تصويت

ما تقييمك للموقع ؟
 

المتواجدون الآن

يوجد حاليا 91 زوار 
التربية السياسية -3

الفصل الخامس

الهجــــــرة

تعريفهـا في اللغـة :

جاء في لسان العرب لابن منظور ، وتاج العروس للزبيدي مادة (هجر) الهجرضد الوصل  هجره يهجره هجراً ، وهجراناً صرمه ، وهما يهتجران ، و يتهاجران  والاسم الهجرة  وفي الحديث  ( لا هجرة بعد ثلاث ) [1]

وأما تعريفها في الشرع ، أو الاصطلاح :

فباختصار شديد : هي الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام . كما قال ابن العربي رحمه الله في أحكام القرآن  وقال ابن قدامة في المغني : هي الخروج من دار الكفر إلى دار الإسلام . وقال الشيخ سعد بن عتيق رحمه الله - في الدرر السنية - هي : الانتقال من مواضع الشرك والمعاصي إلى بلد الإسلام والطاعة .

ولما اشـتد أذى المشركين على من أسلم وفتن منهم من فتن حتى يقولوا لأحدهم اللات والعزى إلهك من دون الله ؟ فيقول نعم وحتى إن الجعل ليمر بهم فيقولون وهذا إلهك من دون الله فيقول نعم ومر عدو الله أبو جهل بسمية أم عمار بن ياسر وهي تعذب وزوجها وابنها فطعنها بحربة في فرجها حتى قتلها .

ويتضح من ســـيرة المصطفـى r أنه يجب على المسـلم أن يهاجر من بلـده إذا لم يتمكن من طـاعـة ربـه عزوجل ، والهجـرة هي الانتقال من بلد الشـرك إلى بلـد الإسلام ، والهجرة باقية حتى قيام الساعة ، وقد هاجر إبراهيم عليه السلام من بلاد النمرود ( بلاد الرافدين ) إلى فلسطين ثم مصر ثم الحجاز وفيها ترك طفله الوحيد الذي رزقـه في شيخوخته ، تركه وأمه (هاجر ) في واد غير ذي زرع ، وكان ذلك بداية نشوء مكة المكرمة ، وبناء البيت الحرام من قبل إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام فيما بعد ، ثم عادإبراهيم عليه السلام إلى فلسطين ، كما هاجر لوط عليه السلام من القرية التي كانت تعمل السـوء ، كما هاجر يونـس عليه السلام ، كما هاجر موسـى عليه السلام ، فقد خرج من مصر عندما خشي على روحـه من فرعون ، وعاش عشـر سنوات أو أكثر في مديـن ، ثم رجع إلى مصر حيث  أمره الله بذلك ليدعو فرعون إلى عبادة الله ، ثم هاجر ببني إسرائيل من مصر إلى فلسطين ، وهاجر غيرهم من الرسل وأتباعهم عندما ضيق عليهم من قبل أعدائهم ، حفاظاً على أرواحهم ، ومن أجل الدعوة إلى الله عزوجل .  وهكذا يتضح أن الهجرة من سنن الأنبياء والصالحين ، وكل من لايتمكن من عبادة ربـه ، والدعوة إلى دين الله عزوجل ، عليه أن يهاجر إلى البلد الذي يمكنه من ذلك ...

وقد أمر رسول الله r أصحابه بالهجرة إلى الحبشـة مرتين ، ثم أمرهم بالهجرة إلى المدينة المنورة كما سنرى :

يقول المباركفوري في الرحيق المختوم : كانت بداية الاضطهادت في أواسط أو أواخر السنة الرابعة من البعثة ، بدأت ضعيفة ، ثم اشتدت وتفاقمت في أواسط السنة الخامسة ، حتى نبـا بهم المقام في مكـة ، وفي أثناء ذلك نزلت سورة الكهف وفيها إشارة إلى الهجرة ، ] وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله ، فأووا إلى الكهف ينشـر لكم ربكم من رحمتـه ويهيئ لكم من أمركم مرفقاً [ ـ الكهف 16ـ  .

وكان رسول اللهr قد علم أن أصحمـة النجاشي ملك عادل ، لايظلم عنده أحـد، فأمـر المسلمين أن يهاجروا إلى الحبشة ، فراراً بدينهم من الفتـن . وفي رجب سنة خمس من النبوة هاجر أول فوج من الصحابة إلى الحبشة ، مكوناً من اثني عشر رجلاً وأربع نسـوة ، وكان رحيلهم تسللاً في ظلمة الليل ، خرجوا إلى البحر . وركبوا سفينتين تجارتين أبحرتا إلى الحبشة . وفي رمضان من نفس العام رجعوا لما بلغهم خبر غير صحيح مفاده أن قريش أسلمت ، ثم عادوا مع الهجرة الثانية . وفي الهجرة الثانية هاجر ثلاثة وثمانون رجلاً وثمان عشرة امرأة .

( لما جاءت رسالة الإسلام وقف المشركون في وجهها وحاربوها، وكانت المواجهة في بداية أمرها محدودة، إلا أنها سرعان ما بدأت تشتد وتتفاقم يوماً بعد يوم وشهراً بعد شهر، حتى ضيَّقت قريش الخناق على المسلمين واضطهدتهم وأرهقتهم، فضاقت عليهم مكة بما رحبت، وصارت الحياة في ظل هذه المواجهة جحيماً لايطاق.فأخذ المسلمون يبحثون عن مكان آمن يلجؤون إليه، ويتخلصون به من عذاب المشركين واضطهادهم.


وفي ظل تلك الظروف التي يعاني منها المسلمون، نزلت سورة الكهف، تلك السورة التي أخبرت بقصة الفتية الذين فروا بدينهم من ظلم ملِكِهِم، وأووا إلى كهف يحتمون به مما يراد بهم. كان في هذه القصة تسلية للمؤمنين، وإرشاداً لهم إلى الطريق الذي ينبغي عليهم أن يسلكوه للخروج مما هم فيه. لقد عرضت قصة أصحاب الكهف نموذجاً للإيمان في النفوس المخلصة، كيف تطمئن به، وتؤثره على زينة الحياة الدنيا ومتاعها، وتلجأ إلى الكهف حين يعز عليها أن تقيم شعائر دينها وعقيدتها، وكيف أن الله تعالى يرعى هذه النفوس المؤمنة ويقيها الفتنة، ويشملها برحمته ورعايته
]وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهـْفِ يَنْشُـرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقـاً[ (الكهف:16)

.

لقد وضَّحت هذه القصة للمؤمنين طريق الحق والباطل، وبيَّنت أنه لا سبيل إلى للالتقاء بينهما بحال من الأحوال، وإنما هي المفاصلة والفرار بالدين والعقيدة، وانطلاقاً من هذه الرؤية القرآنية أمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين المستضعفين بالهجرة إلى الحبشة، وقد وصفت أم المؤمنين أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحدث فقالت : (لما ضاقت علينا مكة، و أوذي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفتنوا ، ورأوا ما يصيبهم من البلاء، والفتنة في دينهم، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يستطيع دفع ذلك عنهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في منعة من قومه وعمه، لا يصل إليه شيء مما يكره مما ينال أصحابه، فقال لهم رسول الله عليه وسلم إن بأرض الحبشة ملكاً لا يظلم عنده أحد، فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجاً ومخرجاً مما أنتم فيه، فخرجنا إليها أرسالاً - أي جماعات - حتى اجتمعنا بها ، فنزلنا بخير دار إلى خير جار، أمِنَّا على ديننا ولم نخش منه ظلماً ) رواه البيهقي بسند حسن .



