بسم الله الرحمن الرحيم
فتــاة بــابــاعـمــرو
د . خالد أحمد الشنتوت
2012/ 1433
- 1 –
الملازم أول حسين النواف، قائد سرية الدبابات الأولى من الكتيبة الثانية في اللواء (12) من الحرس الجمهوري .
ولد في حي بابا عمرو (1985م) وفيه درس مراحل التعليم العام الثلاث، حتى التحق بالكلية الحربية، بعد أن انتسب إلى حزب البعث العربي الاشــتراكي كشـرط من شــروط دخول الكليات العسكرية، فجميع وظائف الدولة محجوزة للبعثيين فقط،حتى فراش المدرسة يجب أن يكون بعثياً ...
كما ساعده منبته البدوي على القبول حيث حاول حافظ الأسد بعد أن رفس الطائفة العلوية التي أوصلته إلى الحكم، وطرد شقيقه رفعت من سوريا وأبعد أنصاره عن الجيش، بعد أن مكنته الطائفة العلوية من تملك سوريا، رفسها كما قلت، كما رفس حزب البعث العربي الاشتراكي أول سلم صعد عليه إلى تملك سوريا، وجعلها ولاية صفوية مجوسية تدور في فلك إيران ... بعد ذلك كله حاول الاستفادة من خامات فطرية متناثرة موجودة لديه، أفراد أقوياء، لكن مبعثرون،وهم الضباط البدو، ولم يكونوا قلة، وأسند قيادة بعض الأفواج لضابط من البدو، هو العميد محمد خير محيميد ( ابن خالي ) يرحمهما الله ، كما أسند ولده بشار وزارة الدفاع لبدوي أخر اسمه ( جاسم الفريج ) ...بعد أن درس أحوالهم جيداً وأُمن لهم، حيث تأكد أنه لايخطر على بالهم أن يخونوه، ويخسروا المكاسب الكبيرة التي سلمها لهم ....فبعد أن كان أحدهم عميداً في ثلاجة الأركان له ثلث سيارة، حيث يشترك كل ثلاثة عمداء في سيارة واحدة، تخدمه يومين في الأسبوع، واليوم السابع صيانة للسيارة وللسائق، بعد هذا الحال المزري، نصب قائداً للفوج، وأعطي خمس سيارات، إحداها من الوكالة وباسمه الشخصي ....هذه القفزة في متاع الحياة الدنيا جعلت حافظ الأسد يطمئن لمثل هؤلاء ويركن إليهم .... وقد سلم بضعة ضباط بدو قيادة ألوية أو رئاسة أركان ألوية، وأحدهم سلمه قيادة فوج الاستطلاع، أخطر وحدات الجيش من الناحية السياسية ...
وهكذا استفاد حافظ الأسد من عدد من الضباط البدو، الذين لم يتكتلوا يوماً ما، في الماضي أو الحاضر ...لأن الفردية من خصائص البدوي المزروعة في دمه، والذي لم تستطع المدنية – أحياناً - التغلب على هذه النزعــة البدويـــة التي تبعده عن الخضوع للمركز...كما نشا أجدادهم في البوادي على ذلك ...
تخرج حسين النواف من الكلية الحربية في حمص،التي يتكون طلابها من البعثيين فقط، و(90%) منهم من العلويين، و(10%) من سائر الطوائف الأخرى ، وهكذا صار(90%) من ضباط الجيش العربي السوري من الطائفة النصيرية ، وفي هذه الكلية لاتصح الصلاة أبداً ، والطالب الذي يصلي يفصل في اليوم الثاني من الكلية ...
كما أن تكوين الضباط يهتم بالحفلات الماجنة وشرب المسكرات،والضابط الذي لايشارك في هذا الفجور يسرح في (1/7) أو (1/1). وهذه إحدى الحفلات :
(( ....وأخيراً نادى المذياع :
ـ تقرر أن تكون الحفلة الشهرية اليوم من الثامنة مساء وحتى إشـعار آخر .
فردت أرجاء الكلية بهتاف الطلاب :
ـ النصر والمجد والخلود لحزبنا العظيم ، حزب البعث العربي الاشتراكي ، أمـة عـربية واحــدة ذات رسالة خالدة . أهدافنا : وحدة ، حرية ، اشتراكية .
وفي المساء سيق الطلاب إلى قاعة الاحتفالات الكبرى بالكلية ، وجلس المستجدون في أماكنهم بعيداً عن المسرح ، وعلقت صور الرفاق ، حافظ الأسد ، ورفعت الأسد . وغيرهم ... بلباسهم العسكري ، ورتبهم ونياشينهم ...
وقف الطلاب المستجدون والمتقدمون عندما دخل موكب الضباط ، بما فيهم الرائد ناصر الدين ناصر مدير الكلية الحربية ، وبعض المدنيين من قادة الحزب في حمص .
ثم انبعث من خلف الستارة صوت القانون يعزف ألحاناً مميزة ، قابلها الحاضرون بالتصفيق ، بينما انزاح الستار عن الفنانة سميرة وفرقتها الموسيقية والراقصة . وبدأ الرقص والغناء . وصارت القبعات تتطاير في الفضاء طرباً بعد أن لعبت الخمرة بالرؤوس ، وتلاقت الكؤوس بصحة الرفيق حافظ ، والرفيق رفعت ، والرفيقة سميرة ... والرفيقة الراقصة ..
ورمى الرائد ناصر قبعتـه المزركشة إلى الرفيقة سميرة ، فوضعتها فوق شـعرها ، فتسابق المصورون ليلتقطوا الصور التاريخية لقبعة مدير الكلية العسكرية على شعر الفنانة سميرة ...
وبين كل أغنية وأخرى تتوقف سميرة لتتحدث مع جلساء الصف الأول وتغمز لهم أمام طلابهم المستجدين والمتقدمين .
ـ قال الرائد ناصر : أنت مناضلة ومن الطبقة الكادحة يارفيقة سميرة .
ـ أنا تربية الحزب الثوري ، يا رفيق ناصر .
فيهتف الطلاب بصوت واحد : ـ عاش الحزب الثوري .. عاش .. عاش ..عاش ..
ثم يقول أمين فرع الحزب بلغة لاتكاد تفهم ـ ما اسم هذين يارفيقة سميرة ويشير إلى صدرها ؟
ـ هذه هي الطلائع الثورية يارفيق ..
يهتف الطلاب بصوت واحد : عاشت الطلائع الثورية ... عاشت ..عاشت ..عاشت ..
* * *
التحق حسين النواف بعد تخرجه من الكلية الحربية بمدرسة المدرعات التي لاتقل سوءاً عن الكلية الحربية ؛ ليتدرب ويتخصص في قيادة الدبابات في المعركة، فتخرج عام (2005) قائد فصيلة دبابات بعد تدريب شاق وقاسي، ورقي إلى رتبة الملازم أول عام (2007) وسلمت له سرية الدبابات الأولى، وهو على أبواب الترفيع إلى رتبة ( النقيب )، حيث يسمح له بالزواج حسب قانون الجيش السوري الذي لا يسمح للضابط بالزواج قبل رتبة النقيب، لذلك فقد خطب وعقد على إحدى قريباته اسمها( حصة ) الطالبة في السنة الرابعة من كلية الطب البشري، وهي من قبيلته، تدرس في جامعة البعث بحمص، من مواليد حي بابا عمرو ومن سكانه أيضاً ...وينتظر حسين النواف بداية العام (2013) ليرقى إلى رتبة النقيب، ويسجل زواجه، ويزف عروسه ...ويعف نفسه عما يسمعه من زملائه المنفلتين من القيم والدين والأخلاق ....
- 2-
وكذلك ولدت (حصة) في حي بابا عمرو عام(1990) وفي هذا الحي المحافظ تعلمت مراحل التعليم العام، ونبتت نبتة صالحة، ومن المربيات الفاضلات في حمص نهلت الأخلاق والعلم الشرعي، والتزمت بالحجاب كألوف الطالبات غيرها، على الرغم من مشاريع حافظ الأسد في محاربة الحجاب، ومعسكرات الفتوة الإجبارية للطلاب والطالبات، معسكرات الرقص والغناء واختلاط الجنسين، ولكن حافظ الأسد اضطر أن يغض الطرف عن الأنشطة النسائية الإسلامية،لأنها كالطوفان مقاومتها تكلف النظام الأسدي جهوداً كثيرة، وليضحك حافظ الأسد على الشعب ويدعي أنه ليس ضد الإسلام، وإنما هو ضد الإخوان المسلمين والإسلام السياسي،ومن يناصرهم، الذين يتاجرون بالدين ليتسلموا الحكم، وينفذوا مخططات إمبريالية كما يدعي ...ويكرر ذلك صباح مساء ... ويجبر طلاب المدارس على ترديده كشعار في كل صباح يقول ( تسقط الإمبريالية والرجعية وإسرائيل وحليفتهم عصابة الإخوان المسلمين ) ....
تنتظر حصة هذا العام لتصل إلى السنة الخامسة في الطب البشري حيث العمل الميداني في المشافي فتساعد المرضى وتخفف آلامهم، وتشبع رغبتها التي ساقتها إلى كلية الطب البشري؛ عندما تساعد المرضى وتخفف آلامهم ... وتسهر على راحتهم، وتنقذ حياة المصابين والجرحى، وتكون ممن كان سبباً في إحياء نفس فكأنما أحيا الناس جميعاً ....
وتعلمت تلاوة القرآن الكريم لتعلمه لبنات جنسها، لتكون ممن قال عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه ) ....
ولما تقدم لخطبتها الملازم أول حسين النواف، وافقت عليه بعد أن عرفت أنه ملتزم بالصلاة والصوم، ولايشرب الخمر،ولا يختلط برفاق الســوء الكثيرين في الجيش ...وفوق ذلك كله فهو من قبيلتهم.
* * *
بابا عمرو أو باب عمرو هو الباب الثامن لمدينة حمص يتميزعن باقي الأبواب السبعة لحمص وجود بابين ولهذا سمي الحي (بابا عمرو) نسبة للصحابي الجليل عـمـرو بن معد يكرب أحد اثنين بألفي فارس ابتعثهما الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه نصرة لجيش المسلمين في معركة القادسية. وقبيل معركة القادسية طلب قائد الجيش سعد بن أبي وقاص مددًا من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليستعين به على حرب الفرس، فأرسل أمير المؤمنين إلى سعد رجلين فقط، هما: عمرو بن معد يكرب، وطليحة بن خويلد، وقال في رسالته لسعد: إني أمددتك بألفي رجل ..... وحي بابا عمرو حي من أحياء حمص عاصمة الثورة السورية، حيث يقع في الجهة الغربية الجنوبية للمدينة.
يحتوي حي بابا عمرو على مساجد أثرية مثل مسجد الصحابي عمرو بن معد يكرب، معظم أبنية الحي أبنية شعبية إلا في المناطق الجديدة منه، يشتهر الحي بسوق خضاره الشعبي الكبير والرخيص، وكذلك محلات الألبسة والأحذية، يعتبر بابا عمرو منطقة مثالية للسكن الشعبي والقريب من الجامعة والمداخل الرئيسية لحمص، وهو على طريق مهم جداً وسياحي حيث يقسمه طريق بابا عمرو الذي يمتد إلى جوبر ومنها إلى بحيرة قطينة، يمتد الحي حتى الغرب إلى العاصي وتفصل قناة الري الفرنسية بين البساتين والفلل في بابا عمرو. هذا الحي سيطر على محطات الإعلام العالمية في شهر شباط ( فبراير) 2012م .
- 3 -
روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله r قال : [ تكون فيكم النبوة ماشاء اللـه أن تكون، ثم يرفعها اللـه إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، تكون ماشاء اللـه أن تكون، ثم يرفعها اللـه إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً فتكون ماشاء اللـه أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً جبرياً فتكون ماشاء اللـه أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خـلافــة على منهاج النبوة، ثم سكت ]().
يقول الشيخ سعيد حوى يرحمه الله في كتابه جند الله ثقافة وأخلاقاً : الملك العاض هو الخلافة الأموية والعباسية والعثمانية، أما الحكم الجبري فهو حكم العسكر الذين تسلموا الحكم بانقلابات عسكرية بدأها أتاتورك في تركيا ( 1908) وتتالت في جميع بلدان العالم الإسلامي ... وأهلكوا الحرث والنسل، نهبوا البلاد والعباد، ومحوا الطبقة الوسطى من الوجود، بعد أن كانت أكبر الطبقات عدداً في العالم العربي، طبقة المدرسين والموظفين والحرفيين وصغار التجار والكسبة، كانت تصل في بعض البلدان إلى (70%) بينما يشكل الفقراء (20%) والأغنياء (10%) ...تحت الحكم الجبري صار الأغنياء (15%) والفقراء (85%) ....
وهانحن نشهد رفع الله عزوجل للحكم الجبري الذي سيطر على الأمة العربية والإسلامية منذ مطلع القرن العشرين، وتربى جيلنا على الخضوع للحكم الجبري، حتى صار جيلاً يتوزع رجاله بين الجبن، والنفاق، والمثالية، والتشرذم، والفردية، .... وكلها عوامل ساعدت الحكم الجبري على البقاء والاستمرار زهاء قرن من الزمن، لأنه بدأ بانقلاب أتاتورك مطلع القرن العشرين، وسبحان الله هاهي تركيا من طليعة الدول التي رفع الله عنها الحكم الجبري، ويرفعه الله عزوجل إذا شاء أن يرفعه،وقد بين الله لنا قوانينه الاجتماعية والسياسية عندما قال : { إن الله لايغير مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم }، فالقوم يغيرون ما بأنفسهم، ثم يغير الله أحوالهم، أوقل يرفع عنهم الحكم الجبري .... وقد تأكد أن شباب الثورة السورية غيروا ما بأنفسهم، وقدموا أرواحهم رخيصة في سبيل الله عزوجل، كما أن الشعب السوري زهد في الدنيا، وتحمل البرد والجوع والعطش، وخرج في الشوارع يهتف ضد النظام الأسدي الفاشستي، غير آبه بالرصاص والدبابات، وقد عرضت لنا الشاشات صوراً عجبنا لها – نحن السوريين المهجرين – شاهدنا مرات كثيرة أباً يحمل طفله الصغير ويمشي في المظاهرة، وإن دل هذا على شيء يدل على عمق الإيمان بالله تعالى، وأنه لن يصيبنا إلا ما كتب لنا ...
وشبابنا اليوم يختلفون عن آبائهم، فهم أقل جبناً، وأقل نفاقاً،وأقل تشرذماً إن شاء الله تعالى، حتى صرنا معاشر المعارضة الخارجية نفتخر أننا تبع للشارع السوري في الداخل، أي تبع للشباب في الداخل، لم لا، وهم يقدمون أرواحهم في سبيل الله عز وجل، وسالت دماؤهم تطهر رجس جيلنا الذي سكت ورضخ للحكم الجبري ....
أٌقول رضخ بشكل عام، أما الشباب المسلم في سوريا فقد أعلن أنه ضد الحكم الجبري منذ (1964م) عندما واجهه النظام الأسدي بالدبابات وهدم مسجد السلطان فوق رؤوس التلاميذ، مع الشيخ مروان حديد يرحمه الله، الذي غير قناعته يومذاك وغير منهجه من العمل السياسي إلى الجهاد المسلح والعمل العسكري، بعد أن تبين له أن النظام الأسدي فعل عام (1964) مالم يفعله الفرنسيون، الفرنسيون لم يدخلوا المساجد أبداً، وكان الثوار يحتمون فيها، وكان العسكري الفرنسي يطارد المواطن السوري الثائر، حتى إذا دخل المواطن المسجد، وقف العسكري الفرنسي، وعاد من حيث أتى ...
