لماذا دخلت المدرسـة؟
والدي ـ يرحمه الله ـ من قبيلة الـدغامشة ( الدهامشة ) وهي قبيلة منتشرة في السعودية (عرعر) والعراق بنفس الاسم (الدهامشة ) ، وفي الأردن وفلسطين باسم (الدقامسة ) ومنهم نائب في الكنيست الإسرائيلي من التوجه الإسلامي ( عبد المالك الدقامسة) ، ومنهم المجند الأردني الذي قتل اليهوديات السائحات ، وأعدم يرحمه الله ، وفي ســوريا تســمى (الدغامشــة ) وملحقة بالعكيـدات ، ومعـروف أن العكيـدات ( تعاقد) تحالف قبائل، وليست قبيلة نسب ، وسبق أن سمعت أن أحد البدو في الجزيرة السورية، عندما كنت معلماً هناك، لما عرّفت بنفسي أني من قبيلة الدغامشة ( العكيدات ) قال لي : ياولدي أنتم من عنـزة وليس من العكيدات ، أنتم الـدهــامشــة ( محددة الجمل ) أي اشتهروا بأنهم كانوا يضعون قيد الحديد للبعير،والبعير رأسمال قبيلة عنـزة ، لأن البدو نوعان : بـدو أصليون يربون الإبل ومغرقون في البداوة، مثل عنزة، وبدو أقل بداوة يربون الغنـم ، ويزرعون القمح والشعير في البوادي ، وهؤلاء يسميه البدوالأصليون: ( الموالي ) أو (الرعية ) وهذه مصطلحات سمعتها من والدتي يرحمها الله .
توفيت زوجة والدي الأولى ، وهي من نفس القبيلة ( نزهة الحسن الأعور ) شقيقة أحمد الحسن يرحمهم الله جميعاً ، أم نزال يرحمهما الله . وتوفي معها جميع أولادها في سـنة برد قارس أظنها تسمى سنة(لوفة)، ولم يبق سوى أخي ( لأبـي ) نزال يرحمهما الله . ولذلك تعقد والدي يرحمه الله ، وعـزف عن الزواج مـدة غير قليلة ، وتقدم في السن وربما زاد على الأربعين ، ولم يوفق في العثور على زوجة ثانية من القبيلة ، وكعادة البدو بحث عن زوجة من قبيلة أخرى ، وكان نصيبه صبية يتيمة الأم من عشيرة المشارفة ، مضاربهم شرق جبل البلعاس، حول قرية الشيحة( الشرقية)، ووالدها ( جدي لأمي ) يرحمه الله لـه زوجة ثانية ، وكعادة الضرائر تريد التخلص من ابنة ضرتها ، فزوّجها لوالدي يرحمه الله ، وهي في الخامسة عشرة تقريباً ، وهو في الأربعين أو يزيد يرحمهم الله جميعاً .
إذن والــدتي( أجنبية ) كما هي ثقافـة البدو ، فكل من هو ليس من القبيلة يسمى أجنبي ، ويعامل على أنـه من الدرجة الثانية ، وهذا هو أصل مصطلح (أجنبي ) في دول الخليج، جاء من الثقافة البدوية ـ كما أزعم ـ وعاملت نساء القبيلة والدتي يرحمها الله معاملة قاسية ، فكانت منبوذة ، وخاصة أنها ربيت يتيمـة عند ضـرة أمهـا ، لم تهتم بها ولم تدربها على أعمال البيت وإدارة المنزل ، ولم تمد لها أي من سلائفها يـد المعونة لهذا التدريب، فكانت يرحمها الله مقصرة في إدارة المنزل وترتيبه، لأن أحداً لم يدربها على ذلك ، وكانت نسـاء القبيلة يتخذن من ذلك ذريعة للتفاخر عليها يرحمها الله ، كل هذا وغيره ؛ دفع والدتي يرحمها الله أن تبحث عن نافذة تسبق فيها نساء القبيلة ، وتتفوق عليهن ، فهداها الله إلى الإصرار على أن تعلم ؤلدها البكر خالد ، وتصر أن لايكون راعياً للغنم ، في حين كان معظم أبناء القبيلة يربون على الرعي والزراعة منذ نعومة أظفارهم، وإذا أرسلوا إلى المدرسة ليتعلموا القراءة والكتابة في مدرسة قريبة في إحدى القرى المجاورة ، إلا أن والدتي َرحمها الله أصرت على أن تعلمني ، تعلمني حتى أصير أستاذاً ،لقد حددت هذا الهدف قبل إرسالي إلى المدرسة (وكلفها ذلك كثيراًمن الجهد والمشقة والحرمان من ملـذات الدنيا الفانية ، وقد أعانها الله ، إذ جعل والدي يوافق موافقة ( سلبية)، لم يمنع، ولكنه لايستطيع أن يقدم شيئاً ، ولما دخلت المدرسة في العام الدراسي ( 52- 1953 ) كان والدي في الستين تقريباً ، ووالدتي أقل من الثلاثين تقريباً . وكانت (يرحمها الله تعيل الأسرة (من عملها في الزراعة ، وتربية الأغنام والأبقار والدجاج ، وكانت ـ يرحمها الله ـ تكــدح"على مــدار العــام ، في الليل والنهار، لتطعم أولادهـا الأربعــة : نومـة ( أم راتب ـ )و( عيدة ـ أم عزام )و ( خالد ـ أبو ثائر ـ) وسليمان ـ (أبو طالب) . وبعد أن أقامٮ عندي في المدينة المنورة خمس عشرة سنة ( آخر عمرها ) ؛(رزقها الله بضع حجات ، وبضع وعشرين عمرة ، وكانت تواظب معي على صلاة الفجر في الحرم المدني في السنوات الثماني الأولى ، ولما كثرت أعمالي كنت أضعها في الحرم قبل المغرب وأردها للبيت بعد العشاء ، ووفق الله زوجتي ـ جزاها الله خيراً فكانت بارة بها ـ على عكس عادة الكنائن ـ اهتمت بها غاية الاهتمام ، من طعام ولباس وغسيل ، وكانت تذكرني وتلح عليّ دوماً أن أخص والدتي بشيء من يدي، أقدمه لها بيدي ، وأكاد أقول أن قليلاً جداً من الكنائن وقف من حماته كما وقفت أم ثائر ـ جزاها الله عني خيراً كثيراً ـ ثم توفاها الله عن عمر يقارب ( 78) عاماً أو يزيد بعد أن فتك بها الورم ، كان حميداً ، ورم الغدة الدرقية ، وتم اسئصال معظمها ، وترك جزء بسيط كي لايقطع الحبال الصوتية ، ثم نما هذا الجزء البسيط ، وتحول إلى ورم خبيث ، وكبرت الغدة حتى خنقتها في العناية المركزة بمستشفى الملك فهد بالمدينة المنورة في الثامن والعشرين من رمضان (1421) تقريباً ، وصلي عليها في مسجد رسول الله ( بعد صلاة الفجر ، وكان في الحرم زهاء مائتي ألف مسلم ومسلمة ،( ودفنت في البقيع يرحمها الله )، رافقتها خلال العشرين يوماً الأخيرة من حياتها في العناية المركزة ، وكنت أجلس معها أكثر من ثلاث ساعات كل يوم ، وكنا نعرف أنها تعيش لحظاتها الأخيرة ، ثم لفظت أنفاسها ورأسها على ذراعي يرحمها الله ، تألمت كثيراً ، وسوف تبقى صورتها وهي تنازع سكرات الموت راسخة في مخيلتي، وتمنيت لو أني قدمت لها أضعاف أضعاف ماتمكنت من تقديمـه لهـا يرحمها الله .