وهكذا هاجر أول فوج من الصحابة إلى الحبشة في السنة الخامسة للبعثة، وكان هذا الفوج مكوناً من اثني عشر رجلاً و أربع نسوة، كان في مقدمتهم عثمان بن عفان رضي الله عنه ، ومعه زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رحيلهم تسللاً تحت جنح الظلام حتى لا تشعر بهم قريش، فخرجوا إلى البحر عن طريق جدة، فوجدوا سفينتين تجاريتين أبحرتا بهم إلى الحبشة، ولما علمت قريش بخبرهم خرجت في إثرهم وما وصلت إلى الشاطئ إلا وكانوا قد غادروه في طريقهم إلى الحبشة، حيث وجدوا الأمن والأمان، ولقوا الحفاوة والإكرام من ملكها النجاشي الذي كان لا يظلم عنده أحد، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم .
وبدأوا الخروج الجماعي أمام سطوة قريش بتوجيه نبوي ، بحيث لاتقع سلطة قريش عليهم ، ويكاد يكون جميع المسلمين مضوا إلى الحبشة ، فقد هاجر من الخمسين الأوائل أربعة وعشرون ، وهاجرت الخمسون الثانية تقريباً ، ولم يبق في مكة إلا ستة وعشرون صحابياً ، وكأنما نقل مركز الدعوة إلى الحبشة ، وبقي حول الرسول
r كتيبة الفدائيين الذين يحمونه([i])

.
وهكذا هيأ الله لعباده المؤمنين المستضعفين المأوى والحماية من أذى قريش وأمَّنهم على دينهم وأنفسهم ، وكان في هذه الهجرة خير للمسلمين، إذ استطاعوا -فضلاً عن حفظ دينهم وأنفسهم - أن ينشروا دعوتهم، ويكسبوا أرضاً جديدة تكون منطلقاً لتلك الدعوة، ومن كان مع الله كان الله معه نسأل الله تعالى أن ينصر دينه وعباده المؤمنين في كل مكان

دروس من  هجـرة الحبشـة :

1 ـ لم تكن هجرة المسلمين إلى الحبشة تهدف إلى نشر الدعوة فيها ، ولا إقامة حكم إسلامي ، وإنما تهدف إلى المحافظة على المسلمين ، وتوفير الجو المساعد على ممارسة العبادة دون اضطهاد .

يقول الأستاذ محمودشاكر(2/100): يجب أن تتجمع جهود المسلمين (المهاجرين) في منطقة واحدة للانتفاع منها ، فالرسول r لم يسمح للمسلمين أن ينتشروا في أرض الله الواسعة ويتفرقوا كيف يشاءون ، يحاول كل منهم أن يجد المأوى يتخلص فيه من أذى قريش واضطهادها ، وإنما سمح لهم أن يهاجروا إلى أرض واحدة يعيشون فيها حياة واحدة مجتمعين ، فيها من معنى الإسلام مما تلقوه من رسول الله r في مكة ، يساعد كل أخاه على حياة الغربـة والتمسك بمبادئ الإسلام والعمل بـه . وكان عثمان بن مظعون ( وقيل بن عفان ) أميراً عليهم ، فالركب يجب أن لايسير دون أمير . ثم لما وصل جعفر بن أبي طالب t مهاجراً إلى الحبشـة كان هو أمير المهاجرين في الحبشـة .

2 ـ وقال الشيخ سعيد حوى ([ii]):

أ ـ هناك ناس يعتبرون مجرد التفكير في أمن الدعوة ورجالها ونسائها علامة ضعف، ويعتبرون البحث عن الأمن والأمان جريمة، وهؤلاء أصحاب رسول الله r هاجروا إلى الحبشة بحثاً عن الأمن والأمان، والعبرة لإذن القيادة الراشدة وحسن تقديرها .

ب ـ هاجر الصحابة r إلى قطر كافر فيه عدالة وحرية ، يستطيعون من خلالها أن يقيموا شعائر الإسلام ، وهذا يفتح أمامنا آفاقـاً واسعة في العمل والحركة . بل قال فقهاء الشافعية : لو أن مسلماً استطاع أن يظهر شعائر الإسلام في دار كفـر فالأولى لـه البقاء لأنه بذلك تصبح داره دار إسلام في أرض كفـر . والمسألة تخضع في النهاية للموازنات بين المصالح والأضرار .

ج ـ يلاحظ أن مهاجري الحبشة لم يكلفوا بأيـة مهام دعويـة على أرض الحبشـة، وهذا يفتح أمامنا باباً واسـعاً في آداب المسلم المهاجر ، فإنـه في هذه الحالة يسـعه أن يلاحظ قوانين البلد (المضيف ) وألا يتدخل في شـؤونه الداخلية ؛ إلا بالقدر الذي يسمح بـه البلد المضيف نفسـه .

3 ـ ومن دروس الهجرة إلى الحبشة ـ كما يقول الشيخ منير الغضبان ([iii]) :

البحث عن قاعدة صلبة ومكان آمن آخر للدعوة غير مكة ، حيث لاتستطيع قريش مهما بلغت من عتوها أن تنهي الوجود الإسلامي في الأرض ، وهذا مايحسن أن تنـتبه إليه الحركة الإسلامية في تخطيطها حيث لاتضع كل طاقاتها البشرية والمادية في أرض واحدة ، تكون معرضة فيها للإبادة ، بل تعدد أماكن تجمعها وتواجدها  بحيث تستطيع لو فقدت موقعاً معيناً أن تنتقل إلى موقع ثان تنطلق منه وتواجه الجاهلية من خلاله .

