تصويت

ما تقييمك للموقع ؟
 

المتواجدون الآن

يوجد حاليا 143 زوار 
يقولون عن الاخوان

منذ انطلاق الثورة السوريّة والنقاش يدور حول دور حركة الإخوان المسلمين فيها. ولا يخفى على متابع حالة الشد والجذب لدى الشرائح المؤيّدة للثورة لهذا الدور، فمنهم من يعتبره واضحا بالنظر إلى سلوكهم داخل هيئات المعارضة التي تشكلت خلال الأعوام الثلاثّة الماضيّة، ويعكس نتائج المراجعات السياسيّة والفكريّة التي قامت بها الحركة بعد خروجهم من سوريّا. في حين يرى قسم آخر أنه محاط بكثير من الغموض، وأن حراكهم ضمن هيئات المعارضة يهدف قبل كل شيء إلى "امتطاء" العمل الثوري، و"التغطي" بهيئات المعارضة السوريّة لتحقيق أهداف الحركة، وتعظيم منافعها في مختلف الظروف بعض النظر عن المبادئ أو مرتكزات التحالفات التي تقيمها .

من الصعب بمكان تبني أي من وجهتي النظر السابقّة، فكلتاها لها دعائمها ومبرراتها وفق الآتي:

منذ انطلاق الثورة السوريّة والنقاش يدور حول دور حركة الإخوان المسلمين فيها. ولا يخفى على متابع حالة الشد والجذب لدى الشرائح المؤيدة للثورة لهذا الدور، فمنهم من يعتبره واضحا بالنظر إلى سلوكهم داخل هيئات المعارضة التي تشكلت خلال الأعوام الثلاثّة الماضيّة، ويعكس نتائج المراجعات السياسيّة التي قامت بها الحركة بعد خروجهم من سوريا. في حين يرى قسم آخر أنه محاط بكثير من الغموض إلى درجة تجعله، وأن حراك الإخوان وحراكهم ضمن هيئات المعارضة يهدف قبل كل شيء إلى "امتطاء" العمل الثوري، و"التغطي" بهيئات المعارضة السوريّة لتحقيق أهداف الحركة، وتعظيم منافعها في مختلف الظروف وبعض النظر عن المبادئ أو مرتكزات التحالفات التي تقيمها.

من الصعب بمكان تبنيّ أي من وجهتي النظر السابقّة، فكلتاها له دعائمه ومبرراته وفق الآتي:

مراجعات الجماعّة: الدولة المدنيّة والتعدديّة

بعد خسارتهم في المواجهة المسلحة مع نظام الأسد الأب، وخروجهم بشكل شبه كليّ من سوريا بعد مجزرة حماة عام 1982، بدأت قيادات الجماعية بمراجعة نقديّة جديّة لتجاربهم السابقّة، وخاصة فيما يتعلق بخيار "العمل المسلح"، والنتائج التي آلت إليه. لم تكن هذه المراجعات سهلة على الحركة، بل ألقت بظلالها وتداعياتها على البناء التنظيمي للإخوان في الخارج، إذ ظهر صراع وخلافات وانشقاقات ضمنها بين مؤيد لإعادة بناء منظومة التفكير والممارسة السياسيّة للجماعة بالتخلي عن العمل المسلح لصالح العمل السياسيّ التشاركيّ مع باقي أطياف المعارضّة، وبين رافض نقد التجارب السابقّة واقتطاعها من سيرورتها السياسيّة والاجتماعيّة والتي حتمت على الجماعة انتهاج العمل المسلح لافتقاد الهامش اللازم للعمل السياسيّ والتأثير ضمنه.

بالمجمل، وبحسب ما يورد المراقب العام السابق للإخوان المسلمين في سوريا فإن المراجعات التي قامت بها الجماعة عن حقبة السبيعينيات والثمانيينات خرجت بنتيجة مؤداها "أنه كان من الخطأ استدراج الجماعة للمعركة مع النظام".