ولد لأمي بنتان ، وماتا ، إحداهن تسمى( كرما ) عاشت عدة سنوات ، وماتت تحت أكياس المؤونة في البيت ، بعد أن قلبتها صغار الماعز عليها وهي نائمة قريباً منها ، وبقيت والدتي تتألم وتتحسر عليها طوال حياتها . ثم رزقها الله ابنتين وعاشـتا وهـما ( نومة ) أكبر مني بأربع سنوات و(عيدة ) أكبر مني بسنة ونصف فقط .
في ربيع العام الذي ولدت فيه ( 1946م ) استقرت أسرتنا ، وكفت عن الترحال ، إذ كانت قبيلتنا ـ ومازال القليل منها ـ يرحل شتاء إلى البادية السورية ( جحـار وماحولها ) ، وفي الصيف يرحل إلى شواطئ العاصي ، وربما وصلوا إلى الساحل السوري . واستقرت أســرتنا في خيمة البدو لتنتقل على ضفاف العاصي ، من قريـة ( أبو دردة ) التي ولدت فيها ، إلى قرية زبـادة على نهـر العاصي ، وفي ذلـك العـام ( 1952م ) كنا في زور السـوس ، وأقرب مدرسة علينا هي مدرسـة الكافات .
والكافات قرية إسماعيلية في منتصف الطريق بين حماة والسلمية ، وكما هو واقع الشعب السوري ، فإن الأقليات ( النصارى والإسماعيلية والعلوية والدروز ) سبقوا المسلمين السنة حضارياً ، ووجدت عندهم المدارس منذ أن رحل المستعمر الفرنسي ، وربما خلال وجوده ، وكطبيعة البشر الأقليات تهتم وتسعى إلى المحافظة على كيانها ، وتفكر في مستقبلها ، بعكس الأكثرية التي تغرها أكثريتها فلا تهتم بالمستقبل ، وتعتمد على حاضرها ، وتفوقها الكمي الآني ، وأكثر ما ينطبق ذلك على البدو .
وماكان البدو يسجلون أنفسهم في الأحوال المدنية خوفاً من الخدمة العسكرية ـ لأن [سفر برلك] ( الحرب العالمية الأولى ) ـ أخافتهم كثيراً ، حيث يذهب العسكري وتنقطع أخباره ، يؤخذ إلى أوربا أو إفريقيا يقاتل في صفوف الجيش العثماني ، ويموت هناك ، أو تنقطع بـه السبل ، ويعيش هناك . وشجعهم على ذلك أن الحكومة الفرنسية وماتلاها من"حكومات وطنية كانت تتساهل مع البدو`ولا تطلب منهم ـ بطاقة أحوال مدنية ـ ويكفي أن تقول أنا (بْدُوِي) لتعفى من حمل البطاقة المدنية ، وإذا لـزم الأمر كان الشرطي يعرض ( بصلة ) على البدوي ويسأله ماهذه ؟ فإن قال : ( بْصَـلَة ) بتسكين الباء ، صدقـه الشرطي بأنـه بدوي ، أما إذا قال : ( بـَصَلَة ) بتحريك الباء فهو غير بدوي أي ( حضري ) .
وبقيت أسرتنا ( مكتومـة ) أي غير مسجلة في الأحوال المدنية حتى طلب منا مدًير المدرسة الأستاذ أكرم حداد(الحموي ) إخراج قيد لنيل الشهادة الابتدائية ( السرتفيكا) وكنت في الصف الخامس في العام(1957م)، عندئذ اجتهد والدي وسجل أسرتنا وبعد أن انتهى قال لي : سـيأخذونك إلى الخدمـة العســكرية يامســكين ، أنت أردت ذلك !!
دخول مدرســـة الكافات:
كنت في السادسة من عمري ، ٘وكان القبول في المدرسة في السابعة يومذاك ، و لاتوجد أوراق مدنية تثبت العمر ، لذلك حملتني والدتي على كتفها ـ يرحمها الله- ِ وذهبت إلى مدرسة الكافات ، وكان مديرها من حماة ويسمى (عبد الكريم )، وقد رأيته عدة مرات في جامعة دمشق عندما كنت طالباً فيها0 وكاٖنت سياسة (المدارس قبول أي طالب، بدون أوراق أحوال مدنية ، واستمرت هذه السياسة في القرى ومن البدو خاصة ، تقريباً حتى صرت معلماً ....، وسلمتني والدتي للمدرسة ، وكان مدرس الصفوف ( 1، 2 ) هاشم ديوب ، من أهالي الكافات يحمل الشهادة الابتدائية فقط وكاٖنت معاملته قاسية جداُ ، وبعد ذلك تطوع في الشرطة ، وأراحنا الله منه ، وكاٖن السيد أحمد الذياب ، وهو وكيل قرية زور السوس يومذاك ، وزميل والدي في العمل يرحمهما الله ، كان في الكافات فاشترى لي دفتراَ وقلماً من دكان ( شـحود ) . وكان مبنى المدرسة في حوش من الطين مستأجر ، يملكه السيد شـحود، صاحب الدكان المشهور ، وكان شيخاً كبيراً يومذاك ، وكان معي بعض أولاد من قرية زور السوس بعضهم من قبيلتنا ، وبعضهم من الفلاحين ، ومعظمهم في الصف الثالث والرابع . وكنت الوحيد في الصف الأول ، مع إبراهيم الخليف الأسعد من زور السوس ، وأحمد الصالح الأحمد من قرية قريمش يومذاك .
الهـروب من المدرسـة :
كان الأستاذ هاشم يضربنا كثيراً بالعصا ، وأذكر ذات يوم ، كتب لي على الدفتر بقلم حبر ، وأنا لا أعرف كلمة واحدة ، وفي اليوم الثاني ، ضرب الأولاد كلهم ، وأنا منهم ، ولم أعرف يومذاك ، ماذا كتب على دفتري ، ولماذا ضربني ، سوى أنني لما وصل عندي فتحت يديّ فضربني عليهما مثل زملائي . ( فهمت بعد سنين أنه كتب أنشودة ولما طلب تسميعها في اليوم التالي ، ضرب التلاميذ كلهم ) .
وكنت كثير ( التأتأة ) يومذاك ، وخاصة في مثل هذا الجو ، وكان تلاميذ قرية زور السوس ، يضحكون علينا في الطريق ( أنا وإبراهيم الأسعد ) وهو أخشن مني في الجسم ، فيصارعوننا ، ويجعلوننا ننطح بعضنا بالرؤوس ، وغالباً كنت أنا الخاسر ، فيضحكون وهم ( حمود حسين الصخري ، عبد العزيز وهبان العبود ، حسن وهبان العبود ، أحمد محمد العبود ، .... ) ، وهكذا يضحكون عليّ وعلى إبرإهيم الخليف ، طوال الطريق ، ـ وقد سمعت أمي ـ يرحمها الله تقول : خالد يصير أستاذاَ إن شاء الله ، فصدقت وقلت ذلك أمامهم ، قلت : أنا سأصير أستاذاً ، فزاد ضحكهم عليّ . وصاروا يتندرون على هذا الأستاذ ( أبو نص لسان ) ، كما كانوا يقولون عني .