4 ـ كما أشار سيد قطب يرحمه الله ([iv]) : إلى أن القول بأن الصحابة هاجروا لمجرد النجاة بأنفسهم لايستند إلى قرائن قوية، فلو كان الأمر كذلك لهاجر أقل الناس جاهاً وقوة ومنعة من المسلمين، غير أن الأمر على الضد من هذا، فالموالي المستضعفون الذين كان ينصب عليهم معظم الاضطهاد والتعذيب والفتنةلم يهاجروا، إنما هاجر رجال ذوو عصبيات؛ لهم من عصبياتهم ـ في بيئة قبلية ـ ما يعصمهم من الأذى، ويحميهم من الفتنة ، وكان عدد القرشيين يؤلف غالبية المهاجرين، منهم جعفر بن أبي طالب، وأبوه وفتيان من بني هاشم معه هم الذين كانوا يحمون النبي r، ومنهم الزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو سلمة المخزومي، وعثمان بن عفان الأموي، ..وهاجرت نساء كذلك من أشرف بيوتات مكة ماكان الأذى لينالهن أبداً، وربما كان وراء هذه الهجرة أسباب أخرى كإثارة هزة في أوساط البيوت الكبيرة في قريـش، وأبناؤها الكرام المكرمون يهاجرون بعقيدتهم ، فراراً من الجاهلية ، تاركين وراءهم كل وشائج القربى ، في بيئة قبلية تهزها هذه الهجرة هزاً عنيفاً ، وخاصة حين يكون من بين المهاجرين مثل أم حبيبة بنت أبي سفيان ، زعيم الجاهلية يومذاك ، وأكبر المتصدين لحرب العقيدة الجديدة وصاحبها ، يقول الغضبان : ( والملاحظ في هذه الطليعة ألأولى من المهاجرين أنها من اكرم البيوتات المكية وأعرقها ، ولعل رسول الله r أراد أن يرتاد المكان هناك ، ويعرف غمكانية الإقامة لجنده في الحبشة ، ومن أجل هذا كان بينهم خيرة أصحابه ، فثلاثة من المبشرين بالجنة كانوا بين هؤلاء العشرة ، وهم عثمان بن عفان ، والزبير بن العوام ، وعبد الرحمن بن عوف ، وليس فيهم من الموالي أو العبيد أو المغمورين أحد ) ([v]) .

5 ـ يقول الشيخ الغضبان (ص67) : فلم نعلم أن رسول الله r بعث في طلب مهاجرة الحبشة حتى مضت هجرة يثرب وبـدر وأحـد والخندق والحديبيـة حيث عقد المسلمون صلحاً مع أهل مكـة . فقد بقيت يثرب معرضة لاجتياح كاسـح من قريش خمس سنوات ، وكان آخر هذا الهجوم والاجتياح في الخندق حيث قدم عشرة آلاف مقاتل لاستئصال شـأفة المسلمين هناك ، وبعد رد الكافرين بغيظهم قال رسول الله r [ الآن نغزوهم ولا يغزونا نحن نسير إليهم ] ـ البخاري ج2ص 590ــ وحين اطمأن الرسول r إلى أن المدينة أصبحت قاعدة أمينة للمسلمين ، وانتهى خطر اجتياحها من المشركين ، عندئذ بعث في طلب المهاجرين من الحبشة ، ولم يعد ثمة ضرورة لهذه القاعدة الاحتياطية التي كان من الممكن أن يلجأ إليها رسول الله r لو سقطت يثرب في يـد العـدو . وفعلاً وصل المهاجرون من الحبشة إلى المدينة فوجدوا رسول الله r في خيبر فمضوا إليه هناك والتقوا بـه ووصلوا بعد فتح خيبر فقال رسول الله r [ ما أدري بايهما أسـر ، بفتح خيبر أم بقدوم جعفر ) .

الهجــرة إلى المدينــة :

بعد بيعة العقبة الثانية (بدأ المسلمون ينتقلون حسب أوامر رسول الله r إلى يثـرب لحاقاً بإخوانهم المسلمين (الأنصار ) ، وفراراً بدينهم ، وكان أول من هاجر من مكـة إلى يثرب أبو سـلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي ابن عمـة رسول الله r ، وقد هاجر قبل بيعة العقبة الثانية بعام ، إذ اشتد أذى قريش عليه بعد أن رجع من الحبشـة ، وعلم بانتشـار الإسلام في يثرب فانتقل إليها ، وكانت معه زوجته أم سلمة ، وولده سـلمة ، ولكن أهلها غلبوه عليها ومنعوها من الهجرة معـه ، ثم لحقت به بعد عام([vi]). فقد هاجر أبو سلمة مخلفاً زوجته وابنـه حفاظاً على دينـه .

ولما أراد صهيب الهجرة ، قال له كفار قريش : أتيتنا صعلوكاً حقيراً فكثر مالك عندنا ، وبلغت الذي بلغت ، ثم تريد أن تخرج بمالك ونفسك ، والله لايكون ذلك ، فقال لهم صهيب : أرأيتم إن جعلت لكم مالي أتخلون سبيلي !؟ قالوا : نعم ، قال : فإني جعلت لكم مالي . فبلغ ذلك رسول الله r فقال : ربح صهيب ربح صهيب .

يقول محمود شاكر (2/151 ) : ( ونلاحظ أنه بهجرة رسول الله r إلى المدينة التي غدت دارًا للإسلام وجــب على كل مسـلم أن يهاجر إلى دار الإسلام ، إذ تجب الهجرة إلى البلاد التي يستطيع المسلم أن يؤدي فيها شعائر دينـه إذا كان في موطنه لايستطيع ذلك ، كما تجب الهجرة إذا اقتضت الظروف لتجميع المسلمين والإفادة من طاقاتهم وإمكاناتهم المادية والمعنوية والعسكرية ، أما إذا كان يستطيع المسلم تأدية شعائر دينـه والدعوة إلى عقيدته فمن الأفضل أن يبقى حيث هـو ليقوم بدوره في تبليغ الإسلام والعمل في سبيل الله .

ودار الحرب يقتضي وجودها وجود دار للإسلام ، فقبل هجرة رسول لله r لم تكن هناك دار إسلام وبمقتضى الحال لاتوجد دار للحرب ، فلم تكن مكـة داراً للحرب، وعندما بدأ الإسلام يطبق في المدينة أصبحت مكـة دار حـرب ، وكانت الهجرة واجبة على المسلمين منها ، حتى إذا فتحت مكـة أصبحت داراً للإسلام ، ولم تعد الهجرة واجبة منها ، لذلك قال رسول الله r [ لاهجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونيـة ] ـ متفق عليه عن عائشة t ـ .

ودار الإسلام هي الدار التي يطبق فيها شـرع الله عزوجل ، ولو لم يكن أكثر أهلها من المسلمين ، ودار الحرب هي البلاد التي لايطبق فيها شـرع الله ولو كان سكانها جميعهم من المسلمين . وعلى هذا فإن الزمن الذي لاتوجد فيه دار للإسلام يطبق فيه شـرع الله لاتوجد فيه دار للحرب ، وعلى كل مسلم أن يعمل للإسلام ويدعو لـه ويجاهد في سبيل الله ، وفي أيـة بقعـة لايتمكن مسلموها من إقامة شعائر دينهم فعليهم أن يهاجروا  ــ كما هاجر الصحابة إلى الحبشة ــ ) .

قال تعالى يصف المهاجرين : ] للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله ، أولئك هم الصادقون [ ـ الحشر 8 ــ  وفي عصرنا الحاضر اضطر بعض المسلمين في بعض البلدان إلى الهجرة منها بعد أن خافوا على دينهم ودمائهم وأعراضهم ، وتركوا عقاراتهم وأموالهم غير المنقولـة هناك ، ثم أصدرت الحكومة أمراً يمنع التعامل بالوكالات الخارجية ليمنعوهم من بيعها أو التصرف فيها ، مبالغة في إيذائهم والتنكيل بهم ، ولاذنب لهم إلا أن قالوا ربـنا الله ولارب لنا سـواه ،ولن نرضى بغير الإسلام ديناً ، ولن نخضع لغير شـريعة الله عزوجل . نسأل الله عزوجل أن يجعلهم من المهاجرين في سبيله ، وأن يثبتهم على هجرتهم ، وأن يتقبلها منهم ويجعلهم من الصادقين الذين نصروا الله ورسوله ، وأن يمكنهم من طاعة الله ورسوله في بلدهم فيعودوا آمنين مطمئنين على دينهم ودمائهم وأعراضهم وأموالهم ، والله على كل شيء قدير .