بعد توريث الحكم في سوريا عام 2000 ووصول بشار الأسد إلى السلطة، حاول النظام امتصاص وطأة "التوريث" بإطلاقه مجموعة من الوعود الإصلاحيّة. وبغض النظر عن هذه الوعود -والتي لم تكن سوى "خدعة" لتثبت حكم الوريث الشاب وإصباغ الشرعية عليه- فإنها خلقت أجواء سياسيّة مختلفة عما كان عليه الواقع في فترة الأسد الأب؛ إذ بدأ حراك سياسيّ وثقافي نخبوي سمي "ربيع دمشق" وخرج عنه وثائق كوثيقة الـ 99، أو وثيقة 1000 والتي حملت ولأول مرة مطالب إصلاحيّة وتغييرية سياسيّة كإطلاق الحريات العامة وعودة المنفيين، والإفراج عن المعتقلين السياسيين، وضرورة الانتقال إلى نظام ديمقراطي تعددي. وجد الإخوان في المناخ السياسيّ السائد أنذاك فرصىة لبلورة المراجعات السابقة في مواثيق ومشاريع تقطع مع الفترة السابقة ( العنفيّة)، وتؤسس لمرحلة جديدة من فكر الجماعة وتوجهاتها السياسيّة. وبالفعل أصدرت الجماعّة في عام 2001 ما أسمته "ميثاق شرف وطني للعمل السياسي"، ويتضمن ثوابت الحركة فيما يتعلق بالمرجعية الدينية والحضارية الإسلامية والعربية. ويطرح هدف بناء الدولة الحديثة والمؤسساتية والتعدديّة، والالتزام بآليات العمل السياسيّ الديمقراطي. واستكمالاً لما سبق، طرحت الجماعة في عام 2004 ما أسمته "المشروع السياسيّ لسورية المستقبل" والذي يتضمن رؤيتها في كثير من القضايا السياسية والاجتماعيّة. ولعل القارئ المتمعن في هذا المشروع يلاحظ بوضوح الرؤية التجديدية التي طرحتها الجماعة لاسيما فيما يتعلق بقبولها الدولة المدنية، ومبدأ الديمقراطيّة والتداول السلمي على السلطة، وتهيئة الظروف لانتقال الجماعة إلى حزب مدني بمرجعية وخلفيّة إسلاميّة بما يتطابق مع توجهات المؤسس مصطفى السباعي والتي كانت أفكاره سابقة لعصرها فيما يتعلق بنظرة الحركات الإسلامية إلى الدولة والمجتمع.

لا يمكن لمتابع للحركات الإسلاميّة إلا أن يعترف بالخطوات الشجاعة التي اتخذتها الحركة فيما يتعلق بمراجعاتها السياسية والفكريّة. وقد ساهم ذلك في اكساب الحركة مرونة جعلتها تتكيف مع الظروف السياسيّة ومتطلباتها إلى درجة تقطع الشك في المزاودين عليها في هذا المجال. ولعل الخطوة الأكثر جرأة وتقدما عن جميع الحركات الإسلامية في الوطن العربيّ هي وثيقة "عهد وميثاق" التي أصدرتها الجماعة في 25 أذار/ مارس 2012، أي بعد عام على انطلاق الثورة السوريّة المجيدة، وأقرّت فيها الحركة بأنها تطمح إلى سوريا المستقبل "دولة مدنية حديثة قائمة على التوافق وعلى دستور مدني تضعه جميعة تأسيسة منتخبة". وتضمن وثيقة "عهد وميثاق" عشر نقاط هي: مدنية الدولة، التداول على الحكم، تعزيز حقوق المواطنة، احترام حقوق الإنسان، المساواة بين الرجل والمرأة، الحوار مع الآخر واحترام تمايزاته، نبذ الإرهاب، سيادة العدل والقانون، سيادة الشعب، التعاون والآلفة والمحبة.