ومرض والدي ـ بمرض أبو صفار ـ وبقي مدة طويلة في المرض ، وصرت أخاف أن يموت والدي وأنا في المدرسـة ، بالإضافة إلى :
1 ـ قساوة الأستاذ هاشم . 2 - ضحك أولاد زور السوس عليّ طوال الطريق . 3 ـ مرض والدي . قررت الهرب من المدرسـة .
كنا نأخذ فرصة على الغداء من (12 ـ 2) ، ثم ندرس من (2 ـ 4 ) ثم ننصرف . وفي فرصة الغداء ، أخذت نفسي وتوجهت غرباً، والمسافة حوالي ( 3 ـ 4) كلم ، ومشيت خائفاً ، أجري أحياناً وأمشي أحياناً أخرى ، وأتلفت في التلال والوديان خوفاً من الضبع أو الذئب أو حتى الثعلب ... ولما وصلت على مرتفع ورأيت القرية شعرت ببعض الاطمئنان ، ولما وصلت البيت وحدي قالت والدتي : لماذا آتيت ، قلت لها : خلصت ( وأنا اقصد انتهى اليوم المدرسي ) . ولما انصرف طلاب القرية بحثوا عني كثيراً ثم جاءوا وكأن أحد أهالي القرية قال لهم ، مر طفل يتجه غرباً مع الظهر. فجاءواإلى بيتنا مباشرة، وفرحوا عندما شاهدوني في البيت ، ولكنهم(عنفوني لأنهم بحثوا عني كثيراً . وفي الصباح رفضت الذهاب إلى المدرسـة وصرت أبكي وأقول لوالدتي : ( يضحكون عليّ في الطريق ..) ، ورفضت الذهاب إلى المدرسة بضعة أيام ووالدتي تتحرق (على هذا الحال يرحمها الله ، ثم قالت لي : أنا سأذهب إلى حماة ، وأشتري بدلة جديدة لك ، تلبسها وتذهب إلى المدرسة ، فقلت لها : لا تشتري .. وفعلاً اشترت لي بدلـة ، ولم يلبس مثلها إلا زميلي في الصف الأول وحتى الثالث ، من أهالي الكافات ( علي حسن موسى ) دكتور في الجغرافيا حالياً ، وكان منافسي على الدرجة الأولى في الصف الأول والثاني والثالث ، وكان والده من وجهاء قرية الكافات ، وأعتقد أن أمـه من قرية تقسيس . وفعلاً صار ( أحمد محمد العبود ) جزاه الله خيراً ، يكف الأولاد عني في الطريق ، ويقول لهم : وصتني أمـه بـه ، اتركوه ، وقد تعهدت لهـا أن لانضحك عليه .
ومن نعم الله!علي ّ أن جاء إلى المدرسـة (أستاذ ياسين البارودي ) متخرج من دار المعلمين يرحمه الله ، فصار يعاملنا معاملة مدرس مؤهل تربوياً ، فانطلقت معـه ، وصرت من أوائل التلاميذ ، ولأنه من مدينة حماة ، صار يهتم بنـا ـ التلاميذ الغرباء أي من خارج قرية الكافات ، وبتعبير آخر ، من غير الإسماعيليين ،زاد ذلك الاهتمام الهدايا الكثيرة التي صارت والدتي يرحمها لله ترسلها له ( زبـدة عربية ـ قشـطة عربية ـ لبن عربي ) بل أنـه زارنا في البيت ، في خيمة الشعر أكثر من مـرة ، وكان ذلك من تدبير الله ورعايته ، ٓكي أستمر في المدرسـة . وفي نهاية العام اعترض المدير على نجاحي للصف الثاني لأني صغير السـن جداً ، فقال له الأستاذ ياسين يرحمه الله : هذا أحسـن طالب عندي، واستمع المدير إلى قراءتي ، وسألني عدة أسئلة في الجمع والطرح فأجبت عنها كلها وبسرعة ، وكنت متفوقاً منذ الصف الأول في الرياضيات ، ولذلك وافق المدير على نجاحي للصف الثاني ، وطار عقلي وعقل والدتي من الفرح عندما أحضرت الشهادة ومكتوب فيها ( الدرجة الأولى ) . وحافظت على الدرجة الأولى حتى نهاية المرحلة الابتدائية .
وفي الصف الثاني ، مازلنا في قرية زور السوس ، وكان والدي يعمل ( وقافاً ) أي حارساً ، وهي وظيفة أقل من الوكيل ، لأن الوكيل كان أحمد الدياب يرحمهم الله جميعاً ، وكان عندنا حصان أو أكثر تملكهم ( الخانم ) وهي مالكـة القريـة واســـمها ( إسعاف هاشم ) أم العقيد زياد الحريري ، وكانت تأتي إلى القرية بسيارتها ، وكنا نتجمع حول السيارة ونحاول أن نرى الأحصنة التي في داخلها التي تحركها ( !!!) ، وكنا معشر البدو نرى هؤلاء البشر من طينة أخرى ، ثيابهم وأشكالهم ونعومتهم تختلف عنا اختلافاً كبيراً ، وعندما تصل سيارة (الخانم) ترى الوكيل أحمد الذياب ، والوقــاف ( والـدي ) ينشــطون في الحــركـة وتنفيذ الأوامـر ، وتوفيــر كل ماتطلبه ( الخانم ) ، فإذا تعذر توفيره في الحال ، أمرت والدي أن يوصله لهـا في حماة بعد يوم أو يومين . وكان بقية أهالي القرية يحسدون والدي والوكيل أحمد الذياب على وظائفهم ومكانتهم وقربهم من ( الخانم ) .
في الصف الثاني كان أستاذنا ياسين البارودي أيضاً ، وفي الصف الثالث جاء لنا الأستاذ محمد سهيل الحافظ ، وهو حموي أيضاً ، وكعادة الحمويين ـ جزاهم الله خيراً ـ كان يهتم بالطلاب الغرباء الذين هم من خارج الكافات .
ومازلت أذكر في الشتاء حيث البرد والأمطار ، تتلقانا أختي الكبيرة ( أم راتب ) أو ( والدتي ) ومعها ( الحمارة ) لأركب على ظهرها في الطريق ، وأحياناً يركب معي عبد العزيز وهبان العبود لأنني لا أستقر على ظهر الحمارة وحدي ، وكان بقية الطلاب يغنون لـه ( سـيري يا سـميرية ، سـيري واطلبي الميـة ) وهي أغنية شعبية يومذاك تغنى عند زفـة العروسـة ، وكانت العروسة تـزف على الناقـة غالباً ، وربما الفرس ، قبل انتشار السيارات . وكانوا يغنون هذه الأغنية .
وربما وجدت والدتي أحياناً ، تتلقاني في منتصف الطريق ، وتحملني على كتفها ، وأنا في السادسة من عمري ، وقد رزقها الله جسماً متيناً يرحمها الله ، تحملني على كتفها وتمشي ، وكأنها تحمل ريشـة .