أحكـام الهجـرة :

يقول الشيخ سعيد حوى في الأساس في السنة (1/ 330) : ( ليست الهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام واجبة على كل حال ، وإن اشتهر من مذهب الحنفية ذلك كما اشتهر في مذهبهم وجوب الهجرة من دار البدعة إلى دار الســنة ، فالأمر فيـه تفصيـل :

1 ـ فإذا كنت في دار كفـر لكنك حـر آمـن تستطيع أن تعبد الله وتدعـو إليه ولاتخشـى على نفسـك وأهلك وذريتك الفتنـة ، ولم يطلب منك أمير المؤمنين الشـرعي الهجـرة إلى دار الإسلام ، فمقامك حيث أنت أجود وأطيب وأكثر أجراً ، بل اعتبر الشـافعية أنـه يندب لك البقـاء لأنه ببقائك يصبح جزء من دار الكفر دار إسلام .

2 ـ أما حيث يخاف المسلم الفتنـة على نفسـه وأهلـه أو ذريتـه فعندئذ تجب عليه الهجرة إن كان قادراً عليها ، ووجدت الجهـة التي تستقبله ولايخشى فيها الفتنة على نفسـه وأهلـه وذريته ، وفي عصرنا تـجد الأمر في غاية التعقيد ، فليس الخروج من بلـد إلى بلـد سـهلاً ، واحتمال الفتنـة قائـم في كثير من البلدان ، ولذلك فإنني أرى أن حكم الهجرة الآن منوط بالفتوى البصيرة من أهلها ، ولاينبغي أن يكون هناك تسـرع فيـه . قال ابن حجر في الفتح بمناسبة تعليل عائشة t للهجرة بقولها الذي ورد في صحيح البخاري :  [كان المؤمنون يفـر أحـدهم بدينـه ... إلخ] أشارت عائشة إلى بيان مشروعية الهجرة وأن سببها خوف الفتنـة ، والحكم يدور مع علتـه ، ومن ثم قال الماوردي : إذا قدر على إظهار الدين في بلد من بلاد الكفر فقد صارت البلد به دار إسلام ، فالإقـامة فيها أفضل من الرحلـة منه لمـا يترجى من دخول غيره في الإسلام . وقال الخطابي : كانت الهجرة أي إلى النبي r في أول الإسلام مطلوبة ، ثم افترضت لما هاجر إلى المدينة للقتال معـه وتعلم شرائع الدين ، وقد أكد الله ذلك في عدة آيات حتى قطع الموالاة بين من هاجر ومن لم يهاجر فقال تعالى ] والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا [ ـ الأنفال 72ـ فلما فتحت مكـة ودخل الناس في الإسلام من جميع القبائل سقطت الهجرة الواجبة وبقي الاستحباب . وقد أفصح ابن عمر بالمراد فيما أخرجه الإسماعيلي بلفظ [انقطعت الهجرة بعد الفتح إلى رسول اللهr ولاتنقطع الهجرة ما قوتل الكفار ] أي مادام في الدنيا  دار كفر فالهجرة واجبة على من أسلم وخشي أن يفتن عن دينـه .

ولنقرأ قول الله تعالى ] إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض ، قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ، فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً  ، إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لايستطيعون حيلة ولايهتدون سبيلاً [ ـ النساء : 97، 98ـ

وفي التفسير ) التوفي قبض الروح ، والمراد بالملائكة ملك الموت وأعوانه ، وظلمهم أنفسهم بمخالطة الكافرين ، وتركهم الهجرة المفروضة ، ] قالوا فيم كنتم [ أي قال الملائكة للمتوفين : في أي شيء كنتم في أمر دينكم ، ومعناه التوبيخ لأنهم لم يكونوا في شيء من الدين لتركهم الهجرة ، ومخالطتهم الكافرين ، وما يقتضيه ذلك من طاعة ورضوخ ومجاملة وترك عمل ، ] قالوا كنا مستضعفين في الأرض [ أي كنا عاجزين عن الهجرة ، ومجبرين على المكث في الأرض التي نحن فيها ، ] قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها [ أي قال الملائكة لهؤلاء موبخين لهم : إنكم كنتم قادرين على الهجرة أي : على الخروج إلى بلد ما لاتمنعون فيها من إظهار دينكم ، فالإنسان لايعدم حيلة إن صمم على شيء . ] فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً [ أي مقرهم فيها وساءت مايصيرون إليه قال النسفي : والآية تدل على أن من لم يتمكن من إقامة دينه في بلد كما يجب ، وعلم أنه يتمكن من إقامته في غيره حقت عليه المهاجرة . وقد ذكر ابن كثير الإجماع على ذلك . أما إذا تمكن من إقامة دينه ، فهل تجب عليه الهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام ؟ قال الحنفية : يجب ، وقال الشافعية : يندب لـه البقاء ـ إن تمكن من إقامة دينه ـ وقد استثنى غير القادرين ] وكان الله عفواً غفوراً [ أكدت نهاية الآية عفوه ، وأثبتت أن عدم الهجرة ذنب ([vii])،


الفصل السادس

ضــرب اقتصـاد الـعــدو

إن قـوة الاقتصاد من أقوى الأسـلحة في زماننا الحاضر ، وفي الماضي ، وقد تبين من سيرة رسول الله r أن إضـعاف اقتصاد قريـش كان هدفاً أساساً من التحركات العسكرية لسرايا المسلمين وغزواتهم ، بعد بناء الصف الداخلي وإقامة المجتمع المسلم والدولة المسلمة في المدينة المنورة .

يقول الأستاذ محمود شاكر (2/172) : (كانت قريش مجتمعاً تجارياً ، ينتقل أفرادها إلى الشمال في الصيف ، وإلى الجنوب في الشتاء ، وكانوا يمرون بالمدينة ، وبعد ستة شهور من الهجرة ، وقد وطد القائد r خلالها الجبهة الداخلية ؛ أخذ يسير السرايا ، والغزوات ، ومن أهدافها التعرض لقوافل قريش ، ومنعها ، أو أخذها لإضعافها اقتصاديًا ).

ويقول الدكتور الحميدي (4/61) : ( لما هاجر المسلمون من مكة إلى المدينة سلبهم المشركون أكثر أموالهم ، ومع كون المشركين قد ظلموا المسلمين بذلك فإنهم فقدوا الوعي السياسي لمصالحهم لأن قوافل تجارة قريش إلى الشام تمر بالمدينة وضواحيها ، والتجارة إلى الشام هي أكبر مصادر الثروة عندهم ، وقد فاتهم التفكير السليم والتقدير الصحيح لمصالحهم التجارية ؛ حينما أقدموا على ذلك العمل الشنيع ، من سلب المسلمين أموالهم .