عندما تبين لمروان يرحمه الله أن هؤلاء أشــد بطشاً وحقداً على الشعب من المستعمر الفرنسي، تأكد له أن هؤلاء لاينفع معهم العمل السياسي، ولابد من العمل العسكري أي الجهاد بالسلاح ضدهم ...
ولذلك بنى الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين ؛ التي قالت للحكم الجبري في الثمانينات ( لا وألف لا )،ويجب أن نشهد أنهم قالوا للحكم الجبري ( لا) وقالوا له ( ارحل ) ولكن ذلك كلف الكبار والصغار، الرجال والنساء، تكلفة باهظة، خاصة في حماة، وجسر الشغور، وحلب، زهقت خلالها عشرات الألوف من الأرواح البريئة الطاهرة .... وتتالت الانتفاضات الإسلامية عام (1964م) في حماة، هدمت السلطة مسجد السلطان، واستشهد العشرات وربما المئات من أهالي حماة ... وعام (1965م) في المسجد الأموي بدمشق، حيث دخلت دبابات سليم حاطوم إلى صحن المسجد الأموي، وعام (1973م) في حماة وحمص واللاذقية، حيث اعتقل الصف الأول والثاني من جماعة الإخوان المسلمين في سوريا كلها ..... ودامت المعركة بين الشباب المسلم والنظام الأسدي من (1975م) وحتى (1986م) وكان أكبرها مجزرة حماة (82م) ...وكل هذه الانتفاضات كان الشباب المسلم وقودها، واستطاع النظام الأسدي أن يفصل بين الشباب المسلم وبقية الشعب، الشعب الذي رضخ واستكان للذل بضعة عقود ....
* * *
انطلقت الانتفاضة السورية ضد النظام الأسدي بمظاهرة صغيرة في حي حريقة الدمشقي، في آذار(مارس ) (2011) استمرت زهاء نصف الساعة قبل أن تفرقها قوات الأمن وتعتقل عدداً من النشطاء الذين شاركوا فيها. ولكن المظاهرة الصغيرة سرعان ما أطلقت عشرات المظاهرات الأخرى في أنحاء مختلفة من سورية خلال الأسابيع التالية.
وكانت مدينة درعــا الجنوبية، واللاذقية وبانياس في الشمال، ودوما في ريف دمشق، أبرز مواقع الاحتجاج، حيث ووجهت الحركة الشعبية بقدر هائل من عنف أجهزة الأمن، أدت إلى مقتل ما يقارب الثلاثمائة من السوريين خلال شهر واحد من الاحتجاجات. ولكن لا عنف الأجهزة ولا رواية إعلام النظام بوجود اختراق أجنبي مسلح من إرهابيين أو سلفيين، نجح في إخماد الانتفاضة أو حصرها.
وكان يوم الجمعة 22 إبريل/ نيسان (2011) يوماً مشهوداً في مسار الانتفاضة السورية، عندما وجهت قوات الأمن رصاصها للمتظاهرين كما لم تفعل من قبل، موقعة أكثر من مائة قتيل في يوم واحد.
وبعد تلك الجمعة وماتلاها، شهدت سورية مظاهرات في العديد من أنحاء البلاد، أطاحت بآمال النظام في احتواء الحركة عن طريق نشر قوات الجيش وتصعيد حملة القمع في درعا وريف دمشق.
ولتسويغ إجراءات القمع، لجأ النظام، حسب عدد من المصادر، كما لجأ النظامان المصري واليمني، إلى تسليح مجموعات أمنية (من المؤكد أن قطاعات منها من غير السوريين) لقمع المتظاهرين، سميت الشبيحة، وهذه التسمية أول ماأطلقت على الجيل الثاني من آل الأسد ( وخاصة أولاد جميل ورفعت وأمثالهم ) في القرداحة بالذات ، الذين لايخضعون لقانون ولانظام، ويفعلون مايريدون من نهب وسلب وخطف وابتزاز، وكانوا يرهبون السكان والمواطنين، حتى أنهم في إحدى المرات، احتلوا مقهى وفرضوا على الحاضرين تنفيذ أوامرهم ( الكل واقف ....الكل جالس ...الكل منبطح على الأرض ...)، مع التهديد بالكلاشن الموجودة معهم ؛ إذا لم ينفذ الحاضرون ذلك، هذه الشبيحة التي لخصها السوريون بأن أجسامهم كبيرة جداً ؛ بينما عقولهم أصغر من صغيرة، تعمل مع وحدات وعناصر الجيش على حد سواء. فتحرك مجموعات المسلحين بحرية غير معهودة، في بلد مثل سورية، ووجودها في أغلب الأحيان قرب أو على أسطح بنايات رسمية، يشير بوضوح إلى أن هذه المجموعات ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالنظام وأجهزته. ومن عناصر الشبيحة عناصر إيرانية من الحرس الثوري ؛ ومن جيش القدس؛ هذه القوات المعسكرة في سوريا منذ عشرة أعوام، ومنهم كذلك عناصر من جنود حزب اللات اللبناني، ومن جيش المهدي العراقي، فقد جعل النظام الأسدي المعركة طائفية منذ اليوم الأول، وراح يدفع بالطائفة العلوية كي تدافع عنه ولاتنفك عنه ...ولكن الشباب السوري لم يبادله نفس السلوك، بل أعلن أن الثورة ثورة الشعب السوري كله، بجميع طوائفه وأعراقه، وهتف قائلاً ( واحد .. واحد ... واحد ...الشعب السوري واحد )، وكانت الشبيحة تنفذ عمليات القنص من أسطحة العمارات الحكومية وغيرها، كما تمارس القتل بالسلاح الأبيض بعد استسلام الضحية وتقييده ثم فصل رأسه عن جسده في الشارع أمام المواطنين، وكان واضحاً أنهم يقومون بهذه الأفعال الإجرامية لبث الرعب والإرهاب في صفوف الشعب ....ليعود إلى الخنوع والرضوخ للاستعباد والاستعمار كما كان خلال أكثر من أربعين عاماً .... وبذلك يحتل النظام الأسدي المرتبة الأولى في سلم الإرهاب ، لكن أمريكا راضية مادام إرهابه ضد العرب والمسلمين فقط ...
وصلت سياسة القمع والإرهاب ذروتها الأولى خلال الأسبوع التالي لمظاهرات الجمعة 22 إبريل/ نيسان، عندما سقط أكثر من مائة قتيل في سلسلة الاحتجاجات في كافة أنحاء البلاد، أغلبهم في ريف دمشق ودرعا. وفي اليوم التالي، أعطيت الأوامر لقوات الجيش، لاسيما الفرقة المدرعة الرابعة التي يقودها شقيق الرئيس اللواء ماهر الأسد، بإخضاع مدينة درعا ومدن ريف دمشق، في إشارة واضحة إلى أن النظام عقد العزم على قمع الحركة الجماهيرية بكل ما أوتي من قوة، بما في ذلك المغامرة بإنزال قوات الجيش إلى شوارع المدن الثائرة.
وسمحت إسرائيل للنظام الأسدي بإدخال دباباته وأسلحته الثقيلة إلى درعا، مخالفاً شروط فك الاشتباك المتفق عليه بواسطة ( كيسنجر ) عام (1974) الذي يمنع سوريا من إدخال أسلحة ثقيلة إلى درعـا لأنها خط أول مع العدو الصهيوني، لكن مادام النظام الأسدي سيقتل الثوار، العرب المسلمين، ويفعل كما فعل في لبنان، فيقتل المقاومة نيابة عن إسرائيل، فلتسمح له بما يشاء من هذا القتل الذي يصب في مصلحتها ...
واتضح أن النظام في مأزق يزداد تفاقماً. فالواضح أنه قرر منذ الجمعة 22 إبريل/ نيسان اللجوء إلى ما يعرف بخيار حماة، بمعنى إطلاق يد قوات الجيش الموالية لقمع مدينة درعا التي أصبحت رمزاً للانتفاضة، مهما كان حجم الخسائر في صفوف الأهالي والدمار الذي يمكن إيقاعه بالمدينة. وبإخضاع درعا، يعتقد أركان النظام، أنه يمكن تلقين المدن السورية الأخرى درساً كافياً لإخماد الحراك الشعبي، تماماً كما وقع في مطلع الثمانينات من القرن الماضي.
- 4 -
طوال الشهور الماضية ومنذ (15/3/2011) لم تنقطع المظاهرات في حي بابا عمرو، تهتف بقوة ( الشعب يريد إسقاط النظام )، وتنشد أنشودة الشهيد ( إن شاء الله ) إبراهيم القاشوش الخالدة، الذي قدم حياته ثمناً لها، فدبت فيها الحياة، وترددت في شــوارع ســوريـا، كما ترددت خارج ســوريا، ( يالله ارحل يابشار، .... يابشار وياكذاب تضرب أنت وهالخطاب، الحرية صارت عالباب، يالله ارحل يابشار،.... يابشار ويامندس تضرب أنت وحزب البعث، يالله ارحل يابشار، ياماهر وياجبان، وياعميل الأمريكان، الشعب السوري ماينهان، يالله ارحل يابشار، ... ) ...ويسهم في هذه المظاهرات جميع فئات الشعب السوري، وطوائفه وشرائحه الاجتماعية، العمال والفلاحون، المثقفون والتجار والحرفيون، المسلمون والمسيحيون، الرجال والنساء، ثورة الشعب السوري كله ضد النظام الأسدي الذي استعبدهم وسرق خبزهم وحليب أطفالهم .
* * *
في فندق السفير في حمص العدية ذات الحجار السود، المحاط بثلاثة أحزمة من رجال الأمن السري، ثم بدبابات في مفارق الطرق المؤدية إليه ...في هذا الفندق طلب اللواء آصف شوكت صهر بشار الأسد، والذي يقود عمليات قمع الشعب في حمص؛ بل تفريغ حمص من معظم سكانها،..... طلب ضباط اللواء (12) من الحرس الجمهوري، لتلقي خطة التعليمات، من أجل القضاء على المندســين (كما يقول)، وحضر الملازم أول حسين النواف، وسمع آصف شوكت يهدد ويتوعد بإزالة حي بـابــا عمرو من الخارطة، لولا أن (المندســين)- كما يقول- عندهم أجهزة بث حديثة متطورة تنقل الصور إلى فضائية الجزيرة والعربية مباشرة تفضح عملياتهم ... كما بين آصف شـــوكت أن وحـــدات الأمــن فشــــلت في إخماد المظاهرات، ويجب على الجيش العقائدي القيام بذلك، وحماية النظام من المندسين عملاء السعودية وقطر وتركيا، وعلى الجيش العقائدي أن يدعم وحدات الأمن ...
وأردف آصف شوكت قائد عمليات القمع والإبادة والتطهير المذهبي في محافظة حمص،أردف قائلاً : لقد تم استدعاء كل من الجنرال علي دوبا، والجنرال محمد الخولي، والجنرال نايف العاقل ؛ وهؤلاء من الذين ساهموا في توجيه ضربة ( الصدمة ) للعصابة المجرمة المسلحة في مدينة حماة عام (1982)، وسنوجه صدمة مماثلة إلى حي بـابـاعمـرو، لنســـكت المتمــردين ويهرب المندســــون، وبعد (الصدمة) ستعود الأمور إلى مجاريها، ويسكت الشعب، ويطأطئ رأسه ذليلاً، كما عاش بعد (1982) في حماة وغيرها ...
وتكلم ( فؤاد أختري ) المستشار الإيراني في الحرس الثوري فقال : لاوقت للتردد، يجب سحق التمرد الذي تمده الدول الرجعية كالسعودية وقطر والكويت، ومن ورائهم أمريكا ( الشيطان الأكبر ) . والسرعة مطلوبة، ويجب إرهاب المندسين، عندما نذبح أطفالهم بالسكاكين أمامهم، ونغتصب نسائهم أمامهم،وأكثر ما يذل العربي انتهاك عرضه أمامه، و سوف نرهبهم، ونسكت ونخمد ثورتهم ....ولايؤلمكم كثرة القتل، بل إنها مطلوبة، لأنها ستعجل بظهور الإمام الغائب ....
ثم استلم آصـف شــوكت الحديث مــرة أخــرى وقال : يجب أن ننفذ (الصدمة) أقصد الضربــة القــويــة المنهكة التي تجعلهم ينحنون ويركعون لبشـــار الأســـد، كما ركع آباؤهم لأبيه حافظ الأسد بعد أن ضربهم الضربة الموجعة في حماة (1982) .... فقد وجه الرئيس حافظ الأسد وأخوه رفعت ضربة ( صدمة ) لحماة، فقتل خلال (22) يوماً مابين (30-40) ألفاً من أهل حماة، كلهم رجعيون وأعداء للثورة، ودمـر ثلث المدينة تدميراً كاملاً، دمر حي الحاضر الذي لاتــدخــل الدبــابــات في أزقتــه، مســح الحــي كله، وخاصــة حــي ( الكيلانية ) حي المشــائخ وقادة الرجعــيين ... وكانت ( الصدمة ) تتمثل في جمع عشرات الرجال من بيوتهم وصفهم على الجدار ورميهم بالرشاشات أمام نسائهم وأطفالهم، دون أن يسألوا عن أسمائهم، فيكفي أنهم حمويون.... لذلك خمدت سوريا كلها ثلاثين عاماً ولم نسمع معارضاً واحداً داخل سوريا، أما الذين فروا وهربوا خارج سوريا، فلا قيمة لكلامهم عندنا ولاعند الشعب السوري ....
يقاطعه المستشار الإيراني ( أختري ) ويقول :
- لاتنس سيادة اللواء أن جنود سرايا الدفاع والوحدات الخاصة، في عام (1982) خطفوا النساء أمام ذويهن، وفي هذه المرة، أرى أن تغتصب النساء أمام ذويهن، وليس مجرد الخطف، وكما قلت أكثر ما يـــذل هؤلاء الأعراب انتهاك عرضه أمامه، لإجبارهم على الخنوع والرضوخ ....كما رضخوا للرئيس الخالد حافظ الأسد، رضخوا ثلاثين سنة، ونريدهم اليوم أن يرضخوا خمسين سنة أخرى ...
- سيكون هذا، وأكثر من هذا، معركتنا مع الرجعية اليوم معركة حياة أو موت، لن نستسلم لهم، ولا لآل سعود، وآل ثاني، سنذيقهم كأس المـوت والـذل والعــار مــرة واحـــدة، حتى نسكــت أصواتهم ....كل الأسلحة ستستخدم، المدفعية والدبابات والهاون، حتى الصواريخ القريبة المدى، ولدينا قناصة مدربون في إيران على اصطياد النحلة من أسطح العمارات، مزودين ببنادق مجهزة للقنص، وسيختص هؤلاء بقنص قادة المظاهرة والمحرضين ....
- وتابع آصف شوكت يقول : يجب أن نخمد هذا التمرد، ونفرض الاستقرار، كي يكتمل الهلال الشيعي، من إيران فالعراق ثم سوريا ولبنان، ونطوق آل سعود وآل ثاني وأعوانهم من الشمال، ونصدر الثــورة الخمينيــة إلى الخليــج العــربي كله، ونحــرر الحرميــن من ( البدو الوهابيين ) لنجعلهما منطقة دولية مثل ( الفاتيكان ) يستطيع أي إنسان (مسلم أو غير مسلم ) زيارتهما، وسوف تزدهر السياحة، وتضاهي دخل النفط عندئذ ...وكلاهما النفط والحرمان سيكونان لنا ، نحن أصحابهما الشرعيون وليس البدو الوهابيين ....