ولا أنسى أيام الربيع الجميلة ، حيث تخضر الأرض ، وتنتشر فيها الأزهار ، ونذهب في الصباح الباكر مع شروق الشمس ، ولم نكن نعرف الساعات يومذاك ، وأول مرة أضع الساعة في يدي كنت في الصف الخامس ، وكنت ثاني أو ثالث إنسان يملك ساعة يد في القرية يومذاك ، كنا نتعامل مع الشمس نذهب صباحاً والشمس اللطيفة في وجوهنا ، ونعود عصراُ وهي أيضاً لطيفة وفي وجوهنا ، شٕمس الربيع في سوريا .
وفي هذا العام (1954 ) زار الملك سعود سوريا ، ولما وصل حماة طلب`محافظ حماة أن تجهز كوكبة من الفرسان لاستقباله ، ولما كان والدي سائس حصاني الخانم ، لذلك طلبت منه أن ينزل على ظهر الحصان ليشارك في هذه الكوكبة ، ونزل والدي وأردفني خلفه على الحصان ، وفي ميدان السرايا في حماة اصطفت كوكبة الفرسان ، وقابلنا أخي لأبي ( نزال يرحمه الله ) فأخذني من والدي ، وصرت أمشي معه ، ورأيت والدي أعطاه ليرة سورية أو ليرتين ( فضة ) على الأكثر ، وكنت مدللاً عند والدي وأخي نزال وأمي يرحمهم الله جميعاً ، فأطعمني أخي ، وسقاني العصير ...وكان أخي نزال يقول لي : هؤلاء طلاب المدارس مثلك ، هيا قف معهم ، وكانت مجموعات كبيرة من طلبة المدارس ، تأخذ مكانها في ميدان السرايا ...وبقيت مع أخي حتى عدت مع والدي إلى خيمتنا في قرية زور السوس ...
وفي صيف ذلك العام ( 1954م) بعد نجاحي من الصف الثاني إلى الصف الثالث ، وقعت مشاجرة كبيرة بين عشيرتنا ( الدغامشة )وأهل تقسيس ، قتل فيها بالرصاص ؛ رجل من البدو المناصرين لأهل تقسيس اسمه (`سعيد الكرَيمة ) اتهم بقتله ( ابراهيم العبود ) .
وفي ذلك الصيف انتقلنا من زور السوس إلى قرية الشيخ عبدالله ، وهي مزرعة ناشئة ، تقابل زور السوس غربي نهرالعاصي ، يفصل بين أراضيهم النهر فقط . وقد استأجرها المزارع ( خالد الطواشي )(أصله من قرية الجرنيةٌ لكنه سكن حماة ، وكان متفتحاً ، وتزوج عدة زوجات ( فلاحة وهي أم الدكتور فايز ) ، وعلوية ( أم غالب ) ، وحموية ( أم غازي ) ، وآخر زوجاته (بدوية تسكن حماة). وتوفي يرحمه الله قبلهن جميعاً. وكان عنده وكيل من قبيلتنا ( نواف العلاوي ) يرحمه الٔله ،وساعده أنه يعرف القراءة والكتابة ، ومتفتح ( ذكي ) يختلف عن معاصريه، وأحضر ( الطواشي ) الفلاحين يعملون عنده ( بالربع ) مقابل عملهم اليدوي ، حيث يقدم لهم الأرض والماء والبذور والأسمدة ، وعليهم العمل اليدوي، ولهٕم ربع الانتاج ٌ ويسمون ( المرابعون ) وكان والدي أحدهم ، وكنا ٍمع بيت عمي حسين يرحمه الذي الذي كان قبلنا في هذه القرية ، أسرتان فقط من الشنتوت ، وباقي الأسر كلهم من ( البومطر ) وكلانا من قبيلة الدغامشة . وكانت الشيخ عبدالله تتكون من الأسر التالية :
نواف العلاوي ( مطري ) وأخوه خالد العلاوي ، أحمد الحسن له زوجتان ( مطري ) ، حسين الحمود (مطري ) ، عادل الطواشي ( فلاح ) ابن أخ المزارع الكبير ، ويوسف الطواشي ابن خالد الطواشي وأمه ( أم فايز ) ، وأم غالب الطواشي ( زوجة الطواشي ) ، و ( أبو عليوي ) كان ( أجيراً ) عند الطواشي ، وابراهيم الشعيبي ، وطراد السعيد ، وكلاهما من فخذ الشهاب من قبيلتنا ( الدغامشة ) ، وأحمد الشنتوت ، وحسين الشنتوت . ومازلت أذكر الليلة الأولى التي نصبنا خيمتنا في قرية الشيخ عبد الله ، وبعيد المغرب جاء ( خالد العلاوي ) وقد نصبنا خيمتنا جواره بطعام العشاء ، وهو يعتذر عن التأخير .
وبسبب ذلك النقل من شرقي نهر العاصي إلى غربـه ، كان علي أن أنتقل إلى مدرسـة تقسيس ، وهي أول قرية في منطقة العاصي أسست فيها المدرسةعام ( 1948م) بجهود علي السعيد مختار قرية تقسيس ، وكان على صلة بوجهاء حماة يرحمه الله ، ونقلت إليها ، في منتصف العام ، لأنني داومت في الخريف في مدرسة الكافات ، وانتقلنا إلى قرية الشيخ عبد الله في أول الشتاء ، وكان مدير مدرسة تقسيس الأستاذ أديب السمان ، ومعه الأستاذ أحمد الروبـة ، ومن الطلاب من قرية الشيخ عبدالله محمد بن نواف العلاوي ، وكان ابن عمي فجر السليمان ومعه نواف الصالح ، وفيصل الأحمد المبارك في الصف الخامس ، وكان الأستاذ أديب السمان نظامياً مشدداً على المدرسة ، وكانت المدرسة زراعية ، يهتمون فيها بزراعة الحديقة الكبيرة المسورة حول المدرسة ، ومساحتها عشرات الدونمات ، وكانوا يأخذوننا لصيانة الأسلاك الشائكة التي تحيط بها ومرة أخذونا أيضاً لنقل ( اللبن ) من وسط القرية إلى المدرسة حيث بنت المدرسة مستودعاً يقع شرق المبنى المدرسي المبني من الحجر الأسـود .
ولم أتكيف مع الجـو المدرسي ، ورفضت الذهاب إليها ، وأجبرت أهلي على إعادتي إلى مدرسة الكافات ، فاستأجروا لي بيتاً عند شـحود ، ( دكان قديم ) وسكنت معي والدتي بضعة أسايبع ، ثم تركتني بعد ذلك عند عجوز ( خياطة ) ، حتى انتهى الشتاء ، فصرت أذهب كل يوم وأقطع العاصي من عند ( السـكر ) سـكر ناعورة قريمش ، والسـكر جسر من الخشب ، يدق ويدعم ليجعل تيارالمـاء يدخل في ( بيب ) قناة الناعورة الذي يدور الناعورة ، وتحمل المـاء إلى الساقية في أعلى الناعورة ، ثم تقاد المياهمن هناك إلى بساتين القريـة ، وكانت في منطقتنا عدة نواعير منها ناعورة الجنان على جسر الجنان وهو الجسر الوحيد في المنطقة ، وناعورة قريمش ، ثم ناعورة زور السوس ، ثم ناعورة الجرنية ، وأخيراً ناعورة الرملية ، وتوجد عدة نواعير في أبو دردة وغيرها لم تكن قربية منا .