فلما هاجر رسول الله r إلى المدينة ، ووطد الأمور داخل المدينة بتقوية المجتمع الإسلامي ، وعقد المعاهدات بينـه وبين يهود المدينة ، فكر في إنصاف المسلمين من أعدائهم أهل مكـة ، فصار يبعث السرايا لرصد قوافل قريش التجارية ومصادرتها ، ولو لم يكن من أهداف الإغارة على قوافل قريش التجارية إلا هذا المقصد لكان كافياً لتسويغها شـرعاً وعقلاً ، لأنها من باب إنصاف المظلومين الذين لايملكون استرداد حقوقهم إلا من هذ الطريق ، فكيف ولهذا المسلك الحربي أهداف عالية ؛ من أبرزها محاولة إضعاف أكبر عـدو للإسلام قد بدأ معركة الصراع مع المسلمين ، وقد كان العامل القوي في استكبار زعماء قريش وتطاولهم على المسلمين مايتمتعون بـه من مال كثير قـد تنامـى مع الزمن ؛ بسبب حياة الأمن التي يعيشونها في ظلال قدسـية الحـرم ، وما وفقوا إليه من الرحلات التجارية الضخمة التي يشترك فيه عادة كثير من أهل مكـة ، ولقد كانت خطورة هذا المال الضخم تتمثل في مقدرة أهل مكـة على تمويل المعارك الكبرى مع أعدائهم ، فكان من الحكمة لمن دخل معهم في عـداء حـربي أن يقص أجنحتهم التي تمكنهم من التحليق في أجواء العدوان والظلم ، ومن السذاجة والتخلف في الوعي السياسي أن يفوت هذه الفرصة مخاصمهم وهو يقدر عليها ) .

وقد بعث رسول الله r أربع سرايا ، وخرج في أربع غزوات لهذا الهدف وهي :

1 ـ سرية حمزة بن عبد المطلبt ، وهي أول سرية تخرج من المدينة ، بعثه في ثلاثين رجلاً من المهاجرين ليعترض طريق قافلة عائدة من الشام بإمرة أبي جهل معها ثلاثمائة رجل ، فوصل حمزة t (العيص ) ، ومعى الفارق في عدد الفريقين ( ثلاثون مقابل ثلاثمائة ) ؛ إلا أن حمزة t أصر على المواجهة واصطف الطرفان للقتال إلا أنه حجز بينهما (مجدي بن عمرو الجهني ) ، ورضخ الطرفان للتسوية وانصرف كل منهماإلى مقره ، وقد شكر رسول الله r لمجدي صنيعه هذا ([viii]) .

2 ـ سـرية عبيدة بن الحارث : وارسل رسول الله r ابن عم ابيه عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب ، في شهر شوال من العام الأول للهجرة ؛ في ثمانين رجلاً كلهم من المهاجرين يعترض سبيل قافلة لقريش معها مائتا راكب ، فالتقى بها قرب (رابغ ) وابتدأ القتال بالنبل ، ثم انهزم المشركون ( ثمانون مسلم ضد مائتي مشرك )، وكانوا بقيادة عكرمة بن أبي جهل ، وخافوا أن يكون المسلمون قد نصبوا لهم كميناً ، وفر رجلان من المسلمين كانا مع المشركين ، والتحقوا بالمسلمين وهما : المقداد بن عمرو ، وعتبة بن غزوان t .

3 ـ سرية سعد بن أبي وقاص في ثمانية رجال من المهاجرين إلى الخرار من أرض الحجاز ولم يلق عدواً فعاد .

4 ـ غــــزوة ودان : وخرج رسول الله r بنفسه من المدينة بعد أن استخلف عليها سعد بن عبادة ، وسار حتى وصل ( ودان ) شمال شرقي ( رابغ ) ،إذ أراد رسول اللهr أن يعترض قافلة لقريش ولكنها فاتتـه ، فعقد معاهدة مع بني ضمرة على أن ينصر بعضهم بعضاً ، هم والمسلمون ، ورجع رسول الله r بعد خمس عشرة ليلة .

5 ـ غــزوة بــواط :  لم يمكث رسول الله r بالمدينة إلا قليلاً حتى بلغه أن قافلة لقريش آيبـة من الشام بإمرة أمية بن خلف ومعه مائة رجل ، وفيها ألف وخمسمائة بعير ، فخرج إليها رسول الله r مع مائتين من المهاجرين ، ( مائتان مقابل ألف وخمسمائة ) باتجاه جبل رضـوى ، فلما وصل إلى ثنية (بواط ) علم أن القافلة فاتتــه .

6 ـ غزوة العشـيرة : أرسلت قريش قافلة عظيمة يقودها أبو سفيان ومعه قليل من الرجال ، فخرج لهم رسول الله r في مائة وخمسين من المهاجرين ، ولما وصل إلى العشيرة شمال ينبع النخل ، وجد أن القافلة فاتتــه ، فحالف بني مـدلـج ، ورجع إلى المدينة بعد أن ترك سعيد بن زيد ، وطلحة بن عبيد الله ، ليخبراه عن عودة القافلة ، وقد لاحظ رسول الله r أن الخروج والعودة دون قتال لايمنـع قوافل قريش من التحرك نحو الشـام ، وتعطيل تجارتها .

7 ـ غـزوة بــدر الأولى : أغـار على الـمدينـة كـرز بن جابر الفهري  وهرب فلحقه رسول الله r حتى ســفوان (واد في بـدر ) ولم يدركه .

8 ـ سرية عبد الله بن جحـش : مع ثمانية فقط من المهاجرين ، وأمره أن يسير إلى نخلـة (بين الطائف ومكـة ) تترصد أخبار قريش ( أي أن رسول الله r أراد أن يعترض قوافل قريش إلى اليمن أيضاً ) ، فمرت بـه قافلة لقريش تحمل زبيباً وجلوداً وتجارة من تجاراتهم ، وعليها عمرو بن الحضرمي ، في آخر يوم من رجب ، فهجمت سرية المسلمين على القافلة وقتلوا وأسروا وغنموا القافلة ، ولما وصلوا المدينة قال رسول الله r : ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام ورفض أن يتسلم شيئاً من القافلة حتى نزل قول الله سبحانه وتعالى ] يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصـد عن سبيل الله وكفـر بـه والمسجد الحرام وإخراج أهلـه منـه أكبر عند الله [ ـ البقرة 217 ـ وعند ذلك تسلم رسول الله r الأسيرين والعيـر .

9 ـ غزوة بـدر الكبرى :  رأينا كيف ترك رسول الله r طلحة بن عبيد الله وســعيد بن زيـد يرصدان قافلة قريش التي ذهبت إلى الشام حين عـودتـها، وجاء إلى رسول الله r خبر عودتها ، وفيها أربعون رجلاً فقط يقودهم أبو سـفيان ومنهم عمرو بن العاص ، فندب المسلمين إليهم ، وقال : هـذه عيـر قـريـش ، فيها أموالهم ، فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها فخف بعضهم ، وثقل بعضهم ، إذ لم يجعل الخروج واجباً ، فلم يكن التأهب للقتال ، وإنما لأخذ القافلة ] وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشـوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين [ ـ الأنفال 7ـ .