- يقول أختري : هذه إبداعات الخميني يرحمه الله، وقد تفهمها وتشربها حافظ الأسد، وكان الأســد يعمل ( في غاية السرية ) على تنفيذ هذا المشروع الخميني ....سوف يكتمل الهلال الشيعي ؛ وتقوم دولتنا المسلمة العالمية، وتزدهر المنطقة كلها، وكل ذلك سيعجل بعودة الإمام الغائب، فيقتل النواصب، وينتقم لآل البيت منهم .....
- 5 –
خرج الملازم أول حسين النواف من ذلك الاجتماع، وحمد الله أنه صمد ولم ينفجر، ولو أنهم سمحوا له بإدخال سلاحه الفردي لشفى قلبه منهم وقتل آصف وأختر اللعين، لكنهم في مثل هذه اللقاءات يمنعون أي ضابط من اصطحاب سلاحه الفردي ...وقد تعلموا من بسالة خالد الاسلامبولي يرحمه الله ...
خرج حسين النواف وقد سيطرت على ذهنه فكرة الانشقاق عن جيش الأسد، جيش الذل والهوان الذي تخصص في قتل شعبه... وقرر الالتحاق بالجيش السوري الحر الذي شكلت أول خلاياه في (29/7/2011)، ويغلب على ظنه أن جميع عناصر سريته سينشقون معه، وعددهم خمسون عسكرياً بين جندي وضابط صف وضابط من رتبة الملازم، وكلهم يحبونه ويحبهم، وكان يتمنى أن يقاتل الصهاينة بهذه السرية التي شحنها باتقان التدريب، واستكمال العتاد، واتقان استخدامه أمام العدو، وكذلك شحنها بالإعداد المعنوي لتحرير الجولان، ولكنهم اليوم جاءوا بهم ليدمروا حي بابا عمرو على رؤوس سكانه من الشــعب الســوري الأعــزل ...جاءوا بالدبــابــات ( ت 72) التي اشتراها الشعب بخبزه وحليب أطفاله، لمعركة تحرير الجولان، ولم يشترها لتدمير بيوت السكان الآمنين من الشعب السوري في حمص عاصمة الثورة السورية ...
ومرت أيام قليلة كان يتابع ويلاحظ عناصر سريته، خاصة عندما تعطى لهم الأوامر بإطلاق النار من مدافع الدبابات على مناطق مدنية من حي بابا عمرو، ولاحظ بل تأكد أن قادة الدبابات يوجهون مدافعهم إلى الفضاء ويرمون قذائفهم في الهواء، وعرف التذمر لديهم جميعاً، وسمع منهم نفس المقولة ( هل أقسمنا على حماية الشعب السوري أم على تدميره ؟) ماذا جرى !؟ هل نحن في حلم ؟ أم نحن في واقع ؟
وعند ذلك جمع السرية وقال : سوف أعلن انشقاقي بعد دقائق، فمن يريد أن يبقى معي أهلاً وسهلاً سندافع عن الشعب السوري، ونبر بقسمنا الذي أقسمنا عليه، ونعيش كرماء أو نموت شهداء، ومن لايريد يمكنه الذهاب إلى بيته، بعد يومين يبقاهما في مكان السرية حتى نلتحق بالجيش الحر، ولايخطر في ذهني أو ذهن أي عسكري من السرية أن نرفع السلاح ضد بعضنا، بعد أن عشنا أخوة في السلاح مدة طويلة، فأجاب الكل مرة واحدة : كلنا ننشق معك سيدي، هل يعقل أن نقتل أهلنا بهذا السلاح الذي دربونا عليه لنحرر الجولان ؟ ثم تابع قائلاً : يقول (أختري ) اللعين : سيقتلون الأطفال، ويغتصبون النساء أمام ذويهن، ويؤكد أن ذلك سيذل العرب السوريين ويجعلهم يرضخون لبشار كما رضخ آباؤهم لأبيه حافظ الأسد .... خسأ النذل المجوسي الصفوي، لن يرضخ الشعب السوري بعد اليوم، لقد ولى زمن الخوف، وتنسم الشعب طعم الحرية، ولن يتراجع ....
وفي صباح اليوم التالي تناقلت الفضائيات خبر انشقاق سرية دبابات الملازم أول حسين النواف والتحاقه بالجيش السوري الحر، كما ظهر على الشاشات وبجواره الملازم أحمد، وخلفه عناصر السرية الذين رافقوه في الانشقاق، وشكلوا سرية (عمر بن الخطاب) في بابا عمرو ...ورافقه كثير من عناصر السرية، ماعدا بعضهم الذين هربوا تحت جنح الليل، وقد كانوا يظهرون الود والاحترام للملازم حسين ....
وأمام عناصر سرية عمر بن الخطاب التابعة لكتيبة الفاروق في حمص، والتابعة بدورها للجيش السوري الحر قال الملازم أول حسين النواف :
مهمتنا أيها الأبطال الشرفاء أن ندافع عن الشعب، ونمنع عصابة الأسد من دخول حي بابا عمر، لأنها ستدخل لتقتل الأطفال بالسكين وتنتهك الأعراض كما قال اللعين أختري، وسوف نتوزع على مداخل الحي، وسنجد قبلنا أخوة لنا انشقوا قبلنا، سننضم لهم، ونتعاون معهم من أجل منع كتائب الأسد من دخول الحي ...
ــ ما هوسلاحنا ياسيدي ؟ قال الملازم أحمد :
ــ أسلحتنا هي الأسلحة الفردية، هذه التي جاءت معنا، وسنتزود بالذخيرة يومياً من إخواننا في الجيش الحر، ووصول الذخيرة لنا أسهل من غيرنا، بسبب قربنا من لبنان ...
= ودباباتنا ياسيدي ؟
= سنضطر لتركها والتخلي عنها ، اتركوها في مرابضها ، فلا نستطيع الاستفادة منها ، لأننا سنخوض حرب عصابات ، ولانخوض حرب مواجهة حيث تلزم الدبابات ، الآن لانستفيد من الدبابات ، وسنتركها غصة في قلوبنا ...ولعل الجيش الحر يصل إن شاء الله إلى يوم يستخدم فيه الدبابات وسنجد كثيراً منها ....
ــ ياسيدي هاتوا أموال ونشتري مانريد من الذخيرة من المساعد أبي معن، أمين مستودع الذخيرة في اللواء، والله يبيع أمه وأباه بالمال ...
ــ نعم وهذا في صالحنا، سوف تصلنا مساعدات مالية ونشتري بها الذخيرة المطلوبة من المساعد أبي معن وغيره ....
ووصلت المعونات للإغاثة وحليب الأطفال، لكن أبطال الجيش الحر، قالوا الذخيرة أكثر أهمية من الخبز، وتــُرك جزء من المال للإغاثة، وخصص الباقي لشراء الذخيرة، وخاصة طلقات الأربجي، وقد فتح لهم (أبومعن) مستودعاته، مقابل (5000) ليرة سورية لطلقة الأربجي الواحدة، وقدموا ذلك المبلغ على الرغم من شح الأموال عندهم ...
لاحظتم المجازر المروعة التي ينفذها جنود حزب الله وجيش المهدي والحرس الثوري الإيراني، مما يجعلني أقول أن ماجرى في غزة وأفغانستان لايقارن بما يجري في بابا عمرو الآن، ولا أجد غير مذبحة ( سيربنتشا ) حدثاً مشابهاً لمجازر بابا عمرو ...مع الفارق وهو أن أوربا وأمريكا والغرب كله وقف مع ( سربينتشا) ... ولا أحد حتى الآن يقف مع بابا عمرو ...
وهذا مصداق مقالة ابن تيمية يرحمه الله : ( النصيريون أشد كفراً من اليهود والنصارى )، ومما يؤلم ويجعلنا نتحرج من قوله : أنه لدى مقارنة إجرامهم بجرائم اليهود، تصغر جرائم اليهود أمام جرائمهم ...ويتضح أنهم يريدون تفريغ حمص من سكانها لخطة يحلمون بها ...
هذه ثاني مواجهة بين أبطال الجيش السوري الحر، وكتائب النظام الأسدي، بعد المواجهة الأولى في ( الزبداني ) حيث انسحب الجيش النظامي منها، وترك الزبداني بعد أن تمركز الجيش السوري الحر فيها ....
- 6 –
خمسة وعشرون يوماً منذ بدأ القاتل بشار الأسد مجزرته المستمرة في حمص في تنفيذ عملي - كما يبدو - لتوصيات عصابة القتلة من مستشاريه ومستشـاري والده الهالك من قبله حول إنهـاء الثورة عبر "الصدمة",... العصابة التي شاركت في إخماد حركة المجاهدين المسلمين عام 1982 في حماة ومن الضالعين في المجازر التي ارتكبت هناك في الثمانينات، " هذه العصابة عادت إلى الخدمة والتفت حول بشار، ورجحت المصادر أن توجه الضربة إلى إحدى أكثر المناطق توتراً مثل المنطقــة الوســـطى وعلى الأغلب حمص وريفهــا الغــربي، والمهم أن الضربـة الأقسى التي يمكن تسميتها بـ "الصدمة " وجهت إلى حمص العدية وتركزت على أحياء متعددة نال منها حي بابا عمرو نصيب الأسد دون أن ينقص من حصة المناطق الأخرى شيء من نصيبها من القتل والترويع , لكن بابا عمرو - ?? المحاصر منذ شهرين والمهاجم منذ خمسة وعشرين يوماً يقدم صموداً أسطورياً أمام جيش يفترض أنه أعد على مدى عشرات السنين لحرب إسرائيل بعددها وعديدها وعتادها ....
* * *
- سيدي، وزعت الذخيرة على العناصر، المرابطين على مداخل الحي، وقد أقسموا أن لاتدخل كتائب الأسد إلا على أجسادهم، قال الملازم أحمد يخاطب الملازم أول حسين النواف . وقد عصب رأسه بالشماخ الأحمر، لعله يخفف البرد القارس الذي خيم على سوريا ذلك الشتاء الفريد ...
الرقيب المجند ( سعود ) من سرية عمربن الخطاب، التابعة لكتيبة الفاروق في حمص، يدافع عن مدخل بابا عمرو الشرقي، وهو أكثر المداخل تحسباً لدخول كتائب الإجرام الأسدية منه، ومعه ثلاثة من الأبطال المجندين، الذين سمح لهم قائد السرية بالانصراف إلى أهلهم، لكنهم أبو أن يتركوا إخوانهم في الميدان وحدهم .... وقد تمترسوا وتخندقوا بشكل مدروس عند مدخل الحي ....
- سيدي الملازم أول : أرى رتلاً من الدبابات الأسدية تتجه نحونا على بعد ألف متر تقريباً ...قال الرقيب سعود .
- اضربوا الدبابة الأولى على بعد (500) م فقط، وحاول أن تكون الضربة في جنزيرها، كي تعطلوها عن التقدم، ولاتؤذوا العناصر، فهم إخواننا في السلاح، وقد ينشقون ويلتحقون بنا ...
عندها تناول الرقيب سعود قاذف الأربجي، وسدد على الدبابة الأولى في الرتل، وقطع جنزيرها، فدارت حول نفسها، وتوقف الرتل ...
- سيدي اللواء آصف، عندهم قواذف أربجي، وعطلوا لنا الدبابة الأولى، قال قائد الدبابة المعطلة ....
- عودوا إلى مكانكم، على بعد ألف متر، واقصفوا النقطة التي جاءت منها قذيفة الأربجي . أجاب اللواء آصف ...
- حاضر سيدي ....وعاد رتل الدبابات، مخلفين وراءهم الدبابة المعطوبة ...التي خرج عناصرها والتحقوا بوحدتهم دون أن ينالهم أذى ....
- انسحب الأنذال سيدي، قال الرقيب (سعود) :
- خذوا حذركم، سوف يقصفون بعد ثوان ...انتبهوا ...
وتخندق عناصر الجيش الحر، في سواترهم بشكل جيد، وتوقعوا أن تقصفهم الدبابات عن بعد، وجاءت رشقة الدبابات، والمدفعية، والهاون، مركزة على تلك النقطة التي انطلقت منها قذيفة الأربجي ....واستشهد أحد الجنود، فحمله رفاقه وانسحبوا كما أمروا....بعد أن صدوا زحف كتائب الأسد التي تريد الدخول إلى حي بابا عمرو ....
- انسحب يارقيب سعود، اتركوا مكانكم، وعودوا إلى الموقع التبادلي حالاً .... قال الملازم أول حسين ...
* * *
وفي مطلع العام (2012) حاولت كتائب الأسد دخول الحي، فصدها أبطال الجيش الحر، وكبدوها خسائر بالأرواح، وغنموا عتاداً كثيراً، وقد فرحوا بقاذفات الأربجي التي غنموها، مع عدة طلقات، كما وعدهم ( أبو معن ) بتزويدهم بالذخيرة التي يريدون، إذا زودوه بالمال الذي يريد ...
- آلو يا لواء آصف : أنا ماهر، اسحب جميع العناصر بعيداً عن الحي، سوف نقذفه بالمدفعية والهاون والدبابات عن مسافة ألف متر على الأقل ...
- وانسحبت كتائب الأسد من حي بابا عمرو، وابتعدت عنه كما طلب اللواء ماهر الأسد، شقيق الرئيس السوري بشار، إن التاريخ يعيد نفسه، في الثمانينات حافظ وشقيقه رفعت، قتلوا أكثر من مائة ألف مواطن سوري نصفهم من حماة، وقتلوا السجناء في زنازينهم، واليوم بشار وشقيقه ماهر؛ تفوقوا على الأب في عمليات الإجرام، لأن مجازرهم عممت على أرجاء سورية من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب ... وقد شملت الريف والمدينة، شملت العمال والفلاحين الذين كذبوا على الشعب مرات ومرات أنهم يحكمون من أجلهم ، ومن أجل حقوقهم ، وهاهم الآن يقتلونهم كما يقتلون سائر أفراد الشعب السوري ...
- وبدأت قنابل المدفعية تتساقط على الحي، وقذائف الهاون، ومدافع الدبابات، كما لم يفعلوا ذلك مع إسرائيل، منذ ثمان وأربعين سنة ...وتهدمت كثير من العمارات على سكانها، وبلغ عدد الجرحى المئات، وأقام الجيش الحر عدة مشافي ميدانيةً، كانت ( حصة ) تجاهد في أحدها، تضمد الجرحى، وتقوم بعمليات جراحية بسيطة مع التضميد ...والمشفى الميداني هو شقة أو شقيتين متجاورتين، ينقل لهما الجرحى غالباً على الدراجات النارية، ويحاول الأطباء الأبطال تقديم ما بوسعهم لتخفيف الآلام وإنقاذ مايمكن إنقاذه، وقدمت هذه المشافي ــ على بساطتها ــ خدمات عظيمة للثورة، مما جعل النظام الأسدي يبحث عنها، ويسدد عليها قذائفه وصواريخه ....
- 8-
في شريط الأنباء على الجزيرة والعربية وغيرها كتبت هذه الفقرة لمدة أيام تقول :
- قالت الهيئة العامة للثورة السورية إن اشتباكات عنيفة وقعت في حي بابا عمرو بين قوات الجيش النظامي التي تحاول اقتحام الحي والجيش السوري الحر الذي يتصدى لهذه المحاولات.