كنت أقطع هذا السـكر يومياً في الصباح وفي العصر ، وأنا تلميذ في الصف الثالث ، أي في السنة التاسعة من عمري ، وفي الربيع نصبنا خيمتنا مقابل ناعورة قريمش .
أمـام ( بيـب ) النـاعورة :
(بيب) الناعورة هو مجرى الماء الذي تساق المياه إليه ، ليكون تيار الماء قوياً يحرك الناعورة ، والناعورة ضخمة جداً ، ربما نصف قطر دائرتها يزيد على( 3 ـ 4 ) أمتار ، من الخشب القوي ، ومربوط بمسامير ضخمة جداً طول الواحد منها ( 20 ـ 30 ) سم ، وقطره لايقل عن ( 1 ـ2 ) سم ، لذلك ينبغي أن يكون تيار الماء قوياً جداً ؛ كي يحركها ، ولذلك يبنون جسراً ( يسد النهر كاملاً ويحول الماء كله إلى بيب الناعورة ) أو سـكراً (يحول بعض الماء إلى بيب الناعورة )، وهذا السـكر ، ويحولون معظم الماء إلى بيب الناعورة ، فتدور الناعورة بسرعة وتزيد كمية الماء التي تصبها في الساقية ، وللناعورة لحن يفهمه من يسمعه كما تنطوي عليه نفسـه ، فالمسرور يسمعه لحناً سـاراً وكأنه أهازيج عرس وزغاريد ، والمحزون يسعمه بكاء ً وعوًيلاً . ويمر الماء فَي البيب تحت الناعورة بنصف متر على الأكثرأي أن الكائن الحي الذي يسقط في البيب سوف تمزقه الناعورة بعد أن تعصره على أرض البيب وهي من الإسمنت ، ثم تمزقه ليخرج من أسفل البيب قطعاً متناثرة ، وكنا نشاهد ذلك عندما تأتي جثة حيوان في النهر!وتدخل البيب لتمر الناعورة عليها وتمزقها ...
وأمام الناعورة مسا فة مٕن الإسمنت ،تغطي مقدمـة البيب ، كي يمر المشاة عليها ، و تضيق فتكون ( 50 ـ 60 ) سم ، وقد تتسـع"لتكون متراً واحداً في الجسر، حيث تمر الحيوانات على الجسر ، أما السكر فلا تمر الحيوانات عليه، فقط المشاة من الناس يستطيعون المرور منه ،0لأنهم يمشون على أعمدة خشبية غالباٌ ولذلكٓ تكون هذه المساحة التي تغطي مقدمة البيب ( 0 5- 60 سم ) ربما وصلت إلى المتر في حالات نادرة ، ليمر عليها المشاة في حذر ، وهم ينظرون داخل البيب فيرون عَنفات الناعورة المخيفة تدخل البيب لتخرج من الجهة الأخرى محملة بالمـاء .
والمشكلة أنه في العصر يتحرك الهواء الغربي ، ويسقط ( رشراش )الناعورة على هذا الدرب الضيق ، فيصير زلقاً ، وبين الفينة والأخرى ينتبـه أحد المحسنين فينظفه جيداً من الطحالب التي تنبت بسبب رشراش الناعورة ، والرجال الراشدون يلبسون الجوارب ويمرون فوقـه عندما يكون ممطوراً برشراش الناعورة ، والجوارب تثبت القدمين ، وتحفظهما من الانزلاق .
قلت نزل أهلي بخيمتهم مقابل ناعورة قريمش في ربيع ( 1955م) وكنت في الصف الثالث في مدرسة الكافات ، أقطع سـكر ناعورة قريمش في الصباح والعصر ، أما في الصباح فلاتوجد مشكلة لأن ذلك الدرب يكون جافاً ، وأما في العصر فالمشكلة خطيرة جداً ، ولكن الله يسلم ، وربما في الصباح رافقتني شقيقتي أو أمي حتى أمر من هذا الحاجز الخطير ، أما في العصر فتكون أمي وشقيقاتي في البستان للعمل فيه طول اليوم ، ويكون والدي في البيت ، ينتظر وصولي ، ليطمئن على نجاتي من هذا الطريق الخطر .
وذات يوم زلقت قليلاً وسقطت على الأرض ، أرض الدرب ، عن يميني على بعد بضعة سنتمترات بيب الناعورة ، وعن يساري كذلك على بعد بضعة سنتمترات الفتحة المؤدية إلى البيب ، ووالدي يجلس في تلك الرابية ينظر إلي ، ولما كان الأجل لم ينتـه بعد ، لم أضطرب ، بل تصرفت بحكمة عجيبة ، زحفت على بطني مغامراً بثيابي التي اتسخت بشكل كبير جداً ، وتابعت الزحف إلى الوراء حتى بعدت عن مكان الخطر ، ووالدي ينظر إلي ولم يتحرك من مكانه ، ثم غيرت وضعي ، وكأنني خلعت حذائي ، أو تناولت عصا كشطت بها الطحالب التي زلقتني ، ومررت حذراً ونجاني الله من الموت . ولما وصلت والدي وجدته يبكي ، وقال لي لم أستطع أن أقوم من مكاني وسلمه الله كذلك من الشلل أو الفالج لهول مارأى .
وذات يوم بعثت معي شقيقاتي ، وبنات خالتي مريم ، كي أحضر لهم ( فازلين ) يدهنون به أيديهن ليقلل خشونتها بسبب العمل في الأرض والتراب ، ولما عدت من المدرسة عصراً ، وكنت أحمل كتبي بالإضافة إلى علبتين أو ثلاث من الزجاج فيها ( فازلين ) ، وكنت متضايقاً من هذا الحمل ، ولما بقي لي أقل من نصف الطريق ، وأرى خيامنا على الربوة مقابل الناعورة ، ناديت مراراً ، ولكن الريح كانت غربية وقوية ، وكنت أتجـه غرباً ، ولايمكن للصوت أن يصل بعيداً إذا كان معاكساً للرياح ، وغضبت وكسرت أواني الفازلين ، ووصلت البيت غاضباً ، وأقول لهن لماذا لم تسمعوا صوتي !!؟ لقد ناديت عليكم حتى انتفخت ، وتعجبوا من حمقـي ، فلماذا كسرتها !!؟ لو تركتها في ذلك المكان !!؟ وذهبت شقيقتي ( نـومـه ) إليها وجمعت ما استطاعت من الفازلين ، من فوق الصخرة التي كسرت الأواني عليها .
وانتهى العام الدراسي ، ونلت الدرجة الأولى ، وأحمد الحمدو حصل على الدرجة الثانية ، وتاج الدين سفر ( بن الجندي صاحب الطاحونة ، الذي خطف فتاة من البوعاصي ، وقتلها أخوها فيما بعد كعادة العرب ) حصل على الدرجة الثالثة أو الرابعة وعلى حسن موسى مثله .