فقد خرج بعض المسلمين إلى بدر ، ولم يخرج الآخرون لأنهم خرجوا ليغنموا القافلة ، ولم يخرجوا لقتال قريش ، لذلك كرهوا القتال ، وأحبوا أن يغنموا القافلة ، ولكن الله عزوجل أراد أن يقطع دابر قريش ، وقدكان ذلك ، فنصر الله عزوجل عباده على قلتهم وقلة سلاحهم ، وعدم تهيؤهم النفسي للمعركة ، نصرهم وقتل صناديد قريش في هذه المعركة .

( رأى رسول الله r أن المسلمين قد خرجوا من ديارهم مهاجرين ، وقد تركوا كل مايملكون في سبيل عقيدتهم ، وقد أخذت قريش هذه الأموال والأملاك ، وآن للمسلمين أن يعوضوا ما فقدوا ، وقد أصبح بإمكانهم ذلك ، مادامت قوافل قريش تروح وتغدو بالقرب من مدينتهم ، وهاهي قافلة أبي سفيان تحمل بضائع قريش ، وفيها أموال اثريائهم وكبرائهم الذين سـطوا على أموال المسلمين ) ([ix]) .

10ــ سرية زيـد بن حارثـة : خافت قربـش من أرسـال قوافلها إلى الشـام عن طريق الغرب بعد الذي كان في بـدر ، الأمـر الذي جعلها تلجأ إلى الطريق الشـرقيـة عن طريق نجـد ، وأرسـلت قـافـلة كبيرة فيها أبـو ســفيان بن حـرب ، ومعـه كميـات من الفضـة ، وفيها صفوان بن أميـة وغيرهما منوجهاء قريـش ، وكان دليلها فرت بن حيان ، وعلم رسول الله r بهذه القافلة ، فأرسـل لهـا سـرية بإمـرة زيـد بن حـارثـة فلقيهم على مـاء (القردة) من ميـه نجـد ، وما ن وجـدو ا سـرية رسول الله r حتى هـرب رجـال القافلـة وتـركـوا عيـرهم غنيمـة للمســلمين ، فأخذها زيـد ، وســار بها إلى المدينـة ، فخمسـها رسـول الله r .

11ــ ومن أسباب غزوة أحـد غنيمة المسلمين للعير التي سلكت الطريق الشرقية ، بعد أن قطعت الأمل بالطريق الغربية السهلة القريبة من المدينة المنورة ، وبهذا توقفت تجارة قريش إلى الشـام تمـامـاً إذا لـم تقـم بعمـل حاسـم ، وهـذا ينطبق على ما قالـه صفوان بن أميـة عندم قرروا التحول إلى الطريق الشرقية ( إن محمداً وصحبه عوروا علينا متجرنا ، فماندري ماذا نصنع بأصحابـه وهم لايبرحـون السـاحل ، وأهل السـاحل قـد وادعوهم ، ودخـل عامتهم معـه ، فما ندري أين نسـلك ، وإن أقمنا في ديـارنا هذه أكلنا رؤوس أموالنا فلم يكن لها من بـقاء ، وإنما حياتنا بمكـة على التجارة إلى الشام في الصيف وإلى اليمن في الشتاء ) .

ويذكر الدكتور عبد العزيز الحميدي في كتابه التاريخ الإسلامي مواقف وعبر ؛ معلقاً على طواف سعد بن معاذ بالكعبة ومعه أمية بن خلف قبل غزوة بـدر ، فيقول له أبوجهل : ألا أراك تطوف بمكـة آمنـاً وقد أويتم الصبأة ، أما والله لولا أنك مع أبي صفوان ما رجعت سالماً ، فقال له سـعد بن معاذ (ورفع صوته عليه ): والله لئن منعتني هذا لأمنعنك ما هو أشـد عليك ، طريقك إلى المدينة ( ويقصد طريق القوافل إلى الشــام ) .

ويقول الحميدي : وفي واقعنا المعاصر نجد أكثر الحروب تقوم على المصالح الاقتثصادية . واليوم لو أوقفت الأمم المستوردة استيراد السلع من الأمم الطاغية لاستطاعت أن تشـل حركتها ، وهذا ميسـور ، وباستطاعة كل أمـة أن تطبقه خصوصاً مع وجود التنافـس بين الدول المصدرة .

وفي واقعنا المعاصر تنقسم دول الكفر إلى معسكرين أحدهما معادي لنا علناً ويدعم دولة العصابات الصهيونية صراحة ([x])، والآخر محايد ولايدعم الصهاينة علناً ، وهؤلاء الكفار الذين لايحاربوننا نستطيع أن نتعامل معهم  اقتصادياً ، ] لاينهاكم االله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين [ ـ الممتحنة 8 ـ  ونستطيع أن نستورد من المعسكر الذي لايدعم الصهاينة علناً مانضطر إلى استيراده ولانجده عند المسلمين . ولو تعاهدنا على ذلك لأجبرنا هذه الدول الكافرة على التخلي عن دعم الصهاينة ، وأرغمناهم على التخلي عن محاربة الإسلام ، علناً بمؤسساتهم البحثية ومكائدهم الأكاديمية .

وليست هذه مسؤولية الحكومات فقط ، بل يسهم الجميع في تحمل هذه المسؤولية ، الفرد المسلم ، والتاجر المسلم ، والدول المسلمة ، فالفرد المسلم ينبغي أن لايستسيغ ارتداء الثياب وغيرها من الحاجات المصنوعة في هذه الدول الكافرة الطاغية ، خاصة  وكثير من الدول المسلمة تصنع الثياب ومثل هذه الحاجات ، والتاجر المسلم ينبغي أن لايرضى باستيراد البضائع من هذه الدول الطاغية الكافرة ، بل عليه أن يشجع استيراد البضائع من البلدان المسلمة كي يشجع مصانعها ويقوي اقتصادها ، والدول المسلمة عليها أن تبرم المعاهدات والاتفاقيات التجارية مع الدول المسلمة الأخرى ، ولاتتعامل مختارة مع الدول الكافرة الطاغية التي تأخذ أموالنا لتقدمها لليهود الذين يذبحون بها شــعوبنا المسلمة في فلسطين والشيشان وكشمير وغيرها.

ضرب اقتصاد العدو مسؤولية الفرد المسلم :

إلا أن المسؤولية الكبرى والأهم على الفرد المسلم (المستهلك ) الذي يشتري السـلعة المصنوعــة في البلدان الكافرة الطاغيــة،ويدفع ثمنها أضعاف مايدفعها لواشتراها من صناعة البلدان المسلمة ، والجهل والغرور يملآن رأسـه بأن هذه البضاعة أرقى لأنها مصنوعة في البلدان الطاغية([xi]) .