تهجم كتائب الأسد بالدبابات والمدرعات والمصفحات ، ويقابلها الجيش الحـر بمشاته ، وبأسلحته الفردية ، البندقية والرشاش والقاذف الأربجي ...كتائب الأسد لاتعرف لماذا تقاتل الشعب ، مكرهة ومجبرة ، وبعضهم ينتظر الفرصة المناسبة كي ينشق عن كتائب الأسد ويلتحق بالجيش السوري الـــحر ...يصدهم الجيش السوري الحـر بكثير من الشباب الذين جاءوا يبحثون عن الشهادة في سبيل الله ، وبكثير من الجنود والضباط المنشقين عن كتائب الأسد ...وكثير من المواطنين الذين سبق لهم تأدية الخدمة الإلزامية في الجيش السوري ، ودربوا على الأسلحة الفردية ....لذلك الفرق كبير في الروح المعنوية بين الفريقين .....
وعلى مدى سبعة وعشرين يوماً، تقصف كتائب الأسد حي بابا عمرو بالمدفعية والهاون وحتى الصواريخ، لأنه لم يجرؤ على دخول الحي، بعد أن أحكم الجيش السوري الحر على مداخل الحي ...وأردى قتيلاً كل من حاول دخول الحي .... وكثر عدد الجرحى، مما جعل الجيش الحر يبني عدة مشافي ميدانية، يعمل في كل منها طبيـبان أوثلاثــة، وتعمل الدكتورة ( حصة ) طالبة الطب التي لم تتخرج بعد، تعمل في أحدها، ووسط هذا العمل المكثف قابلت (حصة ) خطيبها ( الملازم أول حسين النواف ) في بيت والدها ...
- أخبريني عن أحوالكم في المشفى الميداني يادكتورة ؟ قال حسين النواف .
- المشفى الميداني عندنا ثلاث شقق متلاصقة في طابق واحد في إحدى العمارات ، هاجر أصحابها ، وسلموها لنا لنستفيد منها في صالح الثورة ....
- عسى أن تكون أحوالكم جيدة ؟
- أحوالنا لاتصدق، معظم مادرسناه في كلية الطب لانطبقه الآن، خيوط الجراحة أنواع، لكل عضو نوع خاص به، أما عندنا فالخيط المتوفر هو الموجود والذي نستعمله ...
- والجراحون !!؟
- مساكين الجرحى، حتى أنا صرت ( جرَّاحة ) أخيط جروحاً عميقة أحياناً،بعد تنظيفها بالسرعة الممكنة، وأحياناً أخرج منها الرصاصة، وهل تصدق أن هذا كله بدون مخدر( بنج )، وكمية البنج المحدودة عندنا محجوزة للعمليات الجراحية الكبيرة التي قد تطول أكثر من ساعة، أما العمليات الصغرى ( نصف ساعة ) فتتم بدون تخدير ...
- وكيف يصبر المصابون ؟
- والله إنهم أبطال فعلاً، كثير منهم يتلو آيات من القرآن، ونحن نقص ونخيط في جسمه، وكأن التلاوة تبعد عنه الإحساس بالألم ...
- إنهم مجاهدون حقاً، يطلبون الشهادة، ويتشوقون إلى الجنة ...
- بل الأعجب من هذا أن كثيرين منهم يلح علينا أن نسمح له بالعودة إلى ميدان القتال، ويبكي عندما يسمع عن أخبار الميدان، وينتظر الدقائق التي يسمح له بالعودة للقتال ...إنهم مجاهدون فعلاً، وربما أقول يندر مثلهم في هذا الزمن الرديء .
- وهل تصلكم الإمدادات الطبية من دواء وأدوات ؟
- نعم، تصل، كميات محدودة ، ولكنها لاتكفي ...
- الرمد أهون من العمـى، وليس في الإمكان أبدع مما كان ...
- المهم توفر الحبوب المضادة للالتهابات، التي تحفظ الجروح من التعفن...وخيوط ومقصات الجراحة، ويومياً يصل المندوب الطبي القادم من لبنان، ومعه كميات من هـذه الأدويــة والأدوات، وبعض الأجهــزة الطبيـــة الصغيرة والضرورية للمشفى ....
- كم حالة تعالجونها في اليوم ؟
- أولاً : ليس عندنا يوم في المشفى الميداني، لأن العمل مستمر، الجرحى أكثر من طاقتنا بخمسة أضعاف، لذلك نعمل بشكل مستمر، حتى يكاد أحدنا يسقط من التعب، نلح عليه أن ينام ساعتين أوثلاث، ثم يعود للعمل.
- ماهي أكبر مشكلة تواجهونها ؟
- انقطاع الكهرباء ...فالمولدات التي زود بها المشفى، لا تعوض التيار الكهربائي الأصلي، الذي يشغل الأجهزة، وخاصة الثلاجات التي نحفظ فيها جثث الشهداء ... التي نضطر للاحتفاظ بها حتى يتم التعرف على هويتها قبل دفنها ....
- وكيف هي الروح المعنوية في المشفى ؟
- عالية جداً، الأطباء يواصلون العمل ساعات طويلة، كل منهم يعمل ثلاثة أضعاف المدة المقــررة عــادة في المشــافي، وهم سعداء ويكررون قوله تعالى { من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً .....المائدة 32} .ويرون لعملهم أهمية كبيرة عند الله عزوجل { فكأنما أحيا الناس جميعاً }، لذلك لايشعرون بالتعب والملل، ونجبرهم على النوم ساعتين أو ثلاث في اليوم ...عندما نراهم يتمايلون من الإرهاق ....فينامون في المشفى الميداني بين أنين الجرحى ...على فراش مؤقت ومتواضع...يأكلون قليلاً ، وينامون قليلاً ، ويعملون كثيراً ...
- وكذلك كل من يعمل في المشفى الميداني، ومنهم المراسل الذي يحضر الأدوية والأدوات بسيارته أو على دراجته النارية، وكل حركة له مغامرة بحياته، ولو ضبط مزقوه بحرابهم، لأنهم صاروا يحقدون كثيراً على هذه المشافي الميدانية، يدخل هذا المراسل والفرح يملأ وجهه، وهو يقدم الأدوية والأدوات للصيدلي أو من ينوب عنه الذي يستلمها، ويوزعها على الأطباء خلال العمل ...
- سبحان الله ! لماذا يكرهون المشافي الميدانية ؟ هل يريدون القضاء على الشعب السوري ؟؟؟؟
- نعم ، يريدون أن يموت الجرحى أمام الآخرين ؛ من أجل إذلال الشعب السوري وإرهابه ، يريدون إرهاب الشعب السوري كي يخنع ويطاطئ رأسه ، بضع عقود كما مضى ...
* * *
من مسببات النصر، والقضاء على الحكم الجبري، كما أراد الله ذلك، وأخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم، ( ...ثم يكون حكمأ جبرياً فيكون فيكم ماشاء الله أن يكون ثم يرفعه الله إذا شاء أن يرفعه ...) من هذه المسببات تطور وسائل الاتصال، فالانترنت، واليوتوب، والفيسبوك، والتويتر، وكاميرات التصوير في الجوالات، وشبكة الانترنت التي تستقبل الرسائل الصوتية وأفلام الفيديو، وتبثها في الحال، حتى – كما يقول آصف شوكت – أن المندســين(الثـوار) يملكـون أجهــزة بــث متصلة بقناة الجزيرة والعربية ؛ تبث الحدث في اللحظة ذاتها ... والفضل لله ثم لجماعة الإخوان المسلمين التي زودت الثوار بعدد من هذه الكاميرات، ومنذ الشهر الأول أرسلت الجماعة مئات من أجهزة الثريا، ثم أرسلت عشرات الكاميرات للتصوير، ثم أرسلت عشرات الكاميرات التي تنقل صورة الشارع وتعكسها على قناة الجزيرة والعربية، هذه المتغيرات لم يحسب النظام الأسدي حسابها، ففي عام (1982) كان العالم كله ينتظر نشرة الأخبار الأردنية ليقول المذيع : أفاد قادمون من سوريا أنه تم إعدام عشرات المواطنين في حي الحاضر بحماة، اليوم ظهراً، أمام ذويهم في الشارع العام .... ثم ينتظر الناس يوماً كاملاً ليسمعوا تفصيلاً للنبأ أو يسمعوا نبأ آخر .....أما اليوم بعد ثلاثين عاماً وقد أراد الله انهزام الحكم الجبري ؛ فقد هيأ وسائل الاتصال الحديثة التي تنقل الخبر بالصوت والصورة حال وقوعه ....وتكشف للعالم أجمع مدى إجرام النظام الأسدي الذي يقتل شعبه بالأسلحة الثقيلة التي أعدها للعدو، والتي لم ولن يستخدمها مع الصهاينة، لكنه اليوم يستخدمها ضد الشعب السوري، عدوه الحقيقي، وقد برع الشباب في استخدام وسائل الاتصال الحديثة، قتفوق الشباب على إعلام الكتائب الأسدية .....وبرزت أسماء لامعة في حمص خاصة عاصمة الثورة السورية، يتكرر ظهورهم بالصوت والصورة على الفضائيات مثل الشاب خالد أبو صلاح، وهادي العبد الله وآخرون في المحافظات الأخرى ... وصاروا مراسلين محترفين لوسائل الإعلام، بعد أن منع النظام الأسدي وسائل الإعلام من إرسال مندوبين عنها إلى سوريا .... وظهرت كوادر إعلامية عظيمة في الثورة السورية....
كما سخر الله نشطاء إعلاميين عالميين لكشف الحقيقة، وبثها في الغرب خاصة والعالم عامة، كما نقرأ في هذا التقرير :
· في (21/ 2/ 2012) , وصلت رسالة إلى قسم الصور لصحيفة التايم في نيويورك، من المصور الفرنسي وليام دانيالز William Daniels يقول فيها بأنه تمكن من تهريب نفسه إلى حي باب عمرو المحاصر في مدينة حمص، إلى جانب المراسلة الفرنسية إديث بوفيير Édith Bouvier والمصور الفرنسي ريمي أوشليك Rémi Ochlik والمراسل الإسباني خافيير اسبينوزا Javier Espinosa , فضلاً عن المراسلة الأمريكية ماري كولفين Marie Colvin المتخصصة بتغطية الحروب، والمصور البريطاني بول كونروي Paul Conroyاللذين وصلا إلى هناك قبل يوم واحد. ولقد تسللوا جميعهم إلى البلاد بمساعدة ناشطيين سوريين ( من الجيش الحـر ) قاموا بتهريبهم عبر الحدود مع لبنان .
في الساعة 8:22 من صباح يوم (22/2)، فتح الجيش السوري النار على المنطقة التي يقيم فيها الصحافيون. حيث يقول دانيالز البالغ من العمر 35 عاماً: “لقد بدأ القصف قريباً جداً، دوى انفجار تبعه آخر، و عند الانفجار الثالث، أخبرنا السوريون الذين كانوا معنا “بضرورة الخروج”. لأن القصف يستهدفنا، فالصحفي الأوربي خطير جداً عليهم ، لأنه مصدر إعلامي مستقل ومحترف ومحايد ينقل المعلومة الصحيحة التي يخفيها النظام الأسدي بوسائل إعلامه التي لاتخجل من الكذب ....
ركض كل من كولفين وأوشليك خارج مخبأهم المؤلف من غرفتين لالتقاط أحذيتهم عند المدخل كي يتمكنوا من الفرار.
في تلك اللحظة، انفجرت قذيفة صاروخية في الجزء الأمامي من المبنى، مما أسفر عن مقتل كل من كولفين وأوشليك على الفور، وامتلأ الجو بالغبار. في خضم هذه الفوضى، سمع دانيالز صراخ بوفيير: “وليم, وليم! لا أستطيع التحرك”، حيث كانت قدمها اليسرى ملتوية، فقام بسحبها من كتفيها، و كانت تعاني من نزيف حاد.
ترنح دانيالز في طريقه إلى المدخل بينما كان يحمل زميلته. وبينما كان ينظر إلى الأسفل، رأى صديقه أوشليك, ذو الثمانية والعشرين ربيعاً فقط، ملقىً على الأرض مفارقاً الحياة، ثم قال لاهثاً لبوفيير “إديث، ريمي لن يكون معنا بعد الآن”.
اختبأ الصحفيون والسوريون المتواجدون في المنزل لمدة 10 دقائق في الحمام – أكثر الأماكن أمنا ً- وهم ينزفون ويرتعشون، إلى أن وصلت سيارة لإخراجهم من هناك. سارع الناشطون السوريون الغاضبون لأخذهم إلى عيادات ميدانية متنقلة،حيث أعلن الطبيب، وهو طبيب عسكري منشق من جيش الرئيس بشار الأسد، بأن بوفيير بحاجة إلى عملية جراحية نتيجة كسرين في عظم الفخذ.
لقد كان من المستحيل إجراء هذه العملية في ظروف الحرب هذه التي يعاني منها حي بابا عمرو المحاصر في حمص. كما كان من المستحيل أيضاً الفرار باستخدام النفق الذي جاؤوا منه، نظراً لحالة بوفيير التي لم يكن باستطاعتها المشي، ونقلها بالسيارة يشكل خطورة كبيرة على سلامتها. وكان كونري مصاباً في بطنه بالإضافة إلى جرح كبير في الساق، ولكن من الممكن نقله بسهولة.
قام الطبيب بإعطاء بوفيير حقنة مورفين, وساعد الصحفيين بالعثور على ملجأ جديد، عبارة عن غرفة ذات نافذة واحدة صغيرة محاطة بمنازل ذات ثلاثة طوابق، ولا يمكن رؤيتها من الشارع.
وخصص اثنان من الناشطين المدربين على الإسعافات الأولية لرعاية كل من بوفيير وكونري بالتناوب كل 12 ساعة، ويقومون بحقن بوفيير بمسكن ألم وأخيراً توجيه دانيالز حول كيفية التعامل مع الحقن.
قام الصحفيون بتسجيل شريط فيديو، وسلموه إلى أحد الناشطين لرفعه على موقع اليوتيوب ونشرها في جميع أنحاء العالم، وأظهر التسجيل كلاً من دانيالز, كونري وبوفيير وهم يناشدون اللجنة الدولية للصليب الأحمر للقيام بإجلائهم.
كان النظام يُضيق الخِناق على بابا عمرو وقد صمم على سحق ما أصبح معقلاً للجيش الحر. وكان دانيال قد قرر عدم التخلي عن بوفييه.
وكانت كتائب الأسد قد دمّرت خزانات المياه على الأسطح عامدةً متعمدةً، وهكذا انقطعت المياه بعد أيام قليلة، لأنه يحارب أعداء يريد القضاء عليهم ، يريد أن يموتوا عطشاً ، إنه عدو حاقد يريد القضاء على الشعب كما أن الضوء الوحيد كان ضوء الشموع ومصابيح الكاز، لأنه قطع الكهرباء عن حي بابا عمرو. قام الأهالي بتزويدنا بأغطية و وقود للتدفئة من شدة البرد القارس، كان مخزون الطعام في تناقص حاد .
كان سكان بابا عمرو ودودين إلى حد يفطر القلب، وكانوا يقومون بتزويد الصحفيين بالحلويات والسجائر حتى أنهم كانوا يبحثون عن سجائر وينستون المستوردة ليقدموها لضيوفهم.
في (24/2)، كانت هدنة لمدة ساعتين، ما أتاح الفرصة لدانيال وإسبينوزا لاسترجاع بعض مقتنياتهم من مخبئهم الأول والذي كان قد تعرض للقصف، وقد أخذ دانيال بعض البطاريات من حقيبة صديقه المتوفى ريمي أوشليك، كما أنه أخد محفظة أوشليك وكمبيوتره و جواز سفره وكميرا محطمة، ليوصلها إلى ذويه ....