ديــك الــوز :
وفي ذلك العام أيضاً ، كنت لما انصرف من المدرسـة أرى وزة تقود عدداً من الصيصان الصغيرة خلفها ، وحدثتني نفسها أن أمسـك أحد هذه الصيصان ، وفعلت وأحضرته معي إلى البيت ، وبنيت له ( قـناً ) في تلك الربوة ، واعتنيت بـه ، حتى إذا كبر صار ينزل إلى النهر ، ويعود إلى القـن ، وسـررت كثيراً بـه ، ثم صار ينام في السـكر ، وكبر كثيراً ، وعرض علي والدي أن أذبحـه ونأكله ، ولكن صعب علي أن أذبحـه بعد أن ربيتـه صغيراً حتى كبر . وذات يوم لم نـره ، وبحثنا في السكر وحوله فوجدنا بقايا ريشـه وعظامـه بعد أن أكله الثعلب .
مـدرســة تقسيس :
في بداية العام الدراسي ( 55 ـ 1956 م) أصر والدي أن أنتقل إلى تقسيس ، كي أبتعد عن خطـر بيب الناعورة ، وفعلاً انتقلت من بدايـة العام الدراسي إلى الصف الرابـع ، وكان زميلي في الطريق محمد نواف العلاوي ، في الصف الثالث ، وعبد الرحمن بن سلوم الشعلان ، في الثالث أو الثاني ، وأحمد داود بن سليمان الحجي مختار الجرنيَة يومذاك في الصف انرابع، ومحمد عيدو الزاًد ( الملقب بالشيخ ) من ( قبيحة ) معي في السابع ، وأخوه فوزَي ابن البدوية وابٖن عمـه عبدالعزيز بن سليٕمان الزايد ، ومن تقسيَس زميلي العزيزعبد الحسيب السبسبي ،وأخوه وحيد ،وغيرهم كثير .
كنا نذهب فيً الصباح مع شروق الشمس ، وترى الطريق من زبادة إلى تقسيس فيه جماعات من الطلاب، والتي أذكرها من الشيخ عبد الله أنا ومحمد النواف، ومن زور ناجية ( تل الزيتون لاحقاً ) عبدالرحمن السلوم الشعلان ، ومن الجرنية كثير منهم أحمد السلوم الداود ، ومن حنيفة عدد كبيرمنهم محمود وخالد الديري ، وعبد الحميد الصخري .
كان استاذنا عمر البرادعي، من يبرود ( وربما هو نصراني ) ، ٕتخدرج من(دار المعلمين الريفية ، وكانت مدرسة تقسيس في ذلك الحين مدرسة ريفية وتسمى ( الريانة الريفية )،تدرس مادة الزراعة نظري ، وعٍملي ) ، وكنا نتضايق من هذه المادة`كثيراً ، لأننا رغبنا في المدرسة كي نتخلص من الزراعة ورعي ألأغنام ، وكان للمدرسـة أرض واسـعة جداً ، وكان الاستاذ عمرالبرادعي نشيطاً جداً ، وشخصاً يلبس قميصاً ( نصف كم ) ويخرج معنا لصيانة الشريط الذي يسورالمدرسـة ، وقد تأثـرت في ذلك الموقف ؛ ممـا شـجعني على الالتحاق بدار المعلمين فيما بعد .
كان في المدرسـة ثلاثة مدرسون ، المدير عبد الرؤوف العلواني ، وعمر البرادعي ، وثالث من قرية الطيبة اسمه محمد الخطيب ، وكان الصفان الأول والثاني في غرفة ، الخامس والرابع في غرفة مع الأستاذ عمر البرادعي ، والثالث في الغرفة الصغيرة ، ويستلمه مدير المدرسة ، والغرفة الرابعة كانت سـكناً للمدرسين . وكان معنا في الغرفة طلاب الصف الخامس ، ومنهم خالد السعيد وهو كبير جداً ، كان أحياناً يتصارع مع الأستاذ عمر ، وربما يقدر عليه لو أراد .
اندمجت في جو المدرسـة ، وتآلفت معها ، ونسيت مدرسة الكافات .
أمـون الحمـاديـة :
اعتاد أولاد قبيلتنا في الشتاء أن يسكنوا عند عجوز تعيش مع أمها فقط ، اسمها أمون الحمادية ، وفي الشتاء حيث يشتد البرد وتكثر الأمطار ، نحضر معنا الخبز والبيض وبعض المؤونة كالبرغل والسمن ، وفراش ونسكن عند العمـة آمون ، وننام في غرفة واحدة ، كنت أنا الكبير في الرابع ( 10) سنوات ، ومحمد النواف مثلي ، وربما سكن معنا عبدالرحمن الشعلان . وكانت يرحمها الله تعتني بنا وتتفقدنا ليلاً كي لانتكشف ونبرد ، وقد وفقني الله فلم أقطع صلتي بها حتى توفاها الله قبل سنتين أو ثلاث حوالي (2000م) ، وقد سـكنا عندها عام (1956 ) و( 1957) . وقد سبقنا إلى السكن عندها فجر الشنتوت ونواف الصالح وفيصل المبارك ، لما كانوا طلاباً قبلنا في تقسيس .
ومما أذكره عن قرية تقسيس أن الرجال في الشتإء يلعبون ( القل ) وهو كرات صغيرة بلاستيكية ملونة ، يلعب بها الأطفال ، وكان الرجال في الشتاء يملون من الجلوس في البيت ، ويملون من لعب الورق ( الشدة ـ الباصرة ) فيلعبون بالكرة القروية ( قطعة قماش ملفوفة ومضغوطة جداً ) ، يقذفونها بعصي معقوفة أيضاً ، وهي من الألعاب الخشنة جداً ، تتطلب الجري السريع مثل كرة القدم ، وقد يصاب فيها بعضهم إصابات بالغة . وكان ذلك قبل أن يبدأ الناس الذهاب للعمل شتاء في لبنان ، لأن منطقتنا يومذاك تزرع القمح والشعير ، وموسم زرعها في الخريف ، وحصادها في الصيف ، وفي الشتاء لاتتطلب عملاً ، ويزرعون القطن وموسم عمله في منتصف الربيع إلى نهاية الخريف . لذلك يبقى الرجال طوال الشتاء بدون عمل . وفي الستينات تقريباً ، عندما تتابع القحط والجدب طوال فترة الوحدة، تعرف الناس عـندنا على العمل في لبنان ، وصار معظم الشباب يسافرون إلى لبنان للعمل فيها ، عندما كانت الليرة اللبنانية تعادل ليرة سورية ونصف وربما تصل إلى ليرتين تقريباً أحياناً ، وكان الدولار لايزيد عن ليرتين لبنانيتين فقط ، أما الدولار مع الليَرة السورية فيعادل ثلاث ليرات ونصف ليرة سورية فقط .