ورحم الله الملك فيصل بن عبد العزيز آل سـعود الذي أوقف بيع النفط للدول التي تساعد الصهاينة خلال الحرب الرابعة بين العرب واليهود عام (1973م)([xii]) ، فاهتزت أوربا هـزة عنيفة ، ثم ارتفع ثمن برميل النفط من (5) دولار إلى (35) دولار ، وعمت الخيرات بلاد الخليج العربي ، فارتفع على سبيل المثال احتياطي الذهب والعملات الصعبة في السعودية من (4263)مليون دولار عام (1973م) إلى ( 14708) مليون دولار عام (1974م) ثم ارتفع إلى (24270) مليون دولار عام (1975)م ـ السيبد عليوه ص24ـ   ، واستفادت منها جميع البلدان المسلمة ، سواء بالعمالة الوافدة من البلدان المسلمة إلى دول الخليج العربي ؛ والتي تزايد عددها بشكل كبير جداً خلال تلك الفترة ، أو بالمساعدات السـخية التي قدمتها دول الخليج للبلدان المسلمة عندما كثرت أموالها بسبب ارتفاع أسعار النفط ([xiii]) .

واليوم المسؤولية تقع على عاتق الفـرد المسـلم ، وليست على الحكومات التي قـد لاتستطيع مقاطعة هذه الدول الطاغية علناً ـ كما فعل الملك فيصل يرحمه الله ـ ولكن الفرد المسلم يستطيع أن لايشتري بضاعة الكفار الطغاة ، ولا أحد يستطيع إجباره على ذلك ، وخاصة عندما نجد في السـوق بضاعة مماثلة مصنوعة في بلد مسلم ، أو على الأقل بلد كافر لايحاربنا ولايدعم الصهاينة علناً .

الـولاء والبــراء جـزء أســاس من الشــهادتين :

والمقصود هنا أن نتبرأ ممن يعادي ديننا ، ويساعد الصهاينة علناً ، وعلى الأقل لانتعامل معه إلا مضطرين ، أما إذا تعاملنا معه مختارين ، حيث نفضله ـ نفضل من يعادي ديننا ـ على غيره من الكافرين المحايدين الذين لم ينهانا ديننا عن التعامل معهم ، أخشى أن يكون هذا من باب الولاء والبراء وهي قضية خطيرة جداً . قال تعالى ] لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ، إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين ، واخرجوكم من دياركم ، وظاهروا على إخراجكم ،  أن تولوهم ، ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون[ـ الممتحنة : 8 ـ 9 .

يطلق الولي في اللغة على المحب والصديق والنصير والحليف والتابع ، ويتضح ذلك كله من القرآن الكريم ــ محمد سعيد القحطاني (ص267) ـ ومن مقتضيات الولاء والبراء حق المسلم على المسلم وهو : 1 ـ الــمودة : وهذه للمؤمنين من بعضهم لبعض ، فليس للكافر ولا للفاسق ولا للمبتدع فيها نصيب . 2 ــ النصـرة : وذلك بالدفاع عن الأخ المسلم ، وبذل المال لـه لتقوية جانبه .. ويقول محماس الجلعود في كتابه القيم (الموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية ، ص131 ) : ( من العلماء من عـد الموالاة والمعاداة داخلة في معنى لاإله إلا الله ، ويقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب : ( إن الله عبر على لسان إبراهيم عليه السلام في قوله ]إنني بـراء مما تعبدون[ عن معنى (لاإله ) ، وعبر عن معنى (إلا الله ) بقوله]إلا الذي فطـرني[ ، فمن والى الكفار ، أو تولاهم فقد كفر لأنه لم يحقق معنى (لا إله إلا الله ) .

وهذا يعني أنه لاينبغـي لك أيها المسلم ؛ إن كنت مستهلكاً أو تاجراً ؛ أن تفضل صناعات الكفار الذين يحاربوننا في ديننـا ؛ تفضلها على صناعات المسلمين ، بل عليك أن تبرأ من الكفار المحاربين ومن صناعاتهم ، وأن توالي المسلمين وتشتري صناعتهم لأنك عندئذ تنصرهم ، وتقدم لهم مالك الذي تشتري بـه صناعاتهم ، بدلاً من تقديمه للكفار المحاربين الذين يذبحون المسلمين في كل مكان ، ينبغي لك أيها المسلم أن تنصر الصناعات المسلمة ، وأن تتولاها ، وأن تعادي الصناعات الكافرة وتتبرأ منها .  وخاصـة عندما تجـد صناعة مماثلة في بلد مسلم ؛ أو في بلد كافر غير محارب ، ونسأل الله عزوجل أن يقبل عذرنا في شـراء الحاجات الضروريةـ وليس الكماليةـ  التي لانجـد لها مثيلاً في الصناعات المسلمة ، أو صناعات الكفار غير المحاربين ، فنضطر إلى شـرائها من الكفار المحاربين .


 



[i] ـ منير الغضبان ، القيادية ، (1/ 365) .

[ii] ـ سـعيد حــوى ،الأسـاس في السـنة (1/255) ، ط1 ، 1409هـ /1989م ، مكتبـة دار الســــــلام بالقاهرة  .

([iii]) ـ منير محمد الغضبان ، المنهج الحركي للسيرة النبوية ، (1،2،3)  ط6 ـ مكتبة المنار ، عمان ، عام(  1411، 1990 م ) ص64 .

[iv] ـ سيد قطب ، في ظلال القرآن ، دار الشروق ، 29 .

[v] ـ منير الغضبان ، القيادية ( 1/ 326 ) .

([vi]) ـ تقول أم سـلمة t : خرج بي (أبـو سـلمة ) يقود بي بعيره ، فلما رأته رجال بني المغيرة بن مخزوم ، قاموا إليه فقالوا : هذه نفسك غلبتنا عليها ، أرأيت صاحبتك هذه ؟ علام نتركك تسير بها في البلاد ؟ قالت : فنزعوا خطام البعير من يـده ، فأخذوني منـه ، قالت : وغضب عند ذلك بنو عبد الأسـد ، رهط أبي سلمة ، فقالوا: لاوالله لانترك ابننـا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا ، قالت : فتجاذبوا بنيّ  ( ابنها )سـلمة بينهم ، حتى خلعوا يـده ، وانطلق بـه بنو عبد الأسـد ، وحبسني بنو المغيرة عندهم ، وانطلق زوجي أبو سلمة إلى المدينة . قالت : ففرق بيني وبين زوجي وبين ابني ، قالت : فكنت أخرج كل غداة فأجلس بالأبطح ، فما أزال أبكي حتى أمسي ، سـنة أو قربياً منها ، حتى مـرّ بي رجل من بني عمـي ، فرأى مـا بـي فرحمنـي ، فقال لبني المغيرة : ألا تخرجون هذه المسكينة ، فرقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها ! قالت : فقالوا لي : الحقي بزوجك إن شـئت . قالت : وردّ بنو عبد الأسد إليّ عند ذلك ابنـي ، قالت : فارتحلت بعيري ، ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة ...