كانت الفرصة متاحة خلال فترة وقف إطلاق النار ليتمكن دانيال من التقاط صورللدمار في حي بابا عمرو وكان قد ذهب لرؤية جثتي كولفين وأوشليك في مشرحة ميدانية قام الأهالي بتجهيزها في شقة مجاورة وقد كتب على جثامينهم بالعربي ” رجل” و “إمراة ” لتمييزهم وقد قام دانييل بكتابة أسمائهم بأحرف كبيرة خشية أن تضيع الجثث في هذه الفوضى.
بعد ثلاثة أيام قام العاملون بالمشفى بدفن الجثتين بعد أن نفذ الوقود اللازم لتشتغيل البرادات.
استعار دانيال لاسلكي سيارة الإسعاف وتحدث إلى ممثل الصليب الأحمر في سوريا مارين غاسر قائلاً ” أخرجونا من هنا ” وقد جاء الرد متقطعاً ” لا تقلق نحن نتفاوض من أجل الوصول إلى بابا عمرو وكل شيء سيكون على مايرام”.
بعد قليل قامت قوات الأمن بإطلاق عدة صواريخ وقد بدا أنهم كانوا يستهدفون مخبأ الصحفيين بشكل مباشر.
“هنا صاروخ وهنا آخر” يقول دانيال وهو يشير إلى خريطة رسمت يدوياُ بينما يروي قصة ما حدث. لقد كُشِف الصحفيون وأصبحوا الأن أهدافاً سهلة المنال.
بعدما لقي كل من كولفين وأوشليك مصرعهما في الانفجار الذي استهدفهما، يعتقد دانيال الآن أن الجيش السوري استهدفهم بشكل مقصود. لقد توالت الانفجارات لساعات خلال الليل وحتى الصباح.
” لقد كنا خائفين حقاً” يستطرد دانيال قائلاً وهو يتنفس الصعداء. على الرغم من المخاطرة بأنهم قد يعتقلوا أو ما هو أسوأ من ذلك فقد تلقوا تعليمات من السلطات الفرنسية تقول بأن عليهم أن يغادروا بأسرع وقت ” لقد قررنا أن نغادر مع أول سيارة إسعاف تصل إلينا ولكن أياً منها لم يصل”.
في (25/2)، كان الجيش السوري قد وصل إلى أطراف حي بابا عمرو وكان على وشك أن يحطم خطوط الدفاع. كان الوقت يمضي بسرعة وقد قرر الرفاق الأربعة الهروب بالطريقة ذاتها التي جاؤوا بها من خلال نفق يمتد لأكثر من 2.5 ميل. قاموا بتثيت بوفييه إلى حمالة وقام أربعة سوريون بالتناوب على حملها ثنائياً. ولكن النفق والذي كان عبارة عن قناة لجر المياه لم يكن عالياً وكان عليهم أن يمشوا منحنيين حاملين معهم أمتعتهم الثقيلة وقد تعثروا كثيراً وهم يمشون خلف كونروي وإسبينوزا، اللذين كانا بالمقدمة مع مجموعة من الناشطين السوريين.
كثير من نشطاء المعارضة ركبوا على دراجات نارية وهي الوسيلة المستخدمة لنقل الإمدادات للمناطق المحاصرة ولنقل المصابين خارجها. وفجأة كان هناك انفجارات، لقد هاجم الجيش نهاية النفق البعيدة وقد فرّ الناس وهم يصرخون.
في العتمة الموحشة توسلت بوفيبه لصديقها قائلة علينا أن نتحرك من هنا. كان دانيال يعتقد أن بوفييه ثقيلة جدًا. حاول جاهداُ أن يحافظ على هدوئه وحاول أن يسحب الحمالة ولكنه لم يستطع تحريكها وعندها سمع صوت دراجة نارية ورأى ضوءاً خافتاً فركض باتجاهها طالباً المساعدة ثم قام هو وسائق الدراجة بوضع بوفييه على الدراجة النارية بعد تحريرها من الحمالة، وجلس دانيال خلفها وانطلقوا عبر الظلام عائدين إلى حصار بابا عمرو وقد سقطوا عدة مرات وفي أحد المرات ارتطم رأس بوفييه بقوة بسقف النفق.
في وقت متأخر من يوم الخميس وقد أضطروا أن يمضوا ليلتهم الأخيرة في سوريا بانتظار انتهاء العاصفة الثلجية. لقد استغرقت رحلتهم أربعة أيام ليسافروا 25 ميل وبعدها تم نقلهم بواسطة سيارة إسعاف إلى المشفى الفرنسي في بيروت وفي الطريق قاموا بتشغيل موبايلاتهم وأرسلوا رسائل الفرح إلى أصدقائهم. ” لقد نجونا ” يقول دانيال وهو يضع رأسه بين يديه ويبكي كما لو أنه يعيش التجربة كلها في هذه اللحظات.
في المساء التالي- بعد تسعة أيام على مقتل كولفين وأوشليك، وصل دانيال وبوفييه مطار فيلاكوبلي العسكري Villacoublay في باريس على متن طائرة فالكون حكومية فرنسية. وقد أشاد الرئيس الفرنسي ساركوزي وهو يتحدث للمراسلين بالصحفية بوفييه وبشهامة مرافقها دانيال الذي لم يتخلَ عنها للحظة على الرغم من أنه لم يكن مصاباً وكان يستطيع الهرب وحده.
بعدها بدقائق قليلة خرج دانيال من الطائرة وهو يبتسم ويلوح بيده مرتدياً سترة خضراء وقبعة سوداء ثم خرجت بوفييه محمولة على نقالة وهذه المرة بواسطة ممرضين فرنسيين.
“القصة الحقيقية ليست قصتنا .. إنها قصة الشعب السوري” يقول دانيال. “يجب أن تكتب ذلك، فما عايشناه لم يكن سوى عشرة بالمائة مما عايشه سكان بابا عمرو”
- 10-
أكد النشطاء أن قوات النظام “لم تدخل بابا عمرو”، مؤكدين أن “الجيش يحاول إدخال مشاته من ناحية ساحة الباسل لكرة القدم وهناك مواجهات شرسة بالبنادق والأسلحة الآلية الثقيلة”، وأضافوا أن الجيش السوري الحر “سيدافع عن الأحياء حتى آخر رجل”.
وأكدت لجان التنسيق المحلية أنه يصعب معرفة عدد القتلى والجرحى إثر المعارك الجارية حول حي بابا عمرو والأحياء الأخرى في حمص بسبب الانقطاع شبه التام للكهرباء في المدينة .
وأكد عضو الهيئة العامة للثورة السورية هادي العبدالله من جهته، أن قوات النظام “لم تدخل حتى هذه اللحظة بابا عمرو”، مضيفاً “أنهم يطوقون الحي، وهناك اشتباكات عنيفة مع عناصر الجيش الحر لا سيما من ناحية حي الإنشاءات وشارع الملعب”.
. وقال العبدالله إن الجيش السوري الحر وناشطين مدنيين يعملون على “إجلاء العائلات من أماكن يستهدفها القصف”، مشيراً إلى أن “قصفاً جنونياً يطال حتى الأماكن التي كنا نعتبرها آمنة”.
وأضافوا أن مروحيات الجيش النظامي تشارك في الهجوم على حي "بابا عمرو".
وأضافت الهيئة العامة للثورة السورية أن الجيش النظامي كشف طريقاً سرياً للإمداد كان يتم عبره إدخال المواد الطبية والغذائية إلى بابا عمرو، وعمد إلى تفجيره بالديناميت، مما أسفر عن إصابة عدد ممن كانوا فيه.
ويعد الطريق المكتشف جزءاً من الخط الأنبوبي المعروف بخط "ساريكو"، الذي يربط نهر العاصي في حمص بحماة، وكان الناشطون يستخدمون جزءاً منه للربط بين بساتين بابا عمرو وبساتين قرية مجاورة، من أجل إدخال الغذاء والأدوية وإجلاء الجرحى.
وأوضح هادي عبد الله أن «الطريق عبارة عن أنبوب ماء بطول 2700 متر قطره 105 سنتمترات ويربط بين بساتين بابا عمرو وبساتين قرية مجاورة، كان يستخدمه الناشطون من أجل إدخال الغذاء والأدوية، وكذلك من أجل إخراج الجرحى».
* * *
تحدث الدكتورة حصة نفسها وتقول : هؤلاء الصفويون لايتورعون عن ارتكاب أبشع المجازر، وأشد الصور إذلالاً للعرب، فقد ساقوا أمس مجموعة من نساء حي بابا عمـرو عـاريات يبكين في الشارع، ساقوهن ضرباً بالكرابيج لإذلالهن وإذلال ذويهن، واستخدامهن كدروع بشرية ، وكان المنظر مخيفـاً في غايــة الإذلال، النســاء العاريات يبكين، ويتضرعن إلى الله أن يســترعليهن، وجنود الجيش الـحر يتقطعون غيظاً وألماً، ويترصدون اللحظة المواتية، وبعد دقائق انقضوا على جنود الكتائب الأسدية بالرشاشات الخفيفة، والقنابل اليدوية وحصدوا عشرات منهم، كدسوهم في الشارع بينما تمكنت النسوة من الهرب واللجوء إلى البيوت، حيث ألقيت عليهن الثياب من الشرفات، وسترت العورات ....ثم دخلن في البيوت، لتعود كل منهن إلى ذويها بعد مسيرة الإذلال ...
وتتابع الدكتورة حصة فتقول لنفسها : ( أنا في قلب المعركة ولا أحمل سلاحاً)،وهاهم الصفويون كما صرح أختري يتقصدون هتك الأعراض، و يقول أكثر مايذل العربي هتك عرضه أمامه، فماذا تفعل حصة لو حاولوا هتك عرضها !؟ هل يشفع لها أنها طبيبة ؟ وقد تواردت الأنباء عن حنقهم على المشافي الميدانية، وعلى الأطباء العاملين فيها ...
لذلك قررت أن تطلب من خطيبها الملازم أول حسين النواف قائد سرية عمر بن الخطاب التابعة لكتيبة الفاروق أن يزودها بمسدس تخفيه في ثيابها وتدافع به عن عرضها إذا لزم الأمر ...لذلك هتفت للملازم أول حسين .
- ألو، سعادة الملازم أول حسين، أنا الدكتورة حصة، أريد أن أراك في أقرب فرصة لأمر هام ...
- طيب، سأحاول زيارة والـدك اليـوم بعيد التاسعة – إن استطعت وسأهتف لك عند ذلك ...
- وفي التاسعة والنصف التقى الملازم أول حسين بخطيبته الدكتورة حصة في منزل والدها الذي تهدم جزء منه،وأصر والدها على البقاء فيه، بعد أن رحل أولاده الصغار من الحي ...
- أريد سلاحاً أدافع به عن عرضي إذا لزم الأمر ...
- نعم، هذا مافكرت فيه، وأحضرت لك مسدسي ( البراوننغ ) الذي مارميت به إلا أصاب الهدف من الطلقة الأولى ...ولعلك تتذكرين دروس الفتوة في المرحلة الثانوية ...هكذا نملأ المخزن بالطلقات، وهكذا نركب المخزن، وهكذا نلقم الطلقة الأولى، وهذا مسمار الأمان، نرفعه قبل إطلاق النار بثانيتين فقط ...نرفعه هكذا ...ونمسك المسدس بيد ثابته، ولاتمدين يدك كثيراً كي لايخطفوا المسدس منك ...ثم نضغط على الزناد بقوة مع المحافظة على اتجاه المسدس نحو قلب المجرم ...
- تناولت المسدس بيد ثابته، وقالت : اللهم أرني خيره، وأبعد عني شره، ثم أردف الملازم أول حسين : يجب أن تعلمي أنك تستخدمينه مرة واحدة فقط ...( وغص بالكلمة الأخيرة ) ثم قفل راجعاً وهو يتمتم : أودعتك في خزائن الله الذي لاتضيع ودائعه ...
- قف ياملازم أول حسين أعدني إلى المشفى ...
- قال والدها : باتي عندي اليوم يابنتي ..
- يا بابا الجــرحى كثيرون، ولايوجـد ســوى طبيبين فقط،لابد أن أساعدهم، عندئذ ضمها أبـوها إلى صدره وشـــمها بعمق وهو يكـرر ( الله خير حافظاً وهوأرحم الراحمين ) ...
وعادت برفقة خطيبها الملازم أول حسين إلى المشفى الميداني، لتكمل مهمتها في تخفيف آلام الجرحى الأبطال ...ولما ودعها الملازم أول حسين عند باب المشفى كرر لها : قلت تستعملي المسدس مرة واحدة فقط، ولاوقت لخطأ وتصحيح الخطأ وأقول لك كما قال والدك ( الله خير حافظأً وهو أرحم الراحمين ) ..ومضى إلى قيادة كتيبته ...
* * *
سيدي أرجو أن تسمع ماكتبه أنور مالك ( عضو بعثة المراقبين العرب ) في صحيفة الحياة، إنه رجل شهم ذو مروءة، لايخاف في الله لومة لائم .. قال الملازم أحمد مخاطباً الملازم أول حسين :
- اقرأ لنسمع :
ويقرأ الملازم أحمد : (( أربك قرار الفريق أول مصطفى الدابي بالدخول لحي بابا عمرو محافظ حمص، الذي أكد أننا نتحمل المسؤولية فيما يتعلق بأمننا، بل حاول تخويفنا من تصفيتنا من قبل "الجماعات الإرهابية" لكن الدابي أصرّ على الذهاب ومن دون حماية من قبل الجيش والمخابرات الذين لا يمكنهم التجرؤ على الدخول لحي بابا عمرو الثائر. أكملنا طريقنا من دون حماية لأن الحراسة المرافقة لنا توقفت في شارع البرازيل الذي أدركنا لاحقاً مدى سيطرة القناصة التابعين للنظام على البيوت فيه ...
أول ما وقفنا على مدخل الشارع الرئيسي لبابا عمرو هالني وصدمني مشهد الدمار الذي حلّ به، وجدناه خالياً لأن السكان غادروا خراب بيوتهم منذ أيام، وظهر الحي عبارة عن مقبرة لا حياة فيها أبداً، فالدخان يتصاعد، والجدران مهدمة، وآثار الرصاص في كل مكان، حتى بقع الدماء لم تجف بل بينها الحديث جداً وقع قبل دقائق من وصولنا.
بعد لحظات من بلوغنا الحيّ، انسلّ السكان إلينا جماعات تترا من أجداثهم يستنجدون بنا ويشتكون وضعهم البائس، كان حالهم سيئاً وظروفهم لا يمكن تصورها ولو في الأفلام الخيالية. لم نلبث إلا حوالي ساعة واحدة حتى صار عددهم بالآلاف يهتفون بسقوط النظام ومحاكمة بشار الأسد وإعدامه، شعار يرفعه الشيخ الطاعن في السنّ، ويردده الصبي الذي لا يقدر على الكلام، وتزغرد له النساء، ويهتف له الشبان، ويلحّ عليه مسلحون لم يخفوا أنفسهم، بل تقدموا إلينا وفي أيديهم أسلحتهم الخفيفة وبطاقات الهوية العسكرية.
فقلت حينها للدابي لو كان هؤلاء من "الجماعات الإرهابية" ما خرجوا لنا من اللحظات الأولى وما عرّفونا على أنفسهم.
