى يطمعوا فينا إذا رأوا أنا لم نخرج إليهم .

يقول الحميدي (5/75) وفي هذا الخبر مواقف منها :

1ـ اهتمام النبي r باستشارة أصحابه ، وأن النبي r نـزل عن رأيـه إلى رأي المخالفين لـه المتحمسين للقتال خارج المدينة ، وهو بذلك يضرب مثلاً عالياُ للمسؤولين من أمته بأن لايصروا على رأيهم وإن رأوا أنه الأقرب إلى الصواب .

ويقول (5/74)  نقلاً عن مغازي الواقدي (1/209) : فلما رأى كثرة المشيرين بالخروج وشـدة حماسـهم وقوة اندفاعهم كره مخالفتهم ورغب في تلبية مطالبهم وتحقيق طموحاتهم فعدل عن رأيـه وأخـذ برأيهم .

ويقول سـيد قطب يرحمه الله في الظلال ( 1/460) نقلاً عن زاد المعاد : ( واستشار رسول الله r أصحابه : أيخرج إليهم ، أم يمكث في المدينة ؟ وكان رأيه أن لا يخرجوا من المدينة ، وأن يتحصنوا بها ، ... فبادرت جماعة كبيرة من الصحابة ـ ومعظمهم من الشبان ممن فاتهم يوم بدر ـ فشاروا بالخروج وألحوا عليه في ذلك ،  حتى بـدا أن هذا هو الرأي الســائد في الجماعـة ، فنهض r ودخل بيتـه ولبس لأمتـه وخرج عليهم ، وقد انثنى عزم أولئك ، وقالوا : أكرهنا رسول الله r على الخروج ، فقالوا : يارسول الله أن أحببت أن تمكث في المدينة فافعل ، فقال رسول الله r [ ماينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه ] ،وألقى عليهم بذلك درسـاً نبوياً عالياً ، فللشورى وقتها حتى إذا انتهت جاء وقت العزم والمضي والتوكل على الله ، ولم يعد هناك مجال للتردد ، وإعادة الشورى والترجح بين الآراء .

... وكان رسول اللهr قد رأى في منامه : أن في سيفه ثلمة .... وتأول الدرع بالمدينة ، وكان إذن يرى عاقبة المعركة ، ولكنه في الوقت ذاتـه كان يمضي نظام الشـورى ، ونظام الحركة بعد الشورى ، لقد كان يربي أمـة ، والأمـم تربى بالأحداث ، وبرصيد التجارب التي تتمخض عنه الأحداث .

ويقول سيد في ظلال الآية { فبما رحمة من الله لنت لهم ، ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك ، فاعف عنهم ، واستغفر لهم ، وشاورهم في الأمر ، فإذا عزمت فتوكل على الله ، إن الله يحب المتوكلين } . إن السياق يتجه هنا إلى رسول اللهr وفي نفسه شيء من القوم ، تحمسوا للخروج ، ثم اضطربت صفوفهم ، فرجع ثلث الجيش قبل المعركة ، وخالفوا بعد ذلك عن أمره وضعفوا أما م إغراء الغنيمة ، ووهنوا أمام إشاعة مقتله ، ... يتوجه إليه r يطيب قلبه ، وإلى المسلمين يشعرهم نعمة الله عليهم بـه ، ... ثم يدعوه أن يعفو عنهم ، ويستغفر لهم ، وأن يشاورهم في الأمر كما كان يشاورهم ؛ غير متأثر بنتائج الموقف لإبطال هذا المبدأ الأساسي في الحياة الإسلامية . وبهذا النص الجازم { وشاورهم في الأمر } يقرر الإسلام هذا المبدأ في نظام الحكم ، حتى ومحمد رسول اللهr هو الذي يتولاه ، وهو نص قاطع لايدع للأمة المسلمة شكاً في أن الشورى مبدأ أساسي ، لايقوم نظام الإسلام على أساس سواه ، ... لقد جاء هذا النص عقب وقوع نتائج للشورى تبدو في ظاهرها خطيرة مريرة ، ... ولم يكن رسول الله r يجهل النتائج الخطيرة التي تنتظر الصف المسلم  من جراء الخروج ، فقد كان لديه الإرهاص من رؤياه الصادقة ، التي رآها ... وكان من حقه أن يلغي ما استقر عليه الأمر نتيجة للشورى ، ولكنه أمضاها وهو يدرك ما وراءه من الآلام والخسائر والتضحيات ، لأن إقرار المبدأ وتعليم الجماعة ، وتربية الأمـة ، أكبر من الخسائر الوقتيـة . ولقد كان من حق القيادة النبوية أن تنبذ مبدأ الشورى كله بعد المعركة ، أمام ما أحدثه من انقسام في الصفوف ، وأمام النتائج المريرة التي انتهت إليها المعركة ، ولكن الإسلام كان ينشئ أمـة ويربيها ويعدها لقيادة البشرية . ولو كان وجود القيادة الراشدة يمنع الشورى ... ويسد مسـد مزاولة الشـورى في أخطر الشؤون ؛ لكان وجود محمد r ومعـه الوحي من الله سبحانه وتعالى ، كافياً لحرمان الجماعة المسلمة يومها من حـق الشـورى . ـ انتهي قول سيد قطب ـ .

أقول : من هذه النصوص يتضح لي مايلي :

1 ــ أن رأي رسول الله r يوم أحد هو عدم الخروج من المدينة ، وقد دعم رأيه هذا رؤياه الصادقة التي رآها ــ ورؤيا الأنبياء حق ــ .