[vii] ـ سعيد حوى ، الأساس في التفسير ، 2 / 1159 . وممـا يجـدر ذكـره أن كثيراً من المسـلمين في كثير من الأقطار العربية يضطر لدخول أحزاب الدولة ، كحزب البعث في سوريا والعراق، وغيرها كي يتمكـن من الحصول على لقمـة العـيش ، ويبقى مسـتقراً في بلده ولايهـاجر منها ، وفي هذا نظر كبير وخطير ، فهل يجوز للمسلم أن يكثر ســواد الفســـقة المنحرفين عن شـــرع الله عزوجل ؟ هل يجوز للمسلم أن يدفع جزءاً من ماله اشتراكاً لهذه الأحزاب التي تحارب الله ورسوله وشـريعته ؟ هل يجوز للمسلم أن ينتسب لهذه الأحزاب وهو يرى بعينيه كيف يذبحون المسلمين بلاذنب سوى أنهم يقولون ( لا إله إلا الله ) ؟ .

[viii] ـ محمود شاكر ( 2/174) .

[ix] ـ محمود شاكر ( 2/ 183) .

([x]) ــ يقول مستشار الرئيس كلينتون لشؤون الأمن القومي يوم (6/3/1996م) في خطاب له في جامعة جورج واشنطن : ( دعوني أذكر مبدأ أساسياً دائماً ، وهو أننا سنكون دائماً على استعداد لاستخدام القوة للدفاع عن مصالحنا القومية ؛ إلى أن تتغير طبيعة البشر !! ) ثم يعدد مصالحهم القومية فيذكر منها : ( الدفاع عن مصالحنا الاقتصادية االرئيسية ..) ــ أضواء على الأنباء العدد(9) السنة (11) 11/11/1996م ــ فماهي هذه المصالح !!؟ وقد بينها مساعد وزير الخارجية (روبرت بيلترو)  في خطاب ألقاه في النادي الديموقراطي النسائي عام (1996م) قال : (هناك مناطق قليلة في عالم اليوم مثل الشرق الأوسط تتواجد فيه كثير من المصالح الأمريكية الهامة ودعوني أعرض بعض هذه المصالح : 1 ـ تأمين سلام عربي إسرائيلي . 2 ـ الحفاظ على من إسرائيل ورفاهها . 3 ـ ضمان التدفق الحـر للنفط من الخليج . ....  وكل من يتعرض لأي من هذه المصالح لمذكورة هـو إرهـابي لابـد من مواجهتـه والقضاء عليه .. إن تأمين سلام عادل ودائم وشامل (بين إسرائيل والعرب ) هو حجر االزاوية للسياسة الخارجية الأمريكية ، وفي الوقت نفسـه يؤكد التزامنا الذي لايتزعزع تجاه أمن إسرائيل ورفاهيتها .. وإن أمن ازدهار الاقتصاد الأمريكي يعتمد على التدفق الحـر للنفط بأسعار معقولة من الاحتيطات الهائلة للجزيرة العربية ) . ــ أضواء على الأنباء ، العدد (11) السنة (11) 21/5/ 1996م ــ كما تقول وزيرة الخرجية الأمريكية مادلين أولبرايت : ( إن إسرائيل لاتزال شريك أمريكا الاستراتيجي ، ولايزال التزام أمريكا أمن إسرائيل بصلابة الصخر ، وسيبقى كذلك ، وإذا كان هناك أدنى شـك دعوني أبدده الآن ، ستقف أمريكا وإسرائيل جنباً إلى جنب وكتفاً إلى كتف ، اليوم وفي العام القادم ، وخلال القرن القادم ، وطالما أشرقت الشمس ) ـ أضواء على لأنباء ، العدد (26) السنة (12) 16/9/1996م ــ .

([xi]) ـ كنا نصحح مادة الفلسفة ، ومن المؤلم أن معظم مدرسي هذه المادة من الماركسيين (1973ـ1974م) ، الذين يدعون إلى محاربة الامبريالية ( أمريكا ) ، ونظرت إلى علب السجائر أمامهم ( ومعظمهم مدخنون أيضاً ) فوجدتها كلها تقريباً أمريكية الصنع ، وتشجعت عندئذ وقلت لهم : هل تعلمون أن كل واحد منكم يدفع ضريبة يومية للامبريالية تصل إلى نصف دولار تقريباً ، فدهشوا ونظروا إلي متعجبين يتساءلون كيف ذلك ؟ فقلت لهم : انظروا إلى علب سجائركم !؟! أليست كلها أميركية الصنع !!؟ ألستم تدفعون ثمنها ليصل إلى صناديق الامبريالية !!؟ وتدعـون أنكم تحاربون الامبريالية  ، وتدفعون لها ضريبة يومية تساعدونها بها على امتصاص الشعوب .

([xii]) ـ يقول السيد عليوه في كتابه : الملك فيصل والقضية الفلسطينية (ص71) : ( كان للملك فيصل موقفان متميزان بشأن استخدم النفط ، أحدهما عم (1967م ) والآخر عام (1973م) ، ففي عام (1967م ) تقرر في مؤتمر الخرطوم أن تدفع الدول النفطية الثلاث : السعودية (50) مليون جنيه استرليني ، والكويت (55) مليون ، وليبيا (30) مليون سنوياً ، وتستمر حتى إزالة آثار العدوان . أما في حرب اكتوبر (1973م ) فقد صرح الشيخ أحمد زكي اليماني وزير النفط السعودي في أبريل (1973م) محذراً الولايات المتحدة الأمريكية من أن بلده لن يزيد انتاجه من النفط ؛ ما لم تبدل واشنطن موقفها المؤيد لإسرائيل ، وهذه أول مـرة تربط فيها السعودية علنـاً بين تصدير نفطها للولايات المتحدة وسياسة واشنطن في الشرق الأوسـط . وفي (16/7/1973م) صرح الملك فيصل : (اننا لانرغب في فرض قيود على صادراتنا النفطية إلى الولايات المتحدة ، ولكن الولايات المتحدة بدعمها الكامل للصهيونية ضـد العـرب تجعل من استمرار تزويدها بحاجاتها النفطيـة ، بل حتى الحفاظ على علاقاتنا الوديـة معها أمراً بالغ الصعوبـة ) . وفي (18/10/1973م) أعلنت السعودية تخفيض انتاجها (10%) وهددت بوقف تصدير النفط ، وفي (20اكتوبر 1973م) أعلنت السعودية عن وقـف تصدير النفط إلى الولايات المتحدة نـظـراً لازدياد الدعم العسكري لإسرئيل ، وكان من نتائج ذلك قطـع علاقات (29) دولة افريقية غير عربية علاقاتها مع إسرائيل .

([xiii]) ــ وصل العون السعودي للعالم الثالث من عام (73 ـ 1975م) حوالي (3) مليار دولار ، وقدرت القروض الثنائية وحدها من السعودية إلى كل من مصر وسوريا والأردن ولبنان بأكثر من (600) مليون دولار عام (1974م) ، وفي عام (1975م) بلغت قيمة الهبات المدفوعة (901) مليون دولار ، والمدفوعات لغيرالهبات (1097) مليون دولار  ـ السيد عليوه ص68ــ

 
RocketTheme Joomla Templates