أذكر أن الجميع هتفوا للجيش الحر ورددوا كل الشعارات الطيبة تجاهه، ولا أسمع غير كلمة واحدة: "لولا الجيش الحر لذبحونا"، "الله محيي الجيش الحر".
لقد وقفنا على قتلى وجرحى ومسلوخين ومسحولين وممزقين لأشلاء ومقطعي الأوصال....
بعدما قمنا بإجلاء حاجز عسكري ( من عصابات الأسد ) كان محاصراً في المؤسسة الغذائية بحي بابا عمرو، وفي ظروف سيئة للغاية حيث ظلّ محاصراً من قبل الجيش الحرّ، وبينه جرحى وقتلى ...
سألت آصف شوكت عن أسباب عجزهم عن تحرير أكثر من ستين عسكرياً وبآليات معطوبة، كانوا محجوزين في المؤسسة الغذائية ؟ أجاب بعنجهية الطغاة: "بإمكاننا نسف ومسح حي بابا عمرو في 15 دقيقة، ولكن خوفنا من شيء واحد فقط"، وهي الأجهزة المتطورة التي تبث مباشرة مع قناتيْ الجزيرة والعربية"! وهذا لم يكن عام (1982) حيث دمرنا نصف مدينة حماة كما نريد، وقتلنا عشرات الألوف من مجرميها، ولا أحد يدري ماذا نفعل ؟؟ اليوم يختلف اختلافاً كبيراً...
ويتابع أنور مالك : (واستغلوا عناصرالبعثة العراقية، الموجودة معنا، وكانت بحوزتهم هواتف نقالة متطورة ولم يقوموا بتغيير شرائحهم الأصلية، وظلّوا على اتصال دائم مع جهات نجهلها، من خلال هواتفهم التي جلبوها معهم، وفيها خاصية تحديد المواقع «GPS» طبعاً،كانت تحدد الأماكن الحساسة التي يتمركز فيها عناصر الجيش الحر والنشطاء البارزون على غرار خالد أبو صلاح وصحبه، حيث تأكدت لاحقاً أن النقاط ذات الأهمية التي وقفنا فيها ومعنا المشكوك في أمرهم، قد تمّ قصفها في أول العمليات العسكرية التي استهدفت بابا عمرو في الآونة الأخيرةً. وهكذا قدم بعض أفراد المراقبين العرب خدمات عسكرية وأمنية للنظام الأسدي، ساعدت في تحديد أماكن المطلوبين من قادة الثورة ونشطائها ....
* * *
- ياسيدي ؟ هل يريدون تدمير حمص كلها ؟ لماذا ؟ قال الملازم أحمد مخاطباً الملازم أول حسين النواف ...
- كنا نسمع ونحن طلاب أنهم يريدون حمص عاصمة لدولتهم الساسانية الصفوية التي تمتد من الساحل السوري إلى إيران ، مروراً بحمص والبادية السورية ، فالعراق ، وقد ملكوا العراق ، سلمته أمريكا لهم ، الشيطان الأكبركما يسمونه ، الشيطان الأكبر عميلهم ساعدهم في العراق ، وساعدوه في أفغانستان ... وهاهو لبنان تحت سلطة حزب اللات . أجاب الملازم أول حسين النواف .
- وهل يؤيدهم العلويون في هذا التدمير والتخريب الشيطاني ؟
- لا ، ابداً ، أزلامهم فئة مجرمة أغلبهم من العلويين ، ولهم أزلام من ذراري السنة ، وغيرهم من الطوائف ...
- والعلويون يفكرون كطائفة تشكل عشر الشعب السوري ، ولاتغامر في تحريك نقمة الشعب السوري ضدها ، وهم أعقل من أزلام النظام الأسدي ، لايريدون أن يقطعوا شعرة معاوية التي تربطهم بأهل السنة في سوريا ...
- لكن من الواضح أن بشار وأزلامه يريدون ربط الطائفة العلوية بهم ، ويخوفونهم من الطائفة السنية إذا سقط النظام الأسدي .
- عندما يسقط النظام الأسدي سيأتي بعده نظام ديموقراطي ، تعددي ، لايقصي أحداً ، وسيحصل البعثيون والعلويون والدروز والمسيحيون والإسماعيليون والأكراد وكل فئات الشعب ...سيحصلون على حقوقهم ، وسيكون صندوق الاقتراع الفيصل الذي يقرر ....
- وسيقبل الشعب السوري بصندوق الاقتراع الحر النزيه ، وستحصل أغلبية الشعب السوري على حقها المهضوم والمسروق منذ بضعة عقود ، ويسود مناخ الحرية والعدالة والديموقراطية ... لن يظلم أحد ، ولن يقصى أحد . كل سوري له الحق أن يعيش حراً كريماً في وطنه ....
* * *
|
- المشافي الميدانية ، هذه الأوكار المجرمة يجب أن نقضي عليها ...نريد أن نقتلهم، ونريد أن يموت الجرحى، ولا نريد أن يعالجوا، قال ذلك اللواء آصف شوكت لضباطه المحاصرين لحي بابا عمرو، وتابع يقول :
- وصفوا لي مشفى ميدانياً فيه طبيبة نشيطة جداً ومتفانية في علاج الجرحى، شابة لم تتخرج بعد من الجامعة، تابع اللواء آصف ...
- هذا هو ياسيدي، وأشار الضابط على الخارطة ...ودونه مجموعة من الإرهابيين يحمونه، ومن الصعب الوصول له ...
- لماذا نصل إليه، سندكه بالهاون، حتى ندمره، ثم أريد أن تحضروا لي هذه الطبيبة حية أو ميتة ..
- حاضر سيدي اللواء ...
- وأعطيت الإحداثيات لسرية الهاون، وسرية الصواريخ، مرة بالهاون وأخرى بالصواريخ كي تركز قذائفها على المشفى الميداني...وتكرر القذائف حتى يـسوى بالأرض، ويستشهد الأطباء والجرحى،ويأمر قائد سرية الهاون جنوده بالبحث عن الطبيبة وإحضارها حية أو ميتة إلى اللواء آصف كما طلب...بعد أن انسحب جنود الجيش الحر عن العمارة التي سويت بالأرض، وقتل كل من فيها من الأطباء والجرحى معاً ...
- وعثر الجنود على الدكتورة حصة، جريحة كسرت ساقها، تزحف ولاتقف ، فحملها جنديان بعد أن شتموها وعبثوا بأيديهم في جسدها الطاهر الجريح، وكانت يرحمها الله في قمة الوعي، فاستلت مسدسها ، حررت مسمار الأمان بهدوء ،وقتلت الجنديين، والرقيب المرافق لهما، الذي أراد أن ينال حظوة عند آصف شوكت إذا أوصلها له حية أو ميتة، قتلت الجنديين والرقيب، وبقيت ممددة على الأرض لاتستطيع الحراك، لاتستطيع الهرب، ولايجرؤ الضابط من الاقتراب منها، لأن المسدس مازال في يدها .. ولم يكن أمام الضابط سوى قتلها، لذا أطلق الضابط النار على رأسها فاستشهدت يرحمها الله ... استشهدت يرحمها الله ، بعد أن قدمت كل ماتستطيع من علاج الجرحى وإسعافهم ، وتسابقت الطيور الخضر لتحمل روحها إلى الجنة ، طاهرة لم يدنسها رجس في هذه الدنيا ....
- انهارت بعض المباني بسبب القصف، واستهداف المشفى الميداني، وأصيب فيه خالد أبو صلاح إصابة خفيفة ثم نجا من الموت، وسقط (24) شهيداً من الجرحى والأطباء .
- لم نذبح أحداً بالسكاكين ! قال الجندي الإيراني ...
- ولماذا نتعب أنفسنا ؟ الذبح بالرصاص أسهل علينا، أجابه الجندي السوري العلوي...
- لكن الذبح بالسكين أشد إرهاباً، ويخيف الآخرين، قال جندي من حزب اللات .
- هكذا كنا نفعل بأبناء السنة ( النواصب) في بغداد، قال جندي من جيش المهدي .
- وتحت القصف، جمعوا (19) شخصاً من أهالي بابا عمرو ، قيدوا أيديهم وأرجلهم، ومددوهم في الشارع ؛ ثم ذبحوهم بالسكاكين على أيدي الإيرانيين وجنود حزب اللات وجنود جيش المهدي الحاقدين على الشعب العربي السوري .. والشبيحة يصورون بجوالاتهم ليبيعوها للثوار، مع طرق ملتوية كثيرة، يكسبون فيها المال، ويحرص الثوار الذين ينشرونها ليبرهنوا على وحشية الكتائب الأسدية، وتكون أدلة قاطعة بالصوت والصورة، لكنها من جهة ثانية تبث الرعب والخوف في نفوس الشعب كما أراد الشبيحة الذين صوروها وباعوها للثوار .
* * *
الأحد 5 شباط (فبراير) وصلت تعزيزات من آلاف الجنود النظاميين إلى مدينة حمص. ثمَّ بدأ القصف بالهاون على حي بابا عمرو (معقل الجيش السوري الحر في المدينة) في الثامنة صباحاً، وتركز القصف على المناطق السكنية باستخدام راجمات الصواريخ. و الحصيلة النهائية للقتلى ارتفعت لتبلغ 14 قتيلاً.
وتجدَّدَ القصف صباح الإثنين 6 شباط (فبراير)، واستهدف أحياء بابا عمرو والإنشاءات والخالدية متسبباً بانهيار بعض المباني، كما استهدف مشفى ميدانياً في حي بابا عمرو وأوقع عدداً من القتلى، وأصيب خلاله الناشط خالد أبو صلاح الذي كان متواجداً في المشفى. وبلغت حصيلة يوم الإثنين 24 قتيلاً.....
عاد القصف الثلاثاء 7 شباط (فبراير) على بابا عمرو والإنشاءات والخالدية والبياضة، وقد أدى القصف إلى حدوث حركات نزوح كبيرة للسكان من المناطق المستهدفة، في ظلِّ انقطاع للكهرباء والاتصالات عن حي بابا عمرو، حيث أفادت الهيئة العامة للثورة السورية بأن المدفعية وراجمات الصواريخ قصفته بحوالي 500 قذيفة يوم الثلاثاء استهدفت الأبنية السكنية والمساجد وسقط أكثر من 95 قتيلاً و200 جريح.
في يوم الأربعاء 8 شباط (فبراير) تواصل القصف وإطلاق النار على أحياء بابا عمرو والخالدية والبياضة والرفاعي وكرم الزيتون ووادي العرب. وفي صَباح اليوم قطعت السلطات الكهرباء عن مشفى فيه 18 من الأطفال الخدج ؛ ما أدى إلى وفاتهم جميعاً، كما قتلَ 19 شخصاً آخرين من ثلاثة عائلات في حي السبيل بحمص ذبحاً بالسكاكين على أيدي الشبيحة. وفي بابا عمرو، استمرَّ قطع الكهرباء والماء عن الحي واستهدف القصف معظم منازله، وأفادَ ناشطون بأن عدد المنازل التي احترقت جرَّاء القصف المدفعي والصاروخي قد بلغ 30 منزلاً. وبالإضافة إلى ذلك أفاد طبيب ميداني بأن عدد جرحى الحي بلغَ 500 جريح، ويَصعب الوصول إلى العديد منهم لإسعافهم. وقد بلغ إجمالي عدد قتلى الأربعاء في حمص 93 قتيلاً.
تجدَّدَ القصف في يوم الخميس 9 شباط (فبراير) مخلفاً عشرات القتلى، بينهم 35 قضوا في القصف على بابا عمرو، و11 في استهداف قذيفة لمنزلهم بحي الإنشاءات، و3 في كرم الزيتون بعد أن أطلقت عليهم النيران برشاشات متوسطة. وقد ظلَّ العديد من جرحى القصف وإطلاق النار مرميين في الشوارع ونزفوا حتى الموت نتيجة عدم إمكانية الوصول إليهم لإسعافهم أيضاً، شاركت المروحيات العسكرية للمرة الأولى في القصف على أحياء حمص يوم الخميس. وفي المُقابل، قامت قوات الجيش السوري الحر - وفق شاهد عيان - بتدمير 4 دبابات ومدرعة الخميس على مشارف بابا عمرو من قوات الجيش النظامي، كما أن الأهالي تمكنوا من الحصول على بعض المؤن الغذائية والطبية من مجموعة نشطاء جاؤوا من شارع البرازيل المجاور. وأدت عمليات الخميس إلى سقوط 112 قتيلاً في مدينة حمص .
في يوم السبت 11 شباط (فبراير) استمرَّ حصار حي بابا عمرو بقوة تتألف من حوالي ألف جندي، وأدَّى قصف الحي بالرشاشات الثقيلة إلى سُقوط 15 قتيلاً معظمهم في حي بابا عمرو، كما تعرَّض حي كرم الزيتون للقصف واندلعت اشتباكات عنيفة بين الجيش الحر والنظامي في حي الرفاعي، فيما تمكنت القوات النظامية من اقتحام حي الإنشاءات.
تجدَّد القصف لليوم التاسع على حي بابا عمرو في يوم الأحد 12 شباط (فبراير)، حيث سقطت 35 قذيفة خلال اليوم. وأما حي الإنشاءات فقد نُهبت العديد من محالِّه، وصرح طبيب أن المستشفى الميداني في مدينة حمص يُعاني من نقصٍ في المواد الطبيَّة. وبلغت حصيلة قتلى اليوم 34 قتيلاً بينهم 14 عسكرياً منشقاً قتلوا خلال الاشتباكات مع الجيش النظامي. وبحلول الإثنين 13 شباط (فبراير) أغلقت جميع مخابز مدينة حمص أبوابها باستثناء فرن واحد، لعدم توفر الدقيق الذي يصنع منه الخبز،وهو ما تسبَّب بتفاقم الأزمة الإنسانية في المدينة، مع نقص حاد بالمواد الغذائية في معظم مناطقها....
الثلاثاء 14 شباط (فبراير) تجدَّد القصف على حي بابا عمرو، كما أفادوا بأن معدَّل سُقوط القذائف على الحي يُعادل قذيفة كل دقيقتين. وقد أدى هذا القصف إلى سُقوط زهاء 35 قتيلاً في المدينة، بينهم سبعة في بابا عمرو وواحد في الإنشاءات.. وقد تكرر القصف صباح الأربعاء 15 شباط (فبراير) على بابا عمرو موقعاً ستة قتلى. كما اندلعَ صباح اليوم ذاته حريقُ هائل في خط نقل النفط بمدينة حمص الذي يُغذي مصفاة النفط في المدينة، وقد قالت الهيئة العامة للثورة السورية أن النيران اندلعت نتيجة لقصف الجيش على المنطقة، وتلاه تحليق للطيران الحربي بالجوار. وفي يوم الخميس 16 شباط (فبراير) استمرَّ القصف لليوم الثالث عشر على التوالي بمُعدل ست إلى سبع قذائف في الساعة مستهدفاً أحياء بابا عمرو والإنشاءات والخالدية، وفي المساء انخفضت وتيرة القصف ليبدأ إطلاق النار من طرف القناصة على كل من يَتحرك في الشوارع.
يوم الجمعة 17 شباط (فبراير) عادَ القصف على أحياء بابا عمرو والإنشاءات والخالدية وكرم الزيتون، ووصفه ناشطون بأنه كان الأعنف منذ بدء الحملة في 3 شباط (فبراير) الماضي، وتسبَّب بسُقوط ما لا يَقل عن 14 قتيلاً وفي اليوم التالي عُثرَ في المدينة على جثث 9 قتلى مجهولي الهوية. وشهدَ اليوم اندلاع حريق في خزان للبنزين بمصفاة النفط في حمص.