2 ـ أن رأي أكثرية المسلمين هو الخروج من المدينة لملاقاة عدوهم خارجها ، وتتمثل هذه الأكثرية في :

أ ــ الشباب الذين لم يحضروا يوم بــدر .

ب ـ بعض الكبار الذين حضروا يوم بـدر مثل حمزة t وغيره .

ج ـ عدد البدريين ثلاثمائة وسبعة عشر رجلاً ، وعدد المسلمين يوم أحد ألف  رجل مقاتل ، أي أن الذين لم يحضروا بدراً سبعمائة ، يضاف لهم بعض البدريين أيضاً كانوا يريدون الخروج من المدينة .جاء في البداية والنهاية : ( ج4ص11) : [ فقال الذين لم يشهدوا بدراً ] ، [ وأبى كثير من الناس إلا الخروج ، ولم يتناهوا إلى قول رسول الله r ورأيه . ورأي معظم الأنصار هو الخروج إذ قالوا : [ يارسول الله ما غلبنا عدو لنا أتانا في دارنا ، فكيف وأنت فينا ] .

إذن الأنصار ـ وهم الأكثرية ـ يرون الخروج ، ويرون أن البقاء في المدينة يجعل العرب يطمعون فيهم ، وينظرون لهم نظرة الذل .

3 ــ يتضح أن رسول الله r تنازل عن رأيـه ــ وهو يرى صحتـه ــ والتزم برأي الأكثرية من أصحابه يومئذ ليعلم المسلمين مبدأ إلزامية الشـورى ، والله أعلم .

4 ـ وأكبر مانلمسـه أهمية الالتزام بالشـورى ، حتى بعد ما جاءت ـ في ظاهر الأمر ـ بنتائج سلبية ، وهي الهزيمة يوم أحد ، ومع ذلك كله يأمر سبحانه وتعالى رسوله r بقوله ] وشاورهم في الأمـر [ ، وإذا كان هذا االأمر لرسول الله r ، فهو آكد في حق كل حاكم مسـلم ، عليه أن يلتزم بالشورى ، حتى وإن جاءت بنتائج سلبية ، ولايتخذ الحاكم ذريعة النتائج السلبية للشورى ـ إن حصلت ـ فيجنح إلى الفردية والاستبداد .

 



([i]) ــ منها الشورى لعبدالله قادري ـ وملامح الشورى لعدنان النحوي ، وشورى لاديموقراطية للنحوي ، وفقه الشورى والاستشارة لتوفيق الشاوي ، والشورى في ظل نظام الحكم الإسلامي لعبد الرحمن عبد الخالق ، والشورى وأثرها في الديموقراطية لعبد الحميد الأنصاري ، ونظام الشورى مقارناً بالديموقرطية لهانئ الدرديري ، والشورى في الإسلام لمحمود بابللي ، ومبدأ الشورى في الإسلام ليعقوب المويلحي ، وعولجت الشورى في  : التشريع الجنائي وأوضاعنا السياسية لعبد القادر عودة ، والنظام السياسي لمحمد عبدالقادر أبو فارس ، والطريق إلى جماعة المسلمين لحسين جابر يرحمه اللـه ، والنظام السياسي لمحمد سليم العوا ، ، والنظريات السياسية لمحمد ضياء الدين الريس ، والخلافة والإمامة لعبد الكريم الخطيب ، وغيرها كثير .

([iii]) ــ يرى أنصار إلزامية الشـورى أن أبا بكر أنفذ جيش أسامة لأنه من عمل الرسول r حيث اعتبره كالنص الذي لامكان للشورى فيه . وقد ورد ذلك صريحًا على لسان أبي بكر t

([iv]) ــ ابن ماجة (2/1303) وذكره السيوطي في الجامع الصغير وصححه ، وذكره الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم (1844)وقال الشطر الأول منه صحيح ، وهو عند أحمد في عدة مواضع منها (4/978) .

([v]) ـ أحمد(4/227) وذكره ابن حجر في الفتح (13/340) : لو أنكما تتفقان على أمر واحد ما عصيتكما في مشورة أبداً .

([vi]) ــ أحمد (5/ 145) والترمذي (4/466) وصححه السيوطي في الجامع الصغير .

([vii]) ــ روى الطبراني في المعجم الكبير بإسناد حسن عن أبي أيوب الأنصاري قال : ( قال رسول الله r ونحن بالمدينة [ إني أخبرت عن عير أبي سفيان أنها مقبلة ، فهل لكم أن نخرج قِـبَـلَ هذه العير لعل الله يغنمناها ] فقلنا : نعم فخرج وخرجنا ، فلما سرن يوماً أو يومين قال لنا : ماترون في القوم فإنهم قد أخبروا بمخرجكم : قلنا لا والله ما لنا طاقة بقتال العدو ، ولكن أردنا العير ، ثم قال : ماترون في قتال القوم ؟ فقلنا مثل ذلك . فقال المقداد بن عمرو ....)

([viii]) ــ يمكن القول أيضاً أن رسول الله r يعرف أن الأنصار بايعوه على حمايته في المدينة المنورة وليس خارجها ، لذلك أراد rأن يعرف رأيهم في الدفاع عن الإسلام خارج مدينتهم ، وهذا صحيح ، و يستنبط منـه الشورى أيضًا فالرسول r يشاور الأنصار ولايريد فرض رأيه عليهم .

 
RocketTheme Joomla Templates