انتهازية في العمل السياسيّ:

على أهميّة المراجعات السابقّة، فإن السلوك السياسيّ للإخوان المسلمين في سوريا ما يزال يلفه كثير من الغموض، والضبابيّة، ويتجاوز في أحيان كثيرة البراغماتيّة السياسيّة إلى انتهازيّة منفرة. لن ندخل في روايات ماضي السبيعينيات والثمانينيات، إذ تتهم شخصيات كانت فاعلة في تنظيم الطليعة المقاتلة التنظيم العام للإخوان باختطاف واحتواء ما يسمونه "التجربة الجهاديّة" وإغداقهم الوعود بالسلاح والتسليح على مقاتلي الطليعة، ومن ثم تركهم لوحدهم في مواجهة النظام، ولكن سنتطرق إلى بعض الحوادث خلال العشريّة الأخيرة وخلال مراحل الثورة.

في تشرين الأول/ أكتوبر 2005، أطلقت في سوريا وثيقة سميت "إعلان دمشق"، ووقع عليها أحزاب التجمع الوطني الديمقراطي، ولجان إحياء المجتمع المدني، وغالبية الأحزاب الكرديّة، وعدد كبير من الشخصيات المستقلة. وعلى الفور أعلنت جماعة الإخوان المسلمين برئاسة علي صدر الدين البيانوني تأييدها الكامل لإعلان دمشق، فضُمت إليه على الرغم من مخاطر جمة كانت تواجه شخصيات معارضة داخل بسبب القانون 49 والذي يحظر نشاط الجماعة في سوريا، ويعاقب بالإعدام منتسبيها أو المتعاونين معها. لكن، وبعد انشقاق نائب الرئيس السابق عبد الحليم خدام عام 2006، خرجت الجماعة من إعلان دمشق، وتحالفت مع خدام ضمن ما سمي آنذاك جبهة الخلاص. لا يمكن للمرء أن يقدم تفسير منطقي لخطوة الجماعة إلا إذا جرى وضعها في إطار انتهازية الجماعة وقياداتها واستعالجها الوصول للسلطة بدون مراعاة للقوى الديمقراطيّة الأخرى التي تحفظت على جبهة الخلاص، وعلى مؤسسها خدام باعتباره أحد رجالات النظام الرئيسيين والذين شاركوا في القمع وترسيخ حكم العائلة الواحدة، وحارب القوى الديمقراطية وربيع دمشق ووصفهم بأنهم أدوات الاستعمار الجديد". هذا عدا عن كونه متهما بكثير من قضايا الفساد والرشوة وغيرها.

وبعد أن تبين للجماعة أن ما ذهبت إليه في تحالفاتها مع خدام لا يعدو عن كونه " سرابًا"، استفاقت وحاولت تصحيح الخطأ السابق ولكن بطريقة راديكاليّة أو ما يمكن أن نسميه " العلاج بالصدمة". فبدون أي مقدمات، وبدلاً أن تقدم الجماعة تنازلات لقوى المعارضة الديمقراطية التي افترقت معها، قدمت الجماعة في عام 2009 تنازلاً هامًا للنظام تمثل بتجميد انشطتهاالمعارضة للنظام. وقد بررت هذا الموقف المفاجئ وغير المفهوم آنذاك " بوقوف النظام إلى جانب حركة المقاومة الإسلاميّة ( حماس) أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة". وندعيّ، أن الموقف السابق لم يكن إلا محاولة لطمس الموقف الحقيقي للجماعة والتي تلمست تغيرات الإقليم والنظام الدولي بعد انتخاب أوباما وخروج النظام السوريّ من عزلته وعودة الاتصالات الإقليمية والدولية معه. وقد ذهبت الجماعة في تنازلاتها إلى حد بعيد عندما عرضت على الأسد الابن أن تصبح " جماعة دعويّة" شريطة عودتها إلا سورية إلا أن الأخير رفض.