وفي هذا العام كان من زملائي من غازي عزالدين ( والده يعرف بأبو أربعة ) ، وأخوه الأكبر أول مهندس زراعي من منطقتنا ، وهو الجامعي الوحيد ( من الفلاحين ) الذي سبقني وهو أكبر مني سناً ـ وقد حصل على بعثة بعد الثانوية الزراعية في جامعة عين شمس في القاهرة لدراسة الهندسة لزراعية ، وكان زميله مروان حديد يرحمه الله . غازي عزالدين كان معي أو بعدي بصف ، والمهم اشتريت من عنده زوج حمام (فراخ ) ، وربيتهم عندنا في القرية ، وزدت عليهم حتى صار عندي برج من الحمام ، كنت أبني لـه الأبراج فوق الغرف التي أعطانا إياها ( الطواشة ) ، يتجـه البرج إلى الشـرق على نهر العاصي ، وبقي الحمام حتى تركنا قرية الشيخ عبدالله عام (1962م) بسبب الصراعات داخل القبيلة بين الشــنتوت والشعلان ، بعد خطف ( شموسـة الجاسم ) ، حيث وقف البومطر وهم أغلب أهالي الشيخ عبدالله مع الشعلان وصاروا ضدنا ..
وفي نهاية العام حصلت على الدرجة الأولى على الصف الرابع كعادتي والحمد لله رب العالمين ، وكان ٍمعنا من الجرنية الطالب خالد الجخة (خالد الديري ) وأخوه إبراهيمٍ ، وفي نهاية العام سرت شائعات أن بعض الطلاب سيرصدون لي الطريق ، ٘ويضربوني لأنني حصلت على الدرجة الأولى ، لذلك حضر والدي`على الفرس النواقية - وكنا قد اشترَنا نصفها من خضير الضنتوت ، وبقيت عندنامدة طويلة ، حضروالدي على الفرس وتلقاني على الطريق قريباً من تقسـيس وأردفنَي وراءه على الفرس وعاد بي إلى البيت خوفاً من تلك الشائعات .
وكان ن٘واف العلاوي يرحمه الله، يطلب مني أن أعلم ولده محمد، وخاصة في الرياضيات ( وكنا نسميها الحسـاب ) ، وكنت أسبقه بصف واحد ، مع أنه من جيلي تماماً، ويبدو أنه رسب في إحدى السنوات .
الصف الخامـس :
كانت هذه السنة مميزة في حياتَي ، وتركت عندي اثاراً ايجابية كثيرة ، وكان فيها كثير من المستجدات منها دخول شقيقي سليمان إلى المدرسة ، وكذلك دخول ابن عمي أحمد المبارك ، وكان يمشي مع أولاد حنيفة ، وكانوا ًمهتمين بـه كثيرٱً ، لأن والده يعمل وقافاً أووكيلاً عند حسين هاشم مالك قرية حنيفة ، وكان عمي يرحمه لله حسن الأخلاق والتعامل مع الجميع .
ومنها أني عريف عام المدرسـة ،0فأنا عريف الصف الخامس ، وهو الصف المتقدم في المدرسة ، وكان المدرسون يغيبون أحياناً يوم السبت بسبب الأمطار ، وهم أكرم حداد ، ومحمد الحيط (حمويان ومن الإخوان المسلمون )، وابراهيم جنيد وكأنه من حوالي دمشق ، ولما يغيبون كنت أمثل المدير في المدرسة ، فأعين عرفاء على كل صف ، ومدرسين للصفوف الأولى يعلمونهم ، ومازلت أذكر منهم ( حسن حسون ) ، وكنت أجلس في الإدارة وأظن نفسي مديراً ، وربما عاقبت بعض الطلاب ، وأقدم تقريراً مكتوباً لمدير المدرسة عندما يصل . وقد سـر المدرسـون لذلك ، لأن المدرسة كانت تمشـي بغيابهم ، فيدق الجرس ، ويخرج التلاميذ إلى الفسـح ، كما يـدق ويعودون إلى الفصول ، وكأن المدرسين حاضرون .
وفي هذا العام ربيت الأرانب ، وأول مرة اشتريت من (خالد الجخة ) بعد أن أحضرها إلى المدرسة ، وصارت من نصيبي ب (2) ل.س ، وقد أعطاني الأستاذ ابراهيم جنيد ليرة من عنده ، ووضعتها في بيت ( أمونة الحمادية ) وسطا عليها القـط ، فجرحهـا ، ثم ذبحناها وأكلناها ، ودفع معي محمد النواف من ثمنها .
وفي المرة الثانية ذهبت مع محمد عيدو الزايد إلى قبيحـة ، بعد أن أرسلت كتبي مع أخي سليمان ، وصادف ذلك اليوم أمطار غزيرة وسيول ، وخافت عليّ والدتي ، فذهبت تبحث عني ، والتقت معي في الطريق ، والأرانب في فرجي ( الفرج طرف الثوب الخارجي الآسفل ، بعد أن يرفع ويجمع ويوضع فيه حاجات ، وتستخدم النساء ذلك كثيراً أثناء جني القطن ) ، بعد أن خافت علي والدتي كثيرًا من السيول ، ولقينا أحد الرجال، وقد سمع أن والدتي تبحث عني وهي خائفة ، قال لي ضاحكاً : إن شاء الله أرانبك بخير !!؟
حفرت للأرانب جحـراً ، وجعلت في داخله حجرات للنوم ، وصالون للجلوس ، وممرات ، وكان أمام الغرفة التي بنيناها ،أو أول غرفة بنيناها بأيدينا ، ( 4×3) من اللبن ، وسقفها من الأعمدة ثم أغصان الصفصاف ، كان جحـر الأرانب أمامها ، أي في الطرف الجنوبي من القريـة .وقد فرحت كتيراً يوم رأيت أفراخ الأرانب تخرج من الجحر ، بعد أن غابت الأم بضعة أيام ، لم أكن أرها ، ثم خرجت الأرانب الصغيرة ، وبدأالتكاثر السريع ، فملأت القرية ،وبقيت بعد أن تركنا القرية وصارت مشاعاً لمن يستطيع أن يقتل منها ويأكل .
وفي الصف الخامس كما أسلفت تم تسجيل أسرتنا في الأحوال المدنية ، من أجل إحضار إخراج قيد لتقديمه من أجل الشهادة الابتدائية ( السرتفيكا ) ، وقد تعب والدي يرحمه الله واجتهد حتى وفر ذلك ، وقد سجلني مـواليد (1945) لأنني كنت في الصف الخامس ، وفي الواقع كبروني سنة ، وأنا تقول والدتي من جيل ( خالد أحمد العلاوي وكانت أسرتهٍ تقطن في حماة وتسجيله في عام (1946) . وهذه الزيادة ساعدتني كثيراً في حياتي كما سنرى .