في يوم الأحد 19 شباط (فبراير) سقطَ 10 قتلى في المدينة، بينهم امرأتان توفيتا بالقصف، وثلاثة جنود قتلوا أثناء محاولتهم الانشقاق والالتحاق بالجيش الحر.
وأما الإثنين 20 شباط (فبراير) فقد ارتفع عدد القتلى فيه قليلاً ليبلغ 14، من بينهم أربعة قتلوا في قصف على حيِّ الملعب والآخرون في القصف على بابا عمرو، فضلاً عن سقوط 300 جريح آخرين، كما حلَّقت مروحيات عسكرية فوق الحي لتحديد المواقع التي سيتم قصفها. وقد سقطت 250 قذيفة على بابا عمرو بالمجمل منذ صباح اليوم وحتى المساء، مع تواصل تدفق التعزيزات للجيش من مختلف أنحاء البلاد.
تواصل القصف في يوم الثلاثاء 21 شباط (فبراير)، وقد سقطت خلاله 250 قذيفة على الحي وانتشل أكثر من عشرين قتيلاً من بين الأنقاض. وقد أوقعَ هذا القصف الذي دام قرابة ساعتين ما لا يَقل عن 45 قتيلاً، بالإضافة إلى مئات الجرحى. كما دعت منظمة الصليب الأحمر الدولي إلى إقامة هدنة بين الجيش الحر والنظامي مدتها ساعتان على الأقل يومياً للتمكن من إيصال المساعدات الإنسانية إلى أهالي الأحياء المحاصرين.
في الأربعاء 22 شباط (فبراير) قامت بعض المروحيات العسكرية بالتحليق فوق مدينة حمص، وبعدَ ذلك بقليل بدأ القصف عليه مُجدداً. وقد تسبَّب القصف العنيف بتدمير الكثير من أجزاء حي بابا عمرو، كما استهدفَ أحياءً أخرى منها باب السباع والرفاعي وكرم الزيتون، مع انقطاع تام للاتصالات . وتحليق المروحيات للتحري عن مواقع اللواقط اللاسلكية ثم قصفها براجمات الصواريخ المتمركزة عندَ قلعة حمص، فضلاً عن وصول تعزيزات إضافية إلى الجيش من مدينة دمشق. وقد سقطَ بالمجمل 60 قتيلاً جرَّاء القصف، بينهم الناشط السياسي البارز أحمد السيد، بالإضافة إلى الصحفية الأمريكية ماري كولفين والمصور الفرنسي ريمي أوشليك اللذين قتلا في قصف استهدفَ بناءً كان يَختبئ داخله عدة صحفيين أجانب.
وفي (الخميس 23 شباط (فبراير)) اتَّهم ناشطون الجيش السوري باستخدام صواريخ سكود أرض- أرض روسية الصنع في قصف حي بابا عمرو فضلاً عن أنواع من الغازات السامة، وهي المرة الأولى التي يُفيد فيها ناشطون باستخدام هذا النوع من الصواريخ بقصف المدن منذ اندلاع الاحتجاجات. وجاء هذا القصف مع استمرار حصار الحي لليوم العشرين على التوالي، ووُجود نقص كبير بالمواد الغذائية والطبية وانقطاع تام للماء والكهرباء والاتصالات داخله، كما استهدف قصف الخميس حيي الإنشاءات والخالدية غلى جانب بابا عمرو. وفي اليوم ذاته، وجَّه بعض الصحفيين الأجانب الذين أصيبوا بهجوم البارحة (حين مقتل الصحفية الأمريكية والمصور الفرنسي) مناشدات إلى المجتمع الدولي للعمل على إقامة هدنة تسمح بإخراجهم من حي بابا عمرو المُحاصر، وإيصالهم إلى لبنان حيث يُمكنهم تلقي العلاج. كما أفادوا بأن أطباء الجيش السوري الحر عملوا على إسعافهم بما لديهم، لكن إمكاناتهم الطبية المحدودة ليست كافية لمستوى الإصابات.
في يوم الجمعة 24 شباط (فبراير) تجدد القصف على بابا عمرو موقعاً ما لا يَقل عن 4 قتلى، فيما احتل مئات الأفراد من قوات الأمن والجيش حي الإنشاءات المجاور، وشهد كرم الزيتون قصفاً هو الآخر، مع استمرار تدهور الوضع الإنساني في مُختلف أحياء المدينة. كما وردت تقارير جديدة عن استخدام صواريخ سكود، التي أفاد الناشطون أنها تُطلق على الطوابق السفلية من المباني، لتسبب انهيار المبنى بالكامل بكافة طوابقه...
في السبت 25 شباط (فبراير) وقع قصف عنيف على أحياء بابا عمرو والخالدية والحميدية وباب الدريب وباب تدمر، مما تسبَّب بسُقوط 24 قتيلاً. وانطلقت يوم السبت من حي بابا عمرو ثلاث سيارات إسعاف تابعة له لنقل الجرحى إلى خارجه. في اليوم التالي 26 شباط (فبراير) شهدت المدينة اشتباكات سقطَ جراؤها 8 قتلى من المدنيين و10 من قوات الأمن.
سقط في يوم الإثنين 27 شباط (فبراير) 13 قتيلاً بمدينة حمص، وذلك إثر قصف بابا عمرو وإطلاق النار في حيي الخضر والحميدية.
في يوم الثلاثاء 28 شباط (فبراير) وبعد مُفاوضات استمرَّت لمدة أسبوع تقريباً، بدأ أخيراً إجلاء الصحفيين المصابين في حي بابا عمرو. لكن خلال عملية النقل تعرَّض الموكب للهجوم من طرف القوات النظامية، واضطر بعض الصحفيين إلى العودة لحمص، فيما تمكن الباقون من الوصول إلى لبنان وترك البلاد. وفي اليوم ذاته، أدَّى قصف أحياء بابا عمرو والخالدية والحميدية وكرم الزيتون وباب السباع إلى سُقوط 65 قتيلاً في المدينة.
أخيراً في يوم الأربعاء 29 شباط (فبراير) وبعد قصف عنيف استمرَّ 26 يوماً، بدأت قوَّات الأمن والجيش بمُحاولة اقتحام حيّ بابا عمرو من جهات "ساحة الباسل" وشارع الملعب وحي الإنشاءات، مما أدَّى إلى اندلاع اشتباكات بينها وبين مقاتلي الجيش الحر، وقامت قوات الأمن باستخدام بعض الأهالي كدروع بشرية للتقدم عبر الحي خلال ذلك، كما سقط 4 قتلى أثناء العمليات، كما أعلن مسؤولون أمنيون أن السلطات استعادت السيطرة على المنطقة. لكن على الرغم من هذا، فإن كتيبة الفاروق من الجيش السوري الحر قالت أن ما تمكنت قوات النظام من السيطرة عليه كان مجرَّد منازل مهجورة على أطراف الحي انسحبت منها سابقاً، وأن المنطقة لا زالت تحت سيطرتها، كما قالت أنه في الصباح وعندما كان يستخدم الجيش المواطنين كدروع بشرية، انشق الجنود الذين كلفوا بتلك المهمة في الصفوف الأمامية وفروا، مما أدى إلى انسحاب الجيش بسُرعة وإطلاقه صواريخ سكود على الحي رداً على ذلك. وتزامن ذلك مع تمكن القوات النظامية من قطع طريق سري كانت تُهرب عبره الأغذية والأدوية إلى الحي المحاصر منذ مدة، فيما تجدَّدَ القصف على أحياء بابا عمرو والخالدية والبياضة. ووسطَ كل هذه الأحداث، أعلن الهلال الأحمر السوري فجأة عن وقف كل عمليات الإغاثة في حي بابا عمرو، وسحب كل متطوعيه منه.
يوم الخميس 1 آذار( مارس )، أعلنَ الجيش السوري الحر عن انسحابه من حيّ بابا عمرو "انسحاباً تكتيكياً" حفاظاً على أرواح المدنيين، ونظراً إلى نفاذ الأسلحة. وعلى الرُّغم من ذلك فقد بقيَ بعض مقاتليه في المنطقة على أمل تغطية انسحاب رفاقهم، وحذر الجيش الحر النظام من اتخاذ أي إجراءات انتقامية ضد المدنيين. وقد سقطَ 17 قتيلاً في اليوم ذاته خلال عمليات التفتيش والمداهمات في بساتين بابا عمرو، بينهم 12 ذبحوا بالسكاكين. وعلى الرُّغم من حصول الصليب الأحمر الدولي على موافقة رسمية منذ الخميس بدخول حي بابا عمرو لتقديم المساعدات الإنسانية إلى الأهالي، غير أن السلطات منعته في يوم الجمعة 2 آذار من الدخول، دون تقديم أسباب واضحة، وقد اتُهمت بأن ذلك كان تنظيف آثار العمليات العسكرية فيه. وقد ذُبح 10 أشخاص جدد من أهالي بابا عمرو يوم الجمعة، كما حذر المجلس الوطني السوري من حدوث مجازر في المنطقة بعد انسحاب الجيش الحر. استهدفَ القصف صباح السبت 3 آذار أحياء الخالدية والحميدية وكرم الزيتون والقصور والخضر وجورة الشياح وباب السباع. وأما مفاوضات الصليب الأحمر فاستمرَّت على الرُّغم من أن السلطات استمرت برفض دخول الموكب إلى الأحياء المحاصرة.
منذ انسحاب الجيش الحر من بابا عمرو ودخول القوات الأمنية إليه، بدأت بتمشيط الحي والبحث عن كل الرجال الذين يَزيد عمرهم عن 14 عاماً، حيث تقوم بإعدامهم قسرياً غالباً أو تقوم باعتقالهم وتعذيبهم. كما حدثت حركات نُزوح كبيرة من المدينة، حيث حاول ما يَتراوح من 1,000 إلى 2,500 شخص من أهاليها الهرب منها نحو الحدود اللبنانية فراراً من العمليات العسكرية والقتل والاعتقال. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الاعتقالات العشوائية استمرَّت في حي بابا عمرو طوال الأسبوع التالي، فيما تقطَّعت السبل بالأهالي المهجرين وسط نقص الطعام والوقود والأدوية وبرودة الطقس القارسة.
* * *
- الخميس (1/3) : أعلن الجيش الحر عن انسحاب تكتيكي حفاظاً على أرواح المدنيين، لأن كتائب الأسد تهرب من مواجهة الجيش الحر ، وتبتعد عنها ، ثم تقصف المنطقة بالمدفعية وصواريخ سكود ( وكثير لايصدقون ذلك لكنه حقيقة ) ومدفعية الميدان والهاون ، وتقع الضحايا في المدنيين ، النساء والأطفال .
- كما أن ذخيرة الجيش الحر تعطى بالقطارة ، وتكاد تنفذ ، وبقي بعض أفراده يغطون انسحابه ، وعادة يبقى الأبطال الشجعان .....
- وأمر الملازم أول حسين النواف سريته بالانسحاب إلى خارج بابا عمرو قائلاً :
- المعركة طويلة، والمعركة كر وفـر، والمعركة طويلة لأن أعداءنا كثر ، أولهم الفرس المجوس في إيران والعراق ولبنان ؛ لأن عدونا ممتد من سوريا إلى حزب اللات ، وجيش المهدي ، والحرس الثوري في إيران ، وليس من الصواب أن نقدم جنودنا للموت بسرعة وسهولة، هناك مهمات كثيرة مستقبلاً، سنحتاج فيها إلى الجنود، لذلك أرجو من الملازم أحمد الانسحاب بالسرية إلى خارج بابا عمرو . وسوف أبقى أغطي انسحابكم، كي يكون انسحاباً تكتيكياً مدروساً ومخططاً ....
- وأنت يا سيدي الملازم أول ؟ ألاتنسحب معنا ؟ قال الملازم أحمد ...
- نعم سألحق بكم، بعد أن أغطي انسحابكم، ولعلي أشفي غليلي وأنتقم لخطيبتي الدكتورة حصة يرحمها الله ... سيدخلون بعد خروجكم بالعشرات والمئات، وسيكونون أهدافاً ثمينة للرشاش ...
- إذن سنبقى معك ياسيدي . قال الملازم أحمد .
- أنا آمرك أمراً عسكرياً يا ملازم أحمد أن تنسحب بالسرية، انسحاباً تكتيكياً من حي بابا عمرو، وعهــدي بك تطيع أوامــري يا مـلازم أحمد !!! .عندئذ أذعن الملازم أحمد للأمر وانسحب بالسرية خارج بابا عمرو، وبقي الملازم أول حسين النواف متمركزاً عند أحد مداخل الحي، وقد نصب الرشاش أمامه، وركب فيه شريطاً فيه بضع مئات من الطلقات ...
- سأقتل منهم عــشرة على الأقل بدلاً من الدكتورة حصة يرحمها الله، مع أنها تعادل مائة بل مئات من هؤلاء الأنجاس،يحدث الملازم أول حسين النواف نفسه ...
- ودخلت كتائب الأسد من مدخل للحي بعيد عن الملازم أول حسين النواف، دخلت مزهوة وذبحت الأهالي بالسكاكين، بيد الحرس الثوري الإيراني، المتعطش لدم أهل السنة والجماعة ...وجمعوا الرجال ثم سكبوا عليهم البنزين وأحرقوهم، ثم ذبحوا الأطفال بالسكاكين أمام أمهاتهم، ثم اغتصبوا النساء حتى القاصرات، ثم قتلوهن ...
- وتقدموا من المدخل الذي تمركز فيه الملازم أول حسين النواف، وقد انبطح خلف الرشاش، ويمعن النظر فيهم، ذلك هو الكلب المجوسي الإيراني عبدة النار، وذاك أبواللحية من حزب اللات،وذاك الذي يمتشق السكين، ليذبح الأطفال من جيش المهدي، وكتم غيظه حتى صاروا في المدى المجدي، حيث لايلزم التسديد، فقط يوجه الرشاش ويحركه أثناء إطلاق النار، ليحصد أكبر عدد منهم ...وعند ذلك قال الملازم أول حسين النواف : الله أكبر ...لله وفي سبيله، ووفاء بالعهد للدكتورة حصة، وضغط على زناد الرشاش، وحرك الرشاش يمنة ويسرة ليحصد أكبر عدد من العدو، وتناثر الكلاب المجوس عبدة النار، ثناثروا في الشارع، يصرخون ويعوون مثل الكلاب، بينما حاول بعضهم الهرب، لكن تصويب الملازم أول حسين كان دقيقاً وسريعاً فلم ينج منهم أحد، عشرات الجنود، نثرهم في أرض الشارع، بعضهم ميت، وبعضهم جرحى،لايتسطيعون حراكاً، لذا خرج الملازم أول حسين النواف من متراسه إلى الشارع،بدون وعي، يبحث عن غيرهم، ويرميهم برشاشه الذي لن يشبعه العشرات، وصار يبحث عن القناصة على الأسطحة، وقتل بعضهم حيث لايخطئ التسديد...وبينما كان في وسط الشارع جاءته رصاصة من أحد القناصة فسقط يردد الشهادتين ( أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله )، كانت إصابته في القلب، وكان النزيف غزيراً، لأن القناص الإيراني رماه برصاصة متفجرة، تفجرت داخل صدره، فهتكت قلبه، فاستشهد بعد ثلاث دقائق فقط يرحمه الله ... وأسرعت الطيــور الخضر تتســابق إلى روحـه تحملها إلى الجنة ...وسيلتقي بخطيبته الدكتورة (حصة) وسيجدها بثوبها الأبيض ، حولها الوصيفات من حور العين ، يخدمنها ويزففنها إلى الملازم أول الشهيد حسين النواف ....