ومع بداية انطلاق الثورات العربيّة، أرسلت قيادات الجماعة وعبر أكثر من وسيط رسائل إلى بشار الأسد لفتح حوار معه، وقد استمر هذا التوجه حتى بعد انطلاق الثورة. الأمر الذي يفسر تأخر الجماعة في اتخاذ موقف واضح من الثورة والنظام حتى أواخر نيسان/ أبريل 2011. ومع اتساع الثورة وامتدادها وبروز حراك سياسي معارض نشطت الجماعة وحاولت التحكم بالهيئات الناشئة، وفّعلت ما يسمى "مبدأ الركائز" والمتمثل في أن يكون للجماعة أو مؤيديها القدرة على التأثير في أي هيئة أو حركة بدون أن تظهر في العلن. حصل ذلك في مؤتمر أنطاليا والذي عقد في حزيران/ يونيو 2011، إذ رجحت الجماعة قيادة للمؤتمر تمثلها أو تواليها. حصل ذلك في أول محاولة للمجلس الوطني في أيلول/ سبتمبر 2011 عندما تولى زمام القيادة أشخاص كانوا أعضاء سابقين وموالين للجماعة كأحمد رمضان وعبيدة نحاس وغيرها. وبالطبع لا ننسى أن الحركة شاركت في مؤتمر باريس الذي سمي "نجدة سوريا" وشارك فيه الكاتب الصهيوني برنارد هنري ليفي. الأمر الذي جلب لها انتقادات كثيرة ما دفع الجماعة إلى تبريره بأن ممثلها "ملهم الدروبي" حضر باعتباره جزءا من وفد مؤتمر أنطاليا. وتكرر السلوك البراغماتي للحركة فيما بعد سواء في المجلس الوطنيّ أو في الائتلاف. ولعل أبرز الصور الواضحة هو التناقض الذي حصل بين قرار المجلس الوطني بعدم الذهاب إلى جنيف2، وتصويت الجماعة داخل الائتلاف لصالح حضور المؤتمر. وهو ما أظهر المجلس الوطني كهيئة ضعيفة هشة في طريقها إلى الزوال. أما على الصعيد العسكريّ، فما يزال دور الجماعة ضبابيا ذلك أنها لم تفصح عنه حتى الآن. إذ لا يعرف نشاطا عسكريا للجماعة إلا من خلال هيئة حماية المدنيين أو دروع الثورة المنتشرة في المحافظات والتي تراجعت فاعليتها بشكل كبير خلال العام الأخير.

خاتمة:

إن حركة الإخوان المسلمين هي جزء أصيل من الخارطة السياسيّة السوريّة، ولا يمكن لأي رأي أن يستبعد وجودها وحضورها مهما كان إقصائيا. لاشك أن المراجعات التي قامت بها الجماعة على المستوى الفكريّ والسياسيّ هي مراجعات مهمة وغير مسبوقة على صعيد الحركات الإسلاميّة. لكن التطبيق العمليّ والتجارب لا تتوافق مع هذه المراجعات. من هنا فإن الحركة مطالبة أكثر من أي وقت مضى بتوضيح ما هو مبهم، واعتماد الشفافيّة في العمل السياسيّ، والخروج من إطار الجماعي الضيق باتجاه العمل الوطنيّ بشكل يعزز اللحمة بين الجماعة والقوى الأخرى ويمنع حصول شرخ من شأنه أن يخلق استقطابا على غرار ما حصل في بعض الدول العربيّة. ولعل تفكير الجماعة في إطلاق حزب وطني ذي خلفية إسلاميّة تحت مسمى "وعد" يعد خطوة متقدمة على هذا الطريق شريطة أن يكون حزبا حقيقيا وليس واجهة لقيادات الجماعة.

 

 
RocketTheme Joomla Templates