نزلت مع والدي إلى حماة وبتنا عند ابن عٍي فجر السليمان الشنتوت ، وتعرفت عنده على الأستاذ ( علي دنكرها ) المحامي فيما بعد ، وأوصى علي ابن عمي0أن لايدخلني قسم اللغة الفرنسية ، وكأنني كنت مريضاً وراجعت الطبٚب محمد فؤاد الأسود ، وشخص مرضي ( في الأعصاب ) ، وحذرني من تناون البصل والفلفل طوال حياتي . وفي نهاية العام نزلنا إلى حماة لنقدم امتحان الشهادة الابتدائية ، وقد جمعونا في ثانوية الصناعة ونادوا على أسمائنا ، وكم كنت قلقاً وأنا أسمع نداء الأسماء وأقول لنفسي ( ماذا لو لم أسمع اسمي !؟ ) ثم سمعت اسمي والحمد لله ، وتقدمت للامتحان ، ونمنا في الفندق مع أولاد عيدو الزايد وسليمان الحجي ... ولم نكن نذاكر في الليل أبداً ، ونذهب في النهار للامتحان ونجد الأسئلة سهلة جداً . بل ذهبنا إلى السينما ، وفي يوم آخر حضر ابن عمي فجر وأخذني إلى بيت أحد أصحابه ( كان فراشاً في متوسطة ابن خلدون ) وكان ولده معي في الصف الخامس ، ومازلت أذوب خجلاً لأنني دخنت في بيتهم ، متأثراً ب ( الشيخ ) ابن عيدو الزايد ، وقد اشترينا عدة سجائر عندٍما ذهبنا إلى الفًندق ، وفي الصيف ظهرت الَنتائج ،وكانت نتيجتي مميزة ولله الحمد ، وفرزت آلياً إلىى إعدادية ابن خلدون .
الصف السادس :
في عام ( 1957)عندما كنت في الصف الخامس ؍كان الصف السادس تابعاً لنمرحلة المتوسطة (الإعدادية ) ، وفي هذا العام (1958) حيث طبقت الوحدة الثقافيٚة مع مصر صار السادس مٍع المرحلة الابتدائية لذلك لما حضرت في بداية العام إلى ابن خلدون قالوا لنا اذهبوا إلى مدرسة البحتري وتقع على سطوح السوق الطويل ، قريبة من الدباغة ، وجمع فيها الصف السادس الابتدائي ، من أبناء الريف!ومن مدينة حماة، كان جميع الطلاب من الصف السادس ، ولم تكَ ثمـة كتب ،"وكان المدرسون"يملون علينا أمالي ومنهٕم مدرس اللغة العربية الأستاذ فهمي الحموي وأٌسستاذ التربية الإسلامية (فريد.شـققي ، والغزال ، وغيرهم`، وكان المدير مفيد`العظم ...
استأجرت لي واندتي بيتاً صغيراً عند كاكيش صاحب دكان بقالة(في حي الفراية واشترت لي نصف تنكة مٖن الحلاوة القرمشلية ومازلت أستغرب"كيف اطمأن أهلي على تركي وحيداً وعمري(( 11ـ 12 ) سنة ، ومازلت أذكرأني أجوع فأفتح هذه التنكة وآكل منها قليلاً فتعافها نفسي لشدة حلاوتها ، ولمللي منها ، وتعلمت فيما بعد على ( السندوتش ) وكانت بخمسة قروش فقط ( فرنك واحد ) فيها قرص فلافل واحد ، وخبزة ، وطماطم ، ويدهن الخبزة بلبنة ، وبعد مدة استأجر لي أهلي غرفة كبيرة مع فجر عند كاكيش نفسه ، وكانت غرفة نظيفة وكبيرة ، وكان ابن عمي فجر عازباً وقد تطوع في الجيش ، وكان أن سكن في حماة ودرس السادس والسابع ، ثم ترك الدراسة وكبر مواليده وتطوع في الجيش ، وتزوج من حماة واستقر فيها ، وفي ذلك العام ، اذكر أصحابه ومنهم ( فيصل الشاكر) يلعبون بالورق ، ويرسلونني إلى ساحة العاصي اشتري لهم ( مشبك ) ساخن ، وقد أذهب مرتين أو ثلاث في الليلة ... وكنت كل خميس أذهب إلى القرية ...وأعود محملاً بالخبز واللبن والبيض والسمن ، وكانت والدتي يرحمها الله تهتم وتتابع مصروفاتي ، وكنت أتحايل عليها كي أحصل على ( ربع ) ليرة سورية أذهب بها إلى سينما الفردوس ، وكانت أرخص من جميع دور السينما في حماة ، وكان في حماة يومها سينما دنيا ، وسينما حماة ، وسينما الأمير ... ومازالت أغنية فائزة أحمد التي تضع اسطوانتها سينما دنيا لتجلب الزبائن ( أنا قلبي إليك ميال ) مازالت تـرن في أذني حتى اليوم لحناً وكلمات ....
وقبل نهاية العام مرضت وغبت عن المدرسة بضعة أيام ، ثمتخرجت من الصف السإدس الذي كان يومها ( مرحلة بين المرحلتين ) فلم يكن منليس من المرحلة الابتدائية ولامن المرحلة الإعدادية ، وقد حذفت منه مواد ( اللغة الأجنبية ، الفيزياء ، الكيمياء ، التشريح ) وقد كانت تدرس في العام السابق ، وبدلت بكتاب العلوم فقط ...
ووضع بقية طلاب السادس من مدينة حماة ومن قرى الغاب في مدرسة فوزي القاوقجي ، وكان منهم خالد أحمد العلاوي ...
وفي هذا العام قامت الوحدة بين سوريا ومصر في (22/2/1958) ، وقد قضينا أياماً كثيرة في الاحتفالات ، وخاصة في الليالي ، وفي الأحياء التي كانت تتسابق في إقامة الحفلات والمهرجانات في هذه المناسبة كما أن إذاعة دمشق كانت تبث الأغاني القومية التي رسخت في أعماقي ومنها : آوها قامت الوحدة ، وحدةمايغلبها غلاب ، وطني حبيبي الوطن الأكبر ( عبدالوهاب ، عبد الحليم حافظ ،أم كلثوم ، فائزة أحمد ، وغيرهم ) ، دعاء الشرق لمحلد عبد الوهاب ،
وقد زار جمالعبد الناصر مدينة حماة في هذا العام أوالعام الذي يليه ، وكان يركب ( بيجو قديمة جدأً ) المقعد الثاني فيها يحمي الراكب فيه أمنياً ، وكنت أقف عند شارع العاصي ، أمام فندق أبي الفداء عندما مر ذلك ، وأخرج يـده من النافذة يحيي الجماهير ... وفي يوم الاحتفال الرسمي ، خرجنا وكنت مع فريق الكشافة في المدرسة ، خرجنا طوابير بلباسنا الكشفي ، واصطفينا في ميدان السرايا لاستقبال جمال عبد الناصر ، ولما ألقى كلمته على المواطنين ، كانت الجماهير تضج بالتصفيق ، وكنت كسائر الطلاب مفعماً حب الوحدة ، وزعيمها عبد الناصر الذي خطب في الأمم المتحدة باللغة العربية لأول مرة ...
إعداديـة ابن خلدون :
وفي العام الدراسي ( 1958ـ1959) دخلت المرحلة المتوسطة في إعدادية ابن خلدون ، وكانت قرب الشرطة العسكرية ، حي ( المغيلة ) وهي دار عربية كبيرة فيها دوران ، وفناء يصلح للمدرسة ، ولها باب كبير ، وأذكر أنها كانت ستة فصول اثنان للأول متوسط ، واثنان للثاني متوسط ، واثنان للثالث متوسط ، أحدهما كبير ( 30) طالباً تقريباً وهو قسم اللغة الانجليزية ، والآخر صغير) ، وكان الفرز بين الفرنسية والانجليزية حسب القرعة مع تدخل واسطات أحياناً ، وكانت المرغوبة الانجليزية ...
|