* * *
وخلا الميدان لجنود بشار الأسد ، لينتقموا من سكان الحي ، ويأمر قائد الكتيبة جنوده أن يجمعوا في الحال عشرات الرجال من بيوتهم ، ويصفونهم على الجدار في ساحة الحي ، يتفرج عليهم أقاربهم عندما تقطع رؤوسهم بالسكاكين ، سكاكين الجزار .....
وأســـرع جنود بشار ومعهم جنود حزب اللات وجيش المهدي والحرس الثوري، يدقون أبواب البيوت، ويكسرون بعضها، ويجمعون قرابة مائة مواطن من حي بابا عمرو ، لم يسألوا عن أسمائهم ، المهم وجدوهم في حي بابا عمرو ، فيهم الشيخ والشاب والطفل ، أخرجوا بالقوة من بيوتهم ، وأمهاتهم تتعلق بهم ، وتتوسل للجنود أن يأخذوها بدلاً من ولدها ....لكن الجنود يشتمون بأقذع الكلمات ، ويمدون أيديهم بأبشع الحركات...
سنذبحهم بالسكاكين ، كما تذبح الخراف ...يقول قائد الكتيبة ، هيا يتقدم الجنود الجزارون ، ومع كل جزار جنديان يمددان الرجل الخروف على الأرض ، ويهجم الجزار فيقطع رأسه ، ويحاول أن يقطعه بضربة واحدة والضحية يتلوى كالخروف بينما ينزف دمه في الشارع ، الدم الأحمر القاني .....
ومدد الرجال ، ودماؤهم تسيل من الضرب والرفس واللكمات ، ثم يهجم الجزارون ، يقطعون الرؤوس ، ويصفونها مقابل الجثث ....
وصراخ النساء في البيوت يصم الآذان ، ومساكين الذين عندهم نافذة على الساحة ، يتفرجون على ذويهم يذبحون كالخرفان ....
وانتهى الجزارون من مهمتهم، وقائد الكتيبة يمدحهم ويعدهم بالمكافآت على المجهود الذي بذلوه ....وسالت الدماء في الشارع ، تجري كجداول صغيرة ، وتتجمع في حومات كبيرة ....
ونادى قائد الكتيبة بمكبر الصوت أن تأخذ كل أسرة جثة ولدها ، بعد أن تذهب الكتيبة من الساحة ...
* * *
- انسحب المندسون، وعلينا الآن أن نرهب الشعب، يجب أن نقوم بعملنا الذي أوكل إلينا، إرهاب الشعب وإذلاله، عندما نقطع الرأس بالسكين أمام ذويه، وهم يتفرجون على ولدهم ... كي يخضعوا كما خضع آباؤهم في الثمانينات لزعيم الأمة المسلمة حافظ الأسد . قال الجندي الإيراني أميريان .
- نحن جاهزون، نقطع رؤوس الأطفال بالسكين، ونغتصب النساء أمام أقاربهن، وهـذا أكثــر ما يــذل العــرب، كما علمنـا الأخ الأكبر ( أختري) لقد ألح على إذلال العرب... لنجعلهم يخضعون وينهزمون ...أجاب الجندي حسين العلي، من جنود حزب الله .
- ونغتصب الرجال كذلك، وخاصة الشيوخ، قال حمدين الشايب من جيش المهدي ...فهذا أكثر إذلالاً لهم، نغتصبهم أمام نسائهم، ونغتصب نساءهم أمامهم ....
- هذه مشكلة !!من يقدر أن يغتصب الرجال ؟ خاصة الشيوخ ؟ وهم كبار في السن ؟
- ولايهمك، هذا شغلي، ومن أسهل مايكون عندي ... قال حمدين الشايب (وهو يضحك) ...ويبدو أنه تدرب على ذلك في جيش المهدي ...
- في الثمانينات خُطفت الفتيات، ولم يعرف أهلهن خبراً عنهن .... واليوم يجب أن تغتصب الفتيات أمام ذويهن، وتقتل بعد الاغتصاب . قال أميريان .
- أنا لا أستطيع على هذه الأفعال . كيف نفعل هذا أمام الناس ؟؟ قال المجند السوري محمد الجاسم، مجند خدمة إلزامية ....
- وأنا لا أستطيع على ذلك أبداً،وسأحرسكم وأتفرج عليكم فقط ، قال الرقيب سعد خيربك ....واقترب من المجند أبي جاسم وهمس له :
- لانستطيع أن نمنعهم، مفوضون من آصف شوكت بالذات، ويعتقدون أن اغتصاب النساء أمام أزواجهن وأولادهن ،هذه الأفعال ترهب الشعب وتجعلهم يخضعون للحكومة ...
- لكن ياحضرة الرقيب!! أهذا عمل الجيش !!؟؟ أهذه مهمة الجيش العقائدي !؟؟؟
- قلت لك هؤلاء جنود الحرس الثوري الإيراني ، وجيش المهدي ، وحزب الله ، صلتهم مع آصف شكوت مباشرة، حتى قائد اللواء لايستطيع يمنعهم ، يرون هذه الأفعال سوف تذل الشعب وتجعلهم يرضخون للحكومة .....
- قال حمدين الشايب : أنتم تحرسون فقط، وتتفرجون على الرجال كيف يفعلون، ...لعلكم تصبحون رجالاً !! ويضحكون جميعاً ...
- قال محمد الجاسم في نفســه ( لاحول ولاقـــوة إلا بالله )، وعُصرقلبه بالألم الشديد، ماذايفعل ؟ وهو ينتظر الفرصة المناسبة كي ينشق ويهرب عن هؤلاء الأنجاس ... لكنه سيصبر لعل الله يجعل له مخرجاً ...
* * *
هاجر أكثر من نصف السكان من حي بابا عمرو، وفضلوا النوم بالعراء تحت السماء المثلجة، وزمهرير الشتاء، وقد كان هذا الشتاء مميزاً بالبرد والثلج، فضلوا النوم تحت الثلج على الموت تحت ركام العمارة عندما تقع بسبب قذائف الهاون والمدفعية ، وحتى الصواريخ ....
وأصر الباقون على البقاء، كان الوقت شتاء قارساً، وليس من السهل، المبيت في الشارع، تحت السماء، ريثما يحصل المهاجر على مأوى ... وقد امتلأت جميع البيوت، في الأحياء التي لاتقصف، والعائلة التي تحصل على غرفة مستقلة، عائلة محظوظة، أما في الغالب، فتجلس النساء مع بعضهن في غرفة، والرجال مع بعضهم في غرفة أخرى، وإذا توفر مرحاض للرجال وآخر للنساء، فهذا ممتاز في مثل هذه الظروف ...وذكر لي أحد أقاربي في القرية أنه اشترى خيمة كبيرة يجلس تحتها الرجال، بينما تجلس النساء في الغرف مع أطفالهن ....وغالباً تجتمع بضعة أسر في شقة أو دار واحدة ... وهذا ممتاز لأنهم ينامون ولا يقصفون ....ينامون بدون قذائف الهاون، أو راجمات الصواريخ، أو مدفعية الميدان ...
ولابد من الإشادة بأريحية الشعب السوري وكرمه، وتكاتفه في الملمات، إذا صاروا يتقاسمون الرغيف الواحد، الذي بارك الله فيه، وأكل منه عدة أشخاص ....
لذلك أصر أبو أحمد على البقاء في حي بابا عمرو، وأطاعته زوجته، وولده أحمد ذو الخمسة عشر ربيعاً، وابنتهم أروى ذات الثمان سنوات ... كانوا ينامون تحت الدرج حيث المنطقة الأقوى في العمارة إذا سقطت عليها القذيفة ...قذيفة الهاون، أو قذيفة المدفعية، أو راجمات الصواريخ، التي يستخدمها النظام الأسدي ضد شعبه الأعزل لأنه يطالب بالحرية .....وقد شاهد العالم كله العسكري الأسدي يركل المواطن بقدميه بعد أن قيده ومدده على الأرض ويقول باستهزاء ( بدكن حرية ..)
أبو أحمد كما يقولون ( القط بأكل عشاءه ) مسالم أكثر من اللازم أحب أن يتفرد بقراره، لذلك أصر على البقاء في بيته، الذي بناه بعرق جبينه وكد يمينه ...ولم يقدر على مفارقته في الشتاء القارس لينام في العراء ....
* * *
هذا البيت الجميل عسى أن يكون فيه طلبنا،نساء جميلات، ورجال نظيفون ...ويدق حسين العلي من حزب اللات الباب بعنف : افتحوا الباب قبل أن نكسره !...
تقدم أبو أحمد يحوقل ويستجير بالله من شرهم، وفتح الباب ، فاندفعوا مرة واحدة في البيت ....
- انتظروا حتى تتغطى الحريم ؟ قال أبو أحمد .
- ولماذا تتغطى الحريم ؟ أيها الرجعي المتعفن ، أجاب أميريان ..
- وأمسك أميريان بأم أحمد وشدها إليه هذه لي، حصتي، لا أريد غيرها وأسامحكم بالباقي .... فتملصت منه وابتعدت عنه ،كما دفعه أبو أحمد واشتبك معه بالأيدي مدافعاً عن زوجته وعرضه ...ولو ترك رجل لرجل لأكله أبو أحمد ، وقد امتلأ غضباً وحماسة ....
- ابتعد أيها الجبان، وهجم حسين العلي (من حزب اللات ) على أبي أحمد ويهدد: ابتعد عنه وإلا أفرغت في رأسك ثلاث طلقات فقط ...ولكن أبا أحمد استمر يدافع عن عرضه، ويدفع أميريان عن زوجته ، عندئذ ضربه حسين العلي بأخمص البندقية فطرحه أرضاً ، وسال الدم من رأسه ...وبقيت أم أحمد تتصارع مع أميريان .....وهي تتوسل إليه أن يرحمها ويتركها، وتتقدم نحو زوجها تمسح الدم عن وجهه ....
- قلت لك ابتعد ، هل تريد أن تموت ؟ مخاطباً أبا أحمد ؟
- نعم ، أموت شهيداً أمام عرضي ....
- لا ، لا ، لن تموت ، سنريك ماهو أصعب من الموت ، ياكلب يارجعي يا ناصبي ....سنغتصب زوجتك وابنتك أمامك، وأنت تتفرج ياجبان، حتى نحرق قلبك، ونؤدبك فلا يخطر في بالك أو بال غيرك التظاهر والمطالبة بالحرية ...
- حاول أبو أحمد أن يقوم ، فضربه حسين العلي مرة أخرى على رأسه الذي ينزف الدم من الضربة الأولى ....
- تناول أميريان أم أحمد ومزق ثوبها ، وهي تصرخ ، وتتوسل إليه أن يتركها لأنها مريضة ....
- هل أبدأ بابنتك ، ثم أنت بعدها ؟ أم أبدأ بك ثم هي بعدك ؟...ها ....ها ......ها .....
- تصرخ أم أحمد، وتنحب وتتوسل إليه أن لايقترب من ابنتها الصغيرة ....وتتوسل له أن يأخذها إلى الغرفة، أفضل له، كي تكون بعيدة عن زوجها وأولادها .....
- لا ، لا ، أمام زوجك وأولادك أحسن ، كي نذلهم ، فلايفكرون مرة ثانية أن يطالبوا بالحرية ....
- وتتوسل أم أحمد له ، بأن الغرفة أفضل لهما، وأستر بعيداً عن زوجها وأولادها ...
- لا ، لا ، أنت لاتعرفين الهدف، الهدف إذلالك، وإهانتك وإذلال زوجك وإهانته ، وكسر ناموس ولدك حتى يتربى على الذل منذ الصغر فلايفكر بالحرية ، ولاتطالبوا بالحرية بعد ذلك أبداً ...
- ويهجم حمدين الشايب من جيش المهدي على الشيخ أبي أحمد ويقول وهذا حصتي ، ويمسك أبا أحمد ، فيرفسه أبو أحمد على أنفه فيدميه ، ولكنه يمسح دمه ، ويطلب من أميريان أن يساعده ليقيد أبا أحمد، وأم أحمد، وأحمد، وأروى .....ويضحك كالوحش ويقول : كلكم تلزموننا ....واشتد صراخ الطفلة أروى ذات الأعوام الثمانية وهم يعبثون بجسدها الطاهر، ويشتد نحيب أم أحمد التي مازالت تتوسل أن يأخذوها إلى الغرفة بعيداً عن زوجها وأولادها ......
- بعد المباراة الأولى سنتبادل يا أميريان . أليس كذلك ؟ يقول حسين العلي ....وهو يقهقه كالمجنون ....ها .....ها .....ها
- لا،لا، ستكون متعة جماعية، الجميع مع الجميع، اشتراكية وعدالة، لايحرم أحد ....ويسود الضحك ، ضحك الوحوش، بينما يشتد صراخ أروى وبكاء أم أحمد ، وتضرع أبي أحمد لله أن يعجل بموته قبل أن يرى ذلك ......
- ويقترب حمدين من مؤخرة الشيخ المقيد ، ويضحك بجنون ، ويقول : هذا شيخ نظيف متوضأ ....يا سلام ....
- كما يهجم حسين العلي على أحمد، ويمسكه بعد أن قيدوه ، ويقول هذا ابن الشيخ متوضأ أيضاً...وينظر إلى أحمد ويقول: هل أنت متوضأ ؟ الوضوء لازم ياولد ....ويقهقه بالضحك ....
- عندئذ نفذ صبر المجند محمد الجاسم ، بعد أن كبح صبره أياماً طويلة يرى الوحوش تفترس البشر بلا رحمة ولاهوادة ، ويتمنى لو قتل كل هؤلاء الوحوش، وفي كل مرة يكظم غيظه ويؤجل للمرة القادمة، حتى خاف أن تأجيله تسويف وخوف من الموت ، فلماذا يخاف من الموت ؟ أليس الموت شهادة في سبيل الله ، مرت هذه الخواطر في ذهنه المرتجف خلال ثوان .....
- ثم فتح النار من بندقيته الكلاشنكوف، وحصد الجميع ، لأنه لايستطيع أن يجنب الرصاص عن أحدهما وهما ملتصقان ، ولعلع الرصاص ، وتشهد أبو أحمد وأم أحمد،ووصلت الطيور الخضر تحمل أرواحهما إلى الجنة ....ويستشهد أحمد وأروى، ويفطس أميريان وحمدين وحسين العلي ، ويتقلبون في دمائهم كالخنازير، ويسدد الرقيب سعد خيربك البندقية إلى محمد الجاسم فيرديه شهيداً يرحمه الله ....وينتقم لرفاق دربه وسلاحه ....ونصر الوحوش على جريمتهم ، فقد كان حارساً أميناً لهم ....
- ماتوا جميعاً، وبقي الرقيب سعد خيربك فقط ...
- بدلاً من المتعة الجماعية التي أرادها أميريان ، صارت موتة جماعية ، استشهد بعضهم ، وفطس الآخرون ....وهرب سعد خيربك ...
* * *
- وفي يوم (8/3) دخلت مندوبة حقوق الانسان ( فاليري آموس ) حي بابا عمرو وشاهدت العمارات المهدمة ، وبحيرات الدم في الشوارع ، كما رأت بعض الجثث المتعفنة في الشوارع وقالت : رأيت الحي مدمراً بالكامل ... رأيت حي بابا عمرو مدمراً بالكامل .....
- انتهت الرواية -
|
|